الإسلام وحقوق الأخوة

الإسلام وحقوق الأخوة

بقلم يسري المصري

إن الأخوة في الإسلام من أهم عوامل ثبات القلوب واطمئنانها وسكينتها، فهو عقد يرعاه الله شاهداً وموثقاً له من فوق سبع سموات، ومجزياً الصادقين في إخائهم بجنة عرضها السموات والأرض، والاستظلال بظله يوم لاظل إلا ظله، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه: (واثنان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) (رواه الشيخان)، فهي جائزة كبرى لما تمثله من عماد البناء للقلوب، وصدقها ومدى توافقها، وتجرّدها في حبها لربها.

ولما كانت الحياة تفرض أحياناً أوامرها ومشكلاتها على العباد، فإنه من الطبيعي أن تهتز هذه الأخوة وتزول حقوقها عند البعض، إما بجهل أو بجهالة أو عمداً، ونعوذ بالله من هذا الصنف لذلك رأيت أن أكتب في هذا الموضوع المهم من باب “وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، ونحن كمؤمنين أحوج ما نكون للإخوة الصادقة والعمل بحقوقها، وجعلها واقعاً ميدانياً لا إلكترونياً، بحيث تنحصر على منصات التواصل بكلمات المدح والقسم بالحب في الله مجرداً بلا شيء، لكن عندما يتحول الأمر للميدان، تجد النكران والإعراض والنفي، وأحياناً الرغبة في عدم الرؤية.

إن حقوق الأخوة كثيرة ومهمة، وقبل الشروع في التفاصيل، لا بدّ من التأمل في هذه الحادثة التي تعكس عمق الأخوة وقوتها.

-“إخاء سعد وعبد الرحمن”

كلنا تعلمنا في المحاضن وعلى كتب السيرة حتى حفظنا مواقف الصحابة والحب الصادق بين المهاجرين والأنصار، وكم كان أهل المدينة وعاء صادقاً لإخوانهم المهاجرين الذين تركوا أموالهم وبيوتهم خلفهم في مكة بفعل شدة الوطأة القرشية عليهم، وكثيراً ما نذكر موقف الكريم الأنصاري “سعد بن الربيع” مع المهاجر “عبد الرحمن بن عوف”، وكم احتضنه وعرض عليه نصف أمواله، ونصف ممتلكاته العقارية، بل وعرض عليه زوجاته، وطلب منه أن يختار ما يشاء حتى يطلقها في ملحمة أخوية لا تحدث إلا في مجتمع بايع الله ورسوله، وفطن لعظمة الأخوة وحقيقتها، بل وأوجدها واقعاً ميدانياً بلا تزييف أو تجميل كاذب.

وأنا يقيناً لا أنفي هذه النوعية بل أثق في وجودها، لكن ربما تحت مظلة سماء أخرى غير أوطاننا، والأكيد أنها مثالية غابت عن واقعنا -إلا من رحم ربي-، لكن ليكن كل أخ منا “سعد بن الربيع” بصدقه و”عبد الرحمن” بعفته، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون العاملون بفهم حقيقي للرسالة وإن عجزت أن تكون سخياً كسعد، فلا تكن بخيلاً بلسانك في التخفيف والدعم المعنوي.

أما أبرز حقوق الأخوة، فتتمثل بالآتي:

أولاً- الدعاء:

إن الدعاء بظهر الغيب من أشمل علامات الحب الصادق، سواء في حياة الأخ أو بعد مماته، وهذا من علامات الراحة .

فكم من صاحب رسالة أمسى بين التراب، وما زالت دعوات محبيه تصله تباعاً حباً وعرفاناً له، وما أعظمها من علاقة تواصليّة سجّلها ربنا في كتابه فقال: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}[الحشر، الآية:10]، ثم التأكيد النبوي على الدعاء بظهر الغيب، يقيض الله ملكاً ليؤمن وراءه، ويقول: “ولك بمثله”، ويقيناً هذه النفحات في الدعاء ليس إلا لكونها متجردة صادقة بلا مقابل دنيوي، أو سعياً لذكر بمدح.

ثانياً- التذكير بالطاعات:

رحم الله عمر بن العزيز، عيَّن في مجلسه شخصاً بمهمة محددة، قال له كلما رأيتني حدت عن الطريق أمسك بتلاليب ملابسي وقل: “اتق الله ياعمر فإنك ستموت كذلك”. فالأخ هو الناصح والمذكر، وأحقّ من ينصحه ذلك الذي أحبه في الله، فنجاته جنة له، وهداية المرء خير مما تطلع عليه الشمس، وخير من حُمْر النَّعم، فما بالنا لو كان أخاً لك في طريق واحد، وفكرة واحدة، ورسالة واحدة!

فتركه بلا تذكير تخلٍ عن المهمة الربانية لصاحب الرسالة وهي التبليغ والتبشير، ونحن جميعاً أصحاب ذنوب وأصحاب أخطاء، لكن خير الخطائين التوابون، وهذه التوبة يقيناً لن تأتي إلا بمن يشد من الأزر، ويحتوي وينصح ويدعو بالهداية وصلاح الحال.

ثالثاً- صفِّ قلبك:

قديماً قالوا: “من صفى صفي له”، والمعنى واضح، فالشخص مطالب أن يكون صفياً من داخله لكل من يحب، فضلاً عن إخوانه الذين لقيهم في طريق الله، فاجتمعوا على الحب في الله وتفرقوا عليه ، والإنسان بصفائه للغير يكون صادقاً في التعامل، وحبه لهم واضح، فلا مصلحة دنيوية تجعله يتحامل أو يجامل، ولا بغض يجعله يتمنى لهم الداء والعلل، ولا كيد يتمنى أن يسقطوا في منتصف الطريق؛ لينال هو المدح وليرضي غرور نفسه، فتلك ثلاثية الهلاك، وعلى كل صاحب رسالة أن ينتبه لقلبه وينقيه ويصفيه بكثير من الدعاء، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، وهي محل نظر الله عزو جل، ثم في صفائها حسن سريرة وراحة بال، ولنا في قصة “عبد الله بن عمرو” مع الرجل الذي بشّره النبي بالجنة ثلاثاً، فصحبه حتى يرى ما يزيد من أعماله، فلم يجد إلا مايفعله أو أقل، لكنه قال له في ختام الأيام الثلاثة: “غير إني أبيت وليس في قلبي شيء لأحد”، وبهذا فاز وبشر بالجنة، فمن يسمع وينفذ ياقومنا؟

رابعاً- تحمل ولا تتربص:

إن المرء مهما كانت درجة فهمه للإخاء بل للحياة عموماً، فمن الوارد حدوث “هفوات”، فكلنا أصحاب أخطاء وذنوب، لذلك فالأخ الصادق في إخائه هو ذلك الهيّن الذي يجبر هذا التقصير، وذاك الضعف، ولا يتربص بأخيه ويسمع بما فعل، ويحول الأمر لباب قدح في خلقه وسلوكه، فهذا من العوار في الإخاء والله لا يرضى عن ذلك.

فالستر والتغاضي من علامات حسن المودة بين الأحبة، ولما كانت العاقبة مؤلمة لما تحدثه من شرخ في العلاقة، وجفاء أخوي قد يطول ويتبعه فراق وخصام، فقد حرص الإسلام ورغّب في الصفاء والتواصل الأخوي المتجرد بلا عائد دنيوي -كما ذكرنا سابقاً- بل جعل هذا الحب ممن أوثق عرى الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب والبغض في الله) (رواه الطبراني)، وعليه فغير مقبول من صاحب الرسالة تلقف الأخطاء والهفوات، وجعلها حديث الساعة، فهذا خلق ذميم لا يأتي من خلفه إلا كل خصام وخلاف وتباعد في مسافات القلوب.

ختاماً، نحن نكتب كل ما يشدّ من تواصل الدعاة وأصحاب الرسالات، ويجعل الواقع مثمراً والقلوب نقية، والسعي لرضا الله غاية حقيقية تحققها الأخوة الإسلامية بين جميع المسلمين بكل حب واتباع لمنهج النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي أسس مدرسة للإخاء، لما في ذلك من استقرار نفسي وقلبي للمسلمين، لذلك فالأمر هام وخطير، وعلى الجميع أن يعي حجم دوره، ويثبت صدق إخائه في نفسه أولاً، ثم يجعله واقعاً يخدم على تواجده وتوسعه بكل حب وصدق وتجرد.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى