كتب وبحوث

فلسطين وأكذوبة بيع الأرض

الكتاب: فلسطين وأكذوبة بيع الأرض

المؤلف: عيسى القدّومي

التاريخ: الطبعة الأولى ـ 1425هـ ـ 2004

الناشر: مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ـ بيروت ـ لبنان

الصفحات: 146 صفحة من القطع المتوسط

عرض: محمد بركة

 

ظَهرت في تاريخنا المعاصر بعضُ الأكاذيب الَّتي رَوج لها الصهاينة، وتولى كِبرها المُرجفون.. من هذه الأكاذيب بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود، وتلقّف هذه الفِرية من تلقّفها ليبُثوها في جسد هذه الأمة، في محاولة لإلغاء التاريخ، ولكن هيهات..

ومن ثم يأتي كتاب عيسى القدومي “فلسطين وأكذوبة بيع الأرض” الذي صدر في بيْروت، ليؤكد ولاء المسلمين في فلسطين للأرض المقدسة، وتفانيهم للدفاع عنها. ويسعى المؤلف لتجلية حقيقة فرية بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود، وتوضيح مدى تأثير تلك الأكذوبة على القضية الفلسطينية ومسارها، ومدى تصديق الكثير لها؛ نظرًا للافتقار إلى تأريخ عربي صحيح لعملية الاقتلاع الَّتي لم تُرو إلا مجزأة حتى الآن.

يمهد المؤلف لكتابه بإثبات كثير من الصفات السلبية التي اتصف بها اليهود على مر التاريخ، مثل الكذب الذي لا ينفك عنهم أبدًا، وطمس الحقائق، وعداء الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك المكر والخداع، وإطلاق الشائعات.

الأكذوبة.. البداية والرعاية

بدأ الكتاب بكلمة جاء فيها: هل حقًا باع الفلسطينيون أرضهم؟ فرية ظالمة، أكذوبة سمجة، كذّبها الواقع. وشواهد التّاريخ، انطلَتْ وللأسف الشّديد، على الرئيس والمرؤوس، الكبير والصّغير، ويبدو أنّها أصبحت حقيقة مسلمّة، دفع بها اليهود لتكون خنجرًا مسمومًا في صدر المسلمين في فلسطين، ليتخلىّ عنهم مسلمو العالم.

وتحت عنوان “الأكذوبة.. البداية والرعاية” يذكر الكتاب تفاصيل أكذوبة بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود؛ حيث اعتبرها أكذوبة تتصاغر أمامها كل الأكاذيب التي أشاعها اليهود، والتي دفعت العالم للتساؤل: لماذا يطالب الفلسطينيون بتحرير أرضهم بعد أن باعوها؟ ولا يختلف اثنان على أن هذه الأكذوبة شوهت صورة الفلسطينيين على مستويات عديدة، وغطت على جرائم اليهود ومجازرهم الوحشية ضد الفلسطينيين.

ويورد الكاتب إثبات الشيخ محمد أمين الحسيني (مفتي فلسطين) في كتابه “حقائق عن قضية فلسطين”  كذب هذا الادعاء؛ من خلال الإشارة إلى أن المخابرات البريطانية، وبالتعاون مع اليهود أنشأوا عدة مراكز دعاية ضد الفلسطينيين، منها مركز للدعاية في القاهرة في شارع قصر النيل، وكان من مهامه بث الدعاية المعروفة بدعاية الهمس.

ويورد أيضًا قول الحسيني:أن أهل فلسطين كغيرهم من الشعوب، فيهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفراد قصّروا أو فرطوا أو اقترفوا الخيانة، لكن وجود أفراد قلائل، من أمثال هؤلاء، بين شعب كريم مجاهد، كالشعب الفلسطينيّ، لا يدمغ هذا الشعب، ولا ينتقص من كرامته.

ثم يشير المؤلف بعد ذلك إلى قول الباحثة البريطانية روز ماري: إن أكثر الاتهامات إيلامًا للفلسطينيين أنهم باعوا أرضهم، وتلك الحماقة كررها على مسامعى صحافي معروف في صحيفة واسعة الانتشار عام 1968م.

ومن أسباب انتشار تلك الأكذوبة وتصديقها كثير من الأقلام المعادية التي دشّنت لها، وكتبت من أجل ترسيخها في عقول الناس، تلك الأقلام التي قالت: إن الفلسطينيين لم يدافعوا عن أرضهم، ولولا معارضتهم للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل القضية لما وصلت الحالة إلى ما وصلت إليه، ولم تتح هذه الصحف التي فُتحت لهم الفرصة لغيرهم لرد تلك الأباطيل.

أراضي فلسطين في ظل الحكم العثماني

كانت فلسطين إحدى ولايات الدولة العثمانية طيلة أربعة قرون، وكانت القوانين تمنع بقاء اليهود في فلسطين، أو حيازتهم لأراضيها، وقد صمد السلطان عبد الحميد في وجه الأطماع اليهودية في حيازة أرض فلسطين حتى فقد عرشه، وتم عزله ونفيه.

ونجحت بريطانيا بعد ذلك في عام 1910م في الضغط على الدولة العثمانية، ومررت لقانون «تصرف الأشخاص الحكمية»، وهو قانون سمح للشركات بالتصرف في الممتلكات غير المنقولة، واستغلت المؤسسات الصهيونية بنود هذا القانون لاقتناص أراضٍ في قلب فلسطين، وتوجت الضغوط البريطانية على الدولة العثمانية عام 1911م عندما تم منح الأجانب حق التملك والتصرف في الأراضى العثمانية، ما عدا منطقة الحجاز.

واستمرت الجهود البريطانية من أجل إنجاز المشروع الاستيطاني اليهودي، إلى أن اقتنص اليهود650,000 دونم، على الرغم من أن اليهود لم يكن لهم أي حيازات للأراضي الزراعية في فلسطين حتى عام 1868م، كما لم يزد عددهم حتى عام 1877م عن 3.1% من إجمالي سكان فلسطين.

ويلخص المؤلف بعض المجهودات اليهودية التي بذلت من أجل استيطان فلسطين في العهد العثماني، منها: تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين 1882م، والمساعي اليهودية بمعاونة الإنجليز 1875م؛ للسيطرة على فلسطين عن طريق شراء قناة السويس، وكذلك الدور الذي لعبته أوروبا في مساعدة اليهود في الحصول على امتيازات في المنطقة، كل ذلك فضلاً عن إسهامات العائلات اليهودية الثّرية، ومُلاك الأراضي في بيع الأراضي لليهود، وخاصة اللبنانيين أمثال عائلات سرسق وتويني وقدور.

ولم يقف الفلسطينيون موقفًا سلبيًا تجاه ذلك المد الصهيوني في فلسطين، بل أسسوا الكثير من اللجان والمنظمات بهدف مواجهة هذا المد، منها: «الجمعية الخيرية الإسلامية» و«جمعية الشبيبة النابلسية»، و«جمعية يقظة الفتاة العربية».

وعملت هذه اللجان بنشاط وحركية عالية المستوى ضد الاستيطان اليهودي، إلا أن المساعدات البريطانية في الفترة من 1850م إلى 1920م أدت إلى اقتناص 650,000 دونم، بحجة إنعاش الزراعة، وبناء المستشفيات والجامعات.

لا ينكر المؤلف أن هناك عددًا من الفلسطينيين باعوا أرضهم، ولكن المسألة لا تصل إلى هذه الدرجة من التعميم المبالغ فيه؛ حيث كان ذلك نادرًا جدًا، وللخبير الإنجليزي «فرانس» تقرير، وأيده الخبير سمبسون في ذلك، ذكر فيه أن بعض أهالي فلسطين باعوا أرضهم، إما لتسديد ديونهم، أو لدفع ضرائب الحكومة، أو للحصول على نقد لسد رمق عائلاتهم، ولم تتعد هذه المساحة 1% من مجموعة مساحة البلاد.

ولكن في ظل وجود هذه الحقيقة، على المنصفين أن ينظروا إلى جانب آخر يمثل أغلبية شعب كريم مجاهد، يتمثل هذا الجانب في تشبث الكثيرين بأرضهم مثل: آل الحسيني الذين حافظوا على أملاكهم للنهاية.

إن الشعب الفلسطيني واجه السماسرة العملاء، وصدرت الفتاوى بتحريم وتجريم بيع الأرض لليهود، ولم يتعد ما تم بيعه من قبل كبار الملاك الفلسطينيين 096،% أي أقل من 1%.

أرض فلسطين في ظل الاحتلال البريطاني

وينتقل الكتاب إلى هذه المرحلة بعد أن صار احتلال فلسطين ساري المفعول منذ عام 1923م؛ حيث تناول تسهيلات بريطانية قدمها الاحتلال لليهود في مسار الاستيطان، وكان من قبل ذلك “وعد بلفور” الذي يعد أبرز هذه المساعدات.

وقد تعاونت بريطانيا مع منظمات يهودية متخصصة في بيع الأراضى وشرائها، على رأسها صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار، والصندوق القومي الإسرائيلي.

وكان مجموع ما استولى عليه اليهود إلى يوم انتهاء الانتداب البريطاني في 15 من مايو 1948م نحو مليوني دونم، أي نحو 7% من مجموع أراضي فلسطين، وكان البريطانيون كثيرًا ما يعرضون إغراءات قوية على الفلسطينيين للتنازل عن أرضهم؛ حيث يقر بذلك الشيخ محمد أمين الحسيني في «حقائق عن الوطنية الفلسطينية»، فيذكر أن بريطانيا اتصلت به شخصيًا عام 1934م، وبكثير من الوطنيين الفلسطينيين تعرض عليهم أن يرحلوا إلى شرق الأردن، على أن يُعْطَوا مساحة الأراضي التي كانوا يمتلكونها مضاعفة، ولكنهم رفضوا هذا العرض السخيف. على حد قول الشيخ أمين. ومما لا شك فيه أن ارتباط الفلاحين الوثيق بأرضهم هو الذي منع الحركة الصهيونية من الحصول على أكثر من 6% من المساحة الإجمالية لأراضي فلسطين قبل عام 1948م.

ولم ينقذ اليهود من هذه الورطة التي كان يستحيل معها بناء دولة، إلا قرار تقسيم فلسطين في 29 من نوفمبر سنة 1947م، الذي أعطى لليهود مساحة 54% بعدما كانوا لا يملكون سوى 7،6%، وتسبب في تراجع موقف العرب؛ حيث كانوا يملكون 93,3% ، فصار إلى ملكيتهم مساحة 45% فقط من أرض فلسطين.

وقد سنت إسرائيل منذ سنة 1948م نحو ثلاثين تشريعًا، نقلت بواسطتها الأرض من ملكية العرب الخاصة إلى ملكية الدولة، وبموجب أحد هذه التشريعات صودر نحو مليون فدان من الأراضي التي يملكها 18000 فلسطيني، وذلك عام 1953م، ونتيجة للسيطرة اليهودية الكاملة على ذلك الجزء، فقد فتح المجال واسعًا أمام مؤسسة «الكرن كايميت» لتوسيع ممتلكاتها حتى وصل مجموع ما امتلكته حتى عام 1958م إلى3,300,000دونم. واتباعًا لهذه السياسة أصبح سلب الأرض صنعة يهودية أجادوا عملها؛ حيث استطاعوا حتى عام 1949م أن يستولوا على 80% من الأراضي، وطردوا 770,000 فلسطيني.

المشروع الاستعماري على أرض فلسطين

لا يختلف اثنان على أن الإرهاب اليهودي هو الآلية التي تم بها تفريغ جزء من فلسطين من سكانها، فقد دمر اليهود 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة، وارتكبوا 34 مجزرة، ودير ياسين أقوى النماذج لهذه المجازر.

تلك المذبحة التي قال عنها الصهيوني مناحم بيجين في كتابه “الثورة”: إنها ومذابح أخرى فرغت فلسطين من 650 ألف عربي، ولولا دير ياسين ما قامت “إسرائيل”.

أما أملاك الأوقاف الإسلامية، فكانت حكومة الانتداب البريطاني قد أوكلت إدارتها إلى الهيئة الإسلامية العليا، ثم قررت حكومة عام 1935م دفع مبلغ سنوي ثابت مقداره 30 ألف جنيه فلسطيني مقابل أعشار الأوقاف، ولم تحافظ سلطة الاحتلال الصهيوني على هذا الوضع، بل جنت وزارة الأديان الإسرائيلية على الأوقاف الإسلامية وضمتها إلى الميزانية العامة، بل حاولت اغتصاب المقابر وغيرها من أراضي الأوقاف.

وبعد حرب 1967، وبموجب الأمر رقم 59 لسنة 1967 بشأن أملاك الحكومة، استولت قوات الاحتلال على نحو 100 ألف دونم من أراضى الضفة، وارتفع الرقم إلى 450 ألف دونم بحلول عام 1984م، وبموجب كثير من القرارات تم الاستيلاء على الممتلكات الخاصة، والأموال المتروكة، بالإضافة إلى معسكرات الجيش والشرطة الأردنية، واستمرت المصادرات حتى بلغت 25% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى 400 ألف دونم تمثل 8% من مساحة الضفة.

فضلاً عن الاستيلاء على 100 ألف دونم من أراضي المزارعين، ثم قام اليهود بعد ذلك بعملية مسح للضفة الغربية، وذلك في عام 1978م، وتم تصنيف الأرض ضمن ثلاثة أنواع: صخرية، وبور صالحة للزراعة، ومزروعة، وبعد ذلك أقيم ما يقارب 160 مستوطنة من أجل إحكام السيطرة على هذه الأراضي.

أما مدينة القدس فقد هُدم حي المغاربة، وأُجلي سكانه، وتمت مصادرة نحو 20% من مساحة البلدة القديمة خلال الشهر الأول من احتلالها، ثم طرد أكثر من 6000 فلسطيني خارج المدينة، وصودر نحو 630 عقارًا، وهدم 135 عقارًا آخر، وبعد ذلك صودرت باقي القرى المميزة بالمدينة، وبموجب قانون قديم يرجع لسنة 1948م استولت إسرائيل على نحو 70 ألف دونم، واغتصب اليهود بيوتًا بالقدس، هذه البيوت لهم ولأبنائهم، وحظرت ذلك على العرب.

وخلاصة الأمر أن عمليات المصادرة نتج عنها استيلاء الكيان الصهيوني على نحو 56 ألف دونم من أصل 63 ألفًا هي مساحة القدس العربية، أما البلدة القديمة فقد وضعت السلطات يدها على 250 دونمًا تمثل 26% من مجموع مساحة البلدة.

صمود أهل فلسطين يدحض الأكذوبة

ويؤكد الكتاب أن تشبث الشعب الفلسطيني بأرضه، وبخيار المقاومة، وما يقدمه من شهداء وبطولات وإنجازات، كل ذلك يمثل خير دليل على أن هذا الشعب لم يبع أرضه رغم الإغراءات المادية المذهلة لترك المنازل والأراضي، بل ويفضلون أن تُهدم فوق رءوسهم على أن تسلب شراءً، وساكنو المخيمات منذ الأربعينيات شاهد عملي على ذلك، ولا زال أهلها يحتفظون بأوراقهم الثبوتية حتى هذه اللحظة.

كما وقف علماء المسلمين موقفًا بطوليًا عقديًا من بيع الأراضي لليهود، فأصدروا الفتاوى التي تحرم وتجرم هذا الفعل، وكانت الفتوى الأولى عام 1935؛ حيث اجتمع في القدس كبار علماء فلسطين، وأجمعوا على تحريم بيع الأرض الفلسطينية لليهود، وتحريم السمسرة عليه، والسكوت عنه، أو الرضا به.

إلى المخدوعين بهذه الفرية

تحت هذا العنوان يبعث المؤلف برسالة إلى كل الذين انطلت عليهم هذه الأكذوبة، بأن يكلفوا أنفسهم البحث عن حقيقة هذه الفرية، وألا يكونوا سهامًا في صدور أصحاب هذه الأرض الذين لا زالوا يقاومون من أجلها، فلا يخفى على أحد أن الكذب وسيلة قوية يرتكز عليها اليهود في تنفيذ مشروعاتهم، وتأتي قوة هذه الوسيلة لديهم من أنها تجد ـ وللأسف ـ من العرب والمسلمين أنظمة وحكامًا، مصدّقين، بل مروجين لها، فهناك كثير من الأنظمة العربية التي عمدت إلى نشر هذه الأكذوبة بعد هزيمة حرب 1948م، بل إنهم يعملون على إظهارها كلما خمدت، ويفتحون صحفهم وقنواتهم لكتاب باعوا أنفسهم وكرامتهم ليروجوا ـ تلميحًا أو تصريحًا ـ لهذه الفرية.

وانتهى الباحث إلى الحقيقة التالية: أراضي فلسطين لم يبعها أهلها، ولا اليهود اشتروها، وامتاز الكتاب بكثرة المراجع والوثائق والشهادات والإحصاءات والخرائط التي توضح الحقيقة، وتكشف زيف تلك الأكذوبة، فما أجدرنا بإعادة قراءة هذا الكتاب في هذه الأيام، التي تشهد فيها القضية الفلسطينية منعطفًا خطيرًا.

(المصدر: مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى