كتب وبحوث

مسقطات العقوبة التعزيرية في الفقه الإسلامي (الجزء الأول)

اسم البحث: مسقطات العقوبة التعزيرية في الفقه الإسلامي (الجزء الأول).

إعداد: د. فيصل بن عبدالعزيز اليوسف.

—————————–

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد أكمل دينه، وأتم نعمته على عباده، وأحكم شريعته فجاءت مشتملة على الحكمة، متضمنة الرحمة بالعباد، والرأفة بهم، فكما أن حكمة الباري اقتضت شرع العقوبات الزاجرة الرادعة، فإن رحمته تعالى اقتضت شرع الموانع والمسقطات لهذه العقوبات. إن الغاية من إقامة العقوبات على الجناة في الشريعة الإسلامية جلب المصلحة ودرء المفسدة؛ وذلك بردع أهل الفساد عن الإخلال بالأمن الذي يُعد حصوله شرطاً لتقدم المجتمعات، وتحقيق مصالحها، ولذا شرع الله تعالى العقوبات الشرعية بنوعيها المقدرة، وهي العقوبات الواجبة على من أتى جريمة حدية، أو ارتكب جريمة من جرائم القصاص والدية.

والعقوبات غير المقدرة، وهي العقوبات التي يفرضها ولاة الأمر على المعاصي التي لم يأت لها عقوبات محددة في الشريعة الإسلامية، وهي العقوبات التعزيرية – وهي مدار بحثنا -؛ لأن بعض النفوس الضعيفة قد لا يثنيها عن غيها، ويردعها عن طغيانها آجل العقاب، بل عاجله، لتذوق مرارة الألم فيمنعها عن المعاودة.

وقد فرض الله – عز وجل – على الأمة أن تقيم تلك العقوبات وأن تطبقها عملياً متى استوفت شروطها المعتبرة، ولم تكن ثمة شبهة تدرؤها أو تمنع من إقامتها؛ تحقيقاً للعدالة بين أفراد المجتمع، وحرصاً على تحقيق مصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة والسرف فيما يستحقه الجاني من الجزاء.

والشريعة الإسلامية أناطت العقوبة التعزيرية إلى اجتهاد الأئمة والقضاة بما يحقق هذا المبدأ وهو الردع والزجر، وحفظ الأمن وصيانته من أضرار الجرائم ومظاهر الانحراف والإخلال بالواجبات، مع إرادة الإحسان وقصد الرحمة بالمعاقبين.

ومع هذا فالعقوبة الشرعية قد تسقط لأسباب وهي مدار بحثنا الموسوم بـ «مسقطات العقوبة التعزيرية في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها في بعض الأنظمة السعودية».

أهمية الموضوع:

إن أهمية هذا الموضوع تتجلى من خلال جوانب متعددة، من أهمها:

1 – أهمية الموضوع وبالذات للقائمين على العدالة، ومنهم القضاة والمحققين ورجال الضبط الجنائي والمحامين.

2 – أن الوقوف على مسقطات العقوبة التعزيرية أمر لا غنى عنه لضمان مشروعيته كي لا يسقط بغير مسقط أو يوقع بغير أساس.

3 – أن أسباب سقوط العقوبة التعزيرية لم تحظ – بوجه عام – بالعناية التي تستحقها من خلال إفرادها بموضوع مستقل رغم أهميتها، فرغبت في كتابة بحث يجمع شتات هذا الموضوع ويلم شعثه ويسد فراغاً بإذن الله في المكتبة الشرعية والقانونية.

4 – المساهمة في بيان منهج الإسلام في وقاية المجتمع من الجريمة ومعاقبة المجرمين.

تلك هي أهم الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع.

منهج البحث:

استخدمت في البحث المنهج الاستقرائي، والتحليلي استنباطي واستدلالي مع دعم كل منهما بالمنهج المقارن من خلال عرض مسائل البحث على المذاهب الفقهية الأربعة، واختيار الراجح منها.

أما تفاصيل البحث وجزئياته فقد تناولتها من خلال المنهج التالي:

1 – تصور المسألة المراد بحثها؛ ليتضح المقصود من دراستها.

2 – إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق ذكرت حكمها، وإن كانت من مسائل الخلاف فأذكر الأقوال فيها مقتصراً على المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة.

3 – عزو الآيات القرآنية إلى سورها مع ذكر رقم الآية.

4 – تخريج الأحاديث النبوية والآثار عند أول ورودها في البحث، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بالعزو إليهما، وإلا خرجته من مظانه من كتب السنة مع بيان درجته.

5 – وثقت الأقوال بعزوها إلى مصادرها.

6 – جعلت في نهاية البحث خاتمة بيَّنت فيها أهم النتائج.

7 – ألحقت بالبحث فهرساً بالمراجع.

الحدود الموضوعية للبحث:

تتحدد الحدود الموضوعية للبحث في مسقطات العقوبة التعزيرية فقط دون تناول الجرائم الحدية، وجرائم الجناية على النفس وما دونها، والمسقطات هي: موت الجاني، والعفو، والتوبة، والتقادم في الفقه وتطبيقها في بعض الأنظمة السعودية.

خطة البحث:

اشتملت الخطة على مقدمة، ومبحث تمهيدي، وأربعة مباحث، وخاتمة.

مقدمة: في أهمية الموضوع، وسبب اختياره، ومنهج البحث وخطته.

المبحث التمهيدي: تناولت من خلاله التعريف بمفردات العنوان ومشروعية التعزير والفرق بين التعازير والحدود، وأقسام التعزير المبني على طبيعة الحق المعتدى عليه.

المبحث الأول: موت الجاني، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: معنى الموت لغة وشرعاً وعند الأطباء.

المطلب الثاني: أثر الموت على العقوبات التعزيرية في الفقه الإسلامي.

المطلب الثالث: أثر الموت على العقوبات التعزيرية في بعض الأنظمة السعودية.

المبحث الثاني: العفو، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: في تعريف العفو لغة واصطلاحاً.

المطلب الثاني: حكم العفو عن العقوبات التعزيرية في الفقه الإسلامي.

المطلب الثالث: العفو عن العقوبة التعزيرية في بعض الأنظمة السعودية.

المبحث الثالث: التوبة، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: في تعريف التوبة ومشروعيتها وحكمها وشروطها.

المطلب الثاني: أثر التوبة على العقوبة التعزيرية في الفقه الإسلامي.

المطلب الثالث: أثر التوبة على العقوبة التعزيرية في النظام السعودي.

المبحث الرابع: التقادم، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف التقادم لغة واصطلاحاً.

المطلب الثاني: أثر التقادم على العقوبات التعزيرية في الفقه الإسلامي.

المطلب الثالث: أثر التقادم على العقوبات التعزيرية في بعض الأنظمة السعودية.

الخاتمة.

المبحث التمهيدي: التعريف بمفردات العنوان:

سأتناول في هذا المبحث التعريف بكل من: المسقط، العقوبة، التعزير.

المطلب الأول: تعريف المسقطات:

مسقطات: جمع مفرده مسقط، والمسقط لغة من سقط، والسقوط هو الوقوع، تقول: سقط الشيء من يده بمعنى وقع، والسقطة الوقعة الشديدة، ومَسْقطُ الشيء ومَسْقَطه: موضع سقوطه، ومسقط الرأس موضع الولادة [1].

ويتبين مما سبق أن السقوط معناه ذهاب الشيء ووقوعه وزواله بعد أن كان موجوداً.

المسقط اصطلاحاً: لم أقف فيما اطلعت عليه من كتب الفقهاء القدامى على تعريف المسقط اصطلاحاً، لكن عرفه د. عبدالحميد المجالي بقوله: المسقط هو: العامل المؤثر في عدم إيقاع العقوبة على الجاني بعد ارتكاب جريمته قبل ثبوتها أو بعده [2].

وعرف الغامدي السبب المسقط للعقوبة بقوله: هو الأمر الذي يطرأ بعد وجوب العقوبة ويقتضي إسقاطها عن مَن وجبت عليه [3].

وبناءً عليه فالسبب يحدث متأخراً عن الوجوب، فلو تقدمه لم يكن مسقطاً وإنما يسمى مانعاً من الوجوب، فالسقوط فرع الوجوب.

وعليه يُمكن القول إن المسقط هو: الأمر الطارئ على العقوبة بعد وجوبها والمقتضي سقوطها عن من وجبت عليه.

المطلب الثاني: تعريف العقوبة:

العقوبة في اللغة: تطلق على عدة معان، أشهرها معنيان:

1 – تأخر الشيء عن غيره، يقال: عَقِبُ الشيء وعَاقِبَتُه وعُقباه بمعنى آخره، ومنه عَقِبَ القدم أي مؤخرتها.

2 – المجازاة على فعل السوء، يقال: عَاقَبَهُ يُعَاقِبَهُ عِقاباً ومُعاقَبتَه إذا جازاه على فعل السوء[4]. ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} (النحل: 126).

العقوبة في الاصطلاح: «جزاء بالضرب أو القطع أو الرجم أو القتل»[5].

وهذا التعريف لا تدخل فيه بعض العقوبات التعزيرية كالتوبيخ والهجر وكشف الرأس.

وقيل: «العقوبة هي الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع»[6].

ويظهر من تأمل هذا التعريف أنه يشمل العقوبات في الدنيا والآخرة؛ إذ إن وعيد الله للمعتدين بالعذاب في الآخرة جزاء مقرّر لمصلحة المجتمع يمنع من الإقدام على ارتكاب المحظور.

ولمَّا كان حديثنا عن العقوبات الخاضعة لسلطة القضاء فإن تقييد التعريف بكونه الجزاء الدنيوي أولى؛ لأنه يخرج الجزاء الأخروي الذي علمه الله سبحانه وتعالى وليس مجال بحثنا.

وقيل العقوبة: «أذى ينزل بالجاني زجراً له»[7].

المطلب الثالث: تعريف التعزير ومشروعيته والفرق بينه وبين الحدود

وأقسام التعزير من ناحية تعلق الحق:

1 – تعريف التعزير لغة واصطلاحاً:

التعزير لغة: مصدر عَزَّر يعزره عزراً أو تعزيراً، وأصله مأخوذ من العزر، والتعزير من أسماء الأضداد، بمعنى أن يطلق اللفظ الواحد على المعنى وضده، وهو في اللغة يأتي بمعنيين:

أحدهما: بمعنى النصرة والتعظيم، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} (المائدة: 12)، وقوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: 9).

الآخر: يأتي التعزير بمعنى التأديب[8].

أما التعزير في الاصطلاح فله تعريفات متقاربة، منها: «التعزير: تأديب وإصلاح وزجر على ذنوب لم تشرع فيها حدود ولا كفارات»[9].

وقيل التعزير هو: العقوبة المشروعة في كل معصية لاحد فيها ولا كفارة[10].

ومن خلال النظر في التعريف اللغوي والاصطلاحي يتبين أن التعريف الاصطلاحي قد تفرع عن المعنى اللغوي له بمعنى التأديب؛ إذ المعنى فيهما متقارب وهو أن التعزير تأديب الجاني، لكن المعنى الاصطلاحي زاد قيداً يميز التعزير عن غيره من العقوبات وهو قوله: «لا حد فيها ولا كفارة»[11].

2 – مشروعية التعزير:

التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، سواء أكانت من مقدمات ما فيه حد؛ كالخلوة بأجنبية أو مباشرتها بغير الوطء، والسرقة من غير حرز، أو ما لا يبلغ مقدار النصاب، والسب بغير قذف، أو لم يكن من مقدمات ما فيه حد كشهادة الزور والتزوير وغيرها من المعاصي، سواء تعلقت المعصية بحق الله تعالى أم بحق الآدمي[12].

وقد دل على مشروعية التعزير الكتاب والسنة والإجماع.

فأما من الكتاب، فقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (النساء: 34).

وجاء الاستدلال: أن الله تعالى أعطى الزوج حق تأديب زوجته التي يخشى نشوزها بالوعظ والهجر والضرب، «أباح الله – عز وجل – الضرب عند المخالفة فكان فيه تنبيه على التعزير»[13].

وأما من السنة فأحاديث كثيرة، منها: ما رواه البخاري[14]، ومسلم[15] من طريق أبي بردة الأنصاري – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صل الله عليه وسلم – يقول: «لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله»، والمقصود هنا جلد التعزير.

 ومنها: ما رواه أبو داود في سننه[16] عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صل الله عليه وسلم –: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود».

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على مشروعية التعزير في كل معصية ليس فيها حد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: «وقد أجمع العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولاكفارة»[17].

3 – الفرق بين التعازير والحدود:

هناك أوجه للفرق بين التعازير والحدود نجملها في التالي:

أولاً: أن العقوبات التعزيرية غير مقدرة شرعاً بل الأمر فيها مفوض للإمام يفعل ما فيه المصلحة، أما الحدود فإن الأمر فيها مقدر ومحدد بالشرع لا باجتهاد الإمام.

ثانياً: في التعزير ينظر إلى مكانة الجاني، فتأديب أهل الهيبة والأشراف أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة، بخلاف الحدود فلا ينظر لمنزلة الجاني بل يطبق الحكم متى ثبتت الجريمة وتحققت الشروط وانتفت الشبهات، لقوله – صل الله عليه وسلم –: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود»[18].

ثالثاً: أن التعزير يجوز العفو عنه، والشفاعة فيه ويراعي ولي الأمر الأصلح بين العفو أو التعزير؛ إذ إن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وأما الحدود فلا عفو ولا شفاعة فيها إذا وصلت الإمام؛ لقوله – صل الله عليه وسلم –: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود»[19].

وقوله – صل الله عليه وسلم –: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء». متفق عليه، واللفظ للبخاري[20].

قال الإمام النووي: فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء أكانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما أم إلى واحد من الناس، وسواء أكانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو في تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك، وأما الشفاعة في الحدود فحرام [21].

رابعاً: أن الحد لا يقام إلا على مكلف، أما التعزير فلا يشترط لإقامته التكليف فيعزر الصبي تأديباً بما يناسب جرمه المرتكب.

خامساً: أن التعزير يسقط بالتوبة بخلاف الحدود على الصحيح إلا حد الحرابة فيسقط بالتوبة قبل القدرة على المحاربين، لقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (المائدة: 34).

سادساً: أن التعزير مشروع بالتهمة ومع وجود الشبهة في من هو مجهول الحال أو معروف بالفجور والفساد، أما الحد فلا يقام إلا بعد ثبوته ثبوتاً يقيناً بإحدى طرق الإثبات كالبينة والإقرار، وتدرأ بالشبهات[22].

4 – أقسام التعزير المبني على طبيعة الحق المعتدى عليه:

ينقسم التعزيربالنظر إلى طبيعة الحق المعتدى عليه إلى قسمين:

القسم الأول: التعزيرفي حقوق الله تعالى، ويقصد بحق الله – تعالى – كل حق قُصِد به تحقيق مصلحة لمطلق المسلمين، دونما نظر لمصلحة فرد بعينه، وما يندفع به ضرر عام عن الناس، من غير اختصاص بأحد[23]، فإذا ارتكب شخص فعلاً منكراً ليس فيه حد من الشارع، من غير أن يجني بذلك على أحد يعزر على هذا الفعل، ويكون التعزير هنا من حق الله تعالى؛ لأن محاربة الجرائم والشرور وإخلاء البلاد من الفساد واجب مشروع، وفيه دفع للضرر عن الأمة، وتحقيق نفع عام [24].

ومثال ذلك: جريمة الغش، والرشوة، وشهادة الزور، وخيانة الأمانة، والاختلاس ونحو ذلك[25].

القسم الثاني: التعزير في حقوق العباد: ويقصد بها الجرائم التي شُرِعت عقوبتها لحفظ مصالح وحقوق العباد.

ومثال ذلك: السب والشتم[26].

مسقطات العقوبة التعزيرية:

تمهيد:

تسقط العقوبة في الشريعة الإسلامية بأسباب متعددة، وهي تختلف باختلاف العقوبات، ولكن ليس في هذه الأسباب ما يعتبر سبباً عاماً مسقطاً لكل عقوبة وإنما تتفاوت الأسباب بحسب نوع العقوبة.

وفي الجرائم التعزيرية – وهي موضوع بحثنا – تسقط العقوبة بأحد أربعة أسباب سنتناولها في أربعة مباحث:

المبحث الأول: موت الجاني.

المبحث الثاني: العفو.

المبحث الثالث: التوبة.

المبحث الرابع: التقادم.

المبحث الأول: موت الجاني

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: معنى الموت لغة وشرعاً وعند الأطباء:

الموت لغة: جاء في معجم مقاييس اللغة «الميم، والواو، والتاء: أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء. منه الموت خلاف الحياة»[27].

وفي لسان العرب: «الموت والموتان ضد الحياة»[28].

ثم قال: والموت: السكون، وكل ما سكن فقد مات[29].

الموت شرعاً: «مفارقة الروح للبدن»[30].

قال البهوتي: «القتل: وهو فعل ما يكون سبباً لزهوق النفس وهو مفارقة الروح البدن»[31].

وقال ابن القيم: «الصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أُريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدماً محضاً فهي لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب»[32].

وسُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله -: ما هو التعريف الشرعي للموت؟ فأجاب: «هو خروج الروح حيث لا يبقى حركة في القلب ولا غيره»[33].

قال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله -: «هذه هي حقيقة الوفاة عند الفقهاء، وتكاد كلمتهم تتوارد على هذا، ولم يتم الوقوف على خلافه في كلامهم من أنه مفارقة الروح البدن، بل هو حقيقة شرعية لا يُعلم فيها خلاف»[34].

الموت عند الأطباء: «هو انتهاء الحياة بسبب توقف جهاز التنفس والدورة الدموية والجهاز العصبي توقفاً تاماً وما يتبع ذلك من ظهور علامات وتغيرات بمظاهر الجثة تنتهي بتحلل الجسم تحللاً كاملاً»[35].

قال الدكتور محمد المجذوب: «يعتبر توقف التنفس والقلب والدورة الدموية توقفاً لا رجعة فيه العلامة المميزة والفارقة بين الحياة والموت»[36].

وقد استقر الطب الحديث على أن موت خلايا المخ – أي الدماغ – الذي يؤدي إلى توقف المراكز العصبية عن العمل هو معيار موت الإنسان موتاً حقيقياً[37].

المطلب الثاني: أثر الموت على العقوبات التعزيرية في الفقه الإسلامي

يعتبر موت الجاني أحد الأسباب المسقطة للعقوبة التعزيرية، لكن الموت لا يسقط كل العقوبات التعزيرية بل في الأمر تفصيل؛ فالعقوبات التعزيرية لا تخلو: إما أن تكون متعلقة بالبدن أو بالمال، فإن كانت العقوبة التعزرية متعلقة بالبدن كالجلد، والسجن، والنفي… أو غير ذلك مما ينصب تنفيذه على ذات الجاني أو يتعلق بشخصه كالهجر والتوبيخ فإن أمثال هذه العقوبات تسقط بموت الجاني؛ لفوات المحل الذي توقع عليه العقوبة التعزيرية.

ولم أجد – فيما اطلعت عليه – من كلام الفقهاء ذكراً لسقوط التعزيربالموت، ولكنهم ذكروا ذلك عند الكلام على سقوط الحدود والقصاص بالموت، ولعلهم اكتفوا به هناك لكون التعزير يأخذ حكم الحدود والقصاص في هذه المسألة[38].

قال الكاساني: وأما بيان ما يُسقط القصاص بعد وجوبه فالمسقط له أنواع، منها: فوات محل القصاص بأن مات من عليه القصاص بآفة سماوية؛ لأنه لا يتصور بقاء الشيء في غير محله[39].

أما العقوبات التعزيرية التي لا تنصب على ذات الجاني أو شخصه بل تنصب عل ما له كعقوبة الغرامة والمصادرة مثلاً فقد ذكر عبدالعزيز عامر في كتابه التعزير: إذا لم تكن العقوبة متعلقة بشخص الجاني بل انصبت على ماله، كعقوبة الغرامة والمصادرة مثلاً فإن موت الجاني بعد الحكم عليه لا يسقط هذه العقوبات لإمكان التنفيذ بها على ماله؛ إذ هذه العقوبات تصير ديناً في الذمة وتتعلق تبعاً بالتركة [40].

والصحيح أن العقوبة التعزيرية شخصية؛ بمعنى أن أثرها يقتصر على شخص المذنب المخالف دون أن يتعداه إلى غيره، ولذا فلا يمكن تحصيل العقوبة المالية من تركته أو مصادرة سيارته مثلاً، لأنها تصبح بمجرد الوفاة حقاً للورثة، ولأن العقوبة التعزيرية متعلقة بحال حياة الجاني بقصد ردعه عن أن يعود وقد مات المراد تعزيره فبطل التعزير[41]، وهو المعمول به في المملكة العربية السعودية، وما أجاب به سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ سمو وزير الداخلية بخطابه رقم 3811/1 وتاريخ 21/10/1386هـ إذ جاء في الخطاب: إن الغرامة قُررت من قِبل ولي الأمر من باب التعزير بالمال، وقد مات المراد تعزيره فبطل مفعول التعزير؛ لأن التعزير متعلق بحال الحياة لقصد ردعه عن أن يعود، وحينئذ فإنه لا يجوز أخذها ولا شيء منها من تركته [42].

وقد اتخذت وزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية تلك الفتوى قاعدة شرعية يُسار عليها في كافة القضايا المماثلة، وتم التعميم من وزارة العدل لكافة المحاكم باعتبار فتوى سماحة المفتي سارية المفعول ويسار عليها مستقبلاً بموجب التعميم رقم 172/9/ت وتاريخ 25/9/1391هـ[43].

ونص قرار مجلس الوزراء رقم 758 وتاريخ 12/6/1393هـ على: الموافقة على عدم تحصيل الغرامة من تركة من ترتبت عليه إذا توفي قبل أدائها [44].

المطلب الثالث: أثر الموت على العقوبات التعزيرية في بعض الأنظمة السعودية تعتبر شخصية العقوبة أمراً مستقراً شرعاً ونظاماً؛ قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} (الأنعام: 164).وجاء في المادة 38 من النظام الأساسي للحكم: العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي… [45].

وهذا ما يُعبر عنه بمبدأ شخصية العقوبة ومقتضى المادة أن أثر العقوبة التعزرية يقتصر على شخص المذنب المخالف دون أن يتعداه إلى غيره من أفراد أسرته أو أقاربه، وينبني على ذلك أنه إذا لم تتمكن الدولة من تنفيذ العقوبة على الفاعل في الجريمة التعزيرية فإنه لا يمكنها أن تقوم بتنفيذها على أي من أقاربه مهما كان نوع هذه العقوبة؛ فإذا توفي الشخص قبل الحكم سقطت الدعوى، وإن توفي بعد الحكم سقطت العقوبات المحكوم بها لأنها ذات طبيعة شخصية، فلا يمكن تنفيذها على البدن لفوات المحل بالموت، ولا على تركته في العقوبات التعزيرية المالية؛ لأنها تصبح بمجرد الوفاة حقاً للورثة[46].

وتأكيداً على ما سبق نصت المادة الثانية والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية على: تنقضي الدعوى الجزائية العامة في إحدى الحالات الآتية:

1 – صدور حكم نهائي.

2 – عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو.

3 – ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة.

ولا يمنع ذلك من الاستمرار في دعوى الحق الخاص [47].

ومن خلال الفقرة الرابعة من المادة التي نصت على وفاة المتهم فإن المتهم إذا توفي انقضت الدعوى الجنائية العامة بالنسبة له وحده، سواء أكانت الوفاة قبل تحريك الدعوى الجنائية أو أثنائها، فإذا مات قبل تحريك الدعوى كان الإجراء الإداري هو حفظ الأوراق، أما إذا كانت بعد تحريك الدعوى الجنائية فيكون الإجراء صدور أمر بحفظ الدعوى الجنائية العامة.

ويقصد بانقضاء الدعوى الجزائية العامة للمتوفى هو عدم المطالبة بمعاقبته بدنياً لتعذر ذلك، وكذلك لا يطالب بإيقاع عقوبة مالية عليه للحق العام لانقضائها بوفاته[48].

المبحث الثاني: العفو

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: في تعريف العفو لغة واصطلاحاً:

العفو لغة: يطلق على عدة إطلاقات، منها:

1 – الصفح: يقال عفا عن ذنبه عفواً: صفح.

2 – المحو والطمس: يقال: عفت الرياح الآثار إذا درستها ومحتها.

3 – الترك والتجاوز: يقال: عفوت لفلان بمالي إذا أفضلت له فأعطيته، وعفوت له عمَّا لي عليه إذا تركت له.

4 – التبرئة والاستعفاء: يقال: رجل عفو عن الذنب: عاف، وأعفاه من الأمر: برأه، واستعفاه طلب ذلك منه[49].

وبتأمل هذه الإطلاقات يتضح أن العفو شامل لها جميعاً؛ فالعفو صفح عن الذنب وطامس له، وفيه تبرئة لذمة الجاني، ولعلها تتفق على معنى الإسقاط، ويؤكد هذا ما جاء في تفسير قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (البقرة: 237). قال ابن العربي في تفسيرها: أذن الله تعالى لهن في إسقاطه بعد وجوبه، إذ جعله خالص حقهن يتصرفن فيه بالإمضاء أو الإسقاط[50].

العفو اصطلاحاً: المتأمل للتعريف يجد أنه لا يخرج عن معناه اللغوي، فالتعريفات الاصطلاحية مرتبطة بالمعنى اللغوي.

فعرفه بعض العلماء بقوله: «العفو هو أن يستحق حقاً فيسقطه ويبرى عنه من قصاص أو غرامة»[51].

وجاء في أحكام القرآن: «العفو: ترك المؤاخذة بالذنب»[52].

وقيل العفو هو: «إسقاط حق ثابت اختياراً كله أو بعضه مطلقاً أو بعوض»[53].

ومن خلال هذه التعريفات يتضح أن المقصود بالعفو هنا: إسقاط العقوبة المستحقة شرعاً ممن يملك ذلك.

المطلب الثاني: حكم العفو عن العقوبات التعزيرية في الفقه الإسلامي

سبق وأن بينا أن عقوبة التعزير عقوبة مفوضة للإمام، غير مقدرة، يفعل ما فيه المصلحة، وأن الغرض منها الزجر، وأن التعزير ينقسم بالنظر إلى طبيعة الحق المعتدى عليه إلى قسمين:

أحدهما: التعزير في حقوق الله تعالى.

والآخر: التعزير في حقوق العباد.

وسنتكلم عن حكم العفو عن العقوبات التعزيرية وفقاً لهذا التقسيم.

أولاً: العفو عن العقوبات التعزيرية لحق الله سبحانه وتعالى كالسرقة فيما لا قطع فيه، والخلوة بالمرأة الأجنبية، واليمين الغموس، والغش في الأسواق، والأكل في نهار رمضان، وتأخير الصلاة… وغيرها[54]، ففي هذا النوع لا يملك الأفراد العفو عن العقوبات التعزيرية؛ لأن الحق فيها لله تعالى والقائم بحق الله سبحانه وتعالى هو ولي الأمر فكان عفو الفرد هنا عفو من غير مالك فلا يصح[55].

أما عفو ولي الأمر: فقد ذهب جمهور الفقهاء[56] إلى اعتبار المصلحة في إجازة عفو ولي الأمر عن العقوبة التعزيرية الثابتة لحق الله تعالى.

فإذا رأى الإمام بعد مجانبة هوى نفسه أن المصلحة في العفو وإسقاط التعزير، أو عَلِم انزجار الفاعل وندمه بدون العقوبة جاز له العفو عنها.

جاء في حاشية ابن عابدين: … إن العفو فيه للإمام بمعنى تفويضه إلى رأيه إن ظهر له المصلحة فيه أقامه، وإن ظهر عدمها أو علم انزجاره بدونه يتركه [57].

وقال ابن فرحون: فالتعزيرات والعقوبات المقصود بها الزجر، فيرى الإمام فيها رأيه [58].

وقال في موضع آخر: ويجوز العفو عن التعزير والشفاعة فيه إذا كان لحق الله، فإن تجرد عن حق آدمي وانفرد به حق السلطنة، كان لولي الأمر مراعاة حكم الأصلح في العفو والتعزير، وله التشفيع فيه [59].

وجاء في المهذب: وإن رأى السلطان ترك التعزير جاز تركه إذا لم يتعلق به حق آدمي[60].

وقال الماوردي: … والوجه الثاني أن الحد وإن لم يجز العفو عنه ولا الشفاعة فيه فيجوز في التعزير العفو عنه، وتسوغ الشفاعة فيه، فإن تفرد التعزير بحق السلطنة وحكم التقويم ولم يتعلق به حق الآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير، وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب [61].

وقد استدل جمهور الفقهاء على سقوط العقوبة التعزيرية بالعفو إذا كانت حقاً لله عز وجل بأدلة منها:

1 – عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رجلاً أصاب من امرأة قُبلة فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكر ذلك له. قال: فنزلت: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: 114).[62].

قال فقال الرجل ألي هذه يا رسول الله؟ قال: «لمن عمل بها من أمتي»[63].

وجه الاستدلال: أن الرسول – صل الله عليه وسلم – ترك تعزير الذي أقرَّ عنده بالمعصية ولم يعاقبه فدل على جوز العفو عن عقوبة التعزير[64].

2 – عن أنس – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي – صل الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله أصبتُ حدً فأقمه عليَّ. قال: وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله – صل الله عليه وسلم – فلما قضى الصلاة قال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأقِمْ فيَّ كتاب الله، قال: «هل حضرت الصلاة معنا؟» قال: نعم، قال: «قد غُفِرَ لك»[65].

قال النووي – رحمه الله – عند شرحه للحديث: الحد في هذا الحديث معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير، وهي هنا من الصغائر، لأنها كفرتها الصلاة، ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة، فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة، هذا هو الصحيح في تفسير هذا الحديث [66].

وجه الاستدلال من الحديث: أن النبي – صل الله عليه وسلم – ترك تعزير من أقرَّ عنده بارتكاب المعصية ولم يعاقبه، وفي هذا دليل على جواز العفو عن العقوبة التعزيرية.

3 – عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صل الله عليه وسلم –: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود»[67].

وجه الاستدلال: قال الخطابي: وفيه دليل على أن الإمام مخير في التعزير إن شاء عزَّر وإن شاء ترك، ولو كان التعزير واجباً كالحد لكان ذو الهيئة وغيره في ذلك سواء [68].

4 – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: مَرَّ أبو بكر والعباس – رضي الله عنهما – بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي – صل الله عليه وسلم – منَّا فدخل على النبي – صل الله عليه وسلم – فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي – صل الله عليه وسلم – وقد عصب على رأسه حاشية بُرْد، قال: فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم»[69].

وجه الاستدلال: أن التجاوز عن المسيء هو العفو، وفي ذلك دليل على جواز العفو عن العقوبات التعزيرية إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك أو علم انزجار الفاعل.

وهذا إذا لم تكن العقوبة التعزيرية منصوصاً عليها، أما إذا كانت العقوبة التعزيرية منصوصاً عليها كمن وطء جارية امرأته أو وطء جارية مشتركة بينه وبين شريكه فيجب التعزير ولا يجوز العفو، وإليه ذهب الحنفية وبعض الحنابلة.

قال ابن الهمام: ولنا أن ما كان منصوصاً عليه من التعزير كما في وطء جارية امرأته أو جارية مشتركة يجب امتثال الأمر فيه، وما لم يكن منصوصاً عليه إذا رأى الإمام بعد مجانبة هوى نفسه المصلحة أو علم أنه لا ينزجر إلا به وجب؛ لأنه زاجر مشروع لحق الله تعالى فوجب كالحد، وما علم أنه ينزجر بدونه لا يجب [70].

وقال ابن قدامة: ويجب التعزير في الموضعين اللذين ورد الخبرُ فيهما، وما عداهما يُفوَّض إلى اجتهاد الإمام… فإن جاء تائباً معترفاً يظهر منه الندم والإقلاع، جاز ترك تعزيره؛ للخبر، وإن لم يكن كذلك، وجب تعزيره…. [71].

كما ذهب بعض الحنابلة إلى أن من سبَّ الصحابة، أو ترك الصلاة فلا يجوز للإمام العفو عنه[72].

ثانياً: العفو عن العقوبات التعزيرية لحق الآدميين:

أذية الغير بالفعل كالضرب، أو بالقول كالسب والشتم منهي عنها شرعاً[73]، فكل ما كان من هذا القبيل ففيه حق للآدمي الذي وقع عليه الأذى، وفيه حق لله لارتكاب معاصيه، لكن حق الآدمي هو الأصل فيقدم وحق الله تابع له.

وحقوق الآدميين مملوكة لهم يتصرفون فيها وفقاً لهذه الملكية، ومن ذلك حقوقهم الثابتة على من اعتدى عليهم.

وبناءً عليه فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ليس للإمام سلطة على حق الآدمي في التعزير[74]، فلو وجب على شخص تعزير لآخر وطالب المستحق به لم يكن للإمام حق في التنازل أو العفو عنه؛ لأنه حق آدمي يستقل به صاحبه كالقصاص والقذف ونحوه، وإن عفا عمَّا يمس شخصه سقطت العقوبة التعزيرية؛ لأنه صاحب الحق فيه[75].

جاء في تبصرة الحكام: فلو تعافى الخصمان عن الذنب قبل الترافع إلى ولي الأمر سقط حق الآدمي [76].

وقال الماوردي – رحمه الله -: فإن تعافوا عن الشتم والضرب قبل الترافع إليه سقط التعزير الآدمي [77].

وجاء في الشرح الكبير: وإن كان التعزير لحق آدمي فطلبه لزم إجابته كسائر حقوق الآدميين [78].

ويُفهم من هذا النص أن المعتدى عليه إذا لم يطلب حقه سقط التعزير.

من خلال ما سبق يتضح أن المجني عليه إذا عفا سقط حقه؛ لكن هل يسقط حق ولي الأمر بعد عفو المعتدى عليه؟

ذكر الماوردي في ذلك وجهان:

«أحدهما: أنه يسقط وليس لولي الأمر أن يعزر فيه؛ لأن حد القذف أغلظ ويسقط حكمه بالعفو فكان حكم التعزير بالسلطنة أسقط.

والوجه الثاني: – وهو الأظهر – أن لولي الأمر أن يعزر فيه مع العفو قبل الترافع إليه، كما يجوز أن يعزر فيه مع العفو بعد الترافع إليه مخالفة للعفو عن حد القذف في الموضعين؛ لأن التقويم من حقوق المصلحة العامة»[79].

وفي موضع آخر قال: «فإن عفا المضروب والمشترم كان ولي الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل الأصلح من التعزير تقويماً، والصفح عنه عفواً»[80].

 المطلب الثالث: العفو عن العقوبة التعزيرية في بعض الأنظمة السعودية

لولي الأمر دور كبير في الجرائم التعزيرية فهو الذي يقدر المصلحة التي توجب التجريم وتوجب العقاب، كذلك له حق تقدير المصلحة التي تستدعي العفو عن العقوبة؛ إذ لولي الأمر في ضوء المصلحة العامة أن يقرر العفو عن العقوبات التعزيرية الواجبة لحق الله تعالى، لكن يشترط في عفوه أنه لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وفي المملكة العربية السعودية يصدر العفو من الملك متضمناً تحديد العقوبات التعزيرية التي يشملها العفو، ولا يشمل العفو الملكي عادة إلا القضايا التي صدر فيها حكم نهائي فترِد الصيغة في مواد العفو «يُعفى السجناء المحكومين للحق العام في القضايا التعزيرية….» [81] ويخول وزير الداخلية حق تطبيقه على العقوبات التي حددها العفو والمدد وتفسير ما غمض من قواعد[82].

وقد قرر النظام السعودي قاعدة العفو عن عقوبة الحق العام استناداً إلى قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها، فنص نظام الإجراءات الجزائية في م22 على: تنقضي الدعوى الجزائية العامة في إحدى الحالات التالية:

1 – صدور حكم نهائي.

2 – عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو.

3– ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة.

4 – وفاة المتهم.

ولا يمنع ذلك من الاستمرار في دعوى الحق الخاص [83].

والعفو هنا يقصد به العقوبات التعزيرية الواجبة حقاً لله تعالى، وقد قُيّد حق ولي الأمر في العفو بأن يترتب عليه مصلحة للمجتمع، وأن يكون بعد مجانبة هوى النفس كما سبق.

وإذا عفا ولي الأمر عن جرائم التعزير الواجبة حقاً لله تعالى، فإن عفوه لا يؤثر بأي حال على حقوق المجني عليه[84].

أما الحق الخاص فقد ورد النص عليه في م/23 من نظام الإجراءات الجزائية؛ إذ جاء فيها: تنقضي الدعوى الجزائية الخاصة في إحدى الحالتين الآتيتين:

1 – صدور حكم نهائي.

2 – عفو المجني عليه أو وارثه.

ولا يمنع عفو المجني عليه أو وارثه من الاستمرار في دعوى الحق العام [85].

وقد نصت بعض الأنظمة في المملكة العربية السعودية على أن للإمام العفو عن العقوبة التعزيرية الواجبة حقاً لله عز وجل إذا رأى المصلحة في العفو، ومن ذلك:

1 – جاء في م16 من نظام مكافحة الرشوة: يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة الأصلية والتبعية إذا أخبر السلطات بالجريمة قبل اكتشافها [86].

2 – وجاء في م25 من النظام الجزائي لجرائم التزوير: تحكم المحكمة المختصة بالإعفاء من عقوبة جرائم التزوير المنصوص عليها في هذا النظام، لكل من بادر من الجناة بالإبلاغ عن جريمته قبل اكتشافها واستعمال المزور. وللمحكمة المختصة إعفاء الجاني من العقوبة بعد اكتشاف الجريمة إذا أرشد عن باقي الجناة وسهَّل القبض عليهم [87].

3 – وجاء في م/11 من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية: للمحكمة المختصة أن تُعفي من هذه العقوبات كل من يبادر من الجناة بإبلاغ السلطة المختصة بالجريمة قبل العلم بها وقبل وقوع الضرر، وإن كان الإبلاغ بعد العلم بالجريمة تعين للإعفاء أن يكون من شأن الإبلاغ ضبط باقي الجناة في حال تعددهم أو الأدوات المستخدمة في الجريمة [88].

4 – ما جاء في عجز م/18 من نظام مكافحة غسل الأموال: وللمحكمة المختصة أن تعفي من هذه العقوبات مالك الأموال أو المتحصلات موضوع التجريم أو حائزها أو مستخدمها إذا أبلغ السلطات قبل علمها بمصادر الأموال أو المتحصلات وهوية المشتركين دون أن يستفيد من عائداتها [89].

المبحث الثالث: التوبة

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: في تعريف التوبة ومشروعيتها وحكمها وشروطها:

أولاً: تعريف التوبة لغة واصطلاحاً:

التوبة لغة: مصدر كالتوب والمتاب، يقال: تاب، يتوب، توبةً، وتوباً ومتاباً.

والتوبة لغة هي الرجوع عن الذنب أو المعصية، يقال: تاب إلى الله توبة أي رجع عن المعصية إلى الطاعة، وتاب الله عليه وفقه لها وعاد عليه بالمغفرة، أو وفقه للتوبة[90].

أما تعريف التوبة اصطلاحاً فهي: رجوع العبد إلى الله، ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين [91].

وقيل التوبة هي: الرجوع إلى الله بحل عقدة الإصرار عن القلب، ثم القيام بكل حقوق الرب [92].

ثانياً: مشروعية التوبة وحكمها:

التوبة بابٌ مُشرع يدخل منه المذنبون إلى رحمة الله، وينتقلون من السلوك السيئ إلى السلوك السوي، وقد دلَّ على مشروعيتها أدلة كثيرة، منها:

1 – قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (التحريم: 8).

2 – قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31).

ففي هاتين الآيتين أمر الله عز وجل بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال، وكل الأزمان، والتوبة النصوح هي التي لا عود للذنب بعدها[93].

3 – وأما السنَّة فقد روى أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: «الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله الله في أرض فلاة»[94].

4 – ورغب رسول الله – صل الله عليه وسلم – في التوبة، فعن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي – صل الله عليه وسلم – قال: «إن الله – عز وجل – يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»[95].

أما الحكم الشرعي للتوبة فهو الوجوب، وهي واجبة على الفور، قال النووي: وأنها

– أي التوبة – واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة [96].

ثالثاً: شروط التوبة:

للتوبة شروط عديدة ذكرها العلماء عند كلامهم عن التوبة في مؤلفاتهم، والمقصود هنا بيان شروط التوبة المتعلقة بحق الله تعالى، وتلك الشروط حددها الإمام النووي – رحمه الله – بقوله: قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط:

أحدها: أن يقلع عن المعصية.

والثاني: أن يندم على فعلها.

والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً.

فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها… [97].

يتبع…

——————————————

المراجع:

 [1] انظر: لسان العرب، ابن منظور، ط بدون، دار صادر 7/316 – 317 «سقط»، الصحاح،  للجوهري، ط الثانية، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار 1399هـ – 1979م 3/1132 – 1133 «سقط».

[2] مسقطات العقوبة التعزيرية وموقف المحتسب منها، ط 1412هـ – 1992م، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، ص 277.

[3] أسباب سقوط العقوبة في الفقه الإسلامي، د. عبدالله عطية الغامدي، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة أم القرى – مكة المكرمة، 1407هـ – 1987م، ص 35.

[4] انظر: تهذيب اللغة، للأزهري، محمد بن أحمد، ط بدون، تحقيق: عبدالسلام هارون، نشر المؤسسة المصرية العامة للتأليف 1/271، لسان العرب 1/611 – 623.

[5] حاشية ابن عابدين، ط بدون 3/140.

[6] التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، عبدالقادر عودة، ط14، 1418هـ – 1997م، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان 1/609.

[7] العقوبة، محمد أبو زهرة، ط بدون، الناشر: دار الفكر العربي، القاهرة، ص 7.

[8] انظر: الصحاح 2/744، لسان العرب 4/561 – 563.

[9] تبصرة الحكام، لابن فرحون ط 1423هـ 2/217.

[10] انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي، ط الثانية 1414هـ 6/403، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، ط الثانية 1406هـ- 1986م، الناشر: دار الكتب العلمية 7/63، روضة الطالبين وعمدة المفتين، للإمام النووي، ط 2، 1405هـ 10/174.

[11] انظر: سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي، د. جبر محمود الفضيلات، ط الأولى، 1408هـ – 1987م 4/144.

[12] انظر: روضة الطالبين 10/174.

[13] إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، أبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، ط1، دار الفكر 4/166.

[14] صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ط 1381هـ، الناشر: مكتبة العلم، جدة، كتاب الحدود، باب 42، كم التعزير والأدب 8/31، واللفظ له.

[15] انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، ط 1401هـ – 1981م، الناشر: دار الفكر، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير 11/221.

[16] سنن أبي داود، لأبي داود السجستاني، ط بدون، كتاب الحدود، باب في الحد يشفع فيه 4/133، رقم 4375، وصححه الألباني، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، ط 1415هـ – 1995م، الناشر: مكتبة المعارف 2/231 – 239 رقم 638.

[17] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، ط بدون 30/39.

[18] سبق تخريجه.

[19] سبق تخريجه.

[20] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها 2/118، ومسلم في صحيحه، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 16/177 – 178.

[21] مسلم بشرح النووي 16/177 – 178.

[22] انظر للمزيد في الفروق بين التعزير والحدود وفي تفصيل ما سبق: الفروق للإمام القرافي، شهاب الدين أبي العباس المالكي، ط الثانية 1432هـ – 2011م 4/277 – 283، الفرق السادس والأربعون بعد المائتين، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، دار الكتب العلمية، ص 293 – 297، الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء، تحقيق: محمد حامد القطي، ط 1421هـ – 2000م، ص 279 – 282، تبصرة الحكام 2/219 – 225، التعزير في الشريعة الإسلامية، د.عبدالعزيز عامر، ط الخامسة 1396هـ – 1976م، ص 68 – 71، سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي، 4/146 – 148، عقوبة التعزير وطرق استيفائها في الشريعة الإسلامية، د. خليل إبراهيم الزكروط، ط الأولى 2011م، ص 112 – 115.

[23] انظر: حاشية ابن عابدين 3/140، بدائع الصنائع 7/56، التعزير في الشريعة الإسلامية، د. عبدالعزيز عام ص 57، ونسبة هذه الحقوق إلى الله تبارك وتعالى تأكيداً للنفع والدفع كيلا يسقط بإسقاط العبد.

[24] التعزير، د. عبدالعزيز عامر، ص 57.

[25] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 28/343، سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي 4/150.

[26] انظر: الأحكام السلطانية، للماوردي ص 295، التعزير، د. عبدالعزيز عامر، ص 57 – 58، التشريع الجنائي الإسلامي، د.عبدالله بن سليمان العجلان، ط الأولى 1429هـ، ص 30 – 31.

[27] معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ط الثانية 1389هـ، مادة: موت 5/283.

[28] لسان العرب 2/90 – 91.

[29] المرجع السابق 2/92.

[30] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني، ط بدون، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان 1/329.

[31] كشاف القناع عن متن الإقناع، ط 1402هـ – 1982م 5/504.

[32] الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء، ط الثانية 1412هـ – 1992م 1/243، وذكر مثله ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية، ط الثانية 1413هـ – 1993م، ص 570 – 571.

[33] انظر: الفتاوى الشرعية على المشكل في المسائل الطبية، عبدالعزيز بن باز، ط 1426هـ – 2005م، ص 44، السؤال 29.

[34] فقه النوازل، ط الأولى، 1407هـ – 1986م، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض 1/222.

[35] الطب الشرعي ومسرح الجريمة والبحث الجنائي، د. مديحة فؤاد الخضري، أحمد بسيوني أبو الروس، ط بدون، ص 15.

[36] الموقف الفقهي والأخلاقي من قضية زرع الأعضاء، ط الأولى 1414هـ – 1994م، ص 26.

[37] انظر: الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، د. أحمد شرف الدين، ط الثانية ص 159.

[38] انظر: التعزير في الشريعة الإسلامية، ص 509، سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي 4/163، التشريع الجنائي الإسلامي، عبدالقادر عودة 1/770، مجلة البحوث الإسلامية، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، العدد 61 شوال 1421هـ، بحث «تنفيذ العقوبة التعزيرية»، د. طارق بن محمد الخويطر، ص 322 – 323، المبادئ العامة للإجراءات الجنائية في المملكة العربية السعودية، د. سعد بن محمد آل ظفير، ط 1435هـ، ص 41 – 42.

[39] بدائع الصنائع 7/246، وانظر أيضاً: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج 4/179، التشريع الجنائي الإسلامي 2/155 – 156.

[40] التعزير في الشريعة الإسلامية، ص 509، ووافقه على ذلك د. طاهر صالح العبيدي في كتابه النظرية العامة للتعازير وتطبيقاتها في الشريعة الإسلامية، ط الأولى 2006م، ص 284، ود. جبر محمود الفضيلات في كتابه سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي 4/163، ود. طارق بن محمد الخويطر في بحثه الموسوم بـ «تنفيذ العقوبة التعزيرية في الفقه» المنشور في مجلة البحوث الإسلامية، العدد 61، ص 322.

[41] انظر: التعزير والاتجاهات الجنائية المعاصرة، د. عبدالفتاح خضر، ط 1399هـ، الناشر: معهد الإدارة العامة بالرياض، ص 21 – 22.

[42] فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ط الأولى 1399هـ، 12/75 – 76 رقم 3727.

[43] انظر: التصنيف الموضوعي لتعاميم وزارة العدل، ط الثانية 1419هـ 1/709.

[44] انظر: الادعاء العام وأحكامه في الفقه والنظام، د. طلحة بن محمد غوث، ط الأولى 1425هـ – 2004م، ص 505.

[45] النظام الأساسي للحكم الصادر بموجب الأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412هـ.

[46] انظر: التعزير والاتجاهات الجنائية المعاصرة، ص 21 – 22.

[47] نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/2 وتاريخ 22/1/1435هـ.

[48] انظر: المبادئ العامة للإجراءات الجنائية، ص 42، وانظر: ما سبق أيضاً في المطلب الثاني من هذا البحث.

[49] انظر: لسان العرب 15/72 – 79 مادة عفا، والمعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، سوريا 2/612 مادة عفا.

[50] أحكام القرآن، ط 1987م 1/66.

[51] إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، الناشر: دار المعرفة، بيروت  لبنان 3/182.

[52] القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد، ط الثانية 1384هـ – 1964م 2/71.

[53] حقوق الجاني بعد صدور الحكم في الشريعة الإسلامية، د. معجب بن معدي العتيبي، ط الأولى 1413هـ – 1992م، ص 107.

[54] تبصرة الحكام 2/218.

[55] انظر: العفو عن العقوبة في الفقه الإسلامي، أ.د. زيد عبدالكريم بن زيد، ط الأولى 1410هـ، الناشر: دار العاصمة، الرياض، ص 494 – 495.

[56] وقد ذهب بعض الحنابلة إلى القول بأن التعزير واجبٌ مطلقاً، قال المرداوي: وهو واجب، هذا المذهب مطلقاً، وعليه الأصحاب، ونص عليه في سب الصحابي كحد وكحق آدمي طلبه، وهو من مفردات المذهب… الإنصاف، ط الأولى 1377هـ 10/240.

[57] حاشية ابن عابدين 3/187، وانظر أيضاً: شرح فتح القدير، لابن الهمام، ط الثانية 5/346.

[58] تبصرة الحكام 2/222.

[59] المرجع السابق 2/224.

[60] للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، الناشر: دار الفكر 2/288، وانظر: مغني المحتاج 4/193  -194.

[61] الأحكام السلطانية، ص 295.

[62] سورة هود الآية 114.

[63] أخرجه البخاري في صحيحه، 5/214، واللفظ له، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، صحيح مسلم بشرح النووي 17/80.

[64] انظر: العفو عن العقوبة، ص 496.

[65] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قوله تعالى: ﭽ ﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕﭼ   صحيح مسلم بشرح النووي 17/81.

[66] صحيح مسلم بشرح النووي 17/81.

[67] سبق تخريجه.

[68] معالم السنن، للإمام أبي سليمان الخطابي البستي شرح سنن الإمام أبي داود، ط الثانية 1401هـ – 1981م، 3/300.

[69] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي – صل الله عليه وسلم –: «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» 4/226.

[70] شرح فتح القدير 5/346.

[71] الكافي، لابن قدامة، ط الأولى 1418هـ – 1997م، 5/440 – 441، وانظر: الشرح الكبير لابن قدامة 5/494، كشاف القناع 6/124.

[72] انظر: الإنصاف، للمرداوي 10/240، الأحكام السلطانية، لأبي يعلى، ص 282.

[73] قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}(الأحزاب: 58).

[74] شذَّ من خالف في هذا ومنه ما نقل أن ابن المقري من الشافعية رجح أن للإمام أن يعفو عن التعزير الذي وجب لآدمي، لكن هذا القول ليس بالمعتمد في المذهب. قال الشربيني: ولا يجوز تركه – أي التعزير – إن كان لآدمي عند طلبه كالقصاص كما جرى عليه الحاوي الصغير ومختصره، خلافاً لما رجحه ابن المقري من أن له ذلك، مغني المحتاج 4/194.

[75] انظر: شرح فتح القدير 5/346، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للحطاب، ط الثالثة 1412هـ 6/320، روضة الطالبين 10/176، كشاف القناع 6/124، التعزير في الشريعة الإسلامية ص 513، التشريع الجنائي الإسلامي، عبدالقادر عودة 1/777، العفو عن العقوبة ص 393 – 494، أسباب سقوط العقوبة في الفقه الإسلامي، ص 131 – 134.

[76] لابن فرحون 2/224.

[77] الأحكام السلطانية، ص 295.

[78] لابن قدامة المقدسي 5/494.

[79] الأحكام السلطانية، ص 295، وانظر: تبصرة الحكام 2/224، الأحكام السلطانية لأبي يعلى الحنبلي، ص 282، سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي 4/161 – 162، التعزير، ص 513 – 514.

[80] الأحكام السلطانية، ص 295.

[81] انظر مثلاً: الأمر الملكي رقم أ/101 وتاريخ 9/4/1436هـ القاضي بالموافقة على العفو عن السجناء للحق العام في القضايا التعزيرية بمناسبة تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم.

[82] انظر: تطور الإجراءات الجنائية في المملكة العربية السعودية، عبدالله بن مرعي القحطاني، ط الأولى 1418هـ 1/127، الوجيز في نظام الإجراءات الجزائية السعودي، د. زكي محمد بشناق، ط 1431هـ، دار حافظ، ص 95، الادعاء العام وأحكامه في الفقه والنظام، ص 526.

[83] نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي م/2 وتاريخ 22/1/1435هـ.

[84] انظر: التشريع الجنائي الإسلامي، عبدالقادر عودة 1/777، التعزير، ص 513.

[85] نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/2 وتاريخ 22/1/1435هـ.

[86] نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 29/12/1412هـ.

[87] النظام الجزائي لجرائم التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/11، وتاريخ 18/2/1435هـ.

[88] نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/17 وتاريخ 8/3/1428هـ.

[89] نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/31 وتاريخ 11/5/1433هـ.

[90] انظر: لسان العرب 1/233 مادة «توب»، معجم مقاييس اللغة 1/357 مادة «توب».

[91] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم، ط الثالثة 1416هـ – 1996م 1/197.

[92] التعريفات للشريف علي بن محمد الجرجاني، ط الأولى 1403هـ، ص 70.

[93] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18/197.

[94] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الوبة 7/146 واللفظ له، ومسلم في صحيحه كتاب التوبة، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 17/60.

[95] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 17/76.

[96] شرح النووي على صحيح مسلم 17/59.

[97] شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، ط 1426هـ 1/85، وانظر أيضاً: شرح النووي على صحيح مسلم 17/59، المبسوط 9/142، الادعاء العام وأحكامه في الفقه والنظام، ص 552 – 555، مسقطات العقوبة التعزيرية، ص 279 – 281.

المصدر: الملتقى الفقهي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى