كتابات مختارة

التكرار في الحديث النبوي وفوائده التعليمية

بقلم سليمان بن أحمد السويد

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، أما بعد:

فلا يخفى أن خير مُعلِّمٍ وأكمَلَه مرَّ على تاريخ البشرية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول منا نَقوله كجزء من إيماننا به رسولًا مِن الله بعَثَه ليعلِّم الناسَ رسالةَ ربهم ويَشرحها ويُبيِّنها لهم، فلا شكَّ أن هذا لا يتحقَّق إلا بكونه خيرَ وأكملَ معلِّم.

وكذلك نقوله وفق أساليب القياس المعاصرة؛ فمِن خلال قياس النتائج يظهر جليًّا أثر النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صحابته رضي الله عنهم وأتباعه ووصول رسالته لهم، أثرٌ جعل بعض من لم يؤمن به رسولًا يصنِّفه كأعظم شخصية في تاريخ العالم تركت أثرًا على الحياة؛ ألا وهو الكاتب الأمريكي: مايكل هارت: في كتابه “أعظم 100 شخصية في التاريخ”.

وفي هذه المقالة سنتطرَّق لأحد هذه الجوانب؛ ألا وهو تكرار العبارات والكلام في التعليم والتوجيه، وهذا الأسلوب يَنبغي الحذر منه؛ لأنَّ الأصل عند تكرار الكلام الملل عند المستمع، فلا بدَّ لمن احتاج لتطبيقه أن يحذَرَ مِن هذا، وينبغي أن يُمارسه بوعي للهدف منه، ويُمارسه بالقدر الذي يحقِّق الغرض، ومِن خلال استعراض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبينَّا أن تكراره للكلام يُمكن تقسيمه لثلاثة مَجالات وأهداف؛ وهي كما يلي:

أولًا: ما يُكرِّره ليُفهم عنه ما يقوله[1]؛ ومنه:

– عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنه كان إذا تكلَّم بكلمة، أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم، سلَّم عليهم ثلاثًا”[2].

– عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: “تخلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرْناه، فأدرَكَنا وقد أرهَقْنا الصلاة – صلاة العصر – ونحن نتوضَّأ، فجعلنا نمسَح على أرجُلِنا، فنادى بأعلى صوته: ((ويلٌ للأعقاب من النار)) مرتين، أو ثلاثًا[3].

ثانيًا: ليعظِّم شأن ما يتكلم عنه؛ ومنه:

– عن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما يقول: “بعَثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبَّحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلمَّا غشيناه قال: “لا إله إلا الله”، فكفَّ الأنصاريُّ، فطعنتُه برمحي حتى قتلتُه، فلمَّا قدمنا بلَغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟!)) قلت: كان متعوِّذًا، فما زال يُكرِّرها حتى تمنَّيتُ أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم”[4].

وفي رواية: “قال: قلتُ: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلَمَ أقالَها أم لا؟))، فما زال يكرِّرها عليَّ حتى تمنَّيتُ أني أسلمت يومئذٍ”[5].

– قال عبدالله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((ألا أي شهر تَعلمونه أعظم حرمة؟))، قالوا: ألا شهرُنا هذا، قال: ((ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟))، قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: ((ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟))، قالوا: ألا يومنا هذا، قال: ((فإنَّ الله تبارك وتعالى قد حرَّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقِّها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت)) ثلاثًا، كل ذلك يُجيبونه: ألا نعم، قال: ((ويحكم – أو ويلكم – لا تَرْجِعُنَّ بعدي كفارًا يَضرب بعضكم رقاب بعض))[6].

ثالثًا: لجذب الانتباه والتركيز لما سيُقال بعده؛ ومنه:

– عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: “بَينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخِرَةُ الرَّحْل فقال: ((يا معاذ))، قلتُ: لبَّيك رسولَ الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ))، قلتُ: لبَّيك رسولَ الله وسعدَيك، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ))، قلت: لبيك رسول الله وسعدَيك، قال: ((هل تدري ما حق الله على عباده؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق الله على عباده أن يَعبدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا))، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلتُ: لبيك رسول الله وسعديك، فقال: ((هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق العباد على الله ألا يعذِّبَهم))[7].

– عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وجلس – وكان متكئًا – فقال: ((ألا وقول الزور))، قال: فما زال يكرِّرها حتى قلنا: ليته سكت[8].

تكراره للسؤال: ((ألا أنبئكم)) هو في النوع الثالث هنا، وتكراره لجملة: ((ألا وقول الزور)) يدخل في النوع الثاني: تعظيم شأن ما يتكلم عنه.

ختامًا: لا يَخفى أن الأحاديث في هذا كثيرة، ولكني أحببتُ الإشارة لهذا النوع مِن الأسلوب في “التعليم”، والاستدلال له بما يوضِّح الفكرة من الأحاديث، ولم يكن الغرض الجمع والاستيفاء، فما كان من خطأ فمِن كاتبه والشيطان، وما كان مِن صواب فبتوفيق مِن الرحمن جلَّ في علاه، وصلى الله على حبيبِنا وقُدوتِنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه ونهجِه إلى يوم الدين.

———————————–

[1] ترجم البخاري في صحيحه: باب رقم 31: “مَن أعاد الحديث ثلاثًا ليُفهم عنه”، وأسند فيه الأحاديث التي برقم [94 و95 و96]، وذكر حديث الزور، وحديث “هل بلغتُ؟” معلَّقًا.

[2] صحيح البخاري، برقم: 95.

[3] صحيح البخاري، برقم: 96، ويُحتمل أن التكرار لتعظيم شأن الخطأ.

[4] صحيح البخاري، برقم: 4269.

[5] صحيح مسلم، برقم: 96.

[6] صحيح البخاري، برقم: 6785.

[7] صحيح البخاري، برقم: 5967.

[8] صحيح البخاري، برقم: 2654.

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى