كتب وبحوثمنتدى علماء المسلمين

الخطاب الديني.. لماذا؟

 

الخطاب الديني.. لماذا؟

أخطر لبس يمكن أن يربك الحديث حول الخطاب الديني: هو الخلط بين (الدين) المعصوم من الخطأ والمحفوظ من التحريف والتبديل، و(الخطاب الديني) البشري المعرض للخطأ والصواب. إن الخطاب الديني عمل بشري يجتهد أصحابه أن يوافقوا الفهم الصحيح لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. غير أن التعامل مع دين الله المعصوم يجب أن يكون بغاية الحب والتسليم، أما الخطاب الديني فلا يجوز أن نمنحه العصمة ولا يجوز أن نتوقف عن مراجعته وعرضه الدائم على الوحي الإلهي، لتصحيح أخطائه، وتدارك هفواته، وتطويره بما يناسب هذا الدين العظيم. الخطاب الديني الذي نقصده هو العمل البشري في الدعوة إلى الدين وخدمته.. هو الخطب، والمحاضرات، والدروس، والكتب، والمطويات، والأشرطة، والبرامج الدينية، والمشاريع الإسلامية، والفتاوى الدينية، والقضاء الشرعي، والمؤسسات الخيرية، والكليات الشرعية، ونحو ذلك مما هو من اجتهاد البشر وأعمالهم في خدمة الدين والدعوة إليه. هذا الخطاب الديني يختلف باختلاف البلدان والمذاهب والأزمان، وأحظ الناس بالصواب هم اليقظون دوما لهذا الخطاب، ومحاولة تصويبه وتصحيحه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

لن تجد في عالمنا العربي والإسلامي طاقة عجيبة تقف وراء عمل الناس واتخاذ مواقفهم مثل طاقة التدين. ومع خطاب ديني خاطئ يمكن أن ينعزل الناس عن حركة الحياة وعمارة الأرض كما في بعض الصور الغالية من التصوف. ومع خطاب ديني آخر يمكن أن يتحول الإنسان فيه إلى قوة تدميرية تهلك الحرث والنسل باسم الرب، كما يشهد التاريخ بصور كثيرة في شتى الأديان. إن الجهود المريبة في تغيير الخطاب الديني بما يعارض الشريعة لا تعفينا أبدا عن القيام بواجبنا ومراجعة الخطاب الديني بما يوافق الوحي المعصوم. سمعنا كثيرا عن تجديد الخطاب الديني، وظل القوم يختلفون على هذا التجديد دون أن نعرف على وجه بين معالم هذا النقد، وملامح هذا التجديد، ولا يعدو أن يكون ذلك تسجيل موقف مجمل ضد الخطاب الديني السائد، أو تسجيل موقف مضاد يدافع عن هذا الخطاب، والتفصيل أقرب للعلم والعدل. أين مكامن الخطأ والقصور في خطابنا الديني؟! وأين مواطن التفوق والتوفيق؟! وأين مساحات الحاجة والإضافة لهذا الخطاب؟! أين المراجعات الجادة لطريقة التفكير، وأدوات النظر في هذا الخطاب؟! والتي هي المسؤولة عن نتائج ذلك من الأفكار والمواقف. إن البحث والتفكير في هذه الأسئلة، والمساهمات الناصحة في الجواب عليها هي من العمل الصالح، وستعود على خطابنا الديني بالنفع والعافية، وستعود على مجتمعنا وأمتنا بالبر والإحسان. أما الإعراض عن هذا الواجب فسيترك الأخطاء تستمر وتنمو دون تصحيح، وسيترك الباب مفتوحا للمحاولات المريبة والخطيرة من كافة الجهات، والتي تنشط وتتحرك في المساحات الفارغة.

عبدالله القرشي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى