تقارير وإضاءات

الداعشية في مناهج التربية الإيرانية

إعداد : د. نبيل العتوم

الجزء الذي ليس باليسير مما تقترفه إيران اليوم من مذابح ومجازر في سوريا والعراق هو ترجمة عملية لما يتم تدريسه نظريا وبشكل مباشر في الكتب المدرسية الإيرانية. فالجذر والمنبع الفكري الذي تستمد التنشئة التعليمية منهجها منه يظل واحدا؛ فهو يُؤسس للعدوانية العنصرية والتعصب العرقي والفوقية ضد الآخرين من “العرب السنة” وبشكل مقيت، وذلك كون الذات الفارسية بنكهتها المتعصبة هي الطائفة المؤمنة الوحيدة والمؤيدة بالنصر الإلهي على الأرض، وغيرها غير مؤمن أو غير مسلم، ولا يحمل لواء الإسلام الحقيقي، وبالتالي يحل ذبحه وهتك عرضه وسلب ماله.

كيف تساهم الكتب المدرسية في غرس الداعشية

تؤسس الكتب المدرسية الإيرانية لهذا المنهج بطيف من الممارسات والسلوكيات الثأرية المختلفة ضد الآخر. حيث تبدأ بإحداث حالة تعبئة انفعالية غير مسبوقة، والتعالي الشعوري على ذلك الآخر واحتقاره، وتصل في أقصى صورها إلى إباحة ممارسة العنف ضده، واعتبار ذلك أمراً مشروعاً، وقربة إلى الله تعالى عزوجل. مع أن المقصود بالآخر هو العرب.

لا شك بأن الكتب المدرسية الإيرانية لا تؤسس لأي شكل من أشكال التعايش مع الآخر “العرب” تحديداً، حيث تسهم في بناء إطار يعزز قيم الثقافة المتطرفة والإقصائية حيث تحتل المرتبة الأولى في الداعشية الحديثة.

وسواء أكانت تلك الثقافة الإيرانية “قومية أو دينية أو مذهبية فإن النتيجة واحدة بالنسبة لعدوانية هذه الدولة ولدمويتها، حيث أنتجت وصاغت فكر النخبة السياسية والعسكرية والأمنية والحوزوية الإيرانية، لتجسد نازية هذه الدولة وداعشيتها وفكرها وأيدلوجيتها، كيف لا وكتبها ومناهجها التعليمية تجزم أن الجنس الآري يتربع فوق البشر كلهم، فكيف إذا كانوا شيعة فرساً؟ وبالتالي هم أحق بقيادة البشرية، التي أنتجت عنصرية مدمرة نجد ترجمتها العملية في سوريا والعراق، ونراه اليوم يتجسد في النظريات الداعشية التي تتبناها إيران والتي تعد جاهزة للتطبيق عن طريق إبادة من يختلف معها، حتى وإن كان من الشيعة ” العرب” وهذا بتقديرنا قمة الداعشية أنفسهم.

إن إيران الداعشية اليوم لا ترى في عينها غير الشيعة الفرس أولاً، والبقية كائنات طفيلية، وبشر لا يستحقون الحياة، بل يجب سحقهم كونهم قرابين تمهد لظهور إمام زمانهم وولي عصرهم.

ولا شك بأن في كل ثقافة من الثقافات الإنسانية مكونات تطرف وتسامح واعتدال وتعايش واعتراف بالآخر وعدم اعتراف وهذه طبيعة البشر، لكن أن يترك الطالب في المدارس الإيرانية رهينة كي تنمو معه مكونات التطرف ببطء من خلال جرعات التحريض والكراهية والثأر التي يتم حقنها من خلال فضاء العملية التعليمية ومراحلها التربوية، فتنتج بشكل منظم جيلاً من المجرمين، بذريعة المظلومية والاستهداف، وبهذا تكون النتيجة الطبيعية داعشية، وإن كانوا يتهمون بها غيرهم شأن أي سفيه ومجرم بامتياز.

والذي نعرفه أنه عندما وصل المسلمون إلى بلاد فارس أخرجوهم من الظلمات إلى النور، ولكن المشكلة والعقدة أن إيران اعتبرت الفتح الإسلامي لبلادهم اجتياح مدمر من قبل الأعراب الهمج القادمين من الصحراء، وعندهم أن ذلك أوقف إيران عن ركب الحضارة والتقدم كما يقول زرين كوب وكتابه “قرنان من السكوت” –الذي حرصت جامعة طهران على تدريسه في قسم العلوم السياسية– طوال الحكم الإسلامي لبلاد فارس يعبر عن ذلك، وقد بقيت فارس تقاوم المحتل الجديد الغاشم، وجُل أهلها يعيشون معه في نمط تنافر مذهل.

الثورة الإسلامية: الثورة الثقافية وتعزيز الداعشية

لا شك بأن مكونات التطرف قد تعززت في الثقافة الفارسية منذ القدم، ومع مجيء الثورة الإسلامية تغلغل الفكر الداعشي بشكل مباشر في مناهج التربية والتعليم، وبدأت تنتج سياسيين وعسكريين ورجال دين وفكر داعشين بامتياز؛ فكانت النتيجة ما نرى هذه الأيام، حيث سيادة الفكر الشيعي الداعشي المتطرف، حيث تُمثل سياسة إيران بسلوكها الداعشي اسوأ تعبيراتها. عندما يتعلم طلاب المدارس في إيران أن العرب مجرد كفار لا يستحقون سوى الاحتقار والقتل، وانشغال آيات الله وحجج الإسلام من مراجع التقليد في غرس قيم التطرف من خلال خطابهم وفتاويهم ذات المحتوى الداعشي المدمر الذي يراد به قتل الآخر من العرب.

والنتيجة الأهم هي أن المحتوى التعليمي للكتب المدرسية الإيرانية لا يحوي أي موضع يشير إلى ضرورة تقبل اختلاف المعتقدات المذهبية، لكنها بالمقابل تنادي بالتعايش مع مختلف الديانات الأخرى؛ فالطلاب يتعلمون صراحة أن المسلمين العرب السنة يحملون معتقدات غريبة عجيبة؛ بل دين جديد مضلل، ومن الحلال بل ومن الواجب ذبحهم، وهو شرط أساسي لظهور إمام الزمان الذي سيخرج العالم من الظلمات إلى النور. وبذلك يلتقون مع اليهود والنصارى في عدائهم المطلق ضد المسلمين.

الكتب المدرسية الإيرانية: الفكر الداعشي وتعزيز قيم التفوق والصدارة

إن أسس التربية الإيرانية اعتمدت منذ البداية منهجاً متشددا يقوم على التمييز والصدارة، ومن ثم فإن مرتكزات أمنها تقوم أساسا على فكرة شعب الله المختار الذي يحمل لواء الإسلام الحقيقي، وما يحيط بهذه المقولة من أوهام وتأويلات وطلاسم تحاول أن تؤسس على تعاليم المذهب الشيعي. علماً أن فكرة شعب الله المختار هي ممايقول به اليهود.

الممعن بالنظر إلى الثورة الإسلامية في إيران، يجد اهتمامها البالغ بميدان التربية والتعليم واعتباره من أولويات تحركها نحو إقامة الدولة المثال. فمنذ انتصار الثورة في إيران، حرصت على القبض بيدها على زمام المبادرة في مجال التعليم, وفرضت الثورة إرادتها بأن يكون لها الحق في وضع المناهج الدراسية للطلاب من خلال ما يعرف بإيلاء أهمية قصوى للثورة الثقافية.

فالفكر التربوي في إيران يعتبر أكثر المصادر إفصاحاً عن بنية العقل الإيراني، وأصدقها في بيان مخططاته، وتحديد أهدافه وأبعاده، وكشف ركائزه ومحاوره، وهو يعد أحد الأسس الرئيسية التي ارتكزت عليها الثورة الإسلامية، في بناء أجيالها الناشئة وتشكيل شخصياتهم.

إن الفرد الشيعي، داخل إيران وخارجها، هو الأداة الرئيسية التي تنفذ الثورة الإسلامية الإيرانية بواسطته أهدافها المقدسة، وتعمق في نفس الناشئ شعور الانتماء إلى إيران. ويتم ذلك بتضافر جهود مؤسسات تربوية عديدة تعمل لتحقيق هذا الغرض، ودوما يشعر قادة الثورة أن مستقبل إيران ورسالتها الثورية يتوقف على مدى نجاح هذه المؤسسات التربوية في تنشئه أجيال إيرانية مستعدة وقادرة على حمل الرسالة العالمية لإيران؛ ولا يقل ذلك أهمية في نظر مؤسسات صنع القرار الإيراني، عن توفر السلاح العسكري بكافة أشكاله وصورة؛ كل ذلك بهدف بناء إمبراطوريتها الموعودة بالقوة وممارسة العنف ضد الآخر.

أما خارج إيران، حيث تعتبر الثورة الإيرانية كل شيعي يجب أن يخضع في ولائه لولي الفقيه، وهو مواطن إيراني محتمل من الدرجة الثانية كونه غير فارسي في طور التكوين في المستقبل، بحكم دور إيران كدولة جامعة، فتعمل على إقناعه بتقديم الدعم المادي “سهم الخمس”، لإيران على الأقل في الوقت الحاضر. ويتطلب ذلك بذل جهود كبيرة للربط بين الشيعة خارج إيران “شيعة الشتات مع دولة ولي الفقيه من خلال إستراتيجية قائمة على بعدين: جمع الشيعة بطوائفهم المختلفة بهدف ضمان ولائهم لإيران، ودعم تنظيم الأقليات الشيعية تحت مظلة المرجعية الشيعية الفارسية، وضمان عدم صعود أية مرجعية شيعية عربية ولو كان ذلك بالعنف والاقصاء.

لا شك بأن المؤسسة التربوية هنا هي الأداة الأكثر أهمية لتحقيق هذا الهدف، وهو ربط شيعة الشتات بإيران، عن طريق بناء أجيال إيرانية تؤمن برسالة إيران في نظم عقد حبات الأقليات الشيعة بالقوة فيخرج منهم السياسي، والعسكري، ورجل الدين، الذي يخلق رأي عام مذهبي لهذه الفكرة، ولهذا تتبنى هذه النخب إستراتيجية التدخل في شئون الدول الأخرى، وبناء الخلايا النائمة …. لتحقيق هذه الفكرة.

ومن المعروف أن الهدف النهائي الذي تسعى الثورة الإسلامية لتحقيقه هو دمج كل الشيعة بإيران روحيًا وسياسياً واقتصاديا بالمرحلة الأولى، إذ أن تحقيق هذا الهدف هو ضمان بقاء «الثورة الإسلامية» وسلامتها وأي خلل يحصل في تحقيق هذا الهدف يؤدي ـ طبعاً ـ إلى خلخلة في الكيان الإيراني فالدمج الاقتصادي من ناحية يقلل من حجم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران، والتي تحول دون توافر الموارد التي تمول مشاريع الثورة داخليًا وخارجيًا.

من هنا تنظر الثورة الإيرانية إلى الدمج الروحي بين شيعة الشتات وإيران على أنها معيار نجاح أو فشل المشروع الثوري الإيراني من أساسه، إذ بدونه تذهب كل جهود الحركة الشيعية العالمية هباء وتبقى أهدافها مجرد أحلام يقظة. ولكن هذا الهدف،، اصطدم ولا يزال بعقبات عديدة، لعل أهمها سوء إدارة الثورة الإسلامية في خلق النموذج والحلم بالنسبة لشيعة الشتات، والعقبة الثانية خاصة بوضعية شيعة الشتات، حيث لم يتعرضوا للاضطهاد الذي تصوره إيران دومًا، بل استطاعوا الوصول إلى المراكز العليا الحساسة في الحقول السياسية والاقتصادية والإعلامية، مما أدى إلى اندماجهم في المجتمعات العربية التي ينتمون أصلاً إليها، وهذا الاندماج عملية طبيعية تلقائية ومستمرة تتم في كل المجتمعات ما لم تكن هناك حواجز، مما أربك المشروع الإيراني، التي سرعت من وتيرة التدخل في شئون شيعة الشتات بوسائل وطرق مختلفة لإذكاء الفتن والحروب الداخلية تمهيدا لتحقيق مشروعها.

ولا تخفي مؤسسات صنع القرار عدم ارتياحها من عملية اندماج شيعة الشتات في مجتمعاتهم هذه،، ولمواجهة عملية الاندماج تعمل الكتب المدرسية الإيرانية من خلال العملية التربوية على تحقيق هدفين:

أولا: الحفاظ على هوية الفرد الشيعي الإيرانية.

ثانيا: تأكيد مركزية إيران في البعث الشيعي العالمي.

من أجل ذلك تعمل إيران من خلال هذه الكتب المدرسية على غرس الشعور لدى الإيرانيين بتميزهم وتفوقهم عن غيرهم، كما تشعرهم بأن مصيرهم معلق بمصير الثورة الإسلامية، وتقوم بتلقين الطالب منذ الصغر شعور عدم الرضا بالحياة في غير إيران، وذلك من خلال تضخيم قدراتها، ثرواتها، جمال طبيعتها حتى في أحسن الظروف، وتعقد مقارنات مع الدول العربية المجاورة التي كانت جزءاً من الإمبراطورية الفارسية فهي “دول صحراوية، مناخ قاس، وتربة فقيرة، وشعب من الأعراب، رعاع، همج، لديهم ثروات هائلة من النفط والغاز لا يستحقونها، ويوظفون عائداتها لمحاربة إيران ومحاصرتها، كما تركز على الاضطهاد والمذابح التي تعرض لها شيعة الشتات”، ومنها مذابح البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، حتى شيعة باكستان، وأفغانستان، وحياة عدم الأمن التي يعيشونها، وهكذا تنغرس لدى الشيعي الإيراني ما يسمى بعقدة «الهولوكوست» أي الإبادة الذي ينبغي أن ينتقم ويثأر له.

من هنا فإن واجب الكتب المدرسية الإيرانية أن تجعل الشاب يحلم بالإمبراطورية الموعودة، وأن يعرف أن في إيران أعظم ثورة في التاريخ البشري.

إن اهتمام الثورة الإسلامية بالعمل والارتباط بالأرض حدد هدف التربية والتعليم في إيران بأنه تكوين الإنسان الإيراني القائد الطليعي “المنقذ”، تكاد تكون محور العملية التربوية ومفتاح البحث منها.

منذ ذلك الوقت أصبحت الريادة هي المثل الأعلى في التربية الثورية الإيرانية، وهي تجمع العديد من المعاني التربوية، وتعني فيما تعنيه العمل، الإنتاج، والإبداع،و التفوق، والتميز الخ…

ومصطلح الريادة ذات علاقة بالروح العسكرية التي تسعى المناهج المدرسية الإيرانية لغرسها في الشباب الإيراني، وهي جزء من المفهوم الواضح لكلمة «ريادة»، بل هي جزء لا يتجزأ من طبيعة الثورة الإيرانية التي تستأثر فيها القوة العسكرية بأهمية بالغة، وتحتل فيه القيم العسكرية المكان الأول، ولهذا الوضع أسبابه وخلفياته التي تتمثل في الأهداف الثورية وموقع إيران وتكوين مجتمعها النموذج، ولطبيعة دورها الوظيفي في المنطقة.

إن كل ذلك جعل الثورة الإسلامية في موقع الاحتمال الحتمي للحرب، لهذا سعت بجد ودون كلل أو ملل لعسكرة الدولة بمختلف المؤسسات، واستغلت هي ذلك لتغرس في نفوس أبنائها أن ليس هناك مفر من القتال والحرب المقدسة بكل القوى وكافة السبل تحقيقا للوعد الإلهي؛ وجعلته جزءاً من عقيدة الدولة والثورة التربوية والعسكرية والسياسية الذي تقاتل من أجله وفي سبيله.

لذلك أحيطت الحرب المقدسة بين الحق والباطل، وبين المهدي وجنوده والكفار بهالة من القداسة جعلتها عند مراجع التقليد العظام في مرتبة اليقين الذي لا يجوز التشكيك به.

من هنا تسعى الثورة الإيرانية من خلال الكتب المدرسية لخلق جيل إيراني شيعي متعصّب، مجبول ومعبأ على الثأر والانتقام، ومشارك للأوساط الثورية الأخرى في تنفيذ المشروع الإلهي،وترجمة الأفكار الغيبية إلى واقع.

إنّها تنمّي شخصية الطالب وتعبئه على العدوان والعمل على التمسّك بترجمة الرسالة التي ورّثهم إيّاها الإله شخصياً، وذلك من خلال الكتب المدرسية.

* المصدر: مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى