كتابات

مؤشّرات تراجع الدور الإيراني في المنطقة

بقلم د. محمد عياش الكبيسي.

في مقال سابق على صحيفة «العرب» قلت: (إن السهم الغادر الذي أصاب صنعاء لن يتوقف عندها، هناك احتمالان فقط: إما أن يرتدّ على أصحابه فتكون انعطافة الخلاص للمنطقة وللأمة كلها، أو يمضي -لا قدّر الله- في طريقه ولن يعترضه بعد صنعاء حدّ ولا سدّ).

لقد كانت إيران تخطط لتحويل الجيش اليمني إلى ذراع ضاربة لها في عمق الجزيرة، وتحويل اليمن إلى ترسانة من الأسلحة المتفوقة والقادرة على تهديد أمن المملكة، بل والوصول إلى مكة كما صرّح غير واحد من المسؤولين الإيرانيين!

القيادة الجديدة للمملكة كأنها جاءت على قدر مرسوم مع هذا التحدّي المصيري، فانطلقت عاصفة الحزم بخطى مدروسة، فضربت مخازن الأسلحة التي كانت تهدد أمن المملكة ودول الخليج، ثم قامت بتحصين الموانئ والسيطرة على الأجواء التي يمكن أن تكون ممراً للأسلحة الإيرانية، ثم جاءت الخطوة الأخيرة بتقوية المقاومة اليمنية على الأرض ودعم الحكومة الشرعية.

في جبهة أخرى كان استلام روسيا للملف السوري مؤشّرا آخر على ضعف القبضة الإيرانية وعجزها عن القيام بواجبها كما ينبغي! مع تسريبات تؤكّد وجود خلاف روسي إيراني لم يتمكن الطرفان من حلّه لحد الآن، وربما يكون هذا الخلاف سببا مباشرا في التدخل الروسي، إضافة إلى عدد الضباط والجنود الذين تخسرهم إيران يوميا على صخرة الصمود الأسطوري للثوار السوريين.

في العراق هناك أكثر من مؤشّر على تراجع الدور الإيراني، من بينها التدخل العسكري التركي في الموصل، حتى لو كان تدخلا رمزيا أو شكليا، إلا أن إيران تدرك أن هذه خطوة قد تتبعها خطوات، خاصة أنها جاءت متزامنة أيضا مع تنامي قوة كردية صاعدة (البيشمركة) التي حققت إنجازات كبيرة في أكثر من مكان، وقوة عشائرية سنيّة في الأنبار تمكنت مؤخرا من استعادة الرمادي مركز المحافظة، وهذا يعني أن الحشد (السيستاني) لم يعد متفرّدا بالمشهد، وقد جاء كل هذا متزامنا أيضا مع انتفاضة شعبية في بغداد والمحافظات الجنوبية أخذت طابع التمرّد على تجربة (العمائم) في إدارة الحكم، وهذه سابقة خطيرة بالنسبة للمشروع الإيراني كله.

بعد كل هذا جاءت اللكمة السعودية الأخيرة بإعدام أكثر من أربعين رأسا من رؤوس الفتنة ممن كانوا يتحركون لصالح إيران سواء كانوا تحت اسم (النمر) أو اسم (داعش) وبغض النظر عن الدوافع والنوايا، أو نوع العلاقة التي تربطهما، فما يقوم به الطرفان داخل المملكة لا يخدم إلا جهة واحدة، هي إيران. كرد فعل متعجّل وغير مدروس قام الإيرانيون باستهداف السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، وهذا الاعتداء يذكرنا بحادثة الاعتداء على السفارة الأميركية في مستهل الثورة الخمينية من قِبَل مجموعة من (الطلاب) الذين تمّ منحهم رسميا لقب (السائرون على خط الإمام)؛ ما يؤكّد أن هذا الأسلوب يمثل نهجا سياسيا متّبعا لا حوادث عفوية متفرّقة.

السعودية ردّت على هذا الصلف السياسي والانحدار الأخلاقي بمنظومة من الإجراءات المحسوبة والمدروسة بعناية، وجعلت سهم العدوان يرتدّ على أصحابه؛ ما اضطر الساسة الإيرانيين إلى إدانة (العدوان) بأنفسهم عبر رسائلهم إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بل راح روحاني يطالب بمعاقبة المجرمين الذين قاموا بالاعتداء! وهذا التراجع أو الاعتذار (الضمني) غريب -بلا شك- على السياسة الإيرانية الحالية، ومن المؤسف أن يأتي هذا التراجع تحت ظل الضغط وليس تعبيرا عن مراجعة أخلاقية صادقة.

بكل المقاييس إيران اليوم ليست إيران الأمس، وقد آن للنظام الحاكم في إيران أن يقتنع أنه ليس من مصلحته ولا من مصلحة الشعوب الإيرانية الاستمرار في تحدّي الأمة واستفزازها في دينها وهويتها وكرامتها، وأنه حينما يفعل ذلك فإنه كمن يلف الحبل على رقبته، ويشنق نفسه بيديه.

المصدر: صحيفة العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى