كتب وبحوث

علاج ظاهرة التكفير

إعداد : د. محمد الجندي

الفكر التكفيري يُعدُّ من جملة الأخطار التي هزت أرض المسلمين هزة عنيفة أطاحت برواسخ الثبات في كل ضروب الحياة، وأحدثت صدعاً قويا في صرح الأمة ساق الأعداء إلى مهاوي التشويه والطعن في مقدساتها وأئمتها وعقيدتها بكل توجهاتها على حد سوى. وتلك فتنة سعرتها أفئدة الغلاة، وأوقدتها ألسنتهم المتسلطة، فانقضاضهم على عقيدة المسلمين انقضاض البزاة على طرائدها، وإسراعهم إلى التكفير إسراع العطاش إلى موردها، حتى امتدت أيديهم إلى وحدتنا فمزقتها.
والبحث الذي بين أيدينا جاء لتقديم رؤية علاجية لتلك الظاهرة وقد جاء تحت عنوان: “رؤية علاجية لظاهرة التكفير في ضوء الوسائل والأساليب النظرية والتطبيقية”[1].
فقد جاء بحث  د. محمد الجندي -أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة والأديان بجامعتي الأزهر بالقاهرة وجامعة الملك فيصل- في مقدمة وتمهيد وستة مباحث وخاتمة. حيث تضمنت المقدمة خطة البحث. وناقش التمهيد مفهوم التكفير.
وجاء المبحث الأول عن فقه الوصفة العلاجية القرآنية والنبوية لداء التكفير:
وفيه عرض الباحث مجموعة من النماذج القرآنية والنبوية لعلاج داء التكفير، وذلك تحت العنوانين الآتية:
أولا: النهي عن التصدير بالحكم على بواطن الناس (علة لعلاج المزاجية والعشوائية).
ثانيا: استخدام آلية: الجزاء من جنس العمل (علاج تحذيري).
ثالثا: صنيع النبي لسان حال يقصم التكفير والغطرسة (علاج تقويمي تطبيقي).
وفي المبحث الثاني تحدث الباحث عن تفعيل دور المؤسسات الدعوية في بيان خطورة التكفير؛ مشيرا إلى الدور الحيوي والمهم للمؤسسات الدعوية في علاج ظاهرة التكفير. وبين محورية هذا الدور في النقاط الآتية:
– إشاعة الوسطية وتقويض الثقافة المغالية.
– تحديد مصادر الفكر التكفيري وتجفيف منابعه.
– تشكيل جبهة دعوية متخصصة (جبهة مكافحة التكفير والتعصب الفكري).
– توحيد آراء المراجع الدعوية وعدم التعارض والتضارب في الرأي.
– إنشاء هيئات حوارية متخصصة لعلاج أزمة التكفير.
ونبه الباحث في المبحث الثالث إلى أهمية التحذير من خطورة التكفير في الوسائل التعليمية وعلاجه بأساليب منهجية توعوية.
في هذا المبحث بين الباحث دور الوسائل التعليمية في التحذير من خطورة التكفير وعلاجه بأساليب منهجية توعوية، حيث تعتبر المؤسسة التعليمية بوسائلها المؤسسة الاجتماعية الثانية بعد الأسرة مباشرة، والتي يبدأ اتصالنا بها في مرحلة مبكرة من الحياة.
وتقوم المؤسسة التعليمية بمعالجة النزعات التكفيرية القابعة في نفسية الطلاب، وذلك بوسائل تربوية وتكوينية متعدد، أشار الباحث إلى بعضها.
وذكر في المبحث الرابع ضرورة توجيه الوسائل الإعلامية لبث الفكر المعتدل بأساليب ترغيبية؛ مشيرا إلى الدور الكبير الذي تقوم به وسائل الإعلام، سيما في ظل الثورة الاتصالية والتقدم التقني، في تشكيل الوعي والتأثير العميق والشامل على جميع مناحي الحياة والثقافة والفكر، ثم أتبع الباحث ذلك ببيانه للملامح العلاجية الإعلامية لظاهرة التكفير.
وعرض الباحث في المبحث الخامس لمجموعة من الدوافع النفسية السقيمة التي تدفع بعض الأفراد إلى تكوين بؤر نكدة تنعكس على الرؤية والفهم والثقافة والسلوك، كحب الظهور والشهور بالإحباط، والتأثر ببيئات التوتر والصراع الفكري. وأكد على أهمية صياغة حلول للمشكلات النفسية والاجتماعية التي ينعكس عنها التفكير.
وحول التصدي المجتمعي لملاحم التكفير وحظر ثقافته جاء المبحث السادس. ويتمثل هذا -بحسب رؤية الباحث- في نفرة مجتمعية تقف في وجه الملاحم التكفيرية عبر آليات متناغمة أهمها ما يلي:
– استعمال الأسرة- البؤرة الأولى في المجتمع- لآلية الإثبات والمحو الثقافي في عقلية الولد (علاج تربوي).
– انطلاق حملات اجتماعية متنوعة بأنساق متناغمة حكيمة من كل شرائح المجتمع لمواجهة ظاهرة التكفير (حملات مواجهة التكفير)
– التصدي للثالوث المدمر (الجهل- الفقر- العشوائية) المؤدي للتشنج النفسي المفضي إلى التكفير.
– التركيز المجتمعي على الجانب الوقائي من آفة التكفير قبل العلاجي.
– قيام الجمعيات الأهلية والخيرية بدورها في مواجهة هذه الظاهرة.
وقد رأى الباحث بعد هذه الجولة حزمة من النتائج والتوصيات التي يلزم تفعيلها للحد من هذه الظاهرة الغثة العثرة، وهي كالتالي:
– أن ظاهرة التكفير تردي في الهاوية، فجماعاته تنتحر بيدها، وتختنق بالظروف العدائية التي أنشأها الغلو والتصلب بعيداً عن روح الأحكام الشرعية، ومرونة الوسطية والاعتدال.
– أن خصائص الإسلام التي بها صار المسلم مسلما، والتي بدونها لا يملك المضي في خلافة الأرض، والسيادة على عناصرها، تدمر تدميراً بشعاً بهذه الظاهرة وأنساقها، والتي أنذرت منها أصوات العقلاء.
– أن لكل داء دواء، ولكل سقم شفاء، وعلاء داء التكفير يكمن في دقة تشخيصه، إذ لابد وأن تدخل العقول الموصولة المكللة بالتكفير بوابة معمل الفحص الشرعي الحكيم، حتى تصاغ نظرية شرعية تضمن شفائها.
– ضرورة تحجيم الثقافات المارقة، والترويجات الخارجة لفتنة التكفير، واستعمال كل السبل للوقوف في وجهها وحجبها عن التسلل لعقول شبابنا.
وأهم التوصيات:
– إنشاء جهات وروابط عالمية فعالة متخصصة لمواجهة التكفير، تذب عن الإسلام ما نسب إليه من نتاج هذا الفكر ووباله وإرهابه.
– تفعيل دور المؤسسات الخيرية والأهلية في ترويج مفاهيم الوسطية والاعتدال بالوسائل الدعائية المنشورة والمسموعة.
– تكثيف دور الدعاة والعلماء في بيان خطورة هذا الفكر وبراءة الإسلام منه.
– تشابك الأنساق والمؤسسات المجتمعية (الدعوية والتعليمية والإعلامية والخيرية والأهلية والأمنية..الخ)، وتفاعل الأدوار والاختصاصات في حزمة قوية تعالج المد التكفيري من بداية تكوينه.

[1]  قدم البحث ضمن “مؤتمر ظاهرة التكفير: الأسباب- الآثار- العلاج”، الذي أقامته جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، بالاشتراك مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ والذي عقد في المدينة النبوية، في الفترة من 22 إلى 24 شوال عام 1432هـ.

* المصدر : مركز تأصيل للدراسات والبحوث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى