صور من تجارب العلماء في العمل السياسي

لا شك أن جدلية العلاقة بين الحاكم والعالم لازالت تستوقف الباحثين في مجال الدراسات السياسية المعاصرة، في زمن تراجعت فيه العلاقة بشكل كبير عن دورها الأساسي في ترشيد السلطة السياسية، فقد كانت العلاقة بينهما سابقا علاقة تكاملية حينما وعى كل منهما أن دوره لا يكتمل إلا بوجود الآخر، وكان الانسجام بينهما كبيرا، فالعالم يستنبط الأحكام من الشريعة الإسلامية والحاكم يطبقها ويحرس على سريانها في دولته حرصا منه على مصلحة الأمة سعيا منه لتحقيق الخيرية لها.

ولما ابتعد الناس عن المنهج الرباني وصار العالم في قبضة الحاكم غابت مصالح الأمة، وزالت معها هيبة بعض العلماء لقربهم من السلطان وتعلقهم بأعطياته الدنيوية، فازداد جبروت الحكام واستبدادهم وقد ألقوا بالعلماء في فواهة بركان يبررون ويقنعون الشعب بمواقف لا تمت للدين بصلة مستخدمين فهما مغلوطا للنصوص الدينية رغبة في إرضاء السلطة السياسية.

ولطالما سجل العلماء مآثر جليلة ومواقف خالدة في صفحات تاريخ الدولة الإسلامية، إيمانا منهم بشمولية الدين الإسلامي وأنه منهاج حياة وسبيل نجاة، لا يقتصر على بعض الشعائر الدينية المحصورة في ضمير الأفراد أو جدران المساجد، بل هو رسالة حياة تسعى إلى تحقيق الكرامة الإنسانية برعاية شؤون الدين والدنيا وإصلاح وضع البشرية بما يكفل لهم الخيرية.

فقد جاءت هذه الدراسة لتميط اللثام عن مواقف بعض العلماء المشاركين في العمل السياسي، مبرزة أدوارهم السياسية التي تراوحت بين مشاركة فاعلة في العمل السياسي وبين النصح والمشورة والفتيا للحكام. وبين من أعطوا الشرعية لمواقف ومشاريع السلطة الحاكمة، بتبرير الاستبداد والظلم والفساد في ظل الأنظمة السياسية المعاصرة التي تطلبت الاحتماء بالسلطة الدينية، أو من الذين عارضوا السلطة بقوة الحجة والجرأة ليكون الدين خالصا لله وحده ضمن مشاريع النهضة وحركات الإصلاح.

التصنيف:
Share this product!
زر الذهاب إلى الأعلى