تقارير المنتدىتقارير وإضاءاتكتب وبحوث

قراءة في كتاب (منهجية الشيخ القرضاوي في معالجة ظاهرة الغلو في التكفير) – للأستاذ عمار الفارس

قراءة في كتاب (منهجية الشيخ القرضاوي في معالجة ظاهرة الغلو في التكفير) – للأستاذ عمار الفارس

 

(خاص بالمنتدى)

 

لتحميل الكتاب من مكتبة المنتدى يرجى الضغط على الرابط: منهجية الشيخ القرضاوي في معالجة ظاهرة الغلو في التكفير

 

لاشك أن الأمة الإسلامية تواجه في زماننا هذا أزمات وتحديات كبرى، تهدد كيانها ووجودها، وتستهدف عقيدتها وحضارتها، بالبتر والاجتثاث مرة، وبالمسخ والتشويه أخرى، وبالطعن والتجريح ثالثة، ولعل من أبرز هذه التحديات (ظاهرة الغلو في التكفير)، والتي استفحل خطرها وانتشر شررها وتعاظم ضررها، فصارت لها مذاهب وجماعات، وتأسست عليه دول وبلدات، راحت تكفر ذات اليمين وذات الشمال، وتعيث في الأرض فسادا وتقتيلا، فكم دماء من أجلها قد سفكت؟ وكم من أرواح بسببها قد أزهقت؟ وكم من بلدان بدعواها قد أحتلت ودمرت؟ وما حلب والموصل عنا ببعيد:

قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما         عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ

لقد تسببت هذه الظاهرة بتفرق الأمة وتمزقها، واختلال الموازين وتبدلها، حتى صار البر فاجرا، والأمين خائنا، والمصلح مفسدا، بل وتطاول الفاجر على البر، فخسرت الأمة ولازالت تخسر خيرة قادتها وعلمائها ومصلحيها ممن ذهبوا غيلة وغدرا على يد صبية حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام، فمنذ أن ابتدؤوا جريمتهم باغتيال خيرة الناس من أصحاب رسول الله B، أمثال عبد الله بن خباب بن الارت ثم خليفة المسلمين علي بن ابي طالب رضي الله عنهم، لاتزال جرائمهم تضرب في الأمة وتثخن، وليس آخرها جريمة اغتيال العالم الليبي المصلح الشيخ الدكتور »نادر العمراني« رحمه الله تعالى.

لقد جرَّ هؤلاء البغاة الغلاة على هذه الأمة الكثير من المصائب والويلات، وأحدثوا العظيم من الجرائم والمهلكات، لعل أسوءها تشويه صورة الإسلام أمام العالمين، واجهاض مشاريع التحرر والتخلص من الاستبداد والظالمين، وخدمة الغزاة الطامعين واعطاءهم المسوغ للتدخل في شؤون المسلمين، إضافة إلى خسارة الأمة لكثير من شبابها وفتيانها، الذين ذهبوا وقودا وحطاما لحروب ومعارك خاطئة، ورحم الله الإمام الشوكاني الذي أجاد في توصيف هذه الظاهرة حين قال: (ها هنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله، بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا لسنة ولا لقرآن ولا لبيان من الله ولا لبرهان، بل لما غلت مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين، لقنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء والسراب البقيعة، فيا لله وللمسلمين من هذه الفاقرة التي هي من أعظم فواقر الدين، والرزية التي ما رزىء بمثلها سبيل المؤمنين).

لذلك كان لا بد من وقفات حقيقية ونظرات متأنية وخطوات جادة تجاه هذه الآفة الخطيرة، تأخذ على عاتقها تقليل الخطر وتخفيف الضرر، دون إفراط أو تفريط، وبلا إجحاف أو إسراف. ولا شك أن مهمة كهذه تقع على عاتق العلماء الربانيين والدعاة المخلصين، إذا تصدوا بقلب رحيم ومنهج سليم، لينقذوا الأمة من هذا المرتع الاثيم، وينتشلوا الشباب من هذا المستنقع الوخيم، ويسيروا بهم في طريق الوسطية والتوازن والاعتدال.

لكن مما يؤسف أن هذه الظاهرة لم تلق العناية المطلوبة والمعالجة المرجوة، فكان التعامل معها في أغلب الاحيان بطرق خاطئة وأساليب ضعيفة ومناهج متسرعة، لم تنتج حلولا ومعالجات، بل منها ما ساهم بشكل او آخر في تعقيد المشكلة وتفاقمها، نتيجة لردود أفعال مستعجلة وتحامل مسبق وإملاءات داخلية وخارجية، فغابت النظرة المتأنية والمعالجة الحكيمة، التي تستند إلى الأصول الشرعية والتجارب العملية، إضافة إلى سكوت وابتعاد كثير من العلماء عن دائرة الاهتمام والتأثير في التصدي والمواجهة، فكانت نتيجة ذلك كله استفحال المرض وانتشار الخطر.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي أخذت على عاتقها استقراء تلك المعالجات وتفحصها، ونقدها وتصويبها، في محاولة لتقديم النموذج الأنجع، والمنهجية الافضل، ولن نعدم خيرا أو نحرم فضلا، فالخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، وقد وجدنا جهودا مبذولة، وأعمالا مشكورة، قام بها بعض العلماء والدعاة من أجل محاصرة هذه المشكلة، فقدموا مقاربات ومعالجات ناضجة ومتميزة، وكان الأسبق في الطرح والأوقع في التأثير والأصلح في الواقع من تلك المعالجات المعاصرة هي ما قدمه الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، وهو من كبار علماء الإسلام العاملين في العصر الحديث، وأحد أعمدة الصحوة الإسلامية المعاصرة، ممن ساهموا في بعثها واستمرارها وترشيدها، من خلال بعض الكتب التي خصها بالحديث عن هذه الظاهرة الإسلامية المباركة مثل كتاب: الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، والصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، والصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي، ومستقبل الأصولية الإسلامية، وهموم المسلم المعاصر، وغيرها من الكتب حتى عُدّ بحق (فقيه الصحوة الإسلامية المعاصرة).

لقد ساهم العلامة القرضاوي من خلال كتاباته التي شملت مختلف الجوانب: الفقهية والاخلاقية والاجتماعية والإقتصادية والسياسية مساهمة فعالة في تثقيف الأمة، وتحديد أولوياتها، وتجديد بعض الجوانب التي أهملتها وقصرت فيها، فكانت زادا ومعينا لكثير من مراجعات الجماعات الإسلامية التي انتهجت العنف طريقا لها، ولعل نظرة سريعة في تلك المراجعات تجعلنا ندرك الدور الكبير للشيخ القرضاوي في تصحيح مسيرة هذه الجماعات وردها إلى سبيل الوسطية والاعتدال.

هذا وفي الوقت الذي كنا ننتظر استنساخ هذه المعالجة وتعميمها، واقتفاء آثارها وتطويرها، إذ بنا نُفاجأ بمحاربة صاحبها وتسقيطه، وملاحقته وتجريمه، فيوصف بزعيم الغلو والتطرف مرة، وموجه العنف والإرهاب أخرى، وهو الذي قضى عمره كله محاربا لكل أشكال الغلو في الدين. القرضاوي الذي أثنى عليه علماء الأمة ودعاتها، وما زال المسلمون في أصقاع الدنيا وقاراتها يعرفون قدره، وما فتئ طلاب الدراسات العليا في شتى الجامعات ينالون رسائل علمية في منهجيته ووسطيته، لا يصح أبدا أن يوصم بداعية العنف والإرهاب.

القرضاوي الذي حفظ الله بجهاده العلمي المديد المبارك مع آخرين شبابَ الأمة من الانحراف يمينا وشمالا، حتى غدا جيلا قويا يرعى مصالح الأمة ويحقق مقاصد الإسلام، إذ به يصبح بين ليلة وضحاها متطرفا يجب أن ينساه الناس ويجب أن تحاربه الأمة. ونحن هنا لا نقدم تزكية مطلقة للشيخ القرضاوي، فهو بشر يخطئ ويُصيب كغيره من العلماء، ولكن علينا جميعا أن نعترف بفضله وأن نشيد بجهوده، فلا يمكن لأحد أن يلغي عمرا مديدا، وحصيلة ضخمة من الكتب والخطب والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والأنشطة والفعاليات والهيئات والمؤسسات والروابط والاتحادات، أسسها أو ساهم في إنشائها أو كان أحد المساهمين في تطويرها ونجاحها خدمة للإسلام والمسلمين.

الجوانب الأساسية في الدراسة:

وُزعت هذه الدراسة على عدة أقسام، كانت هذه المقدمة إفتتاحية لها، ثم جاءت في شكل تمهيد بينتُ فيه: (مكانة العلماء في الأمة)، وتطرقتُ إلى الحديث عن (العدل والإنصاف)، وشددت على أهميتهما في الحكم على الاشخاص والهيئات والمشاريع بوصفهما المعيار الشرعي والاخلاقي الواجب على الباحث والناقد التزمها واعتبارها.

ثم جاء تفصيل الدراسة موزعا على أبواب عدة:

في الباب الأول منها تطرقنا إلى مناهج النظر التي تناولت ظاهرة الغلو في التكفير: وقد عرضناها ضمن ثلاثة مناهج: المنهج الأول: المعالجات العلمائية الخاطئة، والمنهج الثاني: طبيعة التناول الليبرالية لظاهرة الغلو، والمنهج الثالث: المنهج الوسط في المعالجة والمواجهة.

ثم جاء الباب الثاني بعنوان: منهجية الشيخ القرضاوي في تناول ظاهرة الغلو والتكفير، حيث تضمن هذا الباب ثلاثة فصول: كان الحديث في الفصل الأول عن منهجية الشيخ القرضاوي في تلقي النصوص وقبولها، بينما تناولنا في الفصل الثاني: منهجية الشيخ في فهم النصوص وتنزيلها، أما الفصل الثالث فكان مخصصا عن طريقة الشيخ في تفكيك ظاهرة الغلو ومعالجتها.

بعد ذلك يأتي الباب الثالث لنفصل الحديث فيه عن موقف الشيخ القرضاوي من قضايا ذات صلة بالغلو والتكفير، وكانت على النحو الآتي: في الفصل الأول طرقنا قضايا متعلقة بالإيمان ومقتضياته وهي (الإيمان والكفر، ثم الولاء والبراء، ثم تقسيم الدور وأحكامها). وفي الفصل الثاني تناولنا قضايا متعلقة بالحكم والحاكم والدولة، وكانت (الحكم بغير ما أنزل الله، ومصطلح الدولة المدنية، ثم مفهوم الديمقراطية ومدى تقاربه أو تباعده عن الإسلام، ثم عن الخروج على الحاكم). وتحدثنا في الفصل الثالث عن قضايا متعلقة بالجهاد وتطبيقاته وهي (علة القتال في الإسلام، ثم العمليات الاستشهادية، ثم تغيير المنكر بالقوة، ثم قتل المعاهدين والمستأمنين).

وكالعادة كانت نهاية الدراسة بخاتمة ذُكرت فيها خلاصة موجزة عن البحث، ثم ذكر أهم النتائج التي توصلنا إليها، وذيلنا البحث بعد ذلك بقائمة للمصادر والمراجع ثم بفهرس للموضوعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى