تقارير وإضاءات

تاريخ الحركة الإسلامية في السودان

تاريخ الحركة الإسلامية في السودان

إعداد محمود هدهود

عرف السودان الحديث مبكرًا منذ ضمه إلى مصر الخديوية تسييس الحركات الدينية، وتحديدًا عام 1843 عندما أعلن محمد بن عبدالله بن فحل، الشهير بمحمد أحمد المهدي، الثورة المهدية ضد الحكم التركي المصري للسودان، ونجح في تحرير الخرطوم وقتل الجنرال تشارلز جوردن، الحاكم العسكري للسودان من قبل الخديو إسماعيل، وأعلن الدولة المهدية منذ عام 1885. وقد استمرت الدولة المهدية قائمة إلى حين هزيمتها من قبل الاحتلال البريطاني في مصر عام 1899، لكن الحركة ظلت قائمة وسمي أتباعها «الأنصار»، إلى أن أسس عبدالرحمن المهدي حزب «الأمة» في فبراير/شباط 1945 كحزب داعم لاستقلال السودان عن الحكم الثنائي من قبل مصر وبريطانيا.

في المقابل، دعم الحكم المصري التركي في السودان «الطريقة الختمية» التي أسسها محمد عثمان الميرغني الختم عام 1817، بالتوازي مع دخول الحكم المصري التركي. وقد استمر دعم الطريقة من قبل الاحتلال البريطاني كمنافس محلي للأنصار. وفي عام 1943، دعم السيد علي الميرغني، زعيم الختمية، حركة «الأشقاء» التي أسسها الزعيم إسماعيل الأزهري مطالبة باستقلال السودان ضمن وحدة مع مصر، وهي التي تحولت إلى «الحزب الوطني الديمقراطي»، قبل أن ينفصل الختمية في يونيو/حزيران 1956 مؤسسين «حزب الشعب الديمقراطي» الذي عاد إلى الاندماج بالحزب الوطني في ديسمبر/كانون الأول 1967[1].


الإخوان المسلمون (1954-1964)

مثل عام 1946 بداية النشاط الفعلي للإخوان في السودان من خلال جمال الدين السنهوري، وهو شاب سوداني كان مقربًا من حسن البنا، وعاد إلى السودان خلال تلك الفترة لتأسيس نشاط الجماعة. وفي احتفال أقامه الإخوان المسلمون في مصر عام 1948 بمناسبة مرور عشرين عامًا على تأسيس الجماعة، ذكر حسن البنا أن عدد شعب الإخوان بلغ ألف شعبة في مصر وخمسين شعبة في السودان، وقد تولى نشاط الإخوان في السودان آنذاك مكتب إداري يرأسه الشيخ عوض عمر إمام؛ قبل أن تعين الجماعة علي طالب الله مراقبًا عامًا لإخوان السودان في عام 1948، لكن سلطات الاحتلال البريطاني رفضت منح الحركة في السودان تصريحًا بالعمل[2].

في عام 1949، نشأت حركة إسلامية في كلية جوردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقًا) بهدف مواجهة الشيوعيين الذين كانوا يهيمنون على المجتمع الطلابي. سميت تلك الحركة «حركة التحرير الإسلامي»، وكان على رأسها محمد يوسف محمد وبابكر كرار، تبنت «الاشتراكية الإسلامية»، ورفضت التبعية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. لكن التقارب الفكري والتداخل الكبير بين الحركة وأتباع الإخوان في السودان أدى إلى صراع بين قيادة حركة التحرير وقيادة الإخوان في السودان انتهى إلى عقد مؤتمر لحسم الخلافات.

انعقد المؤتمر بالفعل في أغسطس/آب 1954، وأطلق عليه «مؤتمر العيد»، وانتهى إلى تبني اسم «الإخوان المسلمين»، وانتخاب محمد خير عبدالقادر أمينًا عامًا لها. أغضب القرار مجموعة بابكر كرار التي انفصلت وسمت نفسها «الجماعة الإسلامية» التي أسست فيما بعد «الحزب الاشتراكي الإسلامي». كما أغضب مجموعة علي طالب الله الذي تمسّك بشرعيته كمراقب للإخوان في السودان بتكليف من حسن البنا. وقد تدخل المركز العام في مصر لحسم الخلافات التي تمت تسويتها من خلال انتخاب واحد من أعضاء مجموعة طالب الله كمراقب عام لإخوان السودان، وهو الرشيد الطاهر بكر المحامي[3].

بدأ النشاط السياسي للإخوان المسلمين في ديسمبر/كانون الأول 1955 عندما نظموا مؤتمرًا حضره الجناحان الدينيان للأنصار والختمية، علاوة على عدد من الجمعيات الإسلامية، لتأسيس «الجبهة الإسلامية للدستور» للمطالبة بدستور إسلامي بعد الاستقلال، وقد تم انتخاب عمر بخيت العوض، عضو المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين، أمينًا لها.

في عام 1959، تم القبض على الرشيد الطاهر بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية ضد النظام العسكري للفريق إبراهيم عبود، وقد حكم عليه بالسجن لخمس سنوات، لكن الجماعة أعلنت براءتها من المحاولة وقرار الرشيد الذي تم عزله من قيادة الجماعة،لتدخل الجماعة في سُبات عميق.

في المقابل، لم تكلل «الجماعة الإسلامية» بعد 1954، و«الحزب الاشتراكي الإسلامي» الذي أسسته عام 1964، بالنجاح، ولذلك لم تحظَ أفكار بابكر كرار بالاهتمام الذي تستحقه، وقد قامت تلك الأفكار على المصالحة بين الإسلام والاشتراكية والقومية العربية. وبعد انقلاب النميري، انتقل بابكر كرار كما كثير من النخبة السياسية في السودان لاحقًا إلى ليبيا بعد ثورة الفاتح من سبتمبر، وتوفي بها عام 1981. وقد حاول ناصر السيد وميرغني النصري إحياء التجربة لاحقًا دون أن يلقوا نجاحًا أكبر من أستاذهم[4].


جبهة الميثاق الإسلامي (1964-1969)

لمع نجم حسن الترابي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الخرطوم العائد لتوه من الدراسة في باريس، خلال ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بنظام الفريق إبراهيم عبود، وقد أسس بعدها «جبهة الميثاق الإسلامي» التي ضمت الإخوان المسلمين وأنصار السنة والطريقة التيجانية حاملين نفس المطلب القديم الجديد، وهو الدستور الإسلامي. حازت الجبهة سبعة مقاعد في انتخابات 1965، وتراجع نصيبها في انتخابات 1968.

نجح الترابي في توسيع عضوية الجبهة وتحويلها إلى جماعة ضغط استطاعت إثارة الجمعية التأسيسية لحظر الحزب الشيوعي السوداني في نوفمبر/تشرين الثاني 1965، وتصدر المشهد كثالث أبرز الأحزاب في السودان بعد حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي. وفي أبريل/نيسان 1969، انتخب المؤتمر العام للجماعة حسن الترابي أمينًا عامًا لها، مما أزعج الخط التربوي الذي لم يكن راضيًا عن خط الترابي السياسي الجبهوي الذي يتوسع في قبول العضوية وينتهج خطًا انتهازيًا، فانفصل محمد صالح عمر الذي كان رئيس المكتب التنفيذي للإخوان حتى ذلك الوقت، ومعه جعفر الشيخ إدريس وعلي جاويش؛ لكن الانفصال ظل كامنًا بحكم انقلاب النميري بعد شهر واحد من المؤتمر ونشأة نظام مايو اليساري العدائي للإسلاميين.

بعد محاولة انقلابية في 2 يونيو/حزيران 1976، قادها العميد محمد نور سعد عبر متمردين تم تدريبهم في ليبيا بدعم من الأحزاب الثلاثة الكبرى (الأمة، والاتحادي، وجبهة الميثاق) التي شكّلت «الجبهة الوطنية» المعارضة لحكم النميري، قرّر النميري التحول يمينًا نحو الإسلاميين، وعقد «المصالحة الوطنية» مع جبهة المعارضة. التقى الصادق المهدي، زعيم الجبهة النميري في بورسودان في 7 يوليو/تموز 1977، وبعد أخذ ورد من قبل سائر قوى المعارضة، انضم أغلبها إلى المصالحة. دخل الصادق المهدي والترابي المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي السوداني، لكن بينما تفجرت المصالحة مع الصادق المهدي سريعًا، تولى الترابي منصب النائب العام سنة 1979[5].

عارض الخط التقليدي للإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد، قرار الترابي بالاندماج في النظام، لكن الترابي رأى أن اختراق الاتحاد الاشتراكي والنظام، وإعادة بناء التنظيم الذي تصدع بعد الانقلاب والمنفى، هو الخيار المناسب في تلك المرحلة التي أطلق عليها «فترة التمكين»[6]، حيث استفاد الإسلاميون أيضًا من الضربة التي وجّهها النميري إلى الشيوعيين بعد محاولتهم الانقلاب عليه في 1971.

وفي عام 1979، تكرر الجدل الذي لا ينتهي بين إخوان السودان والجماعة الأم في تبعية السودان لها، ورفض الترابي مبايعة التنظيم الدولي للجماعة رغم أنه كان يحلم بتنظيم دولي للإسلاميين من هذا النوع، فبايعه الشيخ صادق الذي كان في السجن آنذاك، وانضم إليه الرافضون لرئاسة الترابي منذ 1969، وتولى الحبر يوسف نور الدائم، أستاذ اللغة العربية بجامعة الخرطوم، فرع جماعة الإخوان المسلمين في السودان الذي بقي منذ ذلك الحين جماعة صغيرة الحجم وبلا نصيب من السلطة. اختار الترابي لجناحه منذ ذلك الوقت اسم «الحركة الإسلامية السودانية».

بلغ تأثير الترابي ذروته بإصدار النميري قوانين ستبمبر 1983 الذي فرض تطبيق حدود الشريعة الإسلامية في السودان، فأيده الترابي ورفضه الصادق المهدي الذي وضع من معتقله كتابًا في نقد قرار النميري سماه «العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي السوداني»[7]. كذلك حمل الترابي ورجاله داخل النظام كذلك أجندة ضد الحكم الذاتي في الجنوب وفكرة الدستور العلماني واحترام الثقافة غير الإسلامية؛ وقد كان أحد شروط المصالحة الوطنية مراجعة اتفاقية أديس أبابا 1972 التي أعطت الجنوب الحكم الذاتي، وهو ما عبّر عن فشل إسلامي جديد في استيعاب حقوق الأقليات والاستفادة من رفض الإسلام للعنصرية[8].

كان هنالك تيار آخر من الفكر الإسلامي في السودان هو تيار «الإخوان الجمهوريون» الذي أسسه محمد محمود طه، وقد تبنى هذا التيار فكرة مفادها أن الإسلام له رسالتان، فتخلى عن كثير من الشعائر الإسلامية، كما دعا إلى التعايش السلمي مع إسرائيل، والمساواة الكاملة بين الجنسين، وانتقد الوهابية، ودعا إلى احترام الحريات وعدم العمل بالعقوبات الجنائية الإسلامية (الحدود الشرعية)، ونادى بحكم ديمقراطي اشتراكي فيدرالي[9]، كما عارض بقوة حظر الحزب الشيوعي السوداني واعتبر الديمقراطية التي تتخذ ذلك القرار «مسخًا» للديمقراطية، رغم أنه لم يكن شيوعيًا. حكمت محكمة سودانية بالردة على محمد محمود طه عام 1968، وتكرر ذلك عام 1984 ليتم إعدامه في يناير/كانون الأول 1985 وفق قوانين سبتمبر التي عارضها بقوة. وقد كان لتلك الحادثة أثر قوي في إثارة سخط شعبي وعالمي.


الجبهة القومية الإسلامية (1985-1989)

بعد الإطاحة بحكم النميري، أسس الترابي ورجاله «الجبهة القومية الإسلامية» التي خاضت انتخابات الجمعية التأسيسية وحازت المركز الثالث بعد الحزبين التاريخيين بـ54 مقعدًا جعلتها تتزعم المعارضة. نجح الترابي مرة أخرى في العمل كحزب معارضة ضاغط، فعطّل محاولة الصادق المهدي، رئيس الحكومة وصاحب الأغلبية في البرلمان، تعليق قوانين سبتمبر المثيرة للجدل، وتحريك مفاوضات السلام مع الجنوب.

اضطر الصادق المهدي إلى التحالف مع الجبهة القومية الإسلامية في 15 مايو/آيار 1988 مشكّلًا حكومة الوفاق الوطني التي تولى فيها الترابي وزارة العدل بمسئولية إعادة صياغة قوانين الشريعة. كما واجه الحزبان (الأمة والجبهة) اتفاقية السلام التي عقدها محمد عثمان الميرغني، زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي صاحب المركز الثاني في الجمعية التأسيسية، ورئيس مجلس السيادة، مع «الجيش الشعبي لتحرير السودان»، حركة التمرد الأساسية في الجنوب التي يقودها جون قرنق، وهي التي كانت تخوض حربًا شعواء مع الجيش السوداني آنذاك.

اضطر الصادق المهدي أمام تأزم الموقف بخصوص مسألتي السلام في الجنوب وقوانين سبتمبر إلى إعادة تشكيل حكومة الوفاق في فبراير/شباط 1988، فتوسع نصيب الجبهة فيها، وحصل الترابي على حقيبة الخارجية، الأمر الذي أزعج مصر التي نظرت إلى الترابي بوصفه إسلاميًا متطرفًا. وفي فبراير/شباط 1989، صدرت مذكرة من الجيش إلى الحكومة تطالبها بالموافقة على اتفاق السلام الذي عقده الميرغني وإيقاف التدهور الاقتصادي، وقد نظرت الجبهة إلى المذكرة وكأنها موجهة ضدها كونها الطرف الأكثر تصلبًا في رفض السلام مع الجنوب[10].


حكم الكيزان (1989-1999)

في 30 يونيو/حزيران 1989، قام العميد عمر البشير بالانقلاب على الحكومة الديمقراطية، وأعلن في بيان الانقلاب الذي سماه «ثورة الإنقاذ الوطني» أن دافع الانقلاب هو الفشل الاقتصادي لديمقراطية المهدي، وفشل الحكومة في إقامة علاقات مع أفريقيا الوسطى؛ في تبرير هزلي للحركة. ألقى البشير القبض على كافة القيادات السياسية، ومن بينهم الترابي، وقد أبدت مصر ارتياحًا إزاء تلك الخطوة بسبب ذلك.

وفي ديسمبر/كانون الأول، وفي مشهد دراماتيكي، وقف ضباط «مجلس قيادة الثورة» يؤدون البيعة للخميني الجديد الذي كانوا قد اعتقلوه قبل أشهر؛ حسن الترابي. شكل الترابي وقيادات الجبهة القومية الإسلامية ما أطلقوا عليه «مجلس المدافعين عن الثورة» الذي عرف باسم «لجنة الأربعين». أمسكت اللجنة بالقيادة السياسية الفعلية.

بدأت عملية ترسيخ النظام الجديد وأسلمته بنفس الأدوات التقليدية للأنظمة الاستبدادية. تشكّل جهاز أمن سياسي اسمه «الأمن الداخلي» بقيادة العقيد (اللواء لاحقًا) بكري حسن صالح، نفّذ اعتقالات وتعذيب بحق كل من يتشكك في ولائه للنظام، واشتهرت مراكز اعتقال سيئة السمعة تابعة له عرفت باسم «بيوت الأشباح»، وكان من بين المعتقلين مثقفون كالدكتور محمد عمر البشير، المؤرخ والأستاذ المرموق في جامعة الخرطوم، الذي جرى فصله واعتقاله وتعذيبه.

أصدر النظام قانون عقوبات جديد في ديسمبر/كانون الأول 1991، بدا أكثر تشددًا من قوانين سبتمبر، وتم تشكيل «الشرطة الشعبية» التي تشبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، وتم تقويض الحريات العامة بالكامل، ومن بينها الحق في التنظيم النقابي وألغيت الأحزاب.

من المثير أن الترابي كان، وكذلك زوجته وصال المهدي (وهي شقيقة غريمه الصادق المهدي)، قد تبنى مواقف فقهية منفتحة قبل ذلك تسببت في هجوم كثير من علماء الدين عليه، كما كان متمسكًا بالحكم الدستوري، لكن ذلك لم يظهر في السياسات الاجتماعية لنظام الإنقاذ الذي أسسه.

ظهرت اجتهادات الترابي في حقل آخر، هو محاولته تشكيل «أممية إسلامية»، والتصالح مع القوى اليسارية والقومية بهدف الوقوف في وجه الإمبريالية. فقد أسس في أبريل/نيسان 1991 «المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي» الذي حضره ممثلون للإسلاميين في مختلف البلدان، بما في ذلك ممثلون لجماعة «أبو سياف» في الفلبين، وبما في ذلك ممثلون عن الإخوان المسلمين. وفي ديسمبر/كانون الأول، انتقل أسامة بن لادن إلى الخرطوم بترحيب من الترابي الذي صاهره بن لادن باتخاذ زوجة ثالثة من أقربائه، وبدأ النظام يفتتح معسكرات لتدريب الجماعات الإسلامية المسلحة من مختلف البلدان. كما حاول الترابي التوسط بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية.

شارك الترابي جماعة الجهاد المصرية في محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في أديس أبابا 1995. في 1996، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على السودان حوّلته إلى بلد معزول، فاضطر ابن لادن إلى المغادرة، وتراجع نفوذ الترابي. كما أن تسليم المناضل/الإرهابي اليساري المعروف كارلوس إلى فرنسا عام 1994 أدى إلى سخط داخل الجبهة القومية نفسها تجاه الترابي.

بعد عشر سنوات من التخبط، أطاح البشير بالترابي من رئاسة المجلس الوطني عام 1999. تبع ذلك الإطاحة بالترابي من الأمانة العامة لحزب المؤتمر الوطني، فشكّل الترابي «حزب المؤتمر الشعبي»، لكن قرار الترابي شديد البراجماتية بتوقيع مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، العدو التاريخي اللدود للترابي، أودى به إلى السجن[11].

انحاز الجسم الأساسي من «الحركة الإسلامية السودانية» إلى عمر البشير في نزاعه مع الترابي، وعلى رأس هؤلاء علي عثمان طه، رجل الإسلاميين القوي الذي حاز منصب نائب الرئيس من 1998 إلى 2013 عندما تمت عسكرة النظام بالكامل وتهميش الإسلاميين (أو الكيزان كما يطلق عليهم تهكمًا بسبب مقولة للترابي: «الدين بحر ونحن كيزانه»).


الإسلاميون القدامى والجدد

ظل الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد على رأس جماعة الإخوان المسلمين – جناح التنظيم الدولي- بمعية رفيقه الأستاذ الحبر يوسف نور الدائم. وقد تعرضت الجماعة لأزمة في 1991 عندما فاز جناح الشيخ سليمان أبو نارو، وهو سلفي وهابي متشدد، بالانتخابات، فرفض الجناح التقليدي مجلس الشورى العام نتيجة الانتخابات. انفصل جناح الشيخ أبو نارو، لكن هذا الجناح لم يلبس أن انقسم على نفسه إلى جناحين: أحدهما شكّل «مجموعة الإصلاح» التي عادت لتلتئم بالتنظيم الأم؛ والثاني، جناح «حركة الاعتصام بالكتاب والسنة» الذي تمسك بسلفية متشددة أخذت بمرور الوقت تقترب من السلفية الجهادية. وقد توفي الشيخ أبو نارو سنة 2014، فخلفه الشيخ عمر عبدالخالق الذي اشتهر بسبب إعلانه تأييد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)[12].

في عام 2012، انتخب المؤتمر الشيخ علي جاويش مراقبًا عامًا للجماعة في السودان. شهدت عهدة علي جاويش انقسامًا بين جناحين: جناح المؤسسة التقليدي المحافظ بزعامة جاويش، وقد حرص على التمسك بالارتباط بالجماعة الأم في مصر بعد محنتها التي بدأت في 2013؛ وجناح الإصلاح السياسي الذي مثّله مجلس شورى الجماعة، مما دفع جاويش في يونيو/حزيران 2016 إلى حل مجلس الشورى وتأجيل المؤتمر العام لعام واحد. عاد المؤتمر العام إلى انتخاب جاويش في مارس/آذار 2017، ثم أعفاه في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام واختار عوض الله حسين، الأستاذ بكلية الطب بجامعة أم درمان، مراقبًا عامًا للجماعة؛ لكن جاويش احتفظ باللقب مع تأييد من قبل التنظيم الدولي قبل أن يدركه الموت في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

اشترك الإخوان في حكومات نظام البشير بعد الإطاحة بالترابي؛ لكن الجماعة شاركت في الاحتجاجات القائمة منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، وما زالت مشاركة إلى اليوم، وتتخذ موقفًا قريبًا من موقف قوى «إعلان الحرية والتغيير» رغم أنها ليست عضوًا فيه. مع ذلك، فلا تحظى الجماعة اليوم بنفوذ شعبي أو تنظيمي أو ثقافي يُذكر.

في المقابل، شهدت الأعوام الأخيرة بروز بعض المجموعات الإسلامية الصغيرة التي انشقت عن حركات أخرى، أو شكلها مثقفون إسلاميون شباب، على رأسها حركة «الإصلاح الآن» التي يرأسها د. غازي صلاح الدين، القيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي انفصل عن الحزب الحاكم في 2013.

وتمثل «المبادرة التنسيقية الوطنية للتغيير والبناء»، وهي إحدى قوى «إعلان الحرية والتغيير» تحالفًا للإسلاميين المعتدلين. وتضم المبادرة «المبادرة الوطنية للتغيير» التي يرأسها السفير الشفيع أحمد محمد، وهو أمين عام سابق للحزب الحاكم. كما أسس د. المحبوب عبدالسلام، وهو تلميذ مخلص لحسن الترابي انشق عن حزب المؤتمر الشعبي، حركة «الإسلاميون الديمقراطيون»، وأسس د. محمد المجذوب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، وهو مفكر له دراسات في الفكر السياسي الإسلامي، «مبادرة الانتقال نحو الحريات والتداولة السلمي».

ومن الحركات الإسلامية الموقعة على المبادرة كذلك، «مبادرة الإصلاح والنهضة (سائحون)» التي تضم عددًا من كوادر المقاتلين السابقين ضد «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في الجنوب، وقد كوّنوا موقفًا نقديًا تجاه نظام البشير بعد الانفصال يرون فيه ضرورة تخلي الإسلاميين عن الدولة والاهتمام بالإصلاح الاجتماعي، ويرأس تلك المبادرة فتح العليم عبدالحي. وهناك أيضًا «مبادرة المستقبل الآن» التي يرأسها د. مصطفى إدريس، رئيس جامعة الخرطوم سابقًا، وأحد أعضاء الحركة الإسلامية السودانية سابقًا.

(المصدر: موقع “إضاءات”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى