تقارير وإضاءات

ما طبيعة الصراع بين المرجعيات الشيعية في العراق وأسباب خلافها مع مرجعية قم الإيرانية؟

ما طبيعة الصراع بين المرجعيات الشيعية في العراق وأسباب خلافها مع مرجعية قم الإيرانية؟

إعداد فراس الناصر

دعوة خطباء رجل الدين الشيعي محمود الصرخي إلى هدم المراقد والمزارات الدينية سلطت الضوء على الصراع القائم بين المرجعيات الشيعية في العراق، وطبيعة الاختلافات بينها.

وما زالت الضبابية قائمة بشأن مفهوم “المرجعية الدينية” التي تقود الطائفة الشيعية، التي تشكل حسب إحصائيات شبه رسمية ما يقدر من 150- 200 مليون شخص حول العالم، أي ما يقدر بنحو 10- 13% من إجمالي عدد المسلمين في العالم.

والمرجعية الدينية تعني -في المفهوم الشيعي- اتباع المسلمين الشيعة المرجع الذي بلغ رتبة الاجتهاد والأعلمية في استنباط أحكام الشريعة، إذ أصبح مؤهلا للإفتاء في الأحكام الفقهية، ويعبر عنه بالمرجع الديني أو “آية الله العظمى”.

ولتسليط الضوء على أبرز المرجعيات الدينية في العراق ومدى الاختلاف فيما بينها من جهة، وعلى المرجعيات خارج العراق من جهة أخرى، أعدت الجزيرة نت هذا التقرير:

المرجعيات الشيعية في العراق (مؤسسة العتبة العلوية في النجف)

الاختلافات في مرجعيات النجف

معظم المرجعيات في النجف غير عراقيين؛ فالمرجع الأعلى للشيعة الاثنى عشرية في العراق والعالم علي السيستاني ذو أصول إيرانية، ويليه كل من المرجع الشيخ محمد إسحاق الفياض (ذو أصول أفغانية)، والمرجع الشيخ بشير النجفي (ذو أصول باكستانية)، ثم المرجع محمد سعيد الحكيم الذي توفي سبتمبر/أيلول عام 2021 (عربي).

وهناك مرجعيات أخرى أقل تأثيرا، مثل محمود الصرخي (الذي لا تعترف بمرجعيته جميع المراجع)، والشيخ قاسم الطائي، والشيح محمد اليعقوبي، والشيخ عدي الأعسم، وهؤلاء لا يعترف بمرجعيتهم، بيد أن لهم أتباعا ومقلدين كثر، ويمكن أن يعد ذلك خلافا داخل حوزة النجف؛ فالمرجعيات الكبيرة لم تستطع استيعاب تلك الشخصيات لتسير بذات المنهجية الحوزوية لحوزة النجف.

وهناك مرجعيات موجودة في العراق ولها مكاتب، بيد أنها تنتمي لحوزة “قم”، مثل محمد تقي المدرسي، وصادق الحسيني الشيرازي، في حين يقيم المرجع الشيعي كاظم الحائري في قم (وهو أحد أبرز تلامذة محمد باقر الصدر).

الاختلاف ما بين هؤلاء المراجع يتمثل في أن جزءًا منهم يؤمن بولاية الفقيه، والآخر يؤمن بالولاية الحسبية؛ فالشيح محمد اليعقوبي، والشيخ قاسم الطائي يؤمنان بولاية الفقيه، وكذلك محمود الصرخي يؤمن بولاية الفقيه فكرة، ولكنه لا يتبع المرشد الأعلى في إيران علي الخامنئي بل يتبع المدرسة العلمية التجديدية، أي مدرسة الصدرَيْن (محمد باقر الصدر الذي أعدم عام 1980، ومحمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999)، ولديه مواقف رافضة لجميع مواقف السيستاني، أما البقية فتؤمن بالولاية الحسبية.

وكان محمد صادق الصدر (والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر) يؤمن بولاية الفقيه لكن بشكل خاص، بمعنى الولاية التي لا تكتسب من علمية الفقه والأصول، وإنما من الطرق الباطنية؛ لذلك في أثناء مرجعيته ووجوده عارض نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسبن وأصبح يؤثر في المجتمع عبر صلاة الجمعة التي يعتبر إقامتها واجبة، بينما مرجعية السيستاني تؤمن بالولاية الحسبية واعتمدت مبدأ “التقية” حتى الغزو الأميركي للبلاد والإطاحة بصدام حسين عام 2003.

ويميز بينهما أيضا أن هناك قسما منهم يؤمن بمدرسة المرجع محمد محمد باقر الصدر، والقسم الأخر يؤمن بأصول الشيخ محمد رضا المظفر؛ فأصول محمد رضا المظفر -من وجهة نظر محمد باقر الصدر- فيها ثغرات علمية، فهذبها وأخرج حلقات أصول من 3 أجزاء، وتلك نقطة جوهرية في الاختلاف.

وهناك خلاف آخر في حوزة النجف يتمثل في رجالات الرواة (رواة الحديث)، فقسم يعتمد على رجالات الشيخ الحلي (الحسن بن يوسف بنعلي بن محمد بن مطهر الحلي، المعروف بالعلامة الحلي الفقيه والمتكلم الشيعي في القرن الثامن الهجري)، والآخر يعتمد على رجالات الشيخ الطوسي (أبو جعفر محمد الطوسي، المعروف بشيخ الطائفة، من متكلمي ومحدثي ومفسري وفقهاء الشيعة في القرن الخامس الهجري)، وكل من يؤمن برجالات الأول لا يؤمن برجالات الآخر، وهذا أنتج خلافا فقهيا معتدا به بين الفقهاء.

أبو القاسم الخوئي وعلي السيستاني
السيستاني (يسار) من أبرز تلامذة المرجع الراحل أبو القاسم الخوئي (يمين) (مواقع التواصل)

زعامة النجف

لا تمييز بين المراجع الأربعة الكبار في النجف خلا أن الزعامة الحوزوية والشعبية في النجف هي للسيستاني، أما على المستوى العلمي فهناك مثلا مرجعية الشيخ بشير النجفي وهي متمكنة من الناحية العلمية وتفوق أقرانه الثلاثة، والزعامة جاءت من خلال قرب المرجع السيستاني من مرجعية أبو القاسم الخوئي (أحد مراجع النجف الذي تزعمها حتى وفاته عام 1992)، والسيستاني من أبرز تلامذته، وكذلك زوج كريمته، وهناك خلاف جوهري بين الخوئي وبين محمد باقر الصدر، من حيث رجالات الرواية؛ فكل منهما لا يؤمن برجالات الآخر ويختلفان في الأصول، فالصدر له أصول خاصة به ويعتبر مجددا في هذا المجال، أما الخوئي أيضا فلديه الرأي الخاص في المباني الأصولية، مع ملاحظة أن محمد باقر الصدر كان أحد طلبة الخوئي.

المصادر التاريخية تؤكد أن النجف مقر المرجعية الشيعية وليست قم (الجزيرة)

النجف وقم

تعد مدينتا النجف العراقية وقم الإيرانية قطبا التشيع في العالم، حيث تضمان ما تعرف بالحوزة العلمية، أي الأكاديمية أو الجامعة التي يتخرج منها رجال الدين الشيعة من جنسيات مختلفة، ويكمن الاختلاف بين مرجعيتي النجف وقم من ناحية الأسس التي تبنى عليها المرجعية، حيث هو اختلاف أكبر من كونه خلافا بين الحوزتين، لأنهما تعتمدان الأسس ذاتها في إثبات مرجعية كل منها.

أما من خلال الاختبار في الأصول، والفقه، أو بشهادة أهل الخبرة (طلبة بحث الخارج ممن حضروا عند جميع الفقهاء)، فهنا يشهدون برجاحة مرجع عن آخر، أو الشياع، أما من حيث المنهجية العلمية فهي المنهجية ذاتها، إلا أن الحوزة في النجف لا مركزية فيها، أما في قم فهي مركزية لرعاية الدولة.

ويكمن الفرق الجوهري بينهما في أن مرجعية قم مبنية بالأساس على ولاية الفقيه، في حين أن الذي يهيمن على مرجعية النجف هو من يؤمن بما تعرف بالولاية الحسبية التي تبنى على أن المرجعية ليس لديها بساطة اليد على التصرف بأمور المسلمين خاصتها، وإنما التصرف بما دل عليه الدليل ومنها قبض الحقوق الشرعية، والتصرف بها والإفتاء بأمور المسلمين، أما ولاية الفقيه فهي تؤمن بأنها تنوب عن الإمام المهدي (الإمام الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة الاثنى عشرية، وهو محمد بن الحسن بن علي المهدي ويعود نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما)، ولها الحق في التصرف بجميع أمور المسلمين.

وهنا تؤشر ملاحظة في قم والنجف إلى أن هناك من يؤمن بولاية الفقيه والولاية الحسبية، لكن من يهيمن على قم يؤمن بولاية الفقيه، ومن يهيمن على النجف يؤمن بالولاية الحسبية.

المصدر: الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى