كتب وبحوث

الحراك الفكري السعودي: أوراق فكرية من سجلاته التاريخية

اسم الكتاب: الحراك الفكري السعودي: أوراق فكرية من سجلاته التاريخية.

اسم المؤلف: د. وليد بن عبد الله الهويريني.

عدد الصفحات: 367 صفحة.

الناشر: مركز تكوين للدراسات والأبحاث.

 

نبذة عن الكتاب:

التاريخ متشعب؛ فمنه السياسي، والحضاري، والفكري، وغيرها. وغالب الاهتمام ينصرف إلى التاريخ السياسي لأسباب لا تخفى، وقد لايُعنى بالتاريخ الفكري إلا نوادر من الباحثين والكتاب؛ مع أنه يكون غالباً انعكاس للسياسة بادئ الأمر، ومؤثر فيها في خاتمته! وفي المكتبة كتب فخمة عن تاريخ الفكر الأوروبي، وأخرى مهمة عن تاريخ الفكر العربي، وقد يوجد كتب عن التطورات الفكرية لتوجه معين أو بلد ما.

وفيما يخص الشأن السعودي يوجد كتب ودراسات عن التوجهات والأفكار، وهي مهمة لمن أراد سبر الواقع واستشراف المستقبل، ومنها كتاب العوامي عن الحركة العمالية واليسارية، وكتاب الخضر عن الدولة والمجتمع، وكتاب الإبراهيم والصادق عن الحراك الشيعي، وكانت الحاجة ماسة لكتاب يوثق الغليان الفكري خلال عشرية سبتمبر وسنوات الربيع العربي، والفترة التي طغت فيها الليبرالية السعودية بوضوح فاقع على المشهد المحلي.

وهذا ما فعله هذا الكتاب بعنوان: الحراك الفكري السعودي: أوراق فكرية من سجلاته التاريخية، تأليف د. وليد بن عبد الله الهويريني، صدرت طبعته الأولى عن مركز تكوين للدراسات والأبحاث في عام (1437=2016م)، ويقع في (367) صفحة، ويتكون الكتاب من إهداء ذي دلالة، ومقدمة، ثم ثلاثة فصول، فالورقة الأخيرة، ثم الفهرس.

  ومما يتميز به الكتاب أنه عرض لقضايا ساخنة جداً، ولا زلت كرتها ملتهبة لم تطفأ بعد؛ بل هي معرضة لمزيد من السعير الملتهب، وأطرافها يعيشون بيننا، ويقرأون ماكتب عنهم تصريحاً أو تلميحاً، فهي لا تتحدث عن مغيبين أو أموات طوتهم السنون، وهذا ما يجعل الفرصة سانحة لأن يفتح هذا الكتاب باب حوار في أمر قديم، أو يكون مدخلاً لعراك فكري في شأن جديد.

ومن بديع ما في الكتاب، أنه نقل السجالات التي كتبها إسلاميون من سماتهم أنهم طلاب علم تمكنوا من العلوم الشرعية وتراث علماء الإسلام، ثم تعمقوا في مجال من الفكر الحديث وأتقنوه، وبعضهم يجيد لغة أجنبية أو أكثر، ودرسوا في جامعات محلية أو عالمية، ولهم ارتباط بمراكز فكرية حديثة؛ تشق طريقها بقوة لتأخذ مكانها المناسب في الساحة الفكرية العربية والمحلية، وأخيراً فغالب هؤلاء الخيرة بينهم نوع من التدارس والنقاش المثمر، ويحرصون على مسألة التعاقب وتربية الشباب؛ كي لا تخلو الأرض ممن يوضح الحق، ويذب عن الملة، ويقيم الحجة، ومن المبهج جداً؛ تنوع المناطق الجغرافية التي ينتمون إليها، وأن فيهم رجال ونساء، فاللهم ادم البركة والخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

عنوان الفصل الأول: الحراك الفكري السعودي.. البدايات والصعود، وتحدث المؤلف في أوله عن قصة اليسار السعودي، ثم توقف في محطات فاصلة كاحتلال الحرم الشريف، وسجالات الحداثة والصحوة، وحوارات حرب الخليج الثانية، وأخيراً عن القضية التي تغطس وتطفو، وكم فيها من مآرب أخرى؛ إلا وهي مسألة قيادة المرأة للسيارة، ومظاهرة الرياض الشهيرة، وأخيراً حط الكاتب رحاله عند ضربات سبتمبر؛ حيث تغيرت بعده الأرض ومن عليها إلا من شاء الله.

الفصل الثاني عنوانه: سجالات الربيع الفكري السعودي، وناقش الكاتب أولاً الحرية الفكرية؛ ثم دخل في بعض دهاليزها؛ وهي دهاليز مظلمة؛ إلا إذا استنار الداخل بنور الوحي، الذي يضيء العقل والطريق. ثم تطرق المؤلف لسجال الشريعة والديمقراطية؛ وكم من خلل أصاب الناس حتى جعلوا نتاج البشر صنواً لأمر الله؛ تعالى الله وشأنه عن ذلك، وخلص الباحث إلى نتيجة وخلاصة مفادها أن السيادة لشرع الله؛ وللأمة حق الرقابة والسلطة بموجب ناموس الشريعة الغراء، وهو أمر لايماري فيه مسلم، وأما من في قلبه مرض أو شك أو إلحاد فلن يرضيه ما يرضي المؤمن والمسلم.

ولأن المرأة حاضرة دوماً، خاصة في المشهد الفكري المحلي، فقد جعل المؤلف المبحث الثالث عن موضوع الاختلاط، وما صاحبه من أحداث كشفت التطرف الليبرالي، والتنسيق المرتفع، والنفوذ الكبير في فترة ذهبية لهم مضت -لاردها الله-؛ حتى أن سهامهم اخترقت عمق المؤسسة الدينية بعقاب من تحدث عن الاختلاط بحق، وتصدير من حاول لوي النصوص والأحكام لتوافق رياح تلك الأيام، وختم د. الهويريني هذا الفصل بشؤون الفن والتمثيل متخذاً من بعض الأعمال التلفزيونية مثالاً تطبيقياً.

وحمل الفصل الثالث المهم جداً عنوان: تحديات الحراك الفكري السعودي، وتناول في مبحثه الأول تنامي الدور السعودي ومركزيته؛ خاصة بعد تهاوي أو تضعضع العواصم العربية الكبرى في القاهرة ودمشق وبغداد، كما درس تنامي الولاءات على أسس مختلفة، وأطماع الأقليات وخاصة شيعة العرب الذين وجدوا لهم أكثر من معين بحكم التوافق المذهبي، أو الاشتراك في عداوة المكون الإسلامي!

وخصص د.وليد المبحث الثاني لدراسة الحالة الجهادية، ومر على الجهاد الأفغاني، ثم مولد القاعدة ووفاتها-فيما يرى-، وظهور داعش وتعاظم خطرها، وأبان الخلاف وبعض الفوارق بين هذه الجماعات؛ وإن اشترك معظمها في قصور الوعي، وافتقاد الجناح السياسي، والعجز عن تحييد القوى أو التحالف مع الغير، فضلاً عن التناطح الدولي معها خلافاً لما تحظى به الميليشيات الصفوية. وختم  المؤلف هذا البحث بنظرة فاحصة على تجربة المقاومة الفلسطينية، وهي تجربة جديرة بالتأمل، وأظن أن هذا المبحث بالذات يستأهل أن يفرد بكتاب، بعد منحه مزيداً من الدراسة.

وحدد المبحث الثالث التحديات الفكرية المستقبلية في السعودية بأربعة عناوين كبيرة هي الغلو، والعلمانية، والإلحاد، والتغريب، والحقيقة التي لا مناص من قولها أن مواجهة هذه التحديات تحتاج عملاً صادقاً يرنو لخدمة البلاد وأهلها، ولا يقف عند المصالح التيارية أو الأمنية فقط، وأنه لا مفر من علاجها كلها؛ فبعضها نتيجة لبعض، ولا فائدة ترجى من التركيز على أحدها وترك الباقيات؛ والعجيب في هذا المضمار أن بعض الوزارات والجامعات المعنية بالشأن الشرعي، تعقد المؤتمرات والندوات والخطب، وتطبع الكتب عن الإرهاب والغلو؛ وهذا حسن؛ لكنها تنسى تماماً الإلحاد الذي يزحف على أجيالنا، وتغض الطرف عن التغريب الذي يقضم الأسر والبيوت!

وأغلق د.الهويريني هذا الفصل بمبحث عن مواطن القيادة والقوة لدى السعوديين، وأثنى على تماسك الجبهة الداخلية بمرجعيتها الشرعية التي مافتئ التيار الليبرالي ينهشها، ويدعي بأنها رؤية نجدية ضيقة للدين. وتحدث عن الدور الذي وجدت السعودية نفسها ملتزمة به التزام وجود استراتيجي لقيادة المحيط السني الذي يعاني من التفكك والضعف، وأنهى المبحث متفائلاً بنشوء جيل واعد، ولهذا الجيل الذي يستعد لالتقاط راية صدارة المشهد الثقافي العربي أهدى المؤلف كتابه في استهلال بديع، وأتم التفاؤل في الورقة الأخيرة التي جعل عنوانها: سيأتي الضياء!

 ومما يحمد للمؤلف العزيز أنه تولى رصد هذا الحراك؛ وتقييده في سجل سيظل مرجعاً لعقود، حتى لا يكتفي القادمون بقراءة ما يكتبه المسيطرون على الصحافة ووسائل الإعلام، وهم قوم منحازون لفكرتهم في عداء المد الديني؛ فضلاً عن غياب العدل عنهم في الوصف، والرصد، والتحليل، ناهيك عن مناقضتهم لما يدعونه من ليبرالية تقتضي الحرية لكل أحد؛ وليست ليبراليتهم كذلك؛ بل هي عار على الفكرة الليبرالية، وأقرب ما تكون أتاتوركية بغيضة. والشيء بالشيء يذكر؛ فكل حراك في السعودية له جسم واضح، وكثير من تاريخه مسجل، إلا التيار الليبرالي، وعسى أن ينهض له باحث جلد، يجمع شتاته، ويسبر أغواره؛ كي يوقف قراءه على حقيقة هذا التيار، وجذوره، وتحالفاته، وأهدافه!

المصدر: مركز البيان للبحوث والدراسات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى