كتاباتكتابات مختارة

الصراع الدولي العالمي على أراضي المسلمين

الصراع الدولي العالمي على أراضي المسلمين

بقلم عبد اللطيف مشرف

تناحر الأمم على أراضي المسلمين حدث تنبأ به النبي الكريم.

أسس النبي صلى الله عليه وسلم دولته في المدينة، وكانت دولته صلى الله عليه وسلم تربط بين الدين والدولة، ومرت هذه الدولة بعدة مراحل حتى تم التأسيس، ولكن تكمن في هذه المراحل والتأسيس عبقرية النبي صلى لله عليه وسلم، وتظهر في مبدأ تدرجه في الدعوة وبناء الدولة، الدعوة الجهرية والسرية مثالًا، وأيضًا وضع حجر الأساس المتين والقوي وهو بإيمان جيل مؤمن إيمانًا تامًا بقضيته ودينه، مثل مدرسة الأرقم ابن أبي الأرقم، وظهرت أيضًا في حنكة النبي بين فن المفاوضات ورؤية المستقبل وبين قوة القرار والحرب، مثلما في صلح الحديبية وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم، كما ظهرت في هذه المرحلة تأسيسه لتعليم وترابط المجتمع كركن أساسي في دولته في المدينة، وذلك ببناء المسجد والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار من أجل خلق مجتمع مترابط، وخلال هذه المراحل ظهر تأسيس القانون وحفظ حقوق الأقلية، وذلك من خلال وثيقة المدينة، وحقق الاقتصاد وعمل على بنائه وتوسعه وتنوعه وأيضًا التدريب والقوة العسكرية، فكانت النتيجة تأسيس دولة قوية وجيل متشبع بالإيمان وحب القضية ومؤمن بالفتوحات لإعلاء كلمة الله ورسوله لا لإعلاء راية حزب أو قبيلة أو صاحب سلطة، فبهذا الجيل استمرت دولة النبي بعد وفاته، بل توسعت ووصلت من الصين شرقًا إلى الأطلسي غربًا، وركعت أمامه أعظم إمبراطوريات التاريخ من الفرس والروم، وأصبحت هي صاحبة الرأي والقرار في المنظومة السياسة العالمية حينذاك.

وعندما تفرقت الأمة وخرجت من مبدأ مفهوم الأمة إلى مفهوم القومية، ومن مفهوم اعتصموا بحبل الله إلى مفهوم العصبية والتفرق والتمسك بالغرب وطلب حمايته، كانت النتيجة أن أصبح الجميع يطمع به وفي خيراته، لم تعد قادرة على حل قضاياه، بل الفصل فيها بالرغم مما تملكه من ثروات وخيرات، وسلط الله علينا الأمم من كل حدب وصوب، عندما تركنا منهجه واتجهنا إلى منهج الغرب وماركس ولينين، وملأت الدنيا قلوبنا ونسينا الأخرة وكرهنا الموت، فأصبحنا لا قيمة لنا ولا عزة فينا، وسلط الله علينا كل كلاب الأرض، وقد تنبأ النبي بذلك من قديم الزمان، هل تعرف ذلك؟

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت». (سنن أبي داود-4297، مسند أحمد-21890، مسند أبي داود الطيالسي-1085).

صدق رسولنا الكريم، واليوم نري بأعيننا أن الأمم تداعت علينا من كل صوب وحدب، إيران لها مشروعها وتقاتل بشدة من أجله السنة، بل تناطح أمريكا من أجله، وكلا من أمريكا وإيران كان يستخدم بعضه البعض وهم يعلمون نوايا بعضهم البعض، وكسب كلًا منهم ما أراد وعند الحساب اختلفوا، فما تراه الآن حقيقية ولا تسمع لأهل الجهل وأصحاب الفتاوي المضللة والكلام الساخر، وذلك بعد أن فرضت إيران عنتريتها وقرارها على دول مهمة لمناطق السنة مثل: اليمن، العراق، سوريا، لبنان، والآن صراع حقيقي على الأرض، بل تريد المزيد من باقي مناطق السنة حتى يصبح الخليج مياهًا ومناطق فارسيةً ومعها الدول سابقة الذكر ويكتمل بذلك الحلم الفارسي، ويعلم أصحاب القرار في بلاد المسلمين ويعرفون هذا ويدرون من هي إيران الآن، بل الكثير منهم مستعد أن يدفع كل ما في خزائنه من أجل محو إيران والحفاظ على عروشهم، بل أن نجد باقي مناطق السنة والمسلمين تظن أنه صراع وهمي، وذلك لقلة حيلتهم، ولضعف تخطيطهم الدبلوماسي، ولعمى بصيرتهم السياسية، وضعف حكامهم، وموت القضية التي من المفروض أن يدافعوا من أجلها ويموتون في سبيلها، ولكن لحب الدنيا تريد أن تعيش في الأوهام ومحلليهم وحكامهم يعيشون الشعوب في وهم لدرجة جعلوهم يسخرون من الوضع ويضحكون على خيبتهم رغم جدية الصراع العالمي الأن، ومع الأسف المسلمين هم الضحية والمنهوب ثرواتهم وهم بارود ورماد الحروب والصراعات العالمية، ومع ذلك يقفون يتفرجون ويضحكون، وأصبح كلام النبي واقع نعيشه، وكلام وتصريحات إعلام اليوم مهزلة وجهل نراه بل ونصدقه، ولكن ماذا فعل حكام المسلمين اليوم لصد هذه الأخطار عنهم وعن أوطان وبلاد الأمة، بالرغم من وجود منهج يحذرهم، بل يضع يدهم ويد شعوبهم على نقطة الضعف؟

اليوم تداعت علينا الأمم من كل صوب وحدب، رغم أننا كغثاء السيل، مليار وأكثر من المسلمين، وأعداد تفوق كل الذين يتصارعون من أجل القضاء علينا، ولكننا أجساد بلا أرواح، وقلوب بلا قضية، وذلك لأننا أصابنا الوهن، وهو حب الدنيا وكرهنا الموت ونسينا الآخرة، فتجرأ العدو علينا، وخطط مشاريعه التوسعية بأموالنا وبأروحنا من أجل فرض سيطرته وقوته السياسية ونهب ثرواتنا، ويتحالفون من أجل نهبنا ويتفرقون أيضًا من أجل نهبنا وتنفيذ مشاريعهم، فأصبحت الأمة الآن بين أنياب العدو من كل مكان وكل اتجاه، وقد وصف النبي حالنا من زمان بعيد، ولكننا لا نقرأ ولا نتعلم، ولا نتمسك بقرآن ولا سنة.

اليوم نحن بين مشروع فارسي حقيقي وقائم يناطح بقوة كل من يريد أن يوقفه ومستعد أن يموت من أجله حقيقيًا، والمشروع الصهيوني القاتل الصامت، ولديه وطنية تفوق كل المسلمين ويعمل بإخلاص لقضيته، والمشروع الأمريكي البراجماتي، والمشروع الصيني الروسي الشيوعي الاقتصادي والعسكري، بل سنكون ساحة الحرب الباردة الجديدة التي بدأت بين فريق أمريكا وأوروبا ضد الصين وروسيا على أرض العرب من أجل سيادة العالم، وتغيير الخريطة السياسية الجديدة، الكل له مشروع أمة وحلم وتوسع ويموت ويعمل من أجله ولديه الإيمان الكامل به، لذلك يُولى أصحاب القضية والعقل الأمر والسلطة ومن وراءهم الشعوب، إلا المسلمين والعرب لهم مشروع سلطة وكيف تضلل شعب لتصبح حاكم بأمر الله، فمن أجل ذلك يولوا الجهلة والمنتفعين ومن خلفهم الشعوب تفتي وتطبل عاش الملك مات الملك.

فعليك أن تعلم الذي تراه الآن على الساحة السياسية كله حقيقة وكل منه له قضية ومشروع، وليس تمثيلية، إنما التمثيلية الحقيقية هي ما تعيشه الأمة الإسلامية الآن من ضعف وهوان، وشعوب تضحك على حالها لقهرها ولقلة حيلتها على أن تُدافع عن ذاتها أو نفسها، فتحول الأمور لفكاهة وسخرية، فهذا هو أصعب أنواع القهر وقلة الحيلة.

ولكن ماذا علينا أن نفعل لنخرج من هذا المأزق الصعب، يجب أن نتحد ونقتل العصبية فينا، ونقتل حرب المذاهب والأيدولوجيات والطائفية التي صنعها الاستعمار ويعيش كل منا في وطنه تحت راية الإسلام وحب القضية والوعي بها، لا نستخف بالواقع بل ننشأ مراكز أبحاث علمية وإستراتيجية حقيقية توضح الرؤية التاريخية والسياسية لأصحاب القرار، وتساعدهم في صنع القرار والتحرك، تتواصل الحكام مع شعوبها وتنشأ نظام عدل وقانون يطبق على الجميع، وتعطي الجميع حقه من الثروة وتساوي بين الجميع بعدالة اجتماعية حقيقية، ربط أوطان الأمة بمشاريع حقيقية ثقافية واقتصادية ووحدة سياسة وقرار موحد، ونشر الحقائق بكل وضوح لا مجال الأن لتضليل أو التزييف فالكل في خطر، ويجب أن يتولى الأمر أصحاب القضية والرأي والكفاءة، وأيضًا يجب التمسك بالقرآن ومنهج السنة وتفسيرهم تفسيرًا يواكب الزمان ويلامس الحقيقية فهم فيهما المشكلة والحل.

يبلغ عدد الدول الإسلامية 86 دولة، ينضم منهم إلى منظمة المؤتمر الإسلامي 56 دولة، وتتوزع على أربع قارات، عددهم حوالي 1.8 مليار مسلم، ويشكل هذا العدد ربع سكان العالم، يمتد هذا العالم على حدود تقارب 32 مليون كم2، وبما يقارب خمس مساحة اليابسة.

تجري في هذه المنطقة أكبر وأهم الأنهار مثل: نهر النيل، دجلة والفرات، النيجر، السند، وغيرها من الأنهار التي تشكل خطاً جغرافياً مميزاً مع وجود البحار والمضايق والجزر التي تطل عليها، وهذا يجعلها تتحكم في طرق التجارة العالمية؛ نتيجة لإشرافها على البحر الأحمر وبحر العرب وقناة السويس، ومضيق باب المندب، وجبل طارق. ولكن هذا إن توحدت جغرافيا هذه الدول ولم تبالي بالقيود التي فرضها الاستعمار الغربي عليها، فكيف إذا تلاشت هذه الحدود بين الدول وتوحدت سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا؟ الإجابة أنت تعرفها أكثر مني.

في النهاية: كن مثل خالد عندما عزله الخليفة عمر من قيادة الجيوش إلى جندي، لا يهم أن تكون قائدًا أو جنديًا، المهم أن تكون في المعركة وتنتصر للقضية وتجاهد في سبيلها لا في سبيل المنصب والتنظيم والسيادة وأهل السلطة، أعظم قضية هي قضية الدين ونهضة الأمة.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى