تقارير وإضاءات

القبيسيات.. تنظيم ديني “نسوي” لا يدخله الرجال

إعداد ليلى الرفاعي

“على الطالبات إخبار آنساتهن بكل ما يجري معهنَّ.. لأننا هنا في مستشفى إيماني والمريض في المستشفى يجب أن يُطلع طبيبه على كل شيء ليتداركه”

(قاعدة قبيسية)

بقدرِ ما كانت أحداث الثمانينيات في سوريا من القرن الماضي والتي تُوّجت بمجازر حماة انتهاءً لحقبةٍ من العمل الإسلاميّ، إلَّا أنَّها كانت أيضًا مبعثًا لولادةِ عملٍ جديد ومنطلقًا لرسم خارطة دينية سياسية جديدة في سوريا؛ فبدأت شخصيّاتٌ وجماعات دينية كـ”البوطي” و”الفرفور” وجماعة “زيد” وجماعة “كفتارو” وجماعة “القبيسيات” تطفو لتشكل كيانات وحالاتٍ دينية جديدة أو تعيد تشكيلَ كياناتٍ قائمة وتغيّر في وسائلها وتكتيكاتها وتتبنى التدين التعليمي الشرعي الصامت البعيد عن السياسية. وبدأت في نشر تديِّنٍ شعبيٍّ أو علميّ تخصصّي أو مسجديٍّ حلقيّ يتلاءم بتنوّعاته مع معطيات البيئة المحيطة اجتماعيًّا وسياسيًّا.

واحتضن النّظام السّوريّ عبر أذرعه وأجهزته المخابراتيّة المتحكمة فعلًا، وجِهَاتِه الحكوميّة التنفيذيّةِ المتمثّلة بوزارات الأوقاف والتعليم العالي والتربية المتحكّمة صورةً، هذا التدين وسيطر على أربابه وبالتالي سيطر على المجتمع المتعلق بأرباب هذه الجماعات والمتأثر بأقوالها وأفعالها.

أثار الانتماء الصوفي لجامعة القبيسيات حفيظة السلفية والتوجهات الدينية الراديكالية وحركات الإسلام السياسي الجهادية

والتّصوف على اختلاف أنواعه ودرجاته كان ومازالَ سمةً للسلوك الديني في المجتمع السوري، والمسلك الأكثر انتشارًا وقبولًا، وهذا النّمط الدّيني المسالم في الحالةِ الطُّرقيّةِ المغرقة البعيدة عن العلم الشرعيّ الشّامل والوعي السياسيّ كان عاملًا في استقرار الدولة عن طريق إخضاع الناس لسلطة روحية تعزلهم عن السلطة السياسية وتشرعن لها ممارساتها بطرق مباشرة وغير مباشرة، وما الذي تريده دولة مستبدة أفضل من إبعاد الإسلام عن المجتمع وحبسه بين جدران مسجد وإبعاد المجتمع عن الإسلام من خلال اجتزاء تعاليمه وحصرها في شخصٍ مقدّسٍ يغدو هو المرجعُ لا النّص الشّرعيّ؟!

القبيسيات

جماعة دينية إسلامية دعوية نخبوية نسوية تعتمد هيكلية شبه تنظيمية غير مُعلنة، نواتها من طبقة أثرياء دمشق ونشاطها الحقيقي والجاد يستهدف هذه الطبقة.

 بدأت الجماعة في دمشق وانتشرت بها انتشارًا واسعًا خلال العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي ثم امتدت إلى دولٍ عربيةٍ وإسلامية وأوروبية أخرى.

وقد جذبت الشبكة العنكبوتية لجماعة القبيسيات المتوغّلة في طبقات الأثرياء والأمراء والمسؤولين والطبقة الجامعيّة اهتمام الأجهزة الأمنية والسياسية، وأما أفكارها وانتماؤها الصوفي فقد أثار حفيظة السلفية والتوجهات الدينية الراديكالية وحركات الإسلام السياسي الجهادية[1]، كما أثار توجّس بعض المدارس التي تنتهج الصّوفيّة العلميّة ووقفت ترقب وتفتّش باهتمام عن خلفيّات ومحرّكات هذه الجماعة التي تكتسح ملعبهم.

ساهم في توسيع نشاط منيرة القبيسي محافظتها على الصلة والعلاقة مع الجماعات السوريا كلها تقريبًا؛ ورفضها خوض مواجهة مع أحد منهم


التسمية والتَّشكّل

تعود التسمية إلى “الآنسة الأم” منيرة القبيسي المولودة في دمشق عام 1933م، خرّيجة قسم العلوم الطبيعية، وقد ابتدأت طريقها بالتدريس في حي “المهاجرين” الدمشقي، وفي بداية الستينات بدأت ممارسة النشاط الدعوي مع التعليمي؛ وذلك إثرَ اقترابها من “جامع أبي النور” التابع لمفتي سوريا الشّيخ الراحل “أحمد كفتارو” القريب من النّظام السّوري والرّئيس حافظ الأسد؛ والجمع بين الدعوي والتعليمي أدّى إلى منعها من التدريس بالمدارس الحكومية حيث كان التوجّه العام للنظام السوري في الثمانينيات وبداية التسعينيات أن من له نشاط دعوي يبعد عن التدريس في المدارس الحكومية  وذلك من آثار أحداث الثمانينات التي ما زالت تلقي بظلالها على جوانب العلاقة بين النظام والمجتمع، وهذا الإبعاد عن التدريس ساهم بإقبال القبيسي على التعلم على يد كفتارو، واتجاهها إلى دراسة العلوم الشرعية في كلية الشريعة في جامعة دمشق.

وفيما بعد بدأت القبيسي ممارسة نشاطها الدعوي الخاص وتأسيس منهج مستقلٍّ هيكليًّا ومادّيًّا وفكريًّا؛ مع استمرار الوفاء للشيخ المربي الأول “كفتارو”.

ويقول الدكتور محمد حبش إن معظم، إن لم يكن جميع، زوجات الشيوخ الكبار أو بناتهم هن من الداعيات “القبيسيات”[2] وقد قال هذا أيام كان نائبًا في مجلس الشعب السوري.

وقد جاء في تقرير لصحيفة الحياة أن مما ساهم في توسيع نشاط القبيسي محافظتها على الصلة والعلاقة مع الجماعات السورية كلها تقريبًا؛ ورفضها خوض مواجهة مع أحد منهم؛ فهي رغم علاقتها الجيدة مع كفتارو ومجمعه الفكري وطريقته الصوفية، كانت على علاقة فكرية ودينية وشخصية مع الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، بل إنه الأكثر حماسًا إلى “الأخوات اللواتي ضربن المثل بالحضارة والدين والوطنية والمثل العليا”، وكذلك على علاقة جيدة مع “جماعة” الشيخ عبد الكريم الرفاعي التي يدير شؤون مؤسسته نجلاه الشيخ سارية والشيخ أسامة الرفاعي، وفي تواصل لميدان مع مكتب الشيخ أسامة الرفاعي -رئيس المجلس الإسلامي السوري أبرز المكونات الشرعية في الثورة السورية- وسؤاله عن مدى دقّة المعلومات الواردة في صحيفة الحياة كان الجواب “علاقتنا مع جميع الجماعات الإسلامية جيدة، علاقات منفتحة مع الجميع، نساعد الجميع”.

ولم تبتعد القبيسي آنذاك كثيراً عن “معهد الفتح الاسلامي” التابع لجامعة الأزهر ومديره مفتي دمشق الشيخ عبد الفتاح البزم ومن أبرز رموزه الدكتور حسام الدين فرفور، وهما اللذان ينحازان إلى النظام الآن في مواجهة الثورة السورية.

إضافة إلى علاقتها مع جماعة الشيخ بدر الدين الحسني والمسؤول عنه الشيخ الدكتور محمد أبو الخير شكري، وفي اتصالٍ لميدان مع الشيخ الدكتور أبي الخير شكري – المقيم في إسطنبول وعضو مجلس أمناء المجلس الإسلامي السوري-  وضَّح أنه لا علاقة شخصية بينه وبين جماعة القبيسيات بوصفها كيانًا، وأنّ وجود مدرسات قبيسيات في قسم الإناث من معهد بدر الدين الحسني هو أمرٌ لم يكن يحظَ بترحيبٍ خاصٍّ ولا حرج فيه طالما أنّ المُدرِّسة تقوم بواجبها التدريسي بمهنية وحياد.

 ويقول الدكتور محمد حبش -أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة أبو ظبي حاليًّا-  إن معظم، إن لم يكن جميع، زوجات الشيوخ الكبار أو بناتهم هن من الداعيات “القبيسيات”[2] وقد قال هذا أيام كان نائبًا في مجلس الشعب السوري.

من الظِّلِّ إلى الضوء

في العقود الأولى من عمر الجماعة كانت تعملُ سرًّا وتعقد حلقاتها الدعوية في البيوت، وكانت كذلك خارج نطاق اهتمام الشأن العام في سوريا وخارجها باستثناء الهجوم الذي شنته عليها جماعات السلفية في الكويت والأردن وجماعة الأحباش في لبنان.

 وبدأ الاهتمام الفعلي بهنَّ بعد تولي بشار الأسد منصب الرئاسة خلفاً لوالده عام 2000؛ وذلك بسبب ازدياد انتشارهن وتأثيرهن في المجتمع السوري. ثم طال الاهتمام بهنَّ حيز الإعلام على شكل مسلسلاتٍ كوميدية ودرامية ناقدة على شاشات التلفزة المحلية السورية والقنوات الفضائية العربية:

من الأمور المستغربة أنَّ الجماعة أيَّامَ نشاطها السّري كانت تعدّ الذّهاب إلى المسجد “جريمة”، فكان بعضهن بناء على هذا يضطررن إلى الذهاب بسريَّةٍ تامَّة في رمضان لأداء صلاة التراويح في المسجد خوفًا من الجماعة

البداية كانت عام 2002 في المسلسل السوري “بقعة ضوء” الذي خصّص إحدى حلقاته للقبيسيات مُرَكِّزاً على اختراقهنَّ طبقة الأثرياء الارستقراطية، إضافةً إلى استغلال العمل الدعوي – بحسب المسلسل- لتحقيق مصالح اقتصادية شخصية. وفي عام 2004 عرض مسلسل “عصي الدمع” نقداً لأفكار القبيسيات وتصوراتهنَّ الدينية المنغلقة حسب تصوير المسلسل. وفي رمضان 2006 عُرض مسلسل “الباقون” إخراج “نجدة أنزور” بثلاث حلقات تحت عنوان “البرزخ” سلط فيها الضوء على الأسلوب التبشيري الذي تتبعه القبيسيات لتعزيز انتشارهن، والتصورات الفكرية التي تنتشر في أوساطهن.

وفي العام نفسه بدأت الصحافة بكتابة تحقيقات صحافية تحاول التعرف من خلالها على هذا التنظيم، فنشرت عنها صحيفة الحياة تقريراً مطولاً بعنوان “يرتدين الحجاب الكحلي ويملكن شبكة تدريس ونفوذ واسعة: “الآنسات القبيسيات” يباشرن في سوريا انخراط النساء في الدعوة الإسلامية بموافقة السلطات”، وكتبت صحيفة النهار اللبنانية تقريراً صحفياً بعنوان “رجال العمائم أكثر حضوراً من المثقفين” ركز فيه على الاهتمام الأمني لظاهرة القبيسيات، ومنذ ذلك التاريخ لوحظ اهتمام الصحافة العالمية مثل نيوزويك ونيويورك تايمز وغيرها بهذه الظاهرة  كلما تُحُدِّثَ عن الخطر الإسلامي والإسلام السياسي في سوريا[3].

ثم في الـ2006 سُمح لهن بنقل نشاطهنّ الدعوي من حلقات واجتماعات وحفلات ومجالس ذكر من البيوت سرًّا إلى المساجد علنًا وبشكلٍ أوسع تحت إشراف النِّظام.

 والأمر المستغرب ههنا وفق شهادة الأستاذة سهير الأومري -التي كانت عضوًا في الجماعة ما يقارب 12 عاما- لميدان أنَّ الجماعة أيَّامَ نشاطها السّري  كانت تعدّ الذّهاب إلى المسجد “جريمة”، وتذكُرُ الأستاذة سهير أنَّه بناء على هذا كانت أختها تضطر إلى الذهاب بسريَّةٍ تامَّة في رمضان لأداء صلاة التراويح في المسجد خوفًا من الجماعة، وتتحدث الأستاذة سهير أيضًا أنَّ الجماعة أرسلتها مرّةً في مهمة رسمية لإقناع إحدى الطالبات التي كانت معهنَّ في دروس الجماعة وبدأت تتردد إلى مسجد بأن تختار إمّا دروس الجماعة وإمّا المسجد؛ فمَن تحضر في المسجد ممنوع عليها أن تحضر معهنَّ، بحجة أنَّ هذا السلوك فيه تشويش؛ لأن المرء لا يستطيع أن يوفق بين مصدرين للعلم حسب تبريرهنّ.

مشهد من مسلسل “ما ملكت أيمانكم” (مواقع التواصل)

وفي 2010 بدأ عرض مسلسل “ما ملكت أيمانكم” من إخراج نجدة أنزور وهو يتعرّض بشكلٍ واضحٍ شبه مفصل لنشاطات القبيسيات وإلى بعض من سلوكياتهن الاجتماعية العامة والخاصة بينهنّ داخل جسم الجماعة، ولاقى المسلسل هجومًا واسعًا من الشيخ البوطي ومن وزارة الأوقاف لما فيه من تهجّم على الدّين وتشويه له، وقد طالبت وزارة الأوقاف بإيقاف بث المسلسل لكن المؤسسة الإعلامية لم تتوقف عن عرضه حينها، وتراجع الشيخ البوطي عن رأيه السلبي بالمسلسل بعد زيارة المخرج أنزور له[4]!

 

الهيكلية التنظيمية

لا يوجد للقبيسيات هيكلية تنظيمية معلن عنها، كما لا يوجد لجسم الجماعة ذراع ناطق باسمها، مما جعل الكثير من الشائعات والتكهّنات تدور حول الجماعة ولا تنفيها الجماعة أو تثبتها، وتقول الأستاذة سهير الأومري لميدان إن جماعة القبيسيات لا تقدم منهجية لمنطلقات أو نظام داخلي أو قواعد انتساب لمن أرادت الالتحاق بهنّ إنّما يكون الانتقال تلقائيًّا -بعد الانتقاء- من الدرس العام بعد المواظبة عليه أسبوعيًّا إلى الدرس الخاص، وبناء على هذا الكلام وعلى شهاداتٍ أُخرى ميدانية فإن التصوّر للهيكلية التنظيمية هو:

– التسلسل الإداري الهرمي:

مجلس الإدارة “الحجَّات”:

وهن الطبقة الأولى والنواة المركزيّة والمرجعية النهائية التي تدير الجماعة وحلقاتها وتضع الخطط والبرامج وتشرف على التنفيذ العام وتُرفع إليهن التقارير -تقارير العمل وتقارير تقييم حال الأعضاء- وترجع إليهن الآنسات في كل شؤونهن ولا تستطعن الطالبات الوصول إليهن إلا بعد المرور بمرحلة زمنية من الالتزام مع الجماعة وتزكيات خاصة وثباتٍ على المواظبة وظهور الولاء المطلق للجماعة.

الآنسات:

وهنَّ الذراع التنفيذية للخطط والبرامج وعلى عاتقهنّ تقع مسؤولية الاستقطاب والوصول إلى الشرائح المستهدفة، وهنا تكمن سلسة تراتبية من الآنسات يتمايزن بألوان حجاباتهنّ من الأزرق السماوي إلى الكحلي الغامق وما بينهما من درجات وهو تمايزٌ مُستَشفٌّ من استقراء لباس الآنسات وآلية التعامل بينهنَّ منذ بدء نشاط الجماعة في دمشق حتى الآن، غير أن الجماعة لا تُصرّح بهذا كما بيّنا.

الطالبات:

وهنَّ القاعدة التي ترتكز عليها الجماعة في عملها، والشريحة المستهدفة، ويتم تأطيرها في حلقات تتبع كلّ حلقةٍ لآنسةٍ فيما يشبه الخليّة التنظيميّة التي تلتقي بشكلٍ دوريٍّ ويقدّم لها منهاج مدروس ومقرر من مجلس الإدارة “الحجّات” وينتقلن تصاعديًّا من آنسةٍ إلى أخرى؛ أي إلى حلقةٍ جديدة بعد تحقيق شروط معينة وقطع المناهج المحددة.

بعد التزام الطالبة بحفظ القرآن والمواظبة على التسميع يُضاف إلى حلقتها مدارسة كتب دأبت الجماعة على تدريسها منها كتاب عقيدة التوحيد لسعاد مبير

– أنواع الدروس وآليَّات تنفيذها:

الدرس العام: وهو درس وعظي أسبوعي مفتوح لكل نساء المجتمع، وهذا الدرس يقوم على مبدأ التداعي الحر في الإلقاء بعيدًا عن العمق الفكري أو التأصيل الديني للمعلومات، أو اتباع منهجية علمية، وفق استطلاعات رأي خاصة بميدان، ومن الواضح أن هذا النوع من الدروس يهدف إلى جانب الدعوة العامة إلى أن يكون ميدانا للاستقطاب والاستكشاف تعرُّف المتميزات حتى يكنَّ محلَّ الاهتمام الخاص في دائرة الاستهداف المركَّز.

الدرس الخاص: حلقات خاصة لحفظ القرآن والإجازة فيه ودراسة التجويد، وحلقات لدراسة كتب تُعنى بها الجماعة، وهي دروس بنائية تستهدف طالبات الجماعة ممن أصبحن بناتها الخاصات.

أثناء إجازة القرآن تُكلَّف من أبدت جدّيةً ببعض المهام من التسميع للأطفال وبعد الإجازة تبدأ تباشر بالتسميع للطالبات الجدد بين يدي تأهيلهن للإجازة

ووفقًا لتصريحات الأستاذة سهير لميدان، مع شهادات عدة من طالبات التزمن مدة طويلة مع الجماعة، فإن الطالبة بعد التزامها بحفظ القرآن والمواظبة على التسميع للإجازة ومدارسة التجويد يُضاف إلى حلقتها مدارسة كتب دأبت الجماعة على تدريسها وهي:

رجال حول الرسول – نساء حول الرسول – فقه السيرة – الجامع في السيرة – العقيدة لسعاد مبير

مع امتحانات دورية بهذه الكتب، ويُشار إلى أنَّه أثناء إجازة القرآن تُكلَّف من أبدت جدّيةً ببعض المهام من التسميع للأطفال وبعد الإجازة تبدأ تباشر بالتسميع للطالبات الجدد بين يدي تأهيلهن للإجازة، وهذه النشاطات والتقسيمات تمارس في المساجد الآن كما كانت تتبع في البيوت سابقًا.

وهي كتب بعيدة عن أي عمق اختصاصي أو فكري، وإنما الهدف من مدارسة الكتب الحظوة ببركة المجالس كما في شهاداتٍ لميدان حيث ذكرت ملتزمة سابقة مع الجماعة أنها طلبت من الآنسة مدارسة كتاب أكثر تخصّصًا في التفسير فكان الرد: المهم بركة المجلس.

رؤية الجماعة الدينية والمظاهر التي تولدت من الأساليب

من المعلوم أن توجّه الجماعة هو دينيٌّ دعويّ بحت وكثيرًا ما كان يتردّد على ألسنة الآنسات أنهنّ جماعة تُعنى بالشأن الديني للنساء الشاميات في دمشق بمعزل عن أي أهداف سياسية، أو اتباع نهج الحركات الإصلاحية الاجتماعية بالمعنى التنظيمي الحزبي.

الهدف عند الجماعة هو بناء مسلمة طاهرة نقيّة، لكن هذا يمارس بطريقةٍ تؤدي إلى تغييب الشعور الأنثوي، كما تؤدي إلى فناء الذات ونسيانها لصالح الآنسة إذ تسعى الفتاة لإرضاء آنستها فـ”رضاها من رضا الله”

فالجماعة إذن تُعنى بالتزكية الروحية الفردية وإصلاح النفس عن طريق التركيز على أمور تعبدية محضة، يتضّح هذا من قواعدها السلوكية التي تتبعها وتحثّ المنتسبات عليها كتربية الأولاد على حفظ القرآن، وإلزام المنتسبات أيضًا بألفيّات من الأذكار وأوراد صباحية ومسائية وعدد صفحات معينة يومية من القرآن الكريم مع المحافظة على السنن المؤكدة وغير المؤكدة. ومنع الطالبات عن طريق الترهيب من سماع الأغاني وحضور الأعراس غير الدينية والاختلاط مع الشباب في الجامعة وغيرها وعد ارتكاب ذلك من الموبقات.

وحسب الأستاذة سهير أومري وشهادات أُخرى لميدان فالهدف الأول هو بناء مسلمة طاهرة نقيّة على أنَّ هذا يمارس بطريقةٍ تؤدي إلى تغييب الشعور الأنثوي عند أعضاء الجماعة، كما تؤدي إلى فناء الذات ونسيانها لصالح الآنسة إذ تسعى الفتاة لإرضاء آنستها عنها فـ”رضاها من رضا الله”.

وتسعى الجماعة بدأبٍ كبير إلى توسيع قاعدتها العامة من الطالبات، فترى نشاط الآنسات منصبًّا على استقطاب عدد أكبر وعلى تشجيع الطالبات على جذب ما استطعن من فتيات وإعطاء ميزات للطالبة التي تستطيع إحضار مجموعة جديدة مع متابعتهنّ متابعةً حثيثة.

 كما أنَّ الحجاب يعد أساسًا تسعى الجماعة لنشره بين أوساط الفتيات من الأعمار كافّةً، وهي تقيم حفلات خاصة للفتيات من أجل تحجيبهنّ وتشجيع الأُخريات على اتّخاذ هذه الخطوة، غير أنَّ هذه الخطوة قائمة على عملية ظاهرية لا عمق وراءها؛ إذ لا تُغرسُ في نفوس الفتيات قيم حقيقة وفكر أساسية تشرح لهنَّ أهميّة الحجاب عقلًا وإقناعا إلى جانب فرضيّته الدينية، ناهيك عن الأفكار التي تزرع في الفتيات بوعي وبلا وعي وتقوم على نبذ غير المحجبات ورسم صورة ذهنية مشوهة لهنّ كما تقول الأستاذة سهير.

وعلى هذا فإنَّ الجماعة تفتقد لرؤية تسعى إلى نهوض فكري بالمجتمع يُساهم في نهوض أمّة، فلا يوجد همُّ حقيقيُّ تربّى الفتيات عليه بوصفه أثرا لحفظ القرآن والتزكية النفسية واستقطاب الفتيات، وكل عمل يقوم به أفراد الجماعة هو عمل من أجل الجماعة نفسها، وعلى نطاق أضيق فإن الجماعة لا تسعى للتكامل مع الجماعات الأخرى العاملة في الساحة الدمشقية، تذكر الأستاذة سهير لميدان أنها في أيامها الأخيرة مع الجماعة كثيرًا ما كان يقال لها “يشم منك رائحة الجماعات الأخرى” وهذه الجملة فيها من الدلالة على ضيق الأفق ما فيها.

سلوكيات الجماعة أدت لتشكل عدة ظواهر منها: الاستشارة المنحصرة والاتباع الأعمى، الوساطة الربانية والتقديس، السيطرة العاطفية “التعلق”

وهذه الرؤية للجماعة مع المنهجية الدعوية المتبعة ولّدت سلوكيات شكّلت ظواهر باتت تتسم بها الجماعة؛ منها:

– الاستشارة المنحصرة والاتباع الأعمى:

نظرًا للخلفيّة الصوفية للجماعة فإنها قائمة بأساسها على فرض سلطة روحية مطلقة من الآنسات على الطالبات، كسلطة الشيخ والمريد في نطاق الرجال، هذه السلطة المطلقة شرعنت لإعطاء الآنسات تفوّقا دينيا وسلطويا كهنوتيّا يمكّنهن من التدخّل بأخص خصوصيات الطالبات ولا سيما المقرّبات اللواتي أعلنّ الولاء والطاعة، ويفرض بالتالي على الطالبات إعلام الآنسة بكل ما يتعلق بهنّ واستشارتها بالأمورِ خاصِّها وعامِّها، وممّا ذُكر لميدان أثناء استطلاع رأي بين الفتيات الملتزمات مع الجماعة، أنّ الفتيات يستشرن ويطلعن الآنسات على ما يتعلق بكل مناحي حياتهنّ الخاصة مثل قصِّ الشعر والخطبة واختيار الفروع الجامعية من أجل الدراسة وأشياء أخرى تتعلق بخصوصيات البيت والزواج للمتزوجات، وتذكر الأستاذة سهير أن مقالًا أرادت كتابته لجريدة تشرين احتاج منها أن تستأذن الآنسة منيرة التي رفضت ذلك وما كان على المريدة إلا أن تسمع وتطيع دون أن تسأل عن السبب، وهذه الطاعة المفروضة كانت سببًا لترك عدد من الفتيات الالتزامَ مع الجماعة.

– الوسيط الرباني والتقديس:

ثمة مكانة دينية عالية تحظى بها الآنسات، وكلما علت رتبة الآنسة علا شأنها الدّيني وزادت هيبتها وقدسيتها المزروعة في نفوس الطالبات، والآنسات على اختلاف رتبهنّ يمثّلن صدًى إلهيًّا في رضاهنّ وسخطهنّ، فـ”رضا الآنسة من رضا الله وغضبها من غضبه”؛ أي: غضب الآنسة من طالبة ليس نابعًا من غضبٍ ذاتيّ بقدر ما هو دلالة دامغة على غضب الله، الأمر الذي يؤثّر سلبًّا على نفسية الطالبة التي ثبت غضب الآنسة منها، فتراها باكية مستغفرة تعيش في حالةٍ من الجحيم والكآبة جائلة المرام بحثًا عن سبيلٍ يُرضي الآنسة عنها، وسط شفقةٍ ولومٍ من صويحباتها على تقصيرها غير مفهوم الأسباب.

هذه الوساطة الربانية جعلت الفتيات يُقبلن بطواعيةٍ على البوح بذنوبهنَّ مهما بلغت للآنسات على نهج كرسيّ الاعتراف الكنسيّ، وممّا منح الآنسات قدسيّةً على الطالبات ألزمتهنّ بطأطأة الرؤوس في حضرة كبار الآنسات.

– السيطرة العاطفية “التعلق”:

حيثُ التزمتُ مرّةً -أو مرّاتٍ فالمشهد تكرر باختلاف أمكنة التزامي- كانت الفتيات يَهِمنَ بآنساتهنّ هُيامًا حقيقيًّا شفيفًا يصحبه بكاء لذكرها وخفقان وهيجان بمرورها، وأرق من جفائها، وتعليقًا على هذا حدّثتنا مدرّستُنا أنّ الظاهرة صحيّة ولا بد منها؛ فكلُّ أنثى تملك بطبيعتها وهجًا عاطفيًّا لا غنى عن تفريغه، وتعلّق الطالبة بآنستها يفرّغ هذه العاطفة وهو أفضل من أن تتعلّق بشابٍّ هنا أو هناك.

كان ثمّة هيمنة عاطفيّة عجيبة وتعلّق من الفتيات أشدُّ عجبًا، ممّا يخلق مُناخًا غير صحيٍّ من التنافس بين الطالبات والتناحر في حب آنسة، هذا التعلّق الذي يسلخ الفتيات وجدانيًّا من كلِّ ما هو محيط ويجعلهن يدُرنَ في فلك آنستهنّ المحبوبة فقط.

لا تخطئ عين الداخل دمشقَ حالة المحافظة “الظاهرية” في اللباس التي تسم النساء الدمشقيات وكذلك الالتزام بالحجاب، ويعود الفضل في هذا التدين الظاهري بين النساء إلى الجماعات الدينية الممتدة في عمق المجتمع السوريّ (بكساباي)
أثر الجماعة اجتماعيًّا ودينيًّا

لا تخطئ عين الداخل دمشقَ حالة المحافظة “الظاهرية” في اللباس التي تسم النساء الدمشقيات وكذلك الالتزام بالحجاب، ويعود الفضل في هذا التدين الظاهري بين النساء إلى الجماعات الدينية الممتدة في عمق المجتمع السوريّ ذات الأذرع النسوية وإلى الجماعات النسوية المستقلة كالقبيسيات، وقد خرَّجت الجماعة جيلًا مهتمًّا بحفظ القرآن ومدارسة التجويد والفقه لاسيما قسم الطهارة والعبادات، ومن نقاط العلّام الدّالة على أثر القبيسيات ووجودهن الاجتماعي اليوم:

– معاهد خاصة في دمشق:

حسب استطلاعاتٍ خاصة بميدان فإنه في السنوات الأربعة الأخيرة -أي خلال سنوات الثّورة السورية- بدأت الجماعة بنشاط جديد لها وهو افتتاح معاهد تعليميّة خاصة في دمشق تقوم بتدريس اللغة العربية نحوًا وصرفًا والعلوم الشرعية إضافة إلى خط، وهذه المعاهد تتبع نظام الدورات الذي يعتمد على مدارسة كتب معينة لكل مادة وأداء اختبارات بها تؤهّل إلى البدء بكتب جديدة.

– الهيمنة على دار الحديث النورية:

تقع المدرسة في الزاوية الشمالية الشرقية من الجامع الأموي وقد تأسست بقرار وزارة الأوقاف السوريا عام 2005، ووُضعت مناهجها بإشراف الدكتور نور الدين عتر رئيس قسم علوم القرآن والسنة في جامعتي دمشق وحلب سابقاً، وافتُتحت رسمياً في 23-4-2006 م، وتهتم هذه المدرسة بتدريس علوم الحديث الشريف ومصطلحه إضافة إلى إحياء حفظ أصول السنّة السبعة غيباً[5].

وفي استطلاعات خاصة بميدان فإن المدرسة تعتمد نظام الدورات؛ دورات بـ:

علوم الحديث.

رياض الصالحين شرحًا وحفظًا، وقراءة البخاري.

حفظ القرآن ومدارسته، وعلم التجويد.

دورات لعلوم شرعية مختلفة: (فقه، تفسير، تاريخ إسلامي، لغة عربية..).

وإضافة إلى الدورات الدائمة فقد أصبحت المدرسة “معهدًا تخصصيًّا للحديث النبوي الشريف وعلومه للإناث”، أي ثمة قسم حديث فيها للدارسة الأكاديمية مدته 4 سنوات تمنح الطالبات بعدها شهادة موازية لشهادة الجامعات الخاصة، وفيه الأقسام التالية:

قسم الشريعة – قسم حفظ الأصول السبعة – قسم اللغة العربية – قسم القراءات العشر.

وقد تمكنت الجماعة من الهيمنة على الطابع العام للمدرسة حيث إنّ إدارة المدرسة والنسبة الغالبة على مدرِّساتها وعلى طالباتها من القبيسيات.

تُظهر إحصائيات أن القبيسيات يمتلكن أكثر من 50% من المدارس الخاصة التي تنتشر في أحياء راقية من دمشق

– المدارس:

تُظهر إحصائيات أن القبيسيات يمتلكن أكثر من 50% من المدارس الخاصة التي تنتشر في أحياء راقية من دمشق، تُدرِّسُ هذه المدارس منهاج وزارة التربية السورية، مع تركز أكبر على حصص التربية الدينية، وتُعدَّ هذه المدارس مكانًا خصبًا لانتقاء فتيات جدد  من أبناء الطبقات الثرية؛ ومن أشهر مدارسهن الدمشقية مدرسة “البوادر” في منطقة كفرسوسة وهي أكبرها، ومدرسة “دار الفرح” في منطقة المهاجرين و”دار النعيم” و”مدرسة عمر بن الخطاب” في المزة و”عمر عبد العزيز” في الهامة و”دوحة المجد” في المالكي و”البشائر” في المزة[6].

وكذلك كان لهن مدارس خاصة بهن في كلٍّ من حمص والأردن والكويت. ومع هذا ورغم التَّملّك الكامل لمدارس ومؤسسات فهنَّ يشكّلن عنصرًا أساسيًّا في مدارس دمشق وريفها غير الممتلكة لهن أو التابعة للجماعة.

– حلقات العلم العامّة في المساجد:

في دمشق هناك أكثر من أربعين مسجداً تقوم عليها “القبيسيات” في أحياء دمشق الراقية، أهمها جامع “الوزير” في حي المهاجرين، جامع “الأبرار” في منطقة مشروع دمر وجامع “الرحمن” في المزة فيلات غربية[7]، تُقام في هذه المساجد دروس وعظية أسبوعية عامّة تستهدف شرائح المجتمع السوري النسوية كافّة، وهي تلقى قَبولًا وارتيادًا كبيرًا.

– سكن طالبات:

أسست القبيسيات مساكن لطالبات الجامعة، وكانت هذه المساكن على قدرٍ عالٍ من الانضباط، ولها نظام داخلي صارم من تُخالفه تعرّض نفسها للطرد وفق شهادات لميدان.

– مشاريع:

اشتهرت القبيسيات بإقامة الحفلات المدفوعة الثمن والمُبالغ فيها كمًّا ونوعًا، في مناسبات دينية واجتماعية مختلفة، وريع هذه الحفلات يُشَكِّل المورد المالي للمؤسسات الخيرية والخدمية اللاتي يشرفن عليها. كما يقدمن بعض المساعدات للأسر الفقيرة، والمساعدات الطبية في مشفى السلامة التابع لهنّ في دمشق[8].

بعد انتشار الجماعة في العديد من الدول، اختلف الاسم الذي يُطلق على الجماعة باختلاف الجغرافيا والمرجع فيها

الانتشار:

اختلف الاسم الذي يُطلق على الجماعة باختلاف الجغرافيا والمرجع للجماعة فيها، على أنَّ كل المصطلحات الآتية تدلّ على جماعة واحدة عبرت الحدود وتجاوزت المكان المعقل الأم:

– المركز/دمشق “قبيسيات”:

كانت دمشق العاصمة المعقل الأوّل للقبيسيات، وقاعدة الانطلاق لهنَّ، ثم بعد انتقالهنَّ من البيوت إلى المساجد بدأت النشاطات الدعوية لهنّ تطال ريف دمشق؛ لكن بفاعليّة أقلّ، وفي المرتبة الثانية من حيث الوجود والفاعلية كانت مدينة حمص.

وأمّا في حلب فلم تستطع الجماعة اختراق النسيج المجتمعي فيها بسبب سطوة الطّرق الصّوفية الممسكة بتلابيب المجتمع هناك[9].

– لبنان “السَّحَريات”:

عملت أميرة جبريل – فلسطينية الأصل شقيقة أحمد جبريل – على تأسيس نواة للقبيسيات في لبنان، وبعدها سلّمت زعامة الجماعة في لبنان للبنانية سحر حلبي فأصبحن يُعرفن بالسَّحَريات نسبةً لها، وكانت سحر قد تتلمذت على يد منيرة القبيسي في سوريا.

– الأردن “طباعيات”:

قامت فادية الطّباع بنقل نشاط القبيسيات شكلًا ومضمونًا إلى الأردن، وحقّقت أثرًا بالغًا في استقطاب نساء من طبقات راقية من عائلات الأردن وعائلات سوريا مقيمة بالأردن[10].

– الكويت “بنات البيادر”:

وكان لأميرة جبريل ههنا اليد الأولى والطولى في بناء الجماعة أيضًا، التي تأسست بعدها 1981م “جمعية بيادر السلام النسائية” وهي الجمعية الرسمية التي تعمل الآنسات من خلالها، ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان؛ وقد جاء إنشاء الجمعية نتيجة جهود كبيرة بذلها يوسف سيد هاشم الرفاعي رأس الصوفية الكويتية[11].

وبفعل الهجرة القديمة والحديثة فإن القبيسيات وصلن إلى دول أوروبية وعملن بها داعيات لكن بشكل أقل انتشارًا وتأثيرًا؛ فقد لوحظ نشاطٌ لهنّ في إسطنبول وأمريكا وأستراليا وفرنسا وانكلترا لا سيما عقب الثّورة السورية.

النشاط السياسي

–  قبل الثورة:

اتسم سلوك الجماعة بالغياب من حيث الظاهر عن العمل السياسي قبل الثورة والتأكيد الدائم على النأي بالنفس عن السياسة وأن الجماعة لا خطط سياسية لها، بل كانت الجماعة ملاحقة من قبل الأمن السوري أيامَ كان نشاطها سريًّا، فثمة مصطلحٌ شائعٌ أيامها وهو مصطلح “القطعة” أي انقطاع الدروس في البيت زمنًا طويلًا بسبب منع الأمن أو ملاحقته للدرس.

وفي المدارس العامّة التّابعة للحكومة السورية كانت المدرّسات اللواتي يلبسن زي القبيسيات يتعرّضن لمضايقات وترفع بهن تقارير دورية للمخابرات وفق حديث الأستاذة سهير لميدان.

مجموعة من القبيسيات يلتقين ببشار الأسد (ناشطون)

– بعد الثورة:

رؤوس الجماعة مَن تتلمذن على أيديهنَّ مباشرة لم يلحقن بركب الثورة وإنما اصطففن إلى جانب النّظام السوريّ وهذا حال الجماعة بوصفها كيانًا كاملًا وأما ما كان من بعض القبيسيات من الوقوف إلى جانب الثورة فهن يؤكدن أن هذه حرية شخصية لا علاقة لها بموقف الجماعة.

هذا وقد كانت سلمى عياش أول امرأة من الداعيات القبيسيات تُعيّن في منصب معاون وزير الأوقاف في سوريا، وذلك في ربيع عام 2014 في خطوة تمثّل مكافأة من النظام للجماعة على مواقفها من جهة واستخدامها سياسيا في ظل الثورة من جهة أخرى.

والمفاجئ ربما هو ظهور انشقاق في الحركة النسوية الإسلامية “القبيسيات”، تحت ضغط وتأثير تطور أحداث الثورة، فقد عملت الجماعة بشكل شديد الوضوح على الابتعاد عن أي موقف سياسي مع الثورة أو مع النظام، إلا أن ما يجري على الأرض لم يكن يسمح بضبط كامل للتنظيم، فقد كان لا بد للبعض من اتخاذ موقف واضح من الثورة. هكذا ظهرت حالةٌ نسوية جديدة تحت اسم “حرائر القبيسيات” في نهاية (نوفمبر/تشرين الثاني) 2011، تعمل على دعم الثورة، لكن من غير الواضح حتى الآن مدى تماسكها وتأثيرها[12].

وهكذا فإنَّ هذه الجماعة التي صبَّت اهتمامها على النساء من الطبقة الثريّة والطالبات الجامعيّات عموما لا سيما التخصصات التي تحظى بمكانة اجتماعية خاصة  كالطب والصيدلة والهندسة والتي تقتصر في مناهجها على التزكية القلبية والأخلاقية مع شيء من التخصص العلمي الشرعي؛ تغيبُ عن الواقع المتغيّر من حولها فكريًّا اجتماعيًّا وسياسيًّا ممَّا يسهّل استخدامها وتوظيفها سياسيًّا من حيث تشعر أو لا تشعر، إضافة إلى غياب جهاز ناطق باسمها ومعبرٍ عنها سواء من الرموز أو وسائل الاعلام يجعل كثيرًا من اللغط يدور حولها دون أي نفي أو إثبات مما يجعل المدافعين عنها في موقف غير قويّ يعتمد فقط على المعرفة الشخصيّة المباشرة.

ورغم ذلك فإنّ الجماعة التي تمتدّ في النسيج الاجتماعي السوريّ بشقيّه الموالي للنظام أو الخاضع لسيطرته كما في دمشق العاصمة، والمعارض له كما في الأردن وإسطنبول ولبنان ما تزال تثير اهتمام المتابعين وتلقى دعمًا من طرفي الصّراع النّظام والمعارضة في جزء غير يسير منها مما يؤهلها للاستمرار في عملها ودورها في حال تغير الواقع السياسي في سوريا بخلاف من أحرقت الثورة أوراقهم وأسقطتهم من معادلة المستقبل.

(المصدر: ميدان الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى