تقارير وإضاءات

JP: حملة التطبيع بدأتها زيارة ابن سلمان لتل أبيب في 2017

JP: حملة التطبيع بدأتها زيارة ابن سلمان لتل أبيب في 2017

قالت صحيفة جيروزاليم بوست؛ إنه على النقيض مما هو متداول أن موجة اتفاقات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، التي سرت ما بين تموز/ يوليو وكانون الأول/ ديسمبر2020 أثمرت صورا تذكارية تاريخية، إلا أن اللحظات الحاسمة التي غيرت المسار حصلت في الفترة من 2017 إلى 2019، ومما علمته الصحيفة أيضا أن المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم أنها نفسها لم توقع اتفاقا بعد، كانت باستمرار هي الطرف الأهم في الموضوع، في إشارة إلى زيارة ابن سلمان السرية إلى تل أبيب في 2017.

وقالت الاستخبارات الإسرائيلية؛ إن زيارة ابن سلمان إلى تل أبيب في أيلول/ سبتمبر 2017 كانت نقطة تحول حقيقية.

وفي مقاله المنشور هناك، قال يوناه جريمي بوب؛ إنه من أجل فهم ما جرى في 2020 من الضرورة فهم “الدور الذي أداه رئيس الموساد يوسي كوهن مع السعوديين من وراء الكواليس، وما الذي حصل في الفترة من أيلول/سبتمبر إلى تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 ثم في تموز/ يوليو  من عام 2019”.

وتاليا المقال كاملا كما ورد في الصحيفة وترجمته “عربي21”:

يوناه جريمي بوب

إذ تغادر إدارة الرئيس ترامب المنصة يسارا، آن لنا أن نسلط الضوء على حكاية صفقات التطبيع التي أبرمتها إسرائيل حتى الآن.

وهناك في الحكاية جزء بالغ الأهمية لم يتم تأكيده.

على النقيض مما هو متداول، وعلى الرغم من أن موجة الصفقات التي سرت ما بين يوليو (تموز) وديسمبر (كانون الأول) 2020 أثمرت صورا تذكارية تاريخية، إلا أن اللحظات الحاسمة التي غيرت المسار حصلت في الفترة من 2017 إلى 2019، كما علمت صحيفة ذي جيروزاليم بوست. ومما علمته الصحيفة أيضا أن المملكة العربية السعودية، على الرغم أنها نفسها لم توقع اتفاقا بعد، كانت باستمرار هي الطرف الأهم في الموضوع.

جزء كبير من التكتم على هذه النقاط له علاقة برئيس الموساد يوسي كوهين – الذي كانت معظم أعماله تحاط بالغموض إلى أن ألقى خطابا مهما في يوليو (تموز) من عام 2019 – الذي كان يقود الحراك الذي يشرف عليه مباشرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

تعددت الروايات حول من الذي بدأ بدحرجة الكرة بين إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وحول متى كانت لحظة التحول الحاسمة.

بالطبع جزء من الإجابة المركبة، هو أن كل واحد من البلدان في ذلك الثالوث – إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة – قام بدوره.

وكذلك، كل واحد من البلدان التي جاءت فيما بعد قدمت مساهماتها التي ساعدت في صياغة التراتبية حول من سينضم (إلى مسيرة التطبيع) في عهد ترامب، ومن سيمارس لعبة “ننتظر ونرى”.

ولكن حتى نفهم جيدا ما الذي جرى في عام 2020، ستقوم مصادر المخابرات الإسرائيلية إن من الضرورة بمكان، فهم الدور الذي أداه كوهن مع السعوديين من وراء الكواليس، وما الذي حصل في الفترة من سبتمبر (أيلول) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017 ثم في يوليو (تموز) من عام 2019.

تقليديا، كانت التطورات السرية مع البلدان التي لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل تقع باستمرار ضمن صلاحيات الموساد.

وفي هذا الشأن، علمت صحيفة ذي جيروزاليم بوست أن كوهين ميز نفسه منذ تسلمه مهام منصبه في يناير (كانون الثاني) 2016 ليس فقط من خلال تحديد الأهداف، وإنما أيضا من خلال إنشاء وحدة أنيطت بها مهمة التركيز على إنجاز هدف التطبيع.

بدأت ترد تقارير في منتصف الفترة التي قضاها في منصبه، تفيد بقيام كوهين برحلات إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، وغيرها من البلدان التي لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ولكن في الحقيقة، كان كوهين قد بدأ جولات سفره في وقت مبكر.

كانت هناك ممهدات مثل تلك النشاطات التي قام بها الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي يعقوب أميدرور والمدير العام السابق لوزارة الخارجية دوري غولد. كما كان هناك العديد من الشخصيات الأخرى من جهاز المخابرات الإسرائيلي، ممن لم يكن معهودا أن يشاركوا في نشاطات مع البلدان الأجنبية، ثم أشركوا بطرق مهمة في هذه اللعبة خلال السنوات الأخيرة.

كان أحد التغييرات المثيرة للاهتمام في هيمنة الموساد على موضوع التطبيع يتعلق بالسودان وبالمغرب.

كان كوهين هو تقريبا الشخصية المهمة الوحيدة التي مهدت الطريق مبكرا نحو إبرام التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة، التي جلبت السعوديين ليصبحوا داعمين بقوة لهذا التوجه، حتى وإن لم يقوموا هم أنفسهم بتجاوز الخط بشكل رسمي.

وكان هو أيضا، منذ وقت مبكر، الوسيط فيما يتعلق بكل من السودان والمغرب.

ولكن، عند لحظة غير محددة على الطريق باتجاه تطبيع العلاقات مع هذه البلدان، كان من أدى دورا محوريا في إتمام هذه الصفقات هو رئيس مجلس الأمن القومي مائير بن شابات، ممثلا بمن يرمز له بحرف “آر” أو “موعاز”، أحد عملاء الشين بيت الذي كان “معارا” لمجلس الأمن القومي.

بن شابات وموعاز، بحسب معلومات أدلى بها الصحفي باراك رافيد، ومعهم أيضا محامي بريطاني إسرائيلي اسمه نيك كوفمان، كانت له علاقات مع السودانيين بفضل خبرته في التعامل مع بعض قضاياهم في محكمة الجنايات الدولية، هم من ساعدوا في تمهيد السبيل وإزالة ما كان فيه من عقبات.
لم ينف كوهين أن بن شابات وموعاز قدما مساهمات في مساعي التطبيع تلك، وساعدا في إنقاذها في أكثر من مناسبة عندما كانت الولايات المتحدة والسودان يصلان إلى طرق مسدودة مؤقتا.

ولكن علمت صحيفة ذي جيروزاليم بوست أنه حتى حينما كان بن شابات ومن يرمز له بحرف “آر” يعملان في موضوعي السودان والمغرب، كانت وجهة نظر كوهين أنه كان ما يزال هو “مدير المشروع” في مساعي التطبيع، وأنه إنما كلف هؤلاء بتنفيذ بعض المهام التابعة للمشروع.

وحسب رواية كوهين، فإن مشاركته المباشرة في التخطيط للقاء الذي جمع بين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان في أوغندا في فبراير (شباط) 2020، وكذلك وجوده الشخصي هناك في أثناء اللقاء، إنما يثبت أن معظم الأعمال المهمة كانت ما تزال في يده، قبل أن يبدأ فيما بعد بتوزيع بعض مهام التنفيذ على آخرين.

إضافة إلى ذلك، وحتى حينما كان بن شابات وموعاز وأعضاء فريقهم يساعدون في إطفاء الحرائق طوال الطريق، كان كوهين ما يزال هو الممسك بعجلة القيادة، على الأقل جزئيا، يرتب لاجتماعات إضافية بما في ذلك مع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال محمد حمدان داغالو، الذي انتشر خبره على نطاق واسع في أغسطس (آب) 2020.

وكانت التقارير طوال النصف الثاني من عام 2020 تتحدث عن جولات مكوكية، يقوم بها كوهين في منطقة الخليج وفي غيرها.

بشكل أو بآخر، كما تقول المصادر، يفضي ذلك إلى رؤية جديدة لموجة التطبيع التي سرت في الفترة من يوليو (تموز) إلى ديسمبر (كانون الأول) من عام 2020.

يسود انطباع بأنه لم تكن ستأتي أية موجة حتى يوليو (تموز) 2020، وأن الموجة لربما لم تأت لولا الجهود التي بذلها كل من سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، والسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر، وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، ومساعده آفي بيركوفيتز، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل دافيد فريدمان وتشكيلة أخرى من اللاعبين، الذين توصلوا فجأة إلى صيغة سحرية، هي التي مهدت فيما بعد لإبرام صفقات التطبيع الثلاث الأخرى.

مع الاعتراف بكل الجهود التي ساهمت في إنجاز اتفاقيات أبراهام، إلا أن رواية كوهين شيء مختلف تماما.

تعود الأحداث كما يسردها هو إلى خطابه المهم الذي ألقاه في يوليو (تموز) من عام 2019 في مؤتمر مركز هيرتزليا للدراسات المتعددة، حيث قال في ذلك الخطاب: “لقد تعرف الموساد في هذا الوقت على فرصة نادرة، لربما كانت الأولى في تاريخ الشرق الأوسط، للتوصل إلى تفاهم إقليمي من شأنه أن يفضي إلى اتفاق سلام إقليمي جامع”.

وأضاف: “يتيح ذلك فرصة سانحة لربما لا تتكرر من بعد”.

رغم أن خطابه حظي بتغطية إعلامية واسعة، إلا أن شيئا لم يتمخض عنه مباشرة. في الواقع لم يتمخض عنه شيء إلى ما بعد ثلاثة عشر شهرا، ومعظم الناس رأوا فيه مجرد تكرار لنقاط كانت تصدر من حين لآخر عن نتنياهو وتشكيلة أخرى من الوزراء.

بل حتى إن سلطنة عُمان نشرت تكذيبا لنقطة وردت في خطاب كوهين قال فيها؛ إن الموساد مهد السبيل من أجل “تجديد الروابط مع سلطنة عمان وإقامة تمثيل على مستوى وزراتي الخارجية في البلدين”.

أشارت المصادر إلى أن من وجهة نظر كوهين، كان ذلك الخطاب هو النقطة المهمة.

أي إنه لم يكن يقصد أن يعظ سامعيه بعبارات ملؤها التطلع والتخمين كما يفعل بعض الوزراء الآخرين، الذين كانوا يرددون بعضا مما يسمعونه من هنا أو هناك.

بل كان كوهين يقدم تقييما واقعيا لما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، لعلمه بشكل مباشر أن ذلك آت لا محالة.

لم يكن بإمكانه التنبؤ متى سيكون ذلك بالضبط، ولكنه علم بأنه ساعد في إقناع السعوديين وكذلك الإماراتيين بأن التطبيع هو السبيل إلى الأمام، وأنهم حتما سيجدون اللحظة المناسبة لذلك.

والسبب في أنه كان بإمكانه إلقاء ذلك الخطاب في يوليو (تموز) 2019، كما علمت ذي جيروزاليم بوست، هو أنه – وللمفارقة – مع أنهم لم يكونوا بعد قد تجاوزوا خط التطبيع رسميا بأنفسهم، إلا أن السعوديين كانوا هم المفتاح، وكانوا ملتزمين بذلك الخط.

وبهذا المعنى، تشير مصادر جهاز المخابرات الإسرائيلي أن نقطة التحول الحقيقية كانت تلك الزيارة التي قيل؛ إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قام بها إلى تل أبيب في سبتمبر (أيلول) من عام 2017.

بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017، كان قد نجم عن ذلك تلك المقابلة التاريخية التي أجرتها وسيلة إعلام سعودية مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك غادي أشكنازي، التي أعلن خلالها عن أن إسرائيل كانت حينها تتبادل المعلومات الاستخباراتية السرية حول إيران مع الرياض.

في ضوء ذلك، كان بإمكان من يعملون داخل المؤسسة مثل كوهين رؤية الزخم، وهو يتنامى باتجاه ما جرى من أحداث في عام 2020، رغم أنها لم تكن حينذاك محتومة، وذلك قبل وقت طويل من وصول المؤشرات على ذلك إلى الرأي العام.

ثم لماذا لم يلق كوهين خطاب يوليو (تموز) 2019 حينذاك في عام 2017؟

تشير المصادر إلى أن الخطة كانت تقضي أولا بضمان انضمام بلدان أخرى إلى المسيرة حتى تصبح مثل الموجة.

كان من شأن الدعم السعودي في أواخر عام 2017 أن أعد الأرضية للموساد حتى يحقق نجاحا أكبر في بناء تلك الموجة على مدى الثمانية عشر شهرا التالية، بما في ذلك زيارات يقوم بها نتنياهو وغيره من الوزراء الإسرائيليين إلى البلدان المختلفة.

ولربما يقول رئيس الموساد الحالي؛ إن الشهور التي شهدت إبرام اتفاقيات التطبيع هي الشهور التي كان مقدرا لها أن تشهد ذلك، وما ذلك إلا لأن كل ذلك إنما كان جزءا من رؤية عامة غايتها تحقيق أهداف مشتركة، ضمن إطار خطة إدارة ترامب للشرق الأوسط.

لم يكن أحد يعلم يقينا من كان سيفوز بانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إلا أن الجميع كانوا يعلمون بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن (الذي كان حينها المنافس على الرئاسة عن الحزب الديمقراطي)، كان لديه فرصة قوية للفوز.

إذن من تلك الوجهة، كان ينبغي لموجة التطبيع أن تبدأ في موعد لا يتجاوز شهر سبتمبر (أيلول) تقريبا، وكان شهر يوليو (تموز) هو أقصى موعد بإمكانها أن تبدأ فيه، لو أريد ترك مجال لمجموعة من البلدان حتى تنضم ويكون لانضمامها وقع كبير.

ولكن، كان لا بد من منح الفلسطينيين فرصة أولا للقبول بخطة إدارة ترامب للسلام، التي ظلت تتأجل بسبب الانتخابات الإسرائيلية، إلى أن تم الكشف عنها أخيرا في يناير (كانون الثاني) 2020.

ومنذ ذلك الوقت وحتى يوليو (تموز) 2020، ومع دفعة من النشاط التعاوني بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في شهر مارس (آذار) حول فيروس كورونا، غدت المسألة مسألة توقيت.

وأيضا من وجهة النظر تلك، وبالرغم من أهمية المجموعة المشكلة من كوشنر وفريدمان وبيركوفيتس، وكذلك العتيبة وبن شابات، وموعاز وفريقه، إلا أن القفزات الكبيرة كانت قد أنجزت من قبل جهاز الموساد بالتواصل مع السعوديين في 2017، وكان يجري التسريع بها في الوقت الذي كان كوهين يلقي خطابه في يوليو (تموز) 2019.

لا يمكن إنكار حقيقة أن الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وفريق بن شابات كلهم ساعدوا في إطفاء حرائق كبيرة اندلعت، وكلهم استخدموا أفكارا من خارج الصندوق لإيجاد فرص جديدة.

لن يضير الموساد أن يتوزع الفضل على الجميع، فما من شك في أن مقاربة إدارة ترامب في إبرام الصفقات بين إسرائيل وجيرانها بأي ثمن، أوجد فرصا ما كان لها أن تكون موجودة بدونها.

بالإضافة إلى ذلك، لم تتحقق جميع التوقعات التي تنبأ بها كوهين.

فبعد أن يذكر اسم سلطنة عمان في عام 2019، ذكر في خريف 2020 في كلام موثق له؛ أن سلطنة عمان ستوقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد.

بالرغم من كل ذلك، لا بد من التنويه بأن العناصر الأمريكية الأساسية التي أنقذت وأنجدت ووقعت اتفاقيات أبراهام في 2020 لم تكن تحتل مواقع داخل الإدارة الأمريكية في عام 2016، وكانت مازالت في عام 2017 تتلمس الخطى وتتعرف على تضاريس المنطقة، أي إن الموساد هو الذي كان قد قام بنفسه بتمهيد السبيل.

ولكن، وإلى حد بعيد، إذا كان الكثير من تنبؤات كوهين – التي تبدو جسورة – في عام 2019 حول التطبيع قد تحقق، فلربما كان ذلك لأنه من منطلق أنه المخرج والمنتج، كان يمسك في يده بجل النص.

(المصدر: عربي21 نقلاً عن صحيفة جيروزاليم بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى