كتاباتكتابات مختارة

دور العلماء والمشايخ في مواجهة حركة معادية هدامة

دور العلماء والمشايخ في مواجهة حركة معادية هدامة

بقلم أ. أسعد قاسم السنبهلي القاسمي

نشأت في الهند علیٰ غرار القرن العاشر الهجری طائفة ضالة منحرفة، تسمی «بالمهدویة» وکانت هي حقا ثورة قویة، شملت الهند طولا و عرضا، وامتد نطاقها بأقصر فترة إلیٰ کل من إیران، وخراسان، وبلاد الأفغان، وقد أقلقت العلماء والمسلمین، وزلزلت البلاد زلزالا شدیدا، فلا یجد الدارس حرکة في التاریخ أشد منها قوة و منعة، وأکثر ذیوعًا وانتشارًا، أسسها السید محمد، الذي ولد في جونفور، من مدن الهند یوم 14 خلون من جمادى الأولى سنة 847هـ، أبوه يوسف وأمه آغا ملك، غير أنهما غيَّرا اسمهما إلى عبد الله وآمنة، بعد ما وصف الجونفوري نفسه بالمهدي المنتظر، كان قلقا مضطربا، وكان قوي الباطن، يحب الزهد والفقر، ويفضل الصبر والتجلد في الحياة، كما كان ذا خطابة قوية مدهشة، تسحر الناس، وتجعلهم يبايعونه بيعةً عامةً، ويتهافتون عليه تهافت الظمان على الماء، والفراش على النور، وبذلك لم يزل الجونفوري موضوعًا ساخنا، تناوله العلماء والكُتاب بالبحث والتحقيق، واستعرضوا ما كان يحمل من شخصية قوية، ومواهب نادرة، إضافة إلى ما غيَّب رشده وصوابه، وأدى به إلى هوة من الضلال والانحراف. ونحن نلخص فيما يلي ما حققه الداعية الشهير، والمفكر الإسلامي الكبير الشيخ أبوالحسن علي الحسني الندوي في تاليفه القيم «رجال الفكر والدعوة»، حيث يقول:

     «كان السيد محمد الجونفوري قوي الباطن، عظيم المواهب، بالغ التأثير في النفوس، شجاعًا باسلا، غير راضٍ بأحوال الأمة، آمرا بالمعروف، وناهيا عن المنكر، وله شخصية فتانة موهوبة، وخطبة ساحرة قوية، لاينجبها الدهر إلا بعد مدة مديدة وفترة بعيدة، شب على شوق دينه، وشدة ورعه، وظهر بين الناس جريئا شجاعا مقداما، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ولا يخاف في الله لومة لائم، من أجل ذلك تلقب بأسد العلماء وهو شاب يافع، كان قلق البال، مضطرب الخاطر، يمتاز بعلو كعبه في حرقة الصدر، وقوة النفس، وتأثير الباطن، ويتألم من أحوال الأمة، ولا يطمئن لجنبه مضجع، تربى على طريقة الشيخ دانيال في إصلاح النفس، وتزكية القلوب، ثم اشتغل بالعبادة والرياضة، وترك الأهل والأولاد، ثم خرج يتجول في الفيافي والجبال، والأودية والتلال، يجهد نفسه، ويذكر ربه، وذلك مما يودي بالمرء – إذا لم يكن له رسوخ في العلم، وتعمق في النصوص، وشيخ كامل ومرشد جليل – إلى أوهام ورموز، ربما تسبب التعثر في إدراك الخواطر والإشارات، وحمل المعاني والمفاهيم، حملًا خاطئًا فاحشًا، فتحقق له ذلك، وادعى أنه المهدي الموعود والمنتظر، وقام بذلك مرارًا وتكرارًا، كما دعا الناس كافة إلى الإيمان به مهديا، واللحوق بزمرة الأتباع والمسترشدين.

     وبإجهاده النفس، وتحمله المشاق، واشتغاله بالعبادة والرياضة، حصل له شخصية ساحرة خلابة، وتاثير قوي راسخ في القلوب، يتأثربه كل من يصحبه، ويبهت من يسمعه عاميا كان أو عالما وأميرا، فيدعهم يرغبون عن المناصب، ويزدهون في رغد العيش ويتركون آباءهم وأبنائهم، يقبلون عليه، وينفرون معه خفافًا وثقالًا، كما شهدت بذلك «ماند» وعاصمة الملك غياث الدين الخلجي، وجانفانير (غجرات) مركز الملك محمود شاه الغجراتي، هكذا في أحمد نغر، وبيد، وكلبركه، وأحمد آباد، وامتلأ كلها بحبه وتقديره حتى بايعه عدد ضخم هائل، ولحقوا بركبه، وأما السند وقندهار فأشعل فيهما الجونفوري عواطف الشعب، وأثار مشاعرهم بخطابه القوي الجياش، الذي اغتربه ألوف من الناس حتى انضم إليه المرزا شاه بيك حاكم ولاية قندهار.

     كانت حياته عبارة عن التجرد من حطام الدنيا، والزهد في ملذاتها وزخارفها، والانقطاع إلى الله عما سواه، ولا يقتصر على ذلك؛ بل يتعدى إلى كل من يقيم عنده من الأوفياء والمخلصين فكان مركزه مليئا بالذكر والعبادة، والإيثار والمؤاساة، والعدل والمساواة، في توزيع المآكل دون تفضيل وترجيح لأحد منهم حتى السيد الجونفوري كان يعيش كفرد منهم.

بدون تفوق وامتياز(1)

     وبالعزلة المديدة عن الناس، وكثرة العبادة في الأودية والجبال صار السيد محمد الجونفوري يدعى علنًا وجهرًا بأنه هوالمهدي الموعود الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بظهوره في آخر الزمن، ثم طاف البلاد والأمصار، وجاس خلال الديار، يدعو الناس إلى الإيمان بشخصيته ودعوته، كما قام أخيرًا بزيارة البلد الأمين لينشر دعوته في رحاب الحرم المكي ويذيع أمره بالآفاق، وهو ابن 54 سنة، حتى عاد فيها على إثره إلى الهند بدون زيارة المدينة المنورة، كي يلقي عصا الترحال في مدينة أحمد آباد عاصمة ولاية غجرات، فلم يزل يكرر دعواه، ويبلغ أمره. ونورد للقراء رسالته التي وجهها إلى الولاة والسلاطين، وأعيان الحكومة، ووجهاء البلاد فيما يلي:

     «أيها الناس إني امرؤ سمّيٌّ لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد بعثني الله تعالى خاتما للولاية المحمدية الكبرى، وخليفة على أمته المرحومة، أنا الموعود الذي أخبر عنه الأنبياء والرسل والصحف السماوية، كما أشار إلى ظهوري النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأقره السلف والخلف، وسعدت حقا بالخلافة الإلهية العظمى، أنا مفروض الطاعة، يقِظ نبيه غير مصابٍ بالغفوة والسكر، أرزق من الله طيبا، فلا أتمنى الملك؛ إذ بُعثت لترغيب الناس عن الدنيا، وتزهيدهم فيها، فأنا أدعو الناس على بصيرة من الله، بشيرا ونذيرا، وأصرح مخاطبا الإنس والجن، بأني خليفة الله في الأرض، وخاتم الولاية على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاعني أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله.

     أيها الناس! سارعوا إلى المغفرة وآمنوا بي؛ كي تنجوا وتفلحوا، واتقوا يوم تنسف الجبال نسفا، ولا تشتروا الضلالة بالهدى، إنكم أولو الأحلام والنهى، تتمكنون من تفقد أمرى، والبحث عن شخصيتي وحياتي، قوموا بالمقارنة الدقيقة، بيني وبين كتاب الله، فإن وافقته سيرتي وأحوالي، فاسمعوا لي، وأطيعوا أمري، وإلا فاقتلوني شر قتلة، إني والله منقذ من الضلال، ودافع عن الأمة الهلاك والدمار، ولا تكفروا ولا تعدلوا عن الحق، واعلموا أن من يكفربي يعذبه الله شديدا وما هو بظلام للعبيد»(2).

     ومما لا مجال فيه للريب أن هذه الدعاوي والأقاويل كلها ضلال وانحراف عن سواء السبيل؛ بل تشكل ثورة خطيرة شديدةً على الإسلام والمسلمين، وهكذا أفسد الجونفوري الجو، وزلزل البلاد، وأثار الفتن والقلاقل، في المجتمع الإسلامي الذي كان مشتملا آنذاك على كل من الهند والسند وإيران وبعض ديار الأفغان حيث اغترَّ عدد كبير من طوائف المسلمين بقوة شخصيته، وسحر خطابته، وكثرة زهده، وتقشف حياته، مدةً لا باس بها، ثم مات الجونفوري غريبا طريدا سنة 910هـ في قرية من القرى الأفغانية والإيرانية، وأما حركته الدينية التي خلفها بعد وفاته فهي لم تزل تخطو نحو التقدم والاتساع، وتصاعد أمرها، وكثر أتباعها، يوما بعد يوم، إلى أن بلغ المهدويون القوة والمنعة، وتمكنوا في منتصف القرن العاشر الهجري، من السيطرة على ولاية غجرات كلها، وإقامة الحكومات العديدة بجنوب الهند.

     ولمااستفحل الأمر، ألهم الله تعالى القلوب التحرق على هذه الفتنة الخبيثة العمياء، فتصدى لها العلماء والنوابغ بقيادة العالم الجليل والمحدث الكبير علي بن حسام الدين المتقي الهندي (م975هـ) نزيل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث إنه قد استوعب الأحاديث والآثار، التي تمت بصلة إلى الخليفة المهدي وألّف رسالتين ثمينتين أولاهما: «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان» وهي مشتملة في الواقع على ما أخرجه الإمام السيوطي في كتابه القيم «العرف الوردي في أخبار المهدي» من الأدلة والنصوص التي تفصله تفصيلا واضحا دقيقا من اسمه ونسبه، وأسرته ووطنه، وسيرته، وفتوحه وبيعته، ومآثره وبطولته؛ لكي يدرك القراء الفرق البعيد بين الجونفوري والخليفة المهدي، الفرق الذي يميز الحق من الباطل كما ذيلها بالفتاوى القطعية التي أصدرها فقهاء البلد الأمين من المذاهب الأربعة، في الرد على تلك الطائفة الضالة المنحرفة مصرحين بوجوب قتله على من يقدر عليه من ولاة الأمر. وأما الأخرى فقد طرحها بعنوان «الرد على من حكم وقضى أن المهدي الموعود قد جاء ومضى» قام فيها المؤلف بالمقارنة الدقيقة بين المهدي والجونفوري، والتصريح بأن المهدويين الذين يعتقدونه الخليفة الموعود ضالون منحرفون، تنطبق عليهم ولا شك الفتاوى المكية التي تقضي بمروقهم عن الدين، ووجوب قتلهم على أصحاب الولاية والأمر، كما ذكره مفصلا تلميذه البار الشيخ المحدث سلطان بن علي القاريّ في كتابه العظيم «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح».

     «وقد ظهر في البلاد الهندية جماعة تسمىٰ المهدوية، ولهم رياضات عملية، وكشوفات سفلية، وجهالات ظاهرية، ومن جملتها أنهم يعتقدون أن المهدي الموعود هو شيخهم الذي ظهر، ومات، ودفن في بعض بلاد خراسان، وليس يظهر غيره مهدي في الوجود.

     ومن ضلاتهم أنهم يعتقدون أن من لم يكن على هذه العقيدة فهو كافر. وقد جمع شيخنا العارف بالله الولي الشيخ علي المتقي رحمه الله رسالة جامعة في علامات المهدي منتخبة من رسائل السيوطي رحمه الله واستفتى علماء عصره الموجودين في مكة من المذاهب الأربعة وقد أفتوا بوجوب قتلهم على من يقدر من ولاة الأمر(3).

     هذ الفتاوى الصادرة من مهبط الوحي و مركز الإسلام والمسلمين كشفت النقاب كليا عن خبثهم وضلالهم، وحثت العلماء الغيارى والمخلصين على النهوض بواجبهم، والتصدي لتلك الفتنة الخطيرة العمياء، التي لم تزل تقلقهم منذ عدة عقود، وتخيفهم شديدًا حول المستقبل الإسلامي في الهند، وعلى رأسهم العالم الرباني الكبير، والمحدث الجليل الشيخ محمد طاهر الفتني الغجراتي صاحب «مجمع بحار الأنوار» فقد أنهك قواه، وأضنى جسمه في سبيل الرد على هذه الفرقة الضالة حتى أقسم فضيلته بأنه لن يتعمم إلا إذا قام باستيصال جذورها، واقتلاع بذورها. ولما فتح الملك التركي جلال الدين محمد أكبر ولاية غجرات سنة 980 من الهجرة لقيه فأكرمه وأناط به العمامة مؤكدًا بأنه سيقوم بتقويض دعائم المهدوية، وزعزعة أركانها فيما عن قريب، فلم يسمح لأحد أن يتبنى مثل هذه العقائد الخبيثة النكراء، وأسند أمر الولاية إلى أخيه من الرضاعة المرزا عزيز الدين ليساعد الشيخ محمد طاهر على دحض الفتنة، واقتلاع المهدويين، فقد قام الحاكم  – والحمد لله – بما ألقي على كاهله من مسؤولية عظيمة كبرى حث شدد عليهم بالنفي والتعزير والتشريد والتقتيل، حتى اختفى الجميع خوفا منه، وغادر الولاية جلهم، ذكره الشيخ الفتني شاكرا لله في كتابه:

     «وما أقل حياءً وأسخف عقلا، وأجهل دينا وديانة، قومًا اتخذوا دينهم لهوا ولعبا كلعب الصبيان بالخزف والحصار، فجعل بعضها أميرًا وبعضها سلطانا، ومنها فيلا وأفراسا وجنودا، فهكذا هولاء المجانين جعلوا واحدًا من غرباء المسافرين مهديا، بدعواه الكاذبة، بلا سند وعن شبهة، جاهلا متجهلا، بلا خفاء، لم يشم نفحة من علوم الدين والحقيقة، فضلا من فنون الأدب، يفسر لهم معاني الكلام الرباني، ويتبوأ به مقاعده في النار، ويسفههم بالاحتجاج بآيات المثاني بحسب ما يؤولها لهم فيها، شرع لهم عقائد، ظهر فسادها عند الصبيان، وإذا أقيم الحجج النبوية الدالة على شروط المهدي يقول: هي غير صحيحة، ويعلل بأن كل حديث يوافق أوصافه، فهو صحيح، وما يخالفه فهو غير صحيح، ويقول: إن مفتاح الإيمان بيدي، فكل من يصدقني بالمهدوية فهو مؤمن، ومن ينكرها فهو كافر، ويفضل ولايته على نبوة سيد الأنبياء، وينسبه إلى الله عز وجل، ويستحل قتل العلماء، وأخذ الجزية، وغير ذلك من خرافاتهم، ويسمون واحدًا أبابكر الصديق، وبعضهم المهاجرين والأنصار، وعائشة وفاطمة وغير ذلك، وبعض أغبيائهم جعلوا واحدًا من السند عيسى، فهل هذا إلا لعب الشيطان لولا أنهم لزمهم الخلود في العذاب السرمدي والنيران. وكانوا على ذلك عددًا كثيرًا، وقتلوا في ذلك من العلماء العديدَ إلى أن سلط الله عليهم جنودا، لم يروها فأجلى أكثرها، وقتل كثيرًا واستتاب آخرين توبة، ولعل ذلك بسعي هذا المذنب الحقير، واستجابة لدعوة الفقير، والله الموفق لكل خير، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»(4).

     ومن المؤسف جدا أن الملك محمد أكبر لما ألحد في الدين على الجهل والاغترار بنفسه، وقام بإنشاء النظام البدعي الجديد، ونبذ للشريعة المحمدية، وإرضاء الهنادك والملحدين، برزت من جديد الطائفة المهدوية الخبيثة التي وأدها العالم الرباني الجليل الشيخ محمد طاهر بعزيمته الصادقة، وإيمانه القوي العميق، حيث عادت تنمو، وتترعرع، وتقوم على قدم وساق من جديد، مما جعل الشيخ يتململ؛ فإنه كان من المستحيل أن يشهد في حياته ظهورها وازدهارها، فاضطر أخيرًا إلى الترحال نحو العاصمة ليتحدث حولها مع الملك أكبر ويلفت انتباهه إلى القضاء على تلك الفتنة؛ لكن – من سوء الحظ– قد ظهر الأمر، وتصدى له المهدويون الحاقدون، وأغاروا عليه خلال السفر إغارة شديدة وحشية فقتل شهيدًا.

     وبالجملة فقدت الهند باغتياله عالما عبقريا لا يأتي مثله إلا على ممر القرون والدهور، جزاه الله خير الجزاء عن الأمة المسلمة المرحومة، وعن الدين الإسلامي الحنيف.

     ويشهد لنا تاريخ الملل والنحل أن الطوائف والحركات القائمة على الدعاوي العريضة تستمرّ في الغلو والإفراط في حب المؤسس وتقديره، وتزداد كل يوم زيغًا وضلالًا، وانحرافًا كليا عن سواء السبيل، وتتحول ديانة خطيرة مستقلة تضارع الشريعة، وتتحدى الإسلام والمسلمين. كذلك يبالغ المهدويون في حب الجونفوري، وتقديسه وتمجيده؛ فإنهم يعتقدون أن الدين بني أصالة على النبوة والولاية، بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحقيقا للأولى، وظهر الجونفوري خاتما للأخيرة فهو قديم، غير مخلوق، شريك في بعض الصفات الإلهية، وأفضل الأنبياء والرسل سوى النبي الأمي، فهو يساويه مكانة ولا تفاضل بينهما، كما كان معصومًا، مفروضا للطاعة، ونزل عليه الوحي، وأعطي علم الأولين والآخرين، وتأتيه أرواح الأنبياء والأولياء، فمن يحبه يحبه الله، ومن يبغضه يبغضه الله، بيده مفاتح الإيمان، فما خالفه من كتاب أو سنةٍ فهو رد مطرود، ومن يتبعه ينجح، ومن يكذبه فهو يشقى ويصلى النار الكبرى.

     يعتقدون أن الإيمان الكامل لم يحظ به إلا النبي العربي والسيد محمد الجونفوري، وأما الأنبياء والرسل، الذين قد بعثوا فيما قبل بعثة النبي الخاتم، فكانوا على إيمان ناقص كما لا تتحقق عند المهدويين التوبة عما مضى، ويجب على المرء أن يقوم باداء الصلوات الست، وإيتاء الزكاة، ورؤية الله لازمة في الدنيا، كما ينكرون خطبة الجمعة وصلاة العيدين، وقد تلقب بعض أصحاب الجونفوري بأبي بكر وعمر، والعشرة المبشرة، وأم المومنين عائشة، والسيدة فاطمة – وما إلى ذلك.

     فنظرا إلى هذه الدعاوي الباطلة، والعقائد الخبيثة، يدرك كل من له مسكة من العقل أن الجونفوري كان أغراه الشيطان، ونفث في روعه الزيغ والضلال، والانحراف والجدال، وبالتالي أصبحت المهدوية ديانةً مستقلة، عاثت في الأرض فسادًا، وأثارت الفتن والإلحاد، حتى أفتى العرب والعجم بأنها طائفة ضالة مرتدة، مارقة من الإسلام، ولها فِرَق وطوائف، أخبثها الذكرية التي تؤدي مناسك الحج في باكستان، وتنكر الصلاة، والصوم، واغتسال الجنب، والدعاء على الميت، ولاتؤمن بأن الكعبة المشرفة قبلة للإسلام والمسلمين.

     وأخيرًا لا تفوتنا الإشارة إلى أن الحركة المهدوية لم تفقد وجودها في عصر من العصور، رغم الجهود والمساعي التي كثفها العلماء الربانيون للقضاء عليها؛ بل لاتزال حية متواجدة في القرون والأعصار، كما نشهد اليوم أيضًا عددًا ملموسًا من المهدويين في شبه قارة الهند، وخاصة بمدينة «كراتشي» في باكستان و«حيدرآباد» في بلاد الهند.

 

*  *  *

 

الهوامش:

رجال الفكر والدعوة 4/56-58.

أحسن الفتاوى 1/190 نقلًا عن الحركة المهدوية.

مرقات المفاتيح 10/96، كتاب الفتن باب أشراط الساعة الفصل الثاني.

تكملة مجمع بحار الأنوار ء179-180.

 

 

(المصدر: مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى