تقارير وإضاءات

مقولةُ “صحةُ الأبدانِ مُقَدَّمةٌ على صحةِ الأديان” ليست قاعدةً فقهيةً

مقولةُ “صحةُ الأبدانِ مُقَدَّمةٌ على صحةِ الأديان” ليست قاعدةً فقهيةً

فضيلة الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة

يقول السائل:ما قولكم فيما رددهُ بعضُ المشايخ في زمن “كورونا” أن حفظَ النّفس مقدمٌ على حفظ الدِّين، ويقولون إن القاعدة الفقهية الشرعية تقول:”صحةُ الأبدانِ مُقَدَّمةٌ على صحةِ الأديان” فما صحةُ ذلك، أفيدونا؟

الجواب:

أولاً:القاعدة الفقهية هي:”قضيةٌ كُليةٌ يُعرف منها أحكامُ جزئياتها”.

وعلمُ القواعد الفقهية هو العلمُ الذي يُبحث فيه عن القضايا الفقهية الكلية من جهاتها المختلفة.

[وعلم القواعد الفقهية، من العلوم النافعة التي أبدعها الفقهاءُ لضبط الأحكام الفقهية غير المتناهية، بتأليف قواعد مختصرة تشتمل على فروعٍ كثيرةٍ، فتسهلُ على الفقهاء ضبطَ الفروعِ المتزاحمةِ، واستنباطَ أحكام النوازل، قال ابن رجب الحنبلي في مقدمة كتابه “تقرير القواعد وتحرير الفوائد”: أما بعدُ، فهذه قواعدُ مهمةٌ وفوائدُ جَمَّةٌ، تضبطُ للفقيهِ أصولَ المذهبِ، وتُطلعه من مآخذِ الفقهِ على ما كان عنه قد تَغَيَّبَ، وتنظمُ له منثورَ المسائلِ في سِلْكٍ وَاحِدٍ، وتُقيِّدُ له الشواردَ، وَتُقَرِّبُ عليه كُلَّ مُتَبَاعِدٍ]1/4.

وقال الإمامُ القرافيُّ:[وهذه القواعدُ مهمةٌ في الفقهِ عظيمةُ النفعِ، بقدرِ الإحاطةِ بها يعْلُو قَدْرُ الفقيهِ ويَشْرُفُ، وَيْظْهرُ روْنقُ الفقهِ وَيُعْرَفُ، وتتضحُ مناهجُ الفتاوى وتُكشف…ومن ضَبَطَ الفقهَ بقواعدِه استغنى عن حفظِ أكثرِ الجزئياتِ؛ لاندراجِها في الكلياتِ…] الفروق 1/71 .

وقال الإمامُ الزركشيُّ الشافعيُّ:[وهذه قواعدُ تَضْبِطُ للفقيه أصولَ المذهبِ، وتُطْلِعُهُ من مأخذِ الفقهِ على نهايةِ المطلبِ]. المنثورُ في القواعدِ1/65-66.

وتنبع أهمية علم القواعد الفقهية من أنه يضبط ما تفرق من الفروع الفقهية ويردها إلى أمرٍ كليٍ يجمعها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[لابد من أن يكون مع الإنسان أصولٌ كليةٌ تُردُّ إليها الجزئيات، ليتكلم بعلمٍ وعدلٍ، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذبٍ وجهلٍ في الجزئيات، وجهلٍ وظلمٍ في الكليات، فيتولد فسادٌ عظيم] مجموع الفتاوى 19/203.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:[ومعلوم أن الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان، والأصول للأشجار، لا ثبات لها إلا بها، والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى وينمى نماء مطرداً، وبها تُعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه به كثيراً…من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها، أن أحكامها الأصولية والفروعية والعبادات والمعاملات، وأمورها كلها لها أصولٌ وقواعدُ تضبط أحكامها، وتجمعُ متفرقاتها، وتنشرُ فروعها، وتردُّها إلى أصولها، فهي مبنيةٌ على الحكمة والصلاح]الرياض الناضرة 1/522.

والقواعدُ الفقهية مستمدةٌ من الكتاب والسنة والإجماع، وهي كثيرةُ العددِ، عظيمةُ المددِ، منها القواعدُ الخمسُ الكبرى وهي: الأمورُ بمقاصدها، الضررُ يُزال، العادةُ مُحَكَمَةٌ، المشقةُ تجلبُ التيسير، واليقينُ لا يزول بالشك.

وقد اعتنى العلماء قديماً وحديثاً بالتأليف في علم القواعد الفقهية ومن هذه التآليف: كتاب: “أصول الكرخي الحنفي” ،”تأسيس النظر” للدبوسي الحنفي،”الأشباه والنظائر” لابن نُجيم الحنفي، “القواعد” للمَقَّري المالكي،”قواعد الأحكام ومصالح الأنام” للعز بن عبد السلام الشافعي،”المنثور في القواعد” للزركشي الشافعي،”الأشباه والنظائر” للسيوطي الشافعي ،و”قواعد ابن رجب الحنبلي” وغيرها.

ومن أشهر المؤلفات المعاصرة في علم القواعد الفقهية ” موسوعة القواعد الفقهية” للعالم الفلسطيني الغزي الدكتور محمد صدقي البورنو رحمه الله، وتقع في ثلاثة عشر مجلداً، وهي مرتبةٌ على الحروف الهجائية، وهي نافعةٌ ومفيدةٌ جداً لطلبة العلم الشرعي.

ثانياً: اعتنى الإسلام عنايةً كبيرةً بالصحة الجسمية والنفسية للإنسان المسلم، فقد اهتم الإسلامُ بأن يتمتع المسلمُ بالصحة الجسمية والنفسية، فالمؤمنُ القويُ أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ) رواه مسلم. والحديث يشملُ قوةَ الإيمان بالله عز وجل، والقوةَ الجسمية للمسلم، والحالة النفسية. وبين النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم أن الصحة من نِعم الله عز

وجل وأن كثيراً من الناس مغبونون فيها ومفرطون فيها، فلا يتذكرونها إلا عند المرض، فقال صلَّى الله عليه وسلم:(نعمتانِ مغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصِّحَّة والفراغ) رواه البخاري. ومطلوبٌ من المسلم أن يغتنم صحته قبل مرضه، كما قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه:(اغتنِمْ خمساً قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك) رواه الحاكم والبيهقي في شُعب الإيمان، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب.

وقوله:”وصِحَّتَكَ قبْلَ سَقَمِك”، يعني: اغْتَنِمِ الأعمالَ الصالحةَ في الصِّحَّةِ قبْلَ أنْ يَحُولَ بيْنك وبيْنها السَّقَمُ والـمرَضُ، واشْتَغِلْ في الصِّحَّةِ بالطاعةِ بحيثُ لو حصَلَ تَقصيرٌ في المرضِ انْـجبَرَ بذلك؛ فيَستفِيدُ الإنسانُ مِن صِحَّتِه ما قد يُضْعِفُه المرضُ عنه يومًا مَا. https://www.dorar.net/hadith/sharh/119789

ومظاهر اهتمام الإسلام بالصحة بشكلٍ عامٍ كثيرةٌ، أشير باختصارٍ لبعضها:

أوجب الإسلام الطهارةَ والنظافة، وهما عماد الصحة، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}سورة البقرة الآية 222،وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم. ويشمل الوضوء والغُسل للنظافة الشخصية، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ)رواه البخاري.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته ببناء المساجد في البيوت، وأمر بتنظيفها وتطييبها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:(أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلم ببُنيانِ المساجدِ في الدُّورِ، وأمر بها أن تُنظَّفَ وتُطيَّبَ) رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتنظيف أفنية البيوت وتطهيرها، فقال صلى الله عليه وسلم:(طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِّرُ أَفْنِيَتَهَا)رواه الطبراني في المعجم الأوسط وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة.

وقد شرع الإسلام التداوي، فإذا مرض الإنسانُ أو طرأ عليه ما يخلُّ بصحته، فعليه أن يعالج ما يعرض لصحته من عوارض، وقد دلت نصوصٌ كثيرةٌ على جواز التداوي، منها عن أُسَامَةَ بْنِ شَرِيك رضي الله تعالى عنه قَالَ: (أَتَيْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمُ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فَقَالَ: تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً) رواه البخاري ومسلم.

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الدَّاءِ بَرَأَ بإذْنِ اللهِ عزَّ وجلَّ) رواه مسلم. ولا يتسع المجال للتفصيل في عناية الإسلام بالصحة.

ثالثاً:إذا تقرر ما سبق فإن ما رددهُ بعضُ المشايخ في زمن “كورونا” أن حفظَ النّفس مقدمٌ على حفظ الدِّين، وقالوا إن القاعدة الفقهية الشرعية تقول:”صحةُ الأبدانِ مُقَدَّمةٌ على صحةِ الأديان” كلامٌ فيه نظرٌ، ولا يوجد قاعدةٌ فقهيةٌ بهذا المعنى عند الفقهاء، وما ذكروه فهو من كلامِ العامة، ولا يصح ما زعمه الزاعمون أنها من القواعد الفقهية الراسخة في الدِّين! ومثله قول العامة: “مراعاةُ الأبدان خيرٌ من مراعاة الأديان” وقولهم “صلاحُ الأبدان أولى من صلاح الأديان ” فهذه كلها ليست قواعدَ فقهية.

ومن المعلوم أن هنالك خمس ضروريات جاء دين الإسلام بحفظها والمحافظة عليها وصيانتها وهي: الدِّين، وَالنَّفْسُ، وَالنَّسْلُ أو العِرْضُ ، وَالْمَالُ، وَالْعَقْلُ. قال الإمام الشاطبي:[فَقَدَ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ ـ بَلْ سَائِرُ الْمِلَلِ ـ عَلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ وُضِعَتْ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ، وَهِيَ: الدِّين، وَالنَّفْسُ، وَالنَّسْلُ، وَالْمَالُ، وَالْعَقْلُ. وَعِلْمُهَا عِنْدَ الْأُمَّةِ كَالضَّرُورِيِّ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَنَا ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا شَهِدَ لَنَا أَصْلٌ مُعَيَّنٌ يَمْتَازُ بِرُجُوعِهَا إِلَيْهِ، بَلْ عُلمت مُلَاءَمَتُهَا لِلشَّرِيعَةِ بِمَجْمُوعِ أَدِلَّةٍ لَا تَنْحَصِرُ فِي بَابٍ وَاحِدٍ، وَلَوِ اسْتَنَدَتْ إِلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَوَجَبَ عَادَةً تَعْيِينُهُ] الموافقات 1/38.

وقدَّم جمهور العلماء وخاصةً المحقّقون من علماء المقاصد، الدِّين على النفس، وجعلوه في الرتبة الأولى من الضروريات؛ لأن الدِّين هو الأساسُ الذي تقوم عليه باقي الضَّروريات، ولأن الجهاد هو بَذلُ النفس من أجل إعلاء كلمة

الدِّين، فثبت أن الدِّين مقدَّمٌ على النفس؛ وهو مذهب الغزالي والآمدي والشاطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن مفلح الحنبلي والصنعاني وغيرهم.

قال الإمام الغزالي:[إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يُفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] المستصفى ص 174.

وقال ابن أمير الحاج الحنفي:[ وَيُقَدَّمُ حِفْظُ الدِّينِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى مَا عَدَاهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ قَالَ تَعَالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} سورة الذاريات الآية 56، وَغَيْرُهُ مَقْصُودٌ مِنْ أَجْلِهِ وَلِأَنَّ ثَمَرَتَهُ أَكْمَلُ الثَّمَرَاتِ وَهِيَ نَيْلُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.(ثُمَّ) يُقَدَّمُ حِفْظُ (النَّفْسِ) عَلَى حِفْظِ النَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ الْمَصَالِحَ الدِّينِيَّةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِبَادَاتِ وَحُصُولُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى بَقَاءِ النَّفْسِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ حِفْظُ (النَّسَبِ) عَلَى الْبَاقِيَيْنِ لِأَنَّهُ لِبَقَاءِ نَفْسِ الْوَلَدِ إذْ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ النَّسَبِ فَيُنْسَبُ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهِ وَحِفْظِ نَفْسِهِ وَإِلَّا أُهْمِلَ فَتَفُوتُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا (ثُمَّ) يُقَدِّمُ حِفْظَ (الْعَقْلِ) عَلَى حِفْظِ الْمَالِ لِفَوَاتِ النَّفْسِ بِفَوَاتِهِ حَتَّى أَنَّ الْإِنْسَانَ بِفَوَاتِهِ يَلْتَحِقُ بِالْحَيَوَانَاتِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِ النَّفْسِ وَهِيَ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ قُلْت وَلَا يَعْرَى كَوْنُ بَعْضِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مُفِيدَةً لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِنْ تَأَمُّلٍ (ثُمَّ) حِفْظُ (الْمَالِ] التقرير والتحبير شرح التحرير 3/231.

وقال الشيخ عبد الله العلوي الشنقيطي المالكي في مراقي السعود لمبتغي الرقي والصعود:

دينٌ فنفسٌ ثم عقلٌ نسبُ مالٌ إلى ضرورةٍ تنتسبُ

ورتِّبَنْ ولتعطفَنْ مساويا عِرضاً على المال تكن موافيا

فحفظُها حتمٌ على الإنسان في كل شرعةٍ من الأديان

وقال الآمدي:[ فَمَا مَقْصُودُهُ حِفْظُ أَصْلِ الدِّين يَكُونُ أَوْلَى نَظَرًا إِلَى مَقْصُودِهِ وَثَمَرَتِهِ مِنْ نَيْلِ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ حِفْظِ الْأَنْفُسِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودًا مِنْ أَجْلِهِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}… وَكَمَا أَنَّ مَقْصُودَ الدِّين مُقَدَّمٌ

عَلَى غَيْرِهِ مِنْ مَقَاصِدِ الضَّرُورِيَّاتِ، فَكَذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَقْصُودِ النَّفْسِ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ الضَّرُورِيَّةِ.] الإحكام 4/275-276 .

وهنالك قولٌ آخر في المسألة بتقديم حفظ النفس على حفظ الدِّين، وهذا القول مرجوحٌ وإن كان له حظٌ من النظر، وعلى كلا القولين فإن حفظ النفس من مقاصد الشرع، وهو من الضروريات الخمس التي دلّت عليها نصوص الكتاب والسنة دلالةً قاطعةً على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها، فحفظُ نفس الإنسان يأتي في المرتبة الثانية بعد حفظ الدِّين على الراجح من أقوال العلماء.

وخلاصة الأمر:

أن علمَ القواعد الفقهية هو العلمُ الذي يُبحث فيه عن القضايا الفقهية الكلية من جهاتها المختلفة.

وأن القواعدُ الفقهية مستمدةٌ من الكتاب والسنة والإجماع، وهي كثيرةُ العددِ، عظيمةُ المددِ، ومنها القواعدُ الخمسُ الكبرى.

وأن العلماء قديماً وحديثاً قد اعتنوا بالتأليف في علم القواعد الفقهية.

وأن من أشهر المؤلفات المعاصرة في علم القواعد الفقهية ” موسوعة القواعد الفقهية” للعالم الفلسطيني الغزي الدكتور محمد صدقي البورنو رحمه الله، وتقع في ثلاثة عشر مجلداً، وهي مرتبةٌ على الحروف الهجائية، وهي نافعةٌ ومفيدةٌ جداً لطلبة العلم الشرعي.

وأن الإسلام قد اعتنى عنايةً كبيرةً بالصحة الجسمية والنفسية للإنسان المسلم، وقد اهتم الإسلامُ بأن يتمتع المسلمُ بالصحة الجسمية والنفسية،فالمؤمنُ القويُ أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف.

وأن مظاهر اهتمام الإسلام بالصحة بشكلٍ عامٍ كثيرةٌ.

وأن ما رددهُ بعضُ المشايخ في زمن “كورونا” أن حفظَ النّفس مقدمٌ على حفظ الدِّين، وقالوا إن القاعدة الفقهية الشرعية تقول:”صحةُ الأبدانِ مُقَدَّمةٌ على صحةِ الأديان” كلامٌ فيه نظرٌ، ولا يوجد قاعدةٌ فقهيةٌ بهذا المعنى عند الفقهاء، وما ذكروه فهو من كلامِ العامة، ولا يصح ما زعمه الزاعمون أنها من القواعد الفقهية الراسخة في الدِّين! ومثله قول العامة: “مراعاةُ الأبدان خيرٌ من مراعاة الأديان” وقولهم “صلاحُ الأبدان أولى من صلاح الأديان ” فهذه كلها ليست قواعدَ فقهية.

وأن هنالك خمس ضروريات جاء دين الإسلام بحفظها والمحافظة عليها وصيانتها وهي: الدِّين، وَالنَّفْسُ، وَالنَّسْلُ أو العِرْضُ ، وَالْمَالُ، وَالْعَقْلُ.

وأن جمهور العلماء وخاصةً المحقّقين من علماء المقاصد، قدَّموا الدِّين على النفس، وجعلوه في الرتبة الأولى من الضروريات؛ لأن الدِّين هو الأساسُ الذي تقوم عليه باقي الضَّروريات.

وأنه يوجد قولٌ آخر في المسألة بتقديم حفظ النفس على حفظ الدِّين، وهذا القول مرجوحٌ وإن كان له حظٌ من النظر.

وأنه على كلا القولين فإن حفظ النفس من مقاصد الشرع، وهو من الضروريات الخمس التي دلّت عليها نصوص الكتاب والسنة دلالةً قاطعةً على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها، فحفظُ نفس الإنسان يأتي في المرتبة الثانية بعد حفظ الدِّين على الراجح من أقوال العلماء.

والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى