كتب وبحوث

مناقشة لكتاب: يوما ما كنت إسلاميا!

مناقشة لكتاب: يوما ما كنت إسلاميا!

قراءة مصطفى صقر

في البداية.. استفزني العنوان كثيرا… ولم أرغب بقراءته فضلا عن اقتنائه…

إلا أن ما يتم اقتباسه من بعض فقراته عند بعض الشباب، ومنهم الصديق المثنى باسم الغزاوي دفعني إلى معاودة قراءته، خاصة أن هذا الكتاب تم تأليفه إبان الانقلاب العسكري الذي جرى على أول رئيس مصري مدني في التاريخ الحديث د. محمد مرسي (رحمه الله تعالى)، وصعود الثورة المضادة على مخرجات الربيع العربي أواخر 2013م…

الكتاب يحاكي تجربة شاب نشأ بين الإخوان واتصل بالسلفية وانخرط مع الثوريين واستمع للحضاريين (ويقصد بهم من كان يتابع محاضرات د. سليم العوا و د. هبة عزت)، وزار غزة والتقى بالشهيد د. نزار ريان واعتقل حال عودته، وشارك في أكاديمية السويدان في ماليزيا، وبعد الانقلاب أصبح كاتبا إعلاميا ينزع نزعة يسارية.

حينما تشرع في قراءته يجذبك الأسلوب القصصي الجميل، ويشدك تتابع الأحداث والأفكار، خاصة أنه يقوم مقام دراسة سيسيولوجية لواقع الشباب الذين تربوا وانخرطوا في التيارات الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي، وينقل لك بعض التفاصيل الدقيقة التي تشعرك بدفء هذه المجتمعات وأشواقها وتربيتها، وهو ما زكى به الكاتب مجتمع الإخوان المسلمين الداخلي، فلم يستطع -رغم تحوله اليساري وسخطه على الإسلاميين- إلا أن يجزم بأن ما يتربى عليه شباب الحركة الإسلامية هو ما يقيهم من الانحراف الخلقي والشذوذ الفكري…

حاول أن يطرح الكاتب نفسه على أنه جمع بين النزعة العلمية السلفية وحركية الإخوان وذوقيات التبليغ وثورية اليسار وعقلية الحضاريين، مما دفعه إلى أن يترك الجميع لعدم تلبيتهم طموحاته، فوجد نفسه وحيدا وغريبا يتجه نحو العزلة أو الانكفاء إلى حد ما…

إلا أن مآلات ما يطرحه الكاتب هو أن من يتحمل المسؤولية الكاملة عما جرى من انتكاسة للحرية وانقلاب على الشرعية هي الحركة الإسلامية (بشكل أو بآخر)، إن كان من عدم مشاركتها من اليوم الأول لثورة الخامس والعشرين من يناير، وصولا لعدم المشاركة في أحداث شارع محمد محمود، أو حتى كذلك عدم قدرتها على إدارة مصر بعد الانتخابات، مستبعدا (بشكل مقصود أو غير مقصود) كل الأسباب الداخلية والخارجية، المحلية والاقليمية والدولية التي مارست كل ما يحل ويحرم في تفتيت الثورة المصرية وكل مخرجاتها، مما يجعل الكتاب (كتاب جلد للذات) وليس (تقويم للذات) …

مما شدني في الكتاب، محاولة البحث عن فكرة الثورة في العقلية الإسلامية، وهي محاولة جريئة للغاية، خاصة أن مصطلح الثورة وما يعكسه من صور الدماء والاشلاء بعيد كل البعد وسطية الإسلام، بل إن مفتاح العقلية الإخوانية الحركية هو الإصلاح، لأنها طرحت نفسها كحركة اجتماعية سياسية سلمية ضاغطة، مما يحتم عليها الدخول في مفاصل المجتمعات لدعوتها بالحسنى، ولكسبها في معركتها التدافعية مع الأنظمة الفاسدة والمستبدة، محمّلة إياها (أي هذه الأنظمة) ضريبة استخدام العنف لاحتكارها قانونيا للسلاح، ولتبتعد هي وشبابها من أتون هذا الفكر الثوري الذي قد يلتحم مع بعض الرؤى المتطرفة ليولد حالة مثل داعش…

ويبدو أن هذه الفكرة جعلت الكاتب ينحو نحو اليسار بعدما تخلى عن نزعته (الإسلامية) …

ولكن تبقى محاولته الجريئة في نقاش فكرة (الجمع بين عقلية الثورة ومآلاتها الدموية السريعة واستخدام أدوات الإصلاح وهدوئها الآمن في البيئات البطيئة) أمر في غاية الضرورة والأهمية، فالواقع العربي لا يحتمل التأخير من الناحية التنموية (بشريا وموارد) وفي نفس الوقت لا يحتمل القفز في الهواء دون حساب الوقوع في وحل الدماء…

هذه وجهة نظري، ولا ألزم بها أحدا…

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى