كتابات

العقلانية المؤمنة عند أبي حامد الغزالي

بقلم د. محمد عمارة.

في كثير من الكتابات العلمانية أحكام سلبية وخاطئة على حجة الإسلام أبي حامد الغزالي (450 – 505 هـ، 1158 – 1111م) تتهمه بمعاداة العقل والعقلانية، والجناية على الفلسفة في تراثنا الحضاري!.

وهذه الأحكام السلبية والخاطئة هي ثمرة للجهل المركب والفاضح بما كتبه الغزالي عن مقام العقل في الإسلام، ويكفي أن نقدم في هذا المقام نماذج من كتابات هذا الإمام العظيم عن العقل ومقامه، وفيها يقول: “إن برهان العقل هو الذي عرف به صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر،  وإنه لا بد من تآلف الشرع والعقل، لأن مثال العقل كالبصر السليم من الآفات، ومثال القرآن كالشمس منتشرة الضياء، فالمُعرض عن العقل مكتفيا بنور القرآن كالمتعرض لنور الشمس مغمضا للأجفان، فلا فرق بينه وبين العميان، فالعقل مع الشرع نور على نور.

إن العقل نور، بل هو أولى باسم النور من النور المعروف المحسوس، وعند إشراق نور الحكمة يصير الإنسان مبصرا بالفعل بعد أن كان مبصرا بالقوة.

ثم إن وراء العقل طورا آخر يظهر فيه ما لا يظهر في العقل، كما أن العقل يمثل طورا وراء التمييز والإحساس، تنكشف فيه غرائب وعجائب يقصر عنها الإحساس والتمييز، ولقد ورد الشرع بأمور لا يعلم حقائقها إلا الله تعالى، والأنبياء الذين هم وسائط بين الله تعالى وبين عباده، فنور النبوة قوة وراء قوة العقل، يدرك بها من أمر الغيب أمور لا تعرف بالأسباب العقلية، والوحي الإلهي والشرع لا يرد بهما ما ينبو عنه العقل.

وإن في قلب الإنسان عينا هي صفة كمالها، هي التي يعبر عنها تارة بالعقل وتارة بالروح وتارة بالنفس الإنسانية.

والعقل أولى بأن يسمى نورا من العين الظاهرة، لرفعة قدره عن النقائص، ولقد كان العقل من أعظم ما شرف به الله الإنسان وكرمه “ولقد كرمنا بني آدم” (الإسراء70)، فبه تكرم على البهيمة، وألحق بسببه بعالم الملائكة، حتى تأهل به لمعرفة باريه ومبدعه بالنظر في مخلوقاته، والاستدلال به على صفاته بما أودعه في نفسه من الحكمة.

إن العقل نور يقذف في القلب، به يستعد لإدراك الأشياء، وهو غريزة يتهيأ بها لإدراك العلوم النظرية، وهو منبع العلم ومطلعه وأساسه، والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة والنور من الشمس، والرؤية من العين.

وشرف العقل مدرك بالضرورة، وكيف لا يشرف ما هو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة؟

 وعندما يتحدث حجة الإسلام الغزالي عن الأصول والمرجعية يجعلها أربعة، فيقول: “والأصول الأربعة هي الكتاب والسنة والإجماع والعقل”.

وذلك بعد أن جعل العقل الطريق لمعرفة صدق ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الكتاب ومن السنة، التي هي البيان النبوي لهذا الكتاب.

فهل قرأ المثقفون العلمانيون شيئا من هذا الفكر النفيس، الذي قدم فيه حجة الإسلام الغزالي نظرية في العقلانية المؤمنة تميزت عن العقلانية اللادينية الغربية التي وقع في أسرها هؤلاء العلمانيون؟!.

أم أن الكثير من هؤلاء العلمانيين يهرفون بما لا يعرفون؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى