كتاباتكتابات مختارة

أسرار السيطرة على الشعوب (2)

أسرار السيطرة على الشعوب (2)

بقلم مصطفى فاخوري

إن من أهم قواعد السياسة الإعلامية على مدى عصور هي: “إذا لم تستطع التغلب عليهم فأشغلهم”..!. لكن السؤال هو لماذا يريدون إشغالنا وعن ماذا يريدون تَكْميمَنا؟! وبأي الطرق والوسائل يا تُرى يريدون أن يستخدمونها لذلك؟! هل يريدون إشغالنا بالتفاهات والتَّرهات من أفلام ومسلسلات، أو لعله بالمباريات والمسابقات، أو قد يكون بأغاني المطربين والمطربات، والفيديوكْلِبَّات والنساء الخالِعات العَارِيات؟! ولكن في النهاية جميعها تحت عنوان المَلاهي والتَّلاهي عن تَذَوُّق طعم الحقيقة، فتكون لنا الأكاذيب بعد ذلك عَلْقم ومَرارة..!

أنقل لكم ما نَفَضَتْه يداي لِتُظهر من الخفاء فقط… بعض المعلومات التي يجب على كل شخص منا أن يتوسع فيها حتى لا يكون إِمَّعَة لمن ليس لهم قلوب ولا رحمة، فإننا شعوب من الطيبة آخذون وللعُقول تارِكون، يَتَفَنَّن أَعْدائنا بِإثارَتِنا ونحن من الإِثارة غاضِبون، ولكننا.. بعد فَوَران البُركان سَريعًا خامدون!… فعلاً ساذجون. إن من أهم الطُّرق التي تستخدمها وكالات الأنباء والشركات الإعلامية، والسياسيون وغيرهم ليتم صرف إنتباه الشعوب لتحقيق مآربهم الغير مُعْلنة هي كالتالي:

* إشعال فَتيل اللُّحمة الوطنية… يقوم الشعب بتوحيد الصفوف والوقوف يدًا بيد، وتجميد أيَّ خلافات عقدية أو دينية أو سياسية أو حتى عائلية، حتى يكون الوطن والذَّب عنه وحمايته هو أولى من أي حماية فكرية أو آراء تعصبية أو خلافات اجتماعية.

عندما يكون هناك فَساد من جهة ما يتم العمل على تحويل هذا الانتباه إلى شخص أو جهة أخرى هي أكثر فساداً وأعظم جُرْما، وبالتالي يذهب الآخر بجريرة الأول

* تحريك الأَلْسن بالقِيل والقَال… أكثر ما يحسنه الناس في العالم العربي بالذات هو التكلم على الغير وإطلاق الأحكام من دون تثبت ولا حتى إلتزام الصمت أو الحياد!. هنا، يستغل أصحاب الأقنعة الزَّائِفة بأن يثيروا قضية يستغرق تداولها بين وسائل الإعلام فترات طويلة، إن كانت قضية خطيرة أو حتى عادية، المهم إشغال الشعوب بنشر الغسيل المُتَّسِخ إما لأشخاص ينتمون إلى مجال التَّمثيل، أو لاعبين رياضيين، أو فضيحة سياسية، أو فضيحة فساد سلطة حاكمة، وذلك لتمرير القضية الغير المعلنة.

* إلقاء المسؤولية على فرد لكسر جماعة… مثل قائد المعركة، عندما يتم قتله يبدأ انسحاب الجنود تلقائيا. أو إذا كان هناك من الجماعات المعتدلة أو إسلامية حزبية، يقوم أعداءها بتشويه وكسر شوكة كبيرهم ومعتقداته التي بُنِيَت أفكاره عليها، وبالتالي تبدأ الحَلَقات بالتَّساقط، فإذا تمَّ كسر حلقة ضعيفة في السِّلسلة تؤدي بالنهاية إلى كسرها كاملة.

* فيروس التضليل الإعلامي… إذا كانت رغبة أصحاب الأقنعة الزائفة كتم حقيقة ما ليجعلوها في طيَّ الكتمان، يعملوا جاهدين بإِحاطَتِها بالكثير من الأكاذيب والأخبار المُزوَّرة، والعمل بدون كَلَل ولا ملل على بقاء تكرارها وترديدها على الأسماع والأبصار، بهذه الطريقة تنتشر هذه الأكاذيب كالفيروس المُعدي، لتختفي الحقيقة التي يريد أصحابها بِنَسْفِها تماماً.

* تشويه صورة الآخر لصرف الانتباه عن آخر… عندما يكون هناك فَساد من جهة ما، حكومية كانت أو شخصية سياسية، أو صفقة مخفية بين خونة ومسيئي أمانة أو غيرها، والهدف هو صرف انتباه الشعوب عنها ليستمتعوا بها في الخفاء، يتم العمل على تحويل هذا الانتباه إلى شخص أو جهة أخرى هي أكثر فساداً وأعظم جُرْما، وبالتالي يذهب الآخر بجريرة الأول، فيكون الأول من ساعد في إمساك الآخر فيكون هو المنقذ الشريف!! والآخر هو المسرف في خيانة شعبه ووطنه.

* إشاعة السلام الفتاك ألا وهو الخوف… وهي من أهم الطرق التي قد تستخدم لإثارة الطبيعة الإنسانية. هنا تكون الحاجة للتفكير بالحياة الإنسانية أهم بكثير من الخوض في أي أمر آخر، مثلما حدث إثر انتشار مرض إيبولا في أمريكان وما سببه من نوبة قوية من الذُّعر والهَلَع، وما أضاف عليه الجنون الإعلامي هو إشعال فتيل إرهاب الشعوب، وإثارة مشاعر الكراهية على الدول الإفريقية على أنها بؤر الأمراض الخبيثة الخطيرة على العامل أجمع.

وهناك غيرها من الوسائل التي لها تأثير كبير على العقول، ولكن أخطرها هو ما كان خارج منطقة الوعي وإخراج المشاعر والأفعال اللاإرادية، حيث لا يكون هناك سبيل في استيعاب الخير أو قبوله، أو تحمل الشر والهروب منه.

ولا أريد أن أقلل من أي وسيلة إعلامية قد تكون لها تأثير على الجمهور صغيرًا كان أو كبيرًا، فنحن نعلم جميعاً أن التأثير التلفزيوني الأقوى إعلاميا من الوسائل الأخرى، ولكن كلٌّ له عمله. فمثلا أصبح معروفا بشكل كبير أن الحرب التي كانت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا كان صناعها بعض الصحفيين. وأما الإمبراطورية الألمانية حظت بمعظم مشاريعها بالشعبية بفضل ما كان يمتلكونه من الصحف والموجهة لكسب العقول وكسب الرأي العام. والصحف عادة أكثر تأثيراً من الكتب لقلة القراءة مقارنة مع قراء الصحف وما فيها من أخبار عالمٍ أجمع، برؤوس أقلام وبعض الكتابات.

القناعة العقلية تأتي بالتأكيد والتكرار. فإذا كان هناك خبراً قديماً تم نشره، وأصبح مُصَدَّقًا عند غالبية الشعوب وتم تأكيده في مراحله المتقدمة، يكون التكرار البسيط له كافٍ حتى يتم تذكره

لِنُلقي نظرة على قصة النَّصاب الذي أعلن أنه سيقوم بإقراض الأموال بدون أية ضمانات، ليتَهافَت عليه حتى من كان مَشْهودٌ لهم بالعِلم والثقافة العالية وأصحاب مهن راقية، مثل ضباط شرطة ومحامون وقضاة ومنهم قاضي تحقيق وقضاة صلح وكتاب عدل!. ومع ذلك استطاع عن طريق توجيه العقول بأن يُصدِّقوا ما كان مُغايراً للواقع، حتى استطاع أن يَنْصُب عليهم بأكثر من خمسين ألف فرنكاً، وهو المبلغ الذي تم جمعُه بحُجَّة التَّكاليف البسيطة المطلوبة لإنجاز معاملة طلب القَرْض، ولم يَقْرض أي منهم سنتيماً واحداً.

القناعة العقلية تأتي بعاملين مهمين… التأكيد والتكرار. فالاستراتيجية تعمل هنا كالتالي.. إذا كان هناك خبراً قديماً تم نشره، وأصبح مُصَدَّقًا عند غالبية الشعوب وتم تأكيده في مراحله المتقدمة، يكون التكرار البسيط له كافٍ حتى يتم تذكيره في أذهان الشعوب مرة أخرى. وإذا كان الخبر جديداً بعد تأكيده، فيلزم أن يتم تكراره حتى يتم تركيزه بشكل أكبر في العقول لِيَكسب المِصْداقية بعد ذلك. والتكرار في الحالتين يجب أن يصحبه بعض التَّعديل في هيئة الخبر وصياغته حتى يستعد العقل باستقباله بشكل أكبر وعلى هيئة مُنَمَّقَة أكثر.

من القواعد المهمة في الدعاية… أن المنتج مهما كان قديماً، إذا توقفت الدعاية عنه سوف يبدأ بالتدهور. وهذا نفسه ما يَسْتَغِلُّونه أصحاب الإعلام إذا أرادوا تَفْعيل رأي أو خبر مُعيَّن وإعادة التَّذكير به وإثارته مرة أخرى، أو إذا أرادوا طَمْسَه من أذهان الشعوب. هذا فقط القليل مما يمارسه أصحاب الإعلام والإعلان وما تحويه من مقومات لفن الإقناع التي تُشْتَق منها لتأسيس المعتقدات، وبالتالي السيطرة على الأفراد والشعوب. قال الداعية الإسلامي مالكوم أكس: “وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض. لديهم القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي السلطة. لأنهم يسيطرون على عقول الجماهير”.

وللحديث بقية.. في الجزء الثالث والأخير بإذن الله، وسنذكر فيها الوثيقة السرية التي أُسِّست عام 1979 والتي تم اكتشافها في عام 1986، وما تحتويها من استراتيجيات كان يعتمدها أصحاب النفوذ العالمي للسيطرة على عقول ومُقدَّرات الشعوب.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى