تقارير المنتدىتقارير وإضاءات

قراءة في كتاب (لمحات في منهجية شرعية لدراسة المستجدات السياسية) – لفضيلة د. عبد الكريم الهواوي

قراءة في كتاب (لمحات في منهجية شرعية لدراسة المستجدات السياسية) – لفضيلة د. عبد الكريم الهواوي

 

(خاص بالمنتدى)

 

لتحميل الكتاب بصيغة pdf يرجى الضغط على الرابط: لمحات في منهجية شرعية لدراسة المستجدات السياسية

ما أكثر المستجدات والمستحدثات الموجودة في عالمنا اليوم، وما أكثر تدفق ما يقذفه بركان الإعلام من ألفاظ ومصطلحات، تحمل في طياتها ماء نشأتها، ودماء تراثها الذي زُرعت فيه ونمت، حتى أصبحت المفاهيم والمعاني تُرَوَّجُ مثل ترويج السلع، وتحرص الأمم القوية على انتشار مناهجها ومصطلحاتها ومفاهيمها؛ لأنها نوع من أنواع القوة؛ ولكنها القوة الناعمة التي تتسلل إلى عقول الناس وقلوبهم عبر الدعاية والتكرار، وعبر الاغتراب -وبطبيعة الحال أيضًا- عبر الضعف عند المتلقي والقابلية للاستلاب.

ومن أهم ما يحدث في هذا الصدد وتغلي به قدور الأفكار أو تجري به رياح الإعلام ما يتعلق بـ (العلوم الإنسانية) ومن أظهرها أثرا وأخطرها تأثيرا (العلوم السياسية( التي أصابتها عند المسلمين حالات فاقة جعلت ثيابها رثة ومنظرها مُزريًا.

وهذه الفاقة جاءت من جهتين:

الأولى: قلة ما ألَّفَه السابقون في العلوم السياسية قياسًا على ما ألفوه في الجدل والكلام مثلاً.

بل إن المُطالع لكتب التراث يجد أنواعًا من التواليف التي لا قيمة لها عمليًّا مثل كتب أسرار الحروف والطوالع وتأثير النجوم والأفلاك والقصص الإسرائيلية، والحكايات الموضوعة على الأنبياء، وكتب التسليك في الطرق المعينة، وكتب أهل الباطن، ونحو ذلك.

في حين أن ما يتعلق بقوة المسلمين ووحدتهم ونهضتهم أو ضعفهم وتفرقهم ونكستهم لم يُكتب فيه إلا القليل، وهذا القليل أيضًا يغلب عليه مسايرة الأحوال التي كتبت فيه تلك المؤلفات والرسائل أو بعض أبواب السياسة الشرعية في كتب الفقه.

ومن هنا كان العوز واضحًا في هذا المجال، وانتقل هذا العوز عبر الأجيال حتى وصل العصر الراهن الذي تقلبت فيه مفاهيم كبرى وتغيرت فيه مضامين أساسية وتدفقت فيه أمواج متلاطمة من العلوم والمصطلحات والتصورات.

الثانية: قلة ما ألَّفَه المعاصرون في العلوم السياسية بناء على هوية الأمة وقيمها، وإن كانت هذه القلة نسبية إذا قيست بقلة ما كتبه الأوائل.

فقد تدارك الله هذه الأمة في هذا العصر بدعوات تجديدية إصلاحية استفادت من الماضي ولم تنقطع عنه، وأضافت للحاضر محاولة وضع معالم على دروب النهضة.

بل إن بعضهم خاض التجارب السياسية بما أمكنه من مفاهيم إسلامية عامة، وبما قدر عليه من إدراك لمعاني خصوصية الأمة الإسلامية، وشهودها الواجب عليها.

غير أنه بالرغم من هذه المحاولات المشكورة إلا أنها أيضًا، قليلة بالنسبة لحاجة المسلمين، وضئيلة إذا قيست بما كتبه العلمانيون من أبناء البلاد الإسلامية؛ والذين هم في الأغلب الأعم نسخ مكررة عن الفكر العلماني الغربي بصيغه المختلفة، كما أن تلك المحاولات تحتاج إلى مراجعات ومدارسات، وخاصة عند أولئك الذين صدمتهم الحملات العالمية والإقليمية ضد ما يسمونه (الإسلام السياسي) فراحوا يبحثون عن سياسة عليها قشرة إسلامية، بل إن بعضهم أصبح يدعو إلى نظام (علمانية جزئية) تحت مظلة (مقاصد الشريعة) أو (المصلحة المرسلة) أو غير ذلك.

وهذا نتاج طبيعي لأي صدمة من الصدمات الثقافية والحضارية، فكيف إذا حالف ذلك ضغوط أمنية وإعلامية ومعيشية، وتفكك مُتوقع في الدول القطرية الراهنة.

من هنا كان من المهم وضع بعض اللمحات التي تشير إلى أصول المنهجية الشرعية في دراسة المستجدات السياسية، وهي إسهام في باب (تأصيل الفقه السياسي الإسلامي) لعله يفتح الباب لحوارات أوسع، وموضوعات أدق.

ولعله أيضًا يكبح من جماح ظاهرة (الإسلام العلماني) أو (التعلمن الإسلامي) وهي ظاهرة تستند إلى رافعتين خافضتين!

الأولى: رافعة (علم المقاصد) حين استخدمت بطريقة خاطئة، فصارت خافضة.

والثانية: رافعة أخرى من تجارب شخصيات وأحزاب إسلامية حاولت أن تطهّر ما قدرت على تطهيره من مفاهيم السياسة وممارساتها من خلال التماهي مع العلمانية المتغولة، فذهب ظن البعض إلى أن هذه هي التجربة الفريدة الناجحة فراح يقيس عليها، في حين أنها مجرد تجربة، وكما لها من المزايا فعليها من المآخذ الشيء الكثير، وحسب أصحابها  أنهم بذلوا ما يمكنهم بذله، وأصلحوا ما يمكنهم إصلاحه، ولكنهم ليسوا نهاية التاريخ ولا هم الهدف الأكبر الذي تسمو إليه أمة الإسلام ذات الخصائص الفريدة والتوازن الشامل بين الثبوت والتحول، والمبادئ والوسائل، والتأصيل والبناء..

ومن هنا كانت هذه الثانية خافضة أيضًا لأذهان معتنقيها، وهي أشبه ما تكون -في جزئية مسايرة الواقع- بكلام الفقهاء القدامى في حكم المتغلّب مراعاة لواقع عاشوه، وفتن حصلت بسبب التكالب على الكرسي.

ولأن من أهداف منتدى العلماء معالجة النوازل وفق نظرة شرعية متزنة، لا ترفض أو تقبل القديم لمجرد قدمه، ولا تعتنق أو ترد الجديد لمجرد جِدّته؛ كانت هذه المحاولة التي نرجو أن تكون مفتتحا لمزيد من الأبحاث المؤصلة والعميقة.

نسأل الله أن يصلح حال هذه الأمة وأن يعزها ويرفع قدرها لتحمل رسالة الرحمة إلى العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى