كتب وبحوث

المربط الصفوي مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية 15

المربط الصفوي مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية 15

إعداد أكرم حجازي

سؤال: ما حاجة الشيعة لـ « ولاية الفقيه»؟

   تؤمن « الإمامية» بوجود اثني عشر إماما، أولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وآخر ذريته محمد المهدي. وهذا الأخير هو في الحقيقة « المهدي المنتظر» عند الشيعة. وتزعم الرواية الشيعية أنه غاب غيبتين:

 الأولى: هي التي تسمى بـ « الغيبة الصغرى». وتبدأ منذ لحظة ولادته، التي كانت سنة 255هـ، أو بوفاة والده الحسن العسكري سنة 260هـ. واستمرت إلى سنة 329هـ. أي مدة 69 سنة. كان الإمام خلالها يتواصل مع شيعته عبر ما سمى بـ « السفراء الأربعة أو النواب أو الوكلاء».

الثانية: هي « الغيبة الكبرى»، فتبدأ من سنة 329هـ إلى حين ظهوره. وتبعا لذلك فقد انقطع التواصل بينه وبين شيعته. ولم يعد ثمة سفراء ولا وكلاء يشكلون أية حلقة وصل بينه وبين شيعته. ويرجع سبب هذه الغيبة إلى خشيته من القتل على أيدي العباسيين الذين كانوا يتربصون به، ويفتشون عنه حتى قبل ولادته لقتله. ونظرا لتعاظم الخطر على حياته فقد اضطر إلى الاختفاء في سرداب بمدينة سامراء العراقية، حيث ولد هناك.

   وتُعلق « الإمامية» كل دينها على هذه الأسطورة. فلا جهاد ولا صلاة جمعة ولا هذا ولا ذاك إلا أن يظهر « الإمام الغائب». أما لماذا فكرة « الإمام الغائب» هي محض أسطورة؟ فلأن الإمام العسكري كان عقيما أصلا! ومات شابا ولم ينجب قط. ولم يرد ذكر « الغائب» في المصنفات التارخية بقدر ما أكدت على عدم ولادته وعقم والده المفترض. والعجيب أنه ولد واختفى في الوقت الذي ظهرت فيه الدولة البويهية (322هـ – 454هـ / 933م – 1066م)، حيث كان بإمكانه الاحتماء بها من أعدائه وخصومه المفترضين. كما كان بإمكانه الاحتماء بالدولة العبيدية. وتوفرت له فرصة أعظم حين ظهرت الدولة « الصفوية» (1501م – 1736م)، باعتبارهاأول دولة شيعية إمامية! بل أن الفرصة مواتية لظهوره الآن في عهد دولة « ولاية الفقيه»! ومع ذلك لم يفعل. فلماذا؟

   الجواب ببساطة: لأنه وهم، غير موجود إطلاقا. أما « المهدي المنتظر» فهو شخصية كائنة لدى « اليهودية» و« النصرانية» والإسلام. وأحاديث الملاحم والفتن كثيرة في كتب الرواة، لكن المسلمين لا يتوقفون عندها كثيرا، ولا يعلقون إقامة الدين عليها، بخلاف « الإمامية». ولا ريب أن أعجب ما في الأمر أنه بدلا من دعوته للخروج من سردابه جاءت « الصفوية» و« الخمينية» لتحكم الإغلاق عليه عبر فكرة « ولاية الفقيه»! وغدا الاجتهاد في وراثة صفاته وقدراته وفضله ومصادرة صلاحياته مغنما[1]! حتى أنه لم يبق له من الأمر شيء إلا أن يتوسل تحريره أو ينتظر الفرج! وهذه نتيجة منطقية لنظرية « الإمامية»، باعتبارها حركة إدارية للمذهب في مواجهة الإسلام، وليست تحقيقا للحق والعدالة. إذ أن نظرية « الإمام الغائب» هي، في المبدأ والمنتهى، المبرر الوحيد الذي يُمكِّن « الإمامية»، وطبقة الكهنوت، من الاستمرار بدعواها إلى أن تقوم الساعة. وبالتأكيد لو حضر « الغائب» سيبطل التيمم، وتنتهي « الإمامية». بينما الإسلام لا شيء يوقفه أو ينقص من قدره. فهو باق إلى قيام الساعة سواء ضعف المسلمون أو تمكنوا .. وسواء ظهر « المهدي المنتظر» أو لم يظهر.

    تحتاج « الإمامية» لـ « ولي فقيه»، لأنها تدرك يقينا أن « المهدي المنتظر» مجرد أسطورة[2] .. لكنها تكبح جشعها، في تحقيق المكاسب المادية والمعنوية، طالما ظلت شؤون الطائفة والمذهب حبيسة عقيدتي« التقية» و« الانتظار». أما التوسع والثأر والانتقام من المسلمين، والتحالف مع الأعداء، والخروج على الدولة الإسلامية، وارتكاب الموبقات، وإشاعة الزندقة والإلحاد، ووقف الجهاد وتعطيل الجماعة، ومخالفة العامة في دينها، والطعن في ذات الله، جل وعلا، واتهام الرسول r، بالعجز والتقصير، وسب ولعن الصحابة، والمس بأعراض آل البيت … فهي أمور لا تحتاج إلى ولي فقيه. فالأحداث والنصوص والوقائع التاريخية تشهد عليها. لكن إذا تم التخلص من « التقية» و« الانتظار» فسيكون من اليسير وراثة « الإمام الغائب» في مكانته وصلاحياته، بحيث تغدو السيطرة على السلطة الدنيوية، باسم الحق الإلهي، من أعظم المكاسب التي يمكن أن تحققها طبقة الكهنوت. بل أن نظرية « ولاية الفقيه» ستعمل على تحرير الطبقة مما قيدت به نفسها تاريخيا، ويجعلها طليقة السراح في أن تفعل ما تشاء بعيدا عن أية قيود مذهبية. وهكذا كان. وفي هذا السياق لا ينفع القول بوجود معارضة قوية أو ضعيفة لدعوى « ولاية الفقيه». فطوال التاريخ كان التشيع يتقدم نحو دين وضعي جديد، دون أن يتوقف في لحظة مراجعة واحدة. فبأي عقيدة أو منطق سيتراجع الآن أو مستقبلا؟

    في مستهل المادة الثانية عشر من الدستور الإيراني، نقرأ ما يلي: « الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثنا عشر، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير». ولا ريب أن كل ما في نص المادة يثير العجب، إلى حد الفضيحة التي لا يمحوها كل التاريخ، إلى أن تقوم الساعة. فالملاحظة الأولى تكمن في العبارة التالية: « الإسلام و المذهب الجعفري»! وكأن إيران تعترف رسميا، وبأرفع نص، أقرته « ولاية الفقيه»، أن فيها دينان هما الإسلام و المذهب الجعفري». أما الملاحظة الثانية التي لا تقل فداحة عن الأولى، فهي التي جاءت في العبارة التالية: « وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير»!!! أي أنها لن تتغير طالما بقيت « ولاية الفقيه» قائمة، وطالما أن « الإمام الغائب» لم يظهر. أما الملاحظة الثالثة فهي العبارة البينية « إلى الأبد». فإذا كانت المادة قد صممت لتبقى « إلى الأبد»، فالسؤال: ما هي « حدود» الأبد؟ هل هي حين ظهور « الإمام الغائب»؟ أم في قيام الساعة؟

   ما قرأناه عن الدستور ويعرفه المتخصصون أن صياغته تحتاج إلى فقهاء وعلماء ومتخصصين في السياسة

 والاقتصاد والتاريخ والاجتماع والثقافة والجغرافيا، وخبراء لغات ولهجات وقوميات وإثنيات ومذاهب، ومحترفين شرعيين وقانونيين، وممثلين عن علية القوم، يدققون بكل حرف وكلمة وموضوع وشأن. ثم يتم عرض النص على العامة من الناس في وسائل الإعلام لتلقي ردود الفعل والآراء، وتوزيعه على المؤسسات والدوائر المعنية، قبل أن يتم التصويت عليه واعتماده ونشره في الجريدة الرسمية. فهل غفل كل هؤلاء عما لاحظناه في المادة 12؟ هل هي سقطات لغوية في النص؟ أم خطأ في الترجمة من الفارسية إلى العربية؟ أم جهل في اللغة العربية؟ أم هي الحقيقة التي يؤمن بها الشيعة؟ وكيف يمكن أن يكون السقوط في نص دستوري مدويا بهذا الحجم والمستوى[3]؟

بحسب المادة الخامسة من الدستور نقرأ النص التالي: « في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقًأ للمادة 107»وهنا يعطي « الولي الفقيه» لنفسه صفة « الولاية» المطلقة على من يفترض أنهم القاصرين. وليس ثمة قيمة لما ورد في المادة 107 وهي تقول:« يتساوى القائد مع كل أفراد البلاد أمام القانون»، طالما أن« المادة 110» تعطيه كل الصلاحيات في:

1) « تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

2) الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.

3) إصدار الأمر بالاستفتاء العام.

4) القيادة العامة للقوات المسلحة.

5) إعلان الحرب والسلام والنفير العام.

6) نصب وعزل وقبول استقالة كل من:

أ- فقهاء مجلس صيانة الدستور.

ب- أعلى مسؤول في السلطة القضائية.

جـ- رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية.

د- رئيس أركان القيادة المشتركة.

هـ- القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.

و- القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.

7) حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاثة.

8) حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.

9) إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث الشروط المعينة في هذا الدستور فيهم، فيجب أن تنال قبل انتخابات موافقة مجلس صيانة الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة القيادة.

10) عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية على أساس من المادة التاسعة والثمانين.

11) العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية. ويستطيع القائد أن يوكل شخصا آخر أداء بعض وظائفه وصلاحياته.

   لعل الموسوي كان محقا حين قارن بين دستور الشاه وهو ينص على أن: « الملكية وديعة الهية أعطاها الله

 للملك عن طريق إرادة الشعب التي تجلت في الاستفتاء العام»، وأحد بنود المادة 110، ربما قبل تعديل سنة 1989، وبحسب الموسوي، تنص على أن: « ولاية الفقيه سلطة إلهية أعطاها الله للفقيه عن طريق إرادة الشعب التي أقرها في الاستفتاء العام»[4]. فما الفرق إذن بين ولاية الشاه وولاية الخميني، إذا كان كلاهما يتمتع بسلطة إلهية ولو نسبية؟ لنتابع الأمر مع خليفة الخميني، لنرى إنْ كان سيفرط بما ورث؟ أم سيحشد ما استطاع من الأساطير للحفاظ عليه من سلطانه المكتسب؟

     ففي الانتخابات الرئاسية سنة 2009 بدا أن المرشد علي خامنئي داعما لولاية ثانية يتولاها أحمدي نجاد، رغم أن كل المعطيات كانت تشير إلى فشله أمام خصمه مير حسين موسوي. لكن ما أن تم الإعلان عن فوز نجاد حتى اندلعت انتفاضة شعبية هي الأعنف في تاريخ جمهورية « ولاية الفقيه». وبدت الانتفاضة في المبدأ والمنتهى ضد « الولي الفقيه» نفسه، الذي أكد فوز نجاد، وغطى على ابنه مجتبى، الذي أشرف على أضخم عملية تزوير لنتائج الانتخابات. لكن بعد أقل من عام على الاحتجاجات، والتنكر لأطروحات « الإمام الغائب» وقرب ظهوره، وكذا الأساطير التي تم ترويجها من جهة ونقضها وإعلان الحرب عليها من جهات دينية أخرى، خرج خامنئي لأول مرة، وفي معرض رده على استفتاءات حول « ولاية الفقيه»، ليفتي على الملأ بما يلي:

    « وفقا للمذهب الشيعي، يجب على جميع المسلمين طاعة الولي الفقيه والخضوع لأوامره، وتنطبق هذه الفتوى أيضا على الفقهاء الشيعة الآخرين ناهيك عن تابعيهم. وفي منظورنا، يعد الالتزام بحكم الفقيه جزءً لا يتجزأ من الالتزام بالإسلام وحكم الأئمة المعصومين».

    ولا ريب أن أميز وأغرب ما في الفتوى أنها صدرت « وفقا للمذهب الشيعي»! وليس « وفقا للدستور»، الذي يبدو أنه خضع لتقية ما، عن حقيقة السلطة التي يتمتع بها « الولي الفقيه»، أو على الأقل تم تجاوزه كلية. ولا ريب أن هذا التصدير أثار حفيظة الحوزات الدينية، التي بدت الفتوى وكأنها تسعى صراحة لإخضاعها إلى سلطته[5]، خاصة وأن ولايته مقيدة بحدود ضيقة. وعلى وقْع التشكيك بأهليته ونزاهته، منذ تولى خلافة الخميني في « ولاية الفقيه»، مما يعني أن فتاواه ليست محصنة، شرعيا وموضوعيا، بما يكفي لمواجهة المراجع العليا، اضطر إلى سحب فتواه من كافة المواقع الإلكترونية! فهو لم يتمتع بلقب « آية الله» ولا بلقب « المرجع الأعلى» الذي حصل عليها بالضغوط أواخر العام 1994. بل أن أكثر ما ناله من الألقاب هو « حجة الله».

    ومع ذلك، وخلال المعمعة، تواصلت مهرجانات الدعم والتنصيب من طبقة الكهنوت، للولي الفقيه الجديد،

 بسلطاته وصلاحياته الإلهية، المعززة باسم « الله» و « المذهب» و « الإمام الغائب». وخرج سكرتير مجلس صيانة الدستور الإيراني، أحمد جنتي، في 27/7/2010، ليؤكد على ما سبق وأفتى به خامنئي واصفا إياه بأنه: « ذخر لأيام الضيق» وأنه مثلما:« كما كان الإمام علي حامي حماة الإسلام القرآني المحمدي فاليوم يقوم ولي الفقيه بنفس المهمة وإلا لم يبق شيء من الإسلام»وفي غمرة الاحتفالات بمولد « المهدي المنتظر»،وردا على من ينفي وجوده، قال جنتي أنه:« يعرف أشخاصا التقوا بإمام الزمان (المهدي المنتظر) وأحدهم يدعى ميرجهاني حيث التقيت به أنا شخصيا»[6]ومع أن التواصل، بحسب «الإمامية» ذاتها، انقطع مع « الإمام الغائب»، بعد « الغيبة الكبرى»، إلا أنه يبدو أن أحد الذين التقاهم جنتي هو ذاك « السفير الخامس» الجديد، الذي تحدثت عنه صحيفة« القبس – 28/1/2011» الكويتية. فقد نقلت عن الشيخ الهمداني زعمه أنه « التقى مؤخراً الإمام الغائب … »،وأنه سأله عن « مكانة وسمعة السيد خامنئي»، فقال الإمام المهدي للشيخ همداني:« إنه من آل البيت ويجب على الجميع طاعته من دون تردد ومن دون أي شك، وكل من يعارضه فهو منافق أو كافر». كما نقلت « القبس» عنصحيفة« روز – 13/5/2011» الإيرانية تصريحا لقائد الحرس الثورييقول فيه:« من يعارض المرشد يعارض الله والرسول وعلاقة نجاد مع المرشد مثل علاقة السيد وعبده»وأدلى آية الله محمد تقي مصباح يزدي بأقوال شركية جسيمة، من نوع: « إن طاعة رئيس الحكومة هي من طاعة الله … إن سلطة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي تأتي من الله وليس من الشعب … طاعة الولي الفقيه من طاعة الغائب التي هي من طاعة الله، ما يجعل الخروج عليه ومعارضته نوع من أنواع الشرك بالله». وفي «عناصر الإحياء في نهضة الخميني» للرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، ورد فيه … أن: « الحكومة، التي هي جزء من الولاية المطلقة لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أحد أحكام الإسلام الأولية، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية، حتى الصلاة والصيام والحجت.. ومن الممكن أن يعطل أي أمر، عبادياً أو غير عبادي إذا ما تعارض مع مصلحة الإسلام، … وإن كل ما قيل حتى الآن، وما سيقال في المستقبل، ناجم عن عدم معرفة الولاية الإلهية المطلقة حق معرفتها»[7]. ولعل آخر الصيحات التي باتت في متناول البحث، مانقلته وكالة « رسا» التابعة لحوزة قم، عن إمام جمعة طهران، كاظم صديقي، حين قال بأن « الإمام الثاني عشر للشيعة أوصى باتباع وطاعة أوامر الولي الفقيه»وأن الإمام المهدي قال بأن« الولي الفقيه هو حجتي عليكم»، مشددا على أن« خامنئي هو حجة الله على الأرض حالياً، لأنه نائب المهدي، والإمام ينوب عن الله أيضاً»[8].

   أكثر تجليات الحضور الفارسي في جمهورية « ولاية الفقيه» لدى عامة المسلمين كان في علم الجمهورية الذي تم اعتماده في 29/7/1980. فما من علاقة موضوعية واضحة تربطه في الإسلام بقدر ما يحاكي شعاره ذات الشعار الكائن في علم طائفة «السيخ» في الهند! المنطقة والطائفة الأكثر شيوعا في نسبة أصول الخميني إليهما. ففي المادة 18 من الدستور: « يتألف العلم الرسمي لإيران من الألوان: الأخضر، والأبيض، والأحمر رمز الجمهورية الإسلامية وشعار (الله أكبر) ».

      أما الألوان فهي ذاتها في علم مملكة الشاه. وبالنسبة لشعار« الله أكبر» ( هكذابالخط الكوفي)، الذي يمتد على حافتي المستطيلين من الداخل فقد جاءت غامضة، كما لو أنها إطار زخرفي، بل أن نوع الخط ليس كوفيا كما ورد في تعريف موسوعة « الويكيبيديا»، وليس فيه أثر من خط « النستعليق» الفارسي، ولا بطبيعة الحال الحرف العربي. ولا ريب أن أي معاين للعلم سيلاحظ تلقائيا أن الشعار هو ذاك الشكل الهندسي الذي يتوسط العلم، وليس العبارة الزخرفية التي يقول الدستور أنها « الله أكبر».

   أما الشكل الهندسي للعلم فلم يأت الدستور على ذكره لا من قريب ولا من بعيد. ولأنه الشكل الوحيد والأميز في العلم فقد كان من الأولى التنصيص على المعنى الذي يحتويه. ولأنه تجاهل الشكل تماما فقد نشطت الاجتهادات في تحليله. فهناك من يقول بأن الشكل هو اسم « الله» الأعظم، وهناك من يقول أنه اسم الإمام « علي»، رضي الله عنه، وثالث يقول بأنه عبارة التوحيد « لا إله إلا الله». وهناك من يدلل على أنه مستوحى من علم الطائفة « السيخية»، فالشكل يبدو من حيث التصميم أقرب إليه من أي تأويل آخر. كما أنه يحاكي علم الشاه. وكل ما في الأمر أنه تم استبدال الشكل الهندسي من أسد يحمل سيفا إلى شعار السيخ. وهكذا يكون الجميع قد قال كلمته في العلم إلا الدستور!لكن هل غفل المشرعون عن علم الطائفة « السيخية» كما « غفلوا» في مواد الدين الرسمي لإيران وجنسية الرئيس وصلاحيات « الولي الفقيه»!!؟

    الراجح أنهم لم يغفلوا عن ذلك. فالعلاقات بين « الإمامية» و« السيخية» جوهرية، من حيث تأثر الطائفتين ببعضهما البعض. فـ « السيخ» كلمة مشتقة من الجذر السنسكريتي، وتعني« التلميذ»وكطائفة، هي مجموعة من الهنود يُنسَب أحيانا تأسيسها إلى شخص يدعى Guru Nanak Dev في ولاية البنجاب الهندية، خلال الفترة ما بين 1469 – 1539. وتشترك مع الرافضة في الدعوة إلى « دين جديد» مستوحى من الإسلام و« الهندوسية»، شعاره « لا هندوس ولا مسلمين». وبحسب أقدم الوثائق « السيخية» المكتوبة باللغة الفارسية، ثمة أدلة بالغة على أن الفرس المجوس، وتحت ظلال الصوفية، نجحوا في خلق الطائفة « السيخية»[9]، التي حذت حذو « المجوسية»، ونكاية في « الهندوسية»، في استحداث دين جديد من الإسلام. وأظهرت، كما « الهندوسية»، عداء شديدا للإسلام والمسلمين. أما الفرق بينهما فهو أن الطوائف الهندية نشطت، ولمّا تزل، ضد المسلمين في الداخل الهندي، في حين نشطت « المجوسية» في الداخل الفارسي والخارج، وفي صلب الدين الإسلامي.

   الأهم في المسألة أن العلم الإيراني هو نسخة منقحة من الشعار السيخي، قام بسرقته  معهد الخميني الدولي «Khomeini IRI». وأن الشكل الهندسي، هو في الحقيقة شعار « كاندا» السيخي. ويورد الكاتب الفارسي Ahreema في كتابه « Pictorial History of Iranian Flags = التاريخ المصور لرايات إيران» صورا عديدة لأعلام إيران، وتفاصيل مثيرة حول علم السيخ ومعاني رموزه. مؤكدا، في الفصل العاشر من الكتاب، بأن الخميني، الهندي الأصل، سرق شعار علم السيخ، الذي لا علاقة له بـ 8000 سنة من التاريخ الفارسي[10].

    بعد كل هذا التاريخ المشين لفارس « المجوسية»، وحربها على الإسلام والمسلمين، تأتي جمهورية « ولاية الفقيه» لتستغفل الناس، باسم الله، ولتقول لهم بأن: « الثورة التي يريدها الله شيعية المنطلق إسلامية الصيغة عالمية الاهداف»[11]. فما شأن الله بمثل هذه الثورة؟ وما حاجة المسلمين بثورة عنصرية، في حين أن (1) هويتها ومنطلقاتها مذهبية، وأن (2) شكلها الإسلامي لا يخفي (3) أهدافها توسعية؟


[1] تقول الشمراني في رسالتها: في السابق كانوا يصفون أئمتهم بصفات الكمال البشري، فبعد أن كان الإمام: « أفضل من جميع رعيته في صفات الكمال كلها من الفهم والرأي والعلم والحزم والكرم والشجاعة وحسن الخلق والعفة والزهد والعدل والتقوى والسياسة الشرعية ونحوها، وبكلمة يلزم أن يكون أطوع خلق الله لله، وأكثرهم علما وعملا بالبر والخير»*، أصبح الفقيه النائب عن الإمام هو من يتصف بهذه الصفات. أما إذا تطورت نظرية ولاية الفقيه في الأزمنة القادمة، فإن هذه الصفات حتما ستتغير وتتطور كي تناسب النظريات المستجدة بعد ذلكعودة إلى: زهرة جمهور علي الشمراني،« التشيع الفارسي وموقفه من المخالفين»، مرجع سابق، ص232. *: نقلا عن: (« تلخيص الشافي للطوسي»، ص٣٢٠، و « دلائل الصدق للمظفر»، ج٢، ص١٧، نقلا عن « الشيعة في الميزان»، محمد جواد مغنية، ص٤).

[2] في سياق تقرير لها عن انتخابات العام 2009 في إيران، أوردت قناة « أخبار الآن»، خبرا طريفا يعتبر بموجبه الرئيس الإيراني الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، « الإمام الغائب» أو المهدي المنتظر خرافة. وقال تقرير « القناة» بالنص: « انتقد اكبرُ هاشمي رفسنجاني، الذي يعدُ من أهمِ رجالِ الدين في إيران، تمسكَ بعضِ الايرانيين حتى الآن بمسألةِ الاعتقاد بعودةِ الإمامِ الشيعي الثانيَ عشر المعروف بالإمام الخفي. ودعا رفسنجاني من يروجُ هذه الافكارَ إلى الجلوسِ إلى العلماء والابتعادِ عما سماها بالخرافاتِ. وتكتسب تصريحات رفسنجانى التي أتت في القناة الثانية الإيرانية أهمية كبيرة لما يتمتع به الرجل من     مكانه مقدرة داخل أوساط الشعب الإيراني. وشدد رفسنجاني على ضرورة أن لا يمتطى الساسة المعتقدات الدينية لمصالح دنيوية مؤكدا على أن الإيرانيين من حقهم أن يعرفوا حقيقة أن المهدى المنتظر والإمام الشيعي الثاني عشر مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة، وستثبت الأيام أنها مجرد أوهام صدقها الإيرانييون. ودعا رفسنجاني من يروج لهذه المعتقدات الجلوس مع العلماء الصحاح ومراجعة أفكاره ومسوغاتها، ومن ثم مخاطبة الشعب الإيراني». على موقع « يوتيوب»http://cutt.us/Ev1C

[3] علاوة على ما بدا ازدواجية واضحة في الهوية الدينية لإيران، فقد اعترض من جهته النائب عن أهل السنة في إقليم بلوشستان، الشيخ عبد العزيز ملا زاده، في مجلس الخبراء خلال كتابة الدستور قائلا للخميني: « إن الدولة الإسلامية لا يوجد لها مذهب رسمي في دستورها، فلماذا تكرسون الخلاف والاختلاف إلى الأبد بجعلكم للبلد مذهبا رسميا في الدستور، ألا يكفي أن يكون دين الدولة هو الإسلام؟ ثم انسحب من المجلس».

[4] د. موسى الموسوي، « الثورة البائسة»، مرجع سابق، ص175.

[5] بالمقارنة مع: « خامنئي: أنا نائب المهدي المنتظر وطاعتي واجبة على الجميع»، 22/7/2010، موقع « العربية نت» على الشبكة: http://cutt.us/H1Kwb

[6] « رجل دين إيراني: الله هو الذي اختار آية الله خامنئي لقيادة إيران .. قال إنه يعرف شخصاً التقى المهدي المنتظر»، 28/7/2010، موقع « العربية نت» على الشبكة:  http://cutt.us/jyjMR

[7] صحيفة« النور»، ج 20، ص 170 ـ 171

[8] محمد المذحجي (إمام جمعة طهران): « خامنئي هو حجة الله على الأرض»، صحيفة« القدس العربي»، 26/2/2016، على الشبكة:http://cutt.us/wYC4T

[9] Ahreema, Pictorial History of Iranian Flags, Iran Politics Club, March 17, 2012, Chapter 10:
Interim Government & Islamic Republic of Iran’s (IRI) Flags. / على الشبكة: http://cutt.us/q5wfk  مع الإشارة إلى أن الكاتب قومي وشديد العداء لجمهورية ولاية الفقيه وللإسلام والعرب على الخصوص.

[10] نفس المرجع أعلاه.

[11] نقلا عن: د. عبدالله محمد الغريب، « وجاء دور المجوس»، مرجع سابق، ص 337.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى