تقارير وإضاءات

مقال بنيوزويك: لا علاقة للاستبداد بمبادئ الإسلام

مقال بنيوزويك: لا علاقة للاستبداد بمبادئ الإسلام

يرى باحث أميركي أن القوانين المعاصرة السائدة في العديد من الدول العربية التي تشهد احتجاجات شعبية ليست وليدة مبادئ الشريعة الإسلامية، بل هي متأصلة في التشريعات التي سنها الاستعمار البريطاني في مصر.

ويقول الباحث في المجلس الأطلسي الأميركي للدراسات الدولية إتش أي هيلير إن جذور القوانين في مصر على سبيل المثال تعود إلى عام 1914 عندما كانت البلاد ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني.

ويضيف أن تلك القوانين سنت بتحريض من قوات الاحتلال البريطاني آنذاك لكبح احتجاجات المصريين ضد البريطانيين.

ويستطرد في مقال كتبه بمجلة نيوزويك قائلا إن التقاليد الإسلامية لا تأمر بفوضى من غير نهاية بل على العكس من ذلك، لكن هناك مسافة كبيرة بين ما يسميهما “الفوضى المتناهية والاستبداد الدائم”.

ويشير إلى أن تلك المسافة تقلصت بصورة منتظمة في حقبة الاستعمار لصالح الاستبداد ثم تواصل تقليصها في عهود ما بعد الاستعمار.

الخروج على الحاكم
ويؤكد هيلير أن منظومة الاستبداد والطغيان تتناقض تناقضا عميقا مع المنطق الداخلي القائم على علم الكلام في التقاليد الإسلامية.

وينطلق الباحث الأميركي في إقامة حجته من وقوف الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك شاهدا في إحدى جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي التي عقدت مؤخرا.

ويزعم هيلير أن هناك قاسما مشتركا بين الرجلين ألا وهو أن مناصريهما “الدينيين” اعتبروا أن التمرد عليهما محرم شرعا و”خروج على الحاكم”.

على أن هذا الظن لم ينطلق من “عاطفة جوفاء”، بل عبر عنه مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة حين صرح إبان ثورة 2011 الشعبية في القاهرة بأن “الخروج على الشرعية حرام، حرام، حرام”.

ويقول هيلير إنها لن تكون المرة الأخيرة التي يذعن فيها لمفهوم ما قبل الحداثة الخاص بالقانون الإسلامي التقليدي، وقد جرى توظيفه في الخطاب السياسي المعاصر.

ويشدد على أنه ما فتئ يرى هذا المفهوم يستثمر في الخطاب السياسي في أرجاء المنطقة بطرق تنم في الأغلب على ما يبدو عن “افتقار إلى السياق والاتساق وصحة الوقائع التاريخية”.

ومع ذلك، فإن هذا المفهوم يفيد بكل تأكيد في أحايين أخرى في تشجيع مناخات تتيح للاستبداد النماء والازدهار، ومن المفارقة أنها تعرض حتى الثقافة الإسلامية نفسها للخطر.

وبحسب المقال، لم يقتصر استغلال تلك الأداة على أنصار الأنظمة الاستبدادية التي واجهت ثورات الربيع العربي، فقد أكد هيلير أنه سمع المنافحين عن حكومة الإخوان المسلمين في مصر يستخدمون الحجة ذاتها بالضبط ضد المحتجين المدنيين في 2012 وهي أن معارضة الزعيم الشرعي للبلاد حرام شرعا.

وبعد أقل من عام ادعى نفس علماء الدين الذين عارضوا الاحتجاجات على مبارك بذرائع دينية أن التظاهر ضد الإخوان المسلمين جائز شرعا.

تبرير الاستبداد
وبعيدا عن كل ذلك ثمة سؤال مهم يطرح نفسه هو: هل يجوز لمنطق “الخروج على الحاكم الذي يعود للعصور الوسطى” أن يوظف بدقة لتبرير استبداد حديث من قبل أي طرف، وتسويغ أي رد فعل ضد المعارضة وبأي قدر من القوة؟

وباعتقاد هيلير أن تلك الحجج هي التي ينبغي لعلماء الدين استجلاؤها وسبر أغوارها أكثر مما فعلوا حتى الآن.

لكن بغض النظر عن هذا النقاش الفكري فإن مما لا مراء فيه أن العالم قد تغير بشكل كبير منذ رواج ذلك المفهوم على نطاق واسع وسط المسلمين، وجرى تطبيقه على أنماط حكومات ما قبل الحداثة.

وسواء أدركت المؤسسات الدينية الإسلامية مجتمعة أم لم تدرك فإن “الرئيس المستبد” في العصر الحديث يملك من السلطات أكثر بكثير مما كان للسلطان في العصور الوسطى، على حد تعبير هيلير.

ويعتقد هيلير أن المجتمعات المسلمة في عصر ما قبل الحداثة كانت تحكم بنظم أكثر تحررا ترتكز على مؤسسات اجتماعية وليس على سلطات الدولة الحديثة “المعيقة والقهرية”.

إن نمط الاستبداد السائد في العالم العربي ليس “مبدأ جوهريا” تتسم به المنطقة، بل هو نتاج قدر كبير من التكيف والمواءمة، فالطاغية أو المستبد الحديث في سوريا -وفق تعبير المقال- يدين بالفضل لنظام الاستعمار أكثر مما يدين لأنظمة الحكم العربية أو الإسلامية في القرون السابقة.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى