كتابات

رمضان الفضيل “شهر الفتوحات و النصر و الجهاد”

بقلم الشيخ فايز النوبى

 فهذا الشهر الفضيل، والذى أكرمنا الله عزوجل به: لم تكن أيامه ،ولياله فى عهد النبى “صلى الله عليه وسلم” وصحبه الكرام للنوم والكسل، والتبطل والراحة،وترك العمل ،وإنما كانت أيامه ولياليه عملا وجهادا ،وتحركا وسعيا للدنيا والآخرة .

 ومعظم الغزوات ،والمعارك والفتوحات الإسلامية التى كانت في صدر الإسلام فى حياة “الرسول الأعظم”– صلى الله عليه وسلم –وعهد خلفائه الراشدين من بعده، والعصور الذهبية للمسلمين بعد ذلك ،والتي إنتصر المسلمون- بفضل الله عزوجل – فى جلها إنما كانت فى هذا الشهر الكريم .

 ففى رمضان من السنة الثانية للهجرة،وفى اليوم السابع عشر على وجه التحديد، وقد وافق يوم جمعة، وكان أول رمضان يفرض فيه الصيام على المسلمين. حدث :أول لقاء مسلح، وأول معركة كبرى للمسلمين ،ضد أعداء الله فى يوم الفرقان، يوم إلتقى الجمعان في بدر، وتم أول إنتصار- بفضل الله تعالى- لجندالله “أهل الحق العارفين بربهم” على جند الشيطان “أهل الباطل العابدين للأوثان” قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين بنصره وتأييده : (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون )

 وفى رمضان من السنة الثالثة للهجرة عبئ النبى صلى الله عليه وسلم: جيشا لصد عدوان المشركين ؛الذين كانوا يستعدون للهجوم، والثأر لقتلاهم فى بدر ،وقد أتوا بالفعل، ووصلوا الى مشارف المدينة، وكانت: “موقعة أحد” بعد ذلك فى شوال بعد إنتهاء رمضان، وفى رمضان من السنة الخامسة للهجرة: كان إستعداد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لغزوة الخندق أو الأحزاب، والتي انتصر المسلمون فيها بفضل الله عزوجل، والذي قذف الرعب في قلوب الأعداء، وأرسل عليهم بردا ،و ريحا شديدة قلعت خيامهم، وكفأت قدورهم، وأرعبتهم فولوا الأدبار فارين مدحورين .وفى رمضان من السنة السابعة للهجرة: بعث النبى –صلى الله عليه وسلم- بسرية قادها “غالب بن عبد الله”؛ لقتال بنى عبدالله بن ثعلبة ،وكانوا قد أعلنوا عداءهم للمسلمين فانتصر غالب عليهم، وغنم كثيرا من الخيرات ساقها إلى المدينة. وفى رمضان من السنة الثامنة للهجرة :كان الفتح الأعظم؛ فقد تم “فتح مكة المكرمة”، ودخلها المسلمون مع رسول الله– صلى الله عليه وسلم– نهارا جهارا بعد أن أخرجوا منها ليلا وسرا، وحطم الرسول- صلى الله عليه وسلم- الأصنام بيده الشريفة، وهو يقول :(جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )وبهذا الفتح المبين تم :نصر الله ودخل الناس فى دين الله أفواجا، واندحر الشرك ،وتبدد ظلامه.

 وفى رمضان من السنة التاسعة للهجرة: كانت عودة الرسول- صلى الله عليه وسلم -من غزوة تبوك المظفرة ، ثم تتوالى الإنتصارات، والغزوات بعد ذلك، وكثير منها يحدث أيضا في هذا “الشهر الفضيل” ففى الأول من رمضان عام عشرين للهجرة ،وفى عهد أمير المؤمنين “عمر الخطاب”- رضي الله عنه- دخل الفتح الإسلامي إلى مصر بقيادة” عمرو بن العاص” – رضي الله عنه – والذى حاصر حصن” بابليون” بعد أن إكتسح جند الروم فى طريقه ،وفى الرابع والعشرين من رمضان بنى أول مسجد فى أفريقيا مسجد”عمرو بن العاص” بالفسطاط فى مصر .

 وفى منتصف رمضان سنة 138 للهجرة يؤسس “عبدالرحمن الداخل” والمعروف “بصقر قريش” :دولة إسلامية قويةفى الأندلس.

 وفى السادس من رمضان سنة 223للهجرة جهز الخليفة العباسي” المعتصم” جيشا لحرب الروم إستجابة؛ للصرخة الشهيرة لإحدى النساء المسلمات (وامعتصماه)حيث حاصر عمورية إلى أن سقطت بأيدي المسلمين ،وكانت

 معركة عين جالوت فى الخامس والعشرين من رمضان عام 658للهجرة حينما خرج سلطان مصر سيف الدين قطز ؛ لملاقاة المغول فى عين جالوت وانتصر المسلمون إنتصارا ساحقا، وأدت المعركة؛ لإنحسار نفوذ المغول، فى بلاد الشام ،وخروجهم نهائيا، وإيقاف المد المغولى ، وفى الرابع من رمضان سنة 666 للهجرة :نجح المسلمون بقيادة “الظاهر بيبرس” فى إسترداد مدينة “أنطاكية” من الصليبين بعد أن ظلت أسيرة فى أيديهم لمدة سبعين عاما ،وفى السادس من رمضان سنة 92للهجرة انتصر: “محمد بن القاسم” —وكان شابا صغيرا فى السابعة عشرة من عمره –على جيوش الهند عند نهر السند، وتم فتح بلاد السند. وذكر لنا إمامنا “القرضاوى” –حفظه الله– ضمن مشاهداته فى بلاد الهند والسند ،وهو يركب القطار شاهد محطة بالقرب من كراتشي تسمى( محطة محمد بن القاسم) ذلك الشاب الطموح الذى قال فيه الشاعر : إن السماحة والمروءة، والندى لمحمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة، ياقرب ذلك سؤددا من مولد . و فى يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة479 للهجرة كانت: موقعة “الزلاقة” وهو سهل يقع على مقربة من “البرتغال الحالية”، وانتصر فيهاجيش المرابطين المسلمين، فى الأندلس بقيادة “يوسف بن تاشفين” على جيش الفرنجة البالغ ثمانين ألفا، وكان بقيادة الفونس السادس ملك قشتالة ، وأيضا معركة رودس، وهى جزيرة كانت تابعة لمملكة المجر ،وكان الصليبيون يقطعون طريق البحر على الحجيج، من خلالها، فاستشاط غضبا حينئذ الخليفة العثمانى “سليمان القانونى” حفيد محمد الفاتح، وجهز جيشا كبيرا بقيادة “مصطفى باشا” فزلزل أركانهم، وحقق نصرا مشرفا ،فى رمضان سنة 989 للهجرة، ولا يفوتنا أن نذكر بحرب الثأر على الكيان الصهيوني، والتى قام بها الجيشان المصرى، والسوري وبمؤازرةمن بعض الجيوش العربية والإسلامية فى العاشر من رمضان عام 1393للهجرة وتحقق بفضل الله تعالى ثم بفضل الروح الإسلامية التى غرسها فى الجنود ، وقتها بعض علماء الأزهر المخلصين، وعلى رأسهم الإمام الداعية محمد الغزالى رحمه الله تحقق نصر جزئي محدود ضيع ثمرته العملاء، والخونة بعد ذلك

 هذا كله يدل: على أن شعار الصوم هو القوة ،والجهاد والعمل، وأن حركةالجهاد لاتتعطل فى رمضان فضلا عن غيرها من أعمال الحياة. وهذا الشهر الفضيل شهر “جهاد النفس” حيث يجعل المسلم لنفسه خطاما ،وزماما يقودها به إلى طاعة الله عزوجل ،ويزمها عن معصيته، ويتشبه فيه المسلم بالملائكة الذين( لا يعصون الله ماأمرهم، ويفعلون مايؤمرون)والذين (يسبحون الليل والنهار لايفترون)فتقوى فيه معانى الإيمان ،ويستعصى على وساوس الشيطان، وهذا كله من أعظم وسائل النصر على أعداء الله فى ساحة الوغى وينبغي أن نحرص على أسباب القوة، وأعظم معانى القوة: قوة الإيمان ،ثم بعد ذلك القوة المادية (وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة، ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)وينبغي أن نتأسى بسلفناالصالح فى جهادهم، و ندرس غزواتهم وخاصة فى رمضان وغيره دراسة واعية مستفيضة؛ لنستخلص منها :أسباب النصر، ونتعلم منها العبر والدروس ،ونتعرف من خلالها على سنن التمكين في الأرض؛ حتى نكون مستعدين للبذل، والتضحية والشهادة فى سبيل الله عزوجل.

 ولابد أن يتواكب مع هذا مراعاة “السنن الكونية” والسنن الشرعية ،وفهم أمر الجهاد فهما :شرعيا صحيحا ومعرفة الواقع: معرفة جيدة دون تهويل ،أوتهوين، ومراعاة الفرق بين الوضع قبل التمكين، والوضع بعده وبين حالة الضعف، وعدم القدرة ، وحالة القوة والإستطاعة، ولا داعى للعجلةوالتهور ،والإندفاع فعندما أتى الصحابى الجليل “خباب بن الأرت” يطلب من الرسول– صلى الله عليه وسلم– النصرة والدعاء قائلا: يارسول الله ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا فهدأه النبى صلى الله عليه وسلم، ووضح له الطريق، وبين له السنن، وقواه وصبره، وذكره أنه لاتمكين قبل الإبتلاء، وقال له :(ياخباب لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل ،ويوضع فى حفرة، وينشر بالمنشار فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط من حديد مابين لحمه، وعظمه مايصده ذلك عن دينه، ولكنكم تستعجلون )ولاحجر على سعة فضل الله، ورحمته فكم من بلد فتحت بالدعوة والقرآن؛ كالمدينة المنورة وكم من بلد فتحت بالسيف والسنان .

 والله تبارك وتعالى تعبدنا بالأسباب، ولم يتعبدنا بالنتائج ، ثم إن أمر التمكين ما هو: إلا محض فضل الله عزوجل ،وتوفيقه سبحانه وتعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم، وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كمااستخلف الذين من قبلهم ،وليمكنن لهم دينهم الذى إرتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لايشركون بى شيئا )وقال أيضا (الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)وقد مر الجهاد بمراحل متعددة :فكان الكف و الإعراض، والصبر على الأذى ثم الإذن ،بإباحة القتال ثم فرضه على المسلمين؛ لمن يقاتلهم، ويعتدى عليهم . والواجب قد يسقط بالعذر والعجز ، وعدم الإستطاعة (لايكلف الله نفسا إلاوسعها )فعلينا أن نقدرظروف الوقت والواقع حتى لانبنى قصورا من الرمال، ونفسد من حيث نريد الإصلاح، ونضر حيث نبغى النفع، فالحق والصواب إذا كانت الدعوة مستطاعة ومقدورة، فليس لنا أن نتخلف عنها ،والكلمة قدتكون أحيانا: أوقع من ضربات السيف، والخير والتمكين، والنصر والأمر كله بيد الله عزوجل يؤتيه من يشاء، وقت مايريد سبحانه

 فاللهم ربنا نسألك: نصرك المؤزر لعبادك المؤمنين ونسألك تحقيق؛ وعدك لمن نصر الدين فإنك لاتخلف الميعاد. اللهم مكن لدينك فى الأرض، وافتح له قلوب الناس ،وائذن لشريعتك أن تحكم وأن تسود، وانصر عبادك المستضعفين، وانتقم من الظالمين، أرنافيهم عجائب قدرتك، واجعلهم للناس عبرة إنك نعم المولى ونعم النصير.

*المصدر : الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى