صناعة الفوضى.. لماذا تسعى مصر لتقسيم ليبيا؟

صناعة الفوضى.. لماذا تسعى مصر لتقسيم ليبيا؟

إعداد E-International Relations (موقع أكاديمي سياسي)

ترجمة: سارة المصري.

بوصفها دولة مجاورة، يُشكّل انعدام الأمن في ليبيا تهديدا أمنيا مباشرا لمصر. لذلك تستفيد مصر من ليبيا مستقرة ذات حكومة مركزية، إلا أنه ومن ناحية أخرى، توفر القاهرة الدعم لميليشيات وعناصر سياسية منتقاة، مثل الجنرال خليفة حفتر، متصادمة بذلك مع جهود الوحدة التي تدعمها الأمم المتحدة، ومُطيلة بذلك أمد الصراع في ليبيا. يسعى التقرير إلى تقييم أسباب تصرف مصر بالطريقة التي تعمل بها في ليبيا وآثار ذلك على النزاع الليبي على خلفية موقف الجهات المسلحة غير الحكومية في ليبيا.

يُركّز التقرير على سياسة مصر تجاه ليبيا عبر السؤال الرئيسي: “كيف يمكن شرح سياسة مصر المتناقضة إزاء ليبيا وما تأثيرها على الصراع في ليبيا؟”، تقدم الورقة البحثية الوضع الحالي في ليبيا والجهات الفاعلة الرئيسية، ثم يتم تقييم مصالح مصر المتعددة في ليبيا واستخدامها لشرح سياسة مصر في ليبيا وتأثيرها على الصراع الليبي.

مفارقة أمنية

عادة لا تكون الإجراءات الأمنية بوضوح الأبيض والأسود؛ ولكنها مستمدة من شبكة معقدة من المصالح المتعددة وعوامل متداخلة، متبادلة التأثير. يمكن أن يؤدي هذا التعقيد إلى سيناريوهات يقوم فيها فاعل (دولة) ما بتنفيذ تدابير أمنية تخدم بعض المصالح ولكنها تُلحق الضرر بمصالح أخرى. نسمي هذه الظاهرة هنا “المفارقة الأمنية”. وتشير المفارقة الأمنية إلى المواقف التي تتعارض فيها الإجراءات الفورية مع النتيجة المرغوبة على المدى الطويل. ويجبَر الفاعل على التصرف بطريقة معينة لضمان توفير الأمن لفترة قصيرة والحماية من التهديدات الفورية، لكنه بالتالي يخلق وضعا سلبيا لنفسه.

والمعضلة الأمنية تختلف عن المُفارقة الأمنية، حيث يقع جوهر المعضلة الأمنية في كون “كلا الطرفين يفشلان في إدراك مشكلتهما” و”لا يدركان أنهما يُولّدان مشاعر عدم الأمان لدى الطرف الآخر”. وفي حين تركز المعضلة الأمنية على الديناميات بين فاعلين اثنين أو أكثر، تحدث المفارقة الأمنية من وجهة نظر فاعل واحد. وبالتالي يمكن لفاعل أن يكون مدركا تماما للوضع وتناقض تصرفاته، ومع ذلك، يفتقر إلى بديل أفضل ويشعر بأنه مضطر إلى التصرف على هذا النحو. وبالتالي لا يمكن تصنيف الموقف على أنه معضلة أمنية ولكنه مفارقة أمنية.

نجد أفضل مثال على المفارقة الأمنية في الأمن النووي، وعادة ما يشار إليه باسم مفارقة الأمن وانعدامه. حيث تسعى الدول الصغيرة على وجه الخصوص للحصول على أسلحة نووية لزيادة أمنها عن طريق ردع الهجمات التقليدية. والحصول على الأسلحة النووية في العادة يزيد الاستقرار. لكنه، في الوقت نفسه، يزيد احتمالية استخدام الأسلحة النووية، مما يقلل الاستقرار النووي. ومع ذلك، فالحرب النووية مع عواقبها المدمرة ليست الحل الأمثل للجميع. فيما يتعلق بالدول التي تمتلك موارد طاقة تقليدية، قد يعتبر الانتزاع الشامل للأسلحة النووية الحل النظري الأمثل على المدى الطويل. ومع ذلك، طالما أن هناك دولة واحدة فقط بحوزتها أسلحة نووية، فإن الدول مجبرة على الاحتفاظ بأسلحتها النووية لحماية نفسها وتأكيد قوتها التفاوضية وحفظ توازن القوى بشكل عام كنتيجة مباشرة. وهذا بدوره يجعل احتمال نزع السلاح النووي على المدى الطويل مستبعدا.

يمكن أن تحدث المفارقات الأمنية في سيناريوهات مختلفة. فيما يتعلق بالصراع الدائر في ليبيا، يمكن اعتبار أن الحكومة المصرية تواجه مفارقة أمنية في سياستها تجاه ليبيا. في حين أن أفضل حل طويل الأجل لمصر سيكون دولة قومية مستقرة في ليبيا من أجل الحماية الحدودية الممكنة وزيادة التجارة، تدعم مصر جهات فاعلة محددة في شرق ليبيا، وبالتالي تعيق تشكيل الدولة. في السطور التالية نقيّم مفارقة مصر الأمنية بمزيد من التفصيل.

الوضع الحالي في ليبيا

منذ عام 2011 وليبيا تعتبر وعلى نطاق واسع دولة منهارة. عزز انهيار الحكومة المركزية ومؤسسات الدولة والقانون والنظام ظهور مختلف الجهات الفاعلة المحلية. واليوم، تشهد ليبيا درجة قصوى من تقسيم السلطة اللا مركزي والأفقي بين القبائل والميليشيات والجماعات الإثنية والأحياء والمدن والقرى. لقد صدرت أوامر سياسية على الصعيد دون الوطني تستند إلى المصالح المحلية. تقدم بيئات النزاع الشرقية والغربية والجنوبية حوافز مختلفة وتؤدي إلى تعدد الجماعات المسلحة مما يجعل ليبيا دولة متنازعا عليها بشدة. وبدلا من تعزيز السلطة [المركزية]، تتنافس الجماعات المسلحة على القيادة المحلية.

كما تؤثر سهولة الوصول إلى الأسلحة وزيادة النشاط الإجرامي سلبا على احتمالية إنشاء تماسك اجتماعي. إن التطلعات السياسية للميليشيات والانتقال من السياسة الشاملة إلى دمج سلطة البعض مع استبعاد الجماعات الأخرى تزيد من انقسام ليبيا، ويعزز تشرذم الجماعات المسلحة تصعيد النزاع ويمنع احتكار القوة والسلطة المركزية العاملة.

منذ عام 2016 وهناك معسكران اثنان رئيسيان مبنيان على “حكومتين” رئيسيتين. من جهة، هناك حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، وتحظى بدعم الميليشيات الثورية في المدن الغربية والميليشيات الإسلامية في أحياء طرابلس والقبائل الجنوبية والإخوان المسلمين، كما يدعمها المجتمع الدولي بصفتها الحكومة الرسمية. من جهة أخرى، يدّعي خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي أن إدارته العسكرية شرق ليبيا هي الحكومة الشرعية. ويحظى حفتر بدعم أجزاء واسعة من الجيش والقبائل الشرقية والجماعات المسلحة الفردية في الغرب والجنوب. وكذلك بإعلانه القتال ضد جماعة الإخوان المسلمين، اكتسب حفتر دعما خارجيا من مصر والإمارات. وفي اجتماع في باريس عام 2017، حظي حفتر بمزيد من الشرعية الدولية من الحكومة الفرنسية لمكافحته ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

فايز السراج وخليفة حفتر (الجزيرة)

من وجهة النظر هذه، يمكن النظر للجماعات غير الحكومية باعتبار أنها تساعد الحكومة في الحفاظ على القانون والنظام. ومن ناحية أخرى، تتسم الجماعات المسلحة عادة بقدر عالٍ من الاستقلالية وغياب المساءلة وانتهاك حقوق الإنسان، مما يعيق مسؤولية الدولة عن توفير الخدمات الاجتماعية وحماية مواطنيها. في حين يرى الليبيون الحاجة إلى مخاطبة الجهات الفاعلة غير الرسمية لتوفير الاحتياجات الأساسية حيث إن هياكل الدولة الرسمية ضعيفة وغير فعالة، ينظرون في الوقت نفسه إلى المؤسسات الرسمية باعتبارها الأكثر شرعية. ويُنظر إلى الجماعات المسلحة على نطاق واسع باعتبارها عقبة رئيسية أمام قيام دولة موحدة وأكبر تهديد أمني في المحافظات.

ولكن بالنظر إلى نفوذها، يجب دمج الميليشيات في أي تسوية سياسية وإحضارها إلى طاولة المفاوضات. لكن مصالحها المحلية وتأثيرها في المنطقة ودعمها الخارجي لا يزيد انقسام البلاد فحسب، بل يحول أيضا دون الانضمام إلى أي جهود للوحدة.

يهدد عدم الاستقرار في ليبيا بشكل مباشر الأمن القومي لمصر واستقرارها. وهناك تحدٍّ أمني كبير يتمثل في الحدود المصرية الليبية التي يبلغ طولها 1150 كيلومترا

مصالح مصر في ليبيا

التدخل الخارجي والمناورات الإقليمية يفرضان الفوضى الداخلية في ليبيا. وبوصفها جارة مباشرة لليبيا، تعد مصر أحد أصحاب المصالح الرئيسيين. وبالتالي فإن سياسة مصر تجاه ليبيا مدفوعة بمصالح متعددة تمتد من الاهتمامات الأمنية الملحة إلى الاعتبارات الاقتصادية إلى الأهداف الأيديولوجية ومكافحة الإسلام السياسي.

يهدد عدم الاستقرار في ليبيا بشكل مباشر الأمن القومي لمصر واستقرارها. وهناك تحدٍّ أمني كبير يتمثل في الحدود المصرية الليبية التي يبلغ طولها 1150 كيلومترا. منذ سقوط القذافي، زاد العنف على طول الحدود بشكل كبير. ونظرا لعدم الاستقرار بداخل ليبيا وعلى طول الحدود، يُنظر إلى تحقيق أمن الحدود الكامل باعتباره مستحيلا من الجانب المصري الرسمي. رغم وجود عشرات الآلاف من القوات المصرية في الصحراء الغربية، والألغام الأرضية على طول الحدود والمقاتلات العسكرية في السماء، تظل الحدود مركزا رئيسيا لتهريب الأسلحة والمخدرات والأشخاص، بمن فيهم المتطرفون والمسلحون. وزاد تهريب الأسلحة ووصولها إلى المقاتلين الإسلاميين في منطقة سيناء، حيث تخوض مصر معركة ضد عناصر تابعة لتنظيم الدولة هناك. وتخشى مصر من حدوث المزيد من الآثار غير المباشرة للمليشيات الجهادية والمجرمين في أراضيها.

بجانب المخاوف الأمنية، تلعب المصالح الاقتصادية دورا رئيسيا في سياسة مصر تجاه ليبيا. فقبل عام 2011، كان ما يقرب من 1.5 مليون مصري يعيشون ويعملون في ليبيا، مما يولد تحويلات مالية تصل إلى 33 مليون دولار أميركي سنويا. بحلول عام 2015، انخفض عدد العمال المهاجرين المصريين في ليبيا إلى النصف، مع انخفاض التحويلات التي كان لها آثار شديدة على الاقتصاد المصري. كانت ليبيا أيضا شريكا تجاريا رئيسيا لمصر في الماضي. ومع ذلك، تؤثر الحرب الأهلية في ليبيا سلبا على التجارة الثنائية، حيث انخفضت الصادرات المصرية إلى ليبيا بنسبة 75٪. وتدّعي وزارة الخارجية المصرية أن الحكومة الليبية ستضاعف استثماراتها في الأسواق المصرية، وتزيد التعاون الاقتصادي وتعيد حجم التجارة كما كان قبل الثورة بالإضافة إلى دعم الشركات المصرية في إعادة إعمار ليبيا بمجرد استقرار البلاد. ومما يرتبط ارتباطا وثيقا بالمصالح الاقتصادية لمصر هو أمل القاهرة في تأمين مصالحها في مجال الطاقة في ليبيا. فمصر اليوم هي مستورد صافٍ للطاقة وتراكمت دونها لأكثر من ثلاثة مليارات دولار مع شركات الطاقة الأجنبية؛ لذا فوجود ليبيا مستقرة وغنية بالنفط والغاز يمكن أن يسمح لمصر باستيراد مصادر الطاقة الليبية بأسعار منخفضة.

إن ثالث اهتمام أساسي لمصر هو مشروعها الأيديولوجي للقضاء على الإسلام السياسي. فالهدف الرئيسي للقاهرة هو تحجيم جماعة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج، وهو ما يشمل التصدي لتأثير جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا. والإجراءات المصرية المضادة لها أهمية خاصة بالنظر إلى دعم القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا أو قطر لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا. وفيما يتعلق بمصالح مصر الأكثر إلحاحا، فإن ليبيا المستقرة ذات حكومة مركزية قادرة على تأمين حدودها، والتعامل مع التهديدات الإسلامية والجهادية الداخلية، والانخراط في التجارة الثنائية مع مصر، تبدو أفضل سيناريو على المدى الطويل. وفي حين أن مصر تدعم رسميا جهود وحدة الأمم المتحدة، فإنها من ناحية أخرى تدعم القبائل والميليشيات الشرقية في ليبيا وحكومة حفتر التي تصد عملية التفاوض التي تدعمها الأمم المتحدة. لذا تساعد المصالح المتعددة والاعتبارات الأمنية لمصر في فهم سياستها المتناقضة في ليبيا.

تدخل مصر في ليبيا

إن مصدر القلق الرئيسي لمصر هو استقرار ليبيا؛ وهكذا تشارك القاهرة في الدبلوماسية الدولية لإقامة تسوية سياسية. على الصعيد الرسمي، تعلن مصر أن الحوار الوطني البنّاء هو السبيل الوحيد للمصالحة السياسية. لذلك، تدعم القاهرة الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة وتستضيف اجتماعات اللجنة الوطنية المصرية حول ليبيا لبناء توافق بين الأطراف الليبية وتشجيع توحيد المؤسسات العسكرية وغيرها من مؤسسات الدولة. لكن هذا يأتي بالتزامن مع إلقاء القاهرة اللوم على المجتمع الدولي للانتقال السياسي البطيء في ليبيا. وتستند اتهامات السيسي إلى الإطاحة الدولية بالقذافي ومن ثم “عدم إنهاء المهمة”. وتدعو مصر المجتمع الدولي رسميا إلى “إصلاح ما أفسده” بتعزيز بناء المؤسسات وإعادة الإعمار وحكومة مركزية مجمع عليها في ليبيا، وهذا يؤكد سعي مصر لتحقيق الاستقرار والوحدة في ليبيا.

إلا أن مصر لديها مصالح متعددة فيما يتعلق بدولتها المجاورة؛ فإلى جانب الاستقرار طويل الأجل، فإن الجانب الرئيسي لسياسة ليبيا الحالية في القاهرة هو نهجها المتمركز حول الأمن؛ حيث تجبر الحدود المضطربة والحاجة إلى التعامل مع الإسلاميين باعتبارها أحد المخاطر الأمنية الرئيسية القاهرة على التعاون مع زعماء القبائل في المنطقة الحدودية الليبية المصرية. وجرى العرف أن يجمع الزواج والنسب بين قبائل شرق ليبيا والصحراء الغربية المصرية، الأمر الذي يمكن أن يوفر تربة خصبة للاستخبارات والوساطة للمشاجرات عبر الحدود. من هنا عقدت مصر اتفاقيات مع قبائل في المنطقة الحدودية مثل قبيلة أولاد علي ذات النفوذ، والعديد من قبائل مطروح كحل قصير الأجل لمكافحة الاتجار عبر الحدود وتهريب الأسلحة. ومع ذلك، فإن هذا التعاون الانتقائي للنخب القبلية يفشل في معالجة المظالم الأساسية في المنطقة ويفتقر إلى حلول طويلة الأجل لقضايا الحدود الحالية.

تُظهِر سياسة مصر المتضاربة في ليبيا مفارقة أمنية؛ حيث يمنع دعم حفتر حدوث فراغ في شرق ليبيا كأرض خصبة للجهاديين والإسلاميين، وبالتالي فهو بمنزلة إجراء أمني منطقي فوري

كما وجدت مصر في حفتر حليفا رئيسيا يرأس تحالفا من الميليشيات الفيدرالية والقبائل الشرقية والوحدات العسكرية في شرق ليبيا. وتدعم القاهرة حفتر والميليشيات المتحالفة من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي وتوريد الأسلحة، وبالتالي انتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. ولمصر، يجمع حفتر بين المصالح الأمنية المختلفة؛ فعلى سبيل المثال، يؤكد دعم مصر لحفتر أهمية استقرار حدود مصر كما أنه يشارك في القتال ضد الجهاديين والإسلاميين، وله موقف واضح ضد الإخوان المسلمين في ليبيا. وهناك تشابه مهم آخر بين الرئيس المصري السيسي وحفتر وهو الاعتقاد المشترك بضرورة وجود قاعدة عسكرية قوية لإرساء الاستقرار وتدعيم الهوية الوطنية. يسمح تأطير مصر لليبيا بإطار من مخاوفها الأمنية بإضفاء الشرعية على نهجها الأمني ​​تجاه ليبيا وتدخلها فيها. من خلال تصوير حفتر على أنه رجل قوي سيساعد على استعادة الاستقرار ومحاربة السيطرة الإسلامية، تُظهِر الحكومة المصرية موقفا واضحا تجاه ليبيا.

إلا أن حفتر وجيشه الوطني الليبي يعارضان حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، كما وأن الموقف الصارم المعادي للإسلاموية يستقطب البلاد. فالميليشيات الإسلامية مضطرة إلى الانضمام إلى تحالف واحد يقوض الفصائل الإسلامية الأكثر عملية وهو ما يدفع الرعاة الخارجيين للإسلاميين مثل قطر إلى توسيع الدعم. في الوقت الذي يفتقر فيه حفتر إلى القدرات اللازمة لتوسيع قوته وإرسال قوات إلى طرابلس. لذلك، بدلا من تعزيز الوحدة والاستقرار، يزعم الخبراء أن دعم مصر من جانب واحد لحفتر يُحدِث مزيدا من الانقسام في ليبيا. وقد هددت الاصطدامات الجارية بين الجانبين المتنافسين والمجموعات المسلحة بالفعل الأمل في عقد انتخابات في نهاية عام 2018. كما أن الارتباط الوثيق بحفتر يعوق الجهود التي تبذلها مصر للعمل كوسيط محايد لتحقيق الوحدة.

تُظهِر سياسة مصر المتضاربة في ليبيا مفارقة أمنية؛ فمن وجهة نظر أمنية يمنع دعم حفتر حدوث فراغ في شرق ليبيا كأرض خصبة للجهاديين والإسلاميين، وبالتالي فهو بمنزلة إجراء أمني منطقي فوري. ومع ذلك تعمل سياسة مصر تجاه ليبيا على إطالة أمد الصراع وتعرقل فرص التسوية بين الأطراف الليبية المتحاربة. وبهذه الطريقة، فإن الهدف طويل الأجل المتمثل في قيام ليبيا مستقرة من أجل تعاون أمني واقتصادي أفضل مع مصر يتم عرقلته. وطالما أن ليبيا غير مستقرة وهناك قوى خارجية أخرى تدعم الميليشيات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، فإن مصر تدعم بعض الميليشيات وحفتر لتأمين مصالحها الخاصة في ليبيا وتجنب التداعيات العدائية، حتى لو كان ذلك يعني إطالة أمد الصراع.

تتمتع الميليشيات والجماعات المسلحة المحلية في ليبيا بنفوذ واسع النطاق مع الجانبين الحاكمين الرئيسيين اعتمادا على دعمهما وتوفيرهما الأمني، فحتى الأمم المتحدة اعتمدت على الميليشيات لتوفير الأمن للمؤسسات الرسمية ومنشآت الأمم المتحدة بدلا من إخراجها من الأدوار الحكومية، باتباع أجنداتها الخاصة، والتنافس فيما بينها بدلا من توحيد السلطة والطعن في شرعية الحكومة المركزية في ليبيا. ومع ذلك، فإن الجماعات المسلحة تعد عاملا رئيسيا في إطالة وتعقيد عملية الانتقال السياسي. وبالتالي، فإن الدعم الخارجي أحادي الجانب للجماعات المسلحة المعنية يزيد من انقسام ليبيا، مما يعوق جهود الوحدة.

بالنظر إلى أفعال مصر بالتفصيل، تواجه الحكومة مفارقة أمنية. فمن ناحية، ستستفيد مصر بقوة من ليبيا مستقرة مع حكومة مركزية موحدة لتعزيز التجارة والأمن الثنائيين. ومن ناحية أخرى، تتنافس القاهرة مع القوى الإقليمية الأخرى حول النفوذ في ليبيا، مثل قطر وتركيا التي تدعم الجماعات الإسلامية، بينما تولي مصر أهمية لاحتواء الإخوان المسلمين والإسلام السياسي. وبالنظر إلى المخاوف الأمنية العاجلة، مثل الحدود الليبية المصرية المضطربة وخطر الانقلابات الجهادية أو الإسلامية على مصر، فإنها تدفع القاهرة إلى دعم الميليشيات التابعة لها ومنح دعم من جانب واحد لحفتر في شرق ليبيا، على الرغم من أن هذا يتناقض مع جهود وحدة الأمم المتحدة.

(المصدر: ميدان الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى