كتب وبحوث

مؤشرات التطرف لدى الشباب

بقلم أسامة شحادة

مع استفحال مشكلة التطرف والإرهاب بين الشباب أصبح من الضروري البحث عن حلول عملية استباقية لمواجهة المشكلة في بداياتها، ومن هنا جاءت مبادرة د. عبد العزيز بن عبد الرحمن الهليل،لبحث ودراسة مؤشرات التطرف عند الشباب في رسالته للدكتوراه والتي تقدم بها للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

ولم يكتف بذلك بل قام بتلخيص رسالته الأكاديمية لتخرج في كتاب متوسط الحجم يسهل تداوله في المجتمع لكونها مؤشرات استباقية تخاطب الأسرة، وقد صدر الملخص في 80 صفحة من القطع المتوسط، ضمن سلسلة دراسات لمركز دلائل بالرياض سنة 1437هـ.

فكرة الكتاب هي وضع بعض المؤشرات الفكرية والسلوكية التي تكشف للأسرة مبكراً عن تأثر أبنائها بفكر الغلو والتطرف، ما يساعد على سرعة العلاج والوقاية قبل التورط الكامل بتقبل منظومة التطرف والغلو أو الأعمال الإرهابية.

قامت الدراسة على بحث ميداني في المجتمع السعودي من خلال استبيانات أجاب عليها خبراء في التعامل مع أصحاب الفكر المتطرف، وبعض الموقوفين أمنيا على خلفية قضايا الغلو والتطرف، وبعض المتراجعين عن فكر الغلو، وبرغم خصوصيتها بدراسة الواقع السعودي إلا أن فيها مقدارا كبيرا مشتركا مع العديد من الدول والمجتمعات الأخرى.

وبعد تحليل الاستبيانات وصل الباحث إلى مجموعة من المؤشرات التي يشير وجودها لاحتمالية وجود تأثر بفكر الغلو والتطرف مما يستدعي اليقظة والمتابعة والوقاية والعلاج، وقسّم هذه المؤشرات إلى أربعة مجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، والفكرية، وسنعرضها بإيجاز:

1- المؤشرات الاقتصادية

– التغير في الوضع المالي سلباً أو إيجاباً، حيث تختفي نقوده دون مبرر واضح، أو يغتني دون سبب، أو التخلي عن بعض المقتنيات الثمينة أو ظهورها فجأة، وكذلك ممارسة أنشطة خيرية بطريقة غير رسمية أو واضحة.

– ممارسة أنشطة تجارية مشبوهة.

– العزوف عن العمل الحكومي مع توفره، والاتجاه نحو التجارة البسيطة كبيع الخضار والعسل وما شابه، وتبرير ذلك بشبهات شرعية حول مشروعية العمل الحكومي.

– استغلال العمل الخيري لأعمال غير صحيحة، أو استباحة المال العام لصالح جهات أخرى.

2- المؤشرات الاجتماعية

– عدم مشاركة الفرد في المناسبات الاجتماعية، وقلة الخلطة بالمنزل مع الأهل، ومرافقة أشخاص غير معروفين أو يبدو عليهم التشدد والغلو.

– قطع العلاقات والصداقات السابقة بطريقة مفاجئة.

– اتخاذ أصحاب جدد في الواقع أو عبر النت مشبوهين أو متشددين.

– الذهاب مع الغرباء لرحلات برية باسم الصيد، أو لصلاة الجمعة عند خطيب محدد لديه تشدد.

– عقوق الوالدين وقطيعة الرحم وكثرة المنازعات مع الأسرة، وتزايد النقد للوضع العام والعلماء والقادة.

3- المؤشرات النفسية

– الانطوائية عن الأسرة والأصدقاء، ومتابعة مواقع النت المتشددة والغالية.

– التوتر والقلق والخوف عند ذكر أجهزة الأمن أو جرائم الغلاة.

– الوسواس والشك والاكتئاب مالم يكن له سبب معروف.

– اختلال السلامة النفسية وظهور سلوكيات غريبة كإطالة الشعر وترك حسن المظهر.

وهنا يمكن أن نضيف مؤشرين يخصان المجتمع الأردني وما يشبهه:

– ارتداء اللباس الأفغاني أو غطاء الرأس بالألوان غير المألوفة (البنى والرمادي والأخضر)، أو الطاقية السوداء (طاقية الزرقاوى).

– ترك الصلاة في المساجد خاصة صلاة الجمعة وفي رمضان.

4- المؤشرات الفكرية

– التكفير، للمجتمعات والدول والقادة والجرأة على تكفير المعيّن، وتمني الانتقام منهم.

– الغلو بتقديس بعض رموز تيار العنف والقتال.

– تبني رؤية متطرفة تجاه الرياضة والبنوك والوطنية، والتركيز على السلبيات والتفسيق والتخوين.

– التشدد والميل للغلظة في القول والعمل والمعتقد.

– أحادية الرأي والتصلب فيه ورفض آراء الآخرين.

– الاعتماد على الرؤى والأحلام وتحميلها أكثر مما تحتمل.

– إسقاط الرموز العلمية والشرعية والسياسية.

– التجرؤ على الفتوى مع عدم القدرة العلمية خاصة في القضايا الكبرى.

– تتبّع الزلات وإشاعتها بهدف التنقيص من الدولة والعلماء وغيرهم ممن يعارضون أفكار الغلو والتطرف.

ونضيف بخصوص مجتمعنا المحلى:

– رفض العمل السياسي السلمي للإصلاح والتغيير.

هذه هي المؤشرات التي يجب أن تنبّه الأسرة لحدوث خلل لدى أي فرد فيها مما يستدعي تدخلها، علمًا بأن للأسرة عدة أدوار، دورين منها قبل حدوث مشكلة الغلو والتطرف الأسرة هما:

1- الدور البنائي بدايةً بالتنشئة السليمة للأطفال دينياً واجتماعياً، بتعليمهم مبادئ الإسلام الصحيحة المنافية للغلو والتطرف، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين.

2- الدور الوقائي بترسيخ مفهوم التفكير النقدي للأفكار والسلوكيات، وإشاعة ثقافة الحوار بين أفراد الأسرة، ومتابعة صداقاتهم وقناعاتهم، وتوجيههم نحو عمل الخير والعلم النافع.

وهناك دوران للأسرة بعد حدوث مشكلة الغلو والتطرف فيها، هما:

3- الدور العلاجي بالنصح والإرشاد بأسلوب حسن ومؤثر، وبيان النتائج السلبية لما يقوم به، وأنه مخالف لعادات الأسرة وتاريخها، وتفنيد القناعات الخاطئة، ومحاولة إبعاده عن رفقائه، والعقاب إذا اقتضى الحال، ورفع الأمر للجهات المختصة إذا لزم الأمر.

4- الدور الرعائي وهذا يكون بعد عودته للأسرة لمتابعة إصلاحه، فعليها تشجيعه وتصبيره ومعاونته بالتفاؤل والمستقبل، وإشعاره بتقديره لذاته، وإظهار مشاعر العطف والتراحم، والحرص على مشاركته في المناسبات الاجتماعية.

إن مجتمعاتنا الحاضرة والتي تعاني من مشكلة الغلو والتطرف تحتاج إلى تلخيص مثل هذه الدراسات بأساليب متنوعة وتعميمها على الأسر والآباء والأمهات ولا تبقى حبيسة الجدران والأرفف في مكاتب المسئولين، حتى نخطو فعلا نحو محاربة التطرف والغلو وصيانة فلذات الأكباد من شرورهما. 

(موقع الأمة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى