كتابات

العراقيون لا بواكي لهم

بقلم د. محمد العوضي.

منذ أن تسلق حزب البعث على أكتاف العراق وتسلط على شعبه ومقدراته، بل وقبل ذلك ومن بعد سقوط الملكية، عانى العراقيون ويلات الحروب وإهدار الثروات وإضاعة تاريخ هذا البلد العريق، وأصبح العراق أنموذجا للبلد المنهك على الدوام مع غناه ماديا وبشريا وإرثا تاريخيا، وكنا نظن أن الخلاص من حكم صدام حسين هو بداية النهاية لأحزان وآلام هذا الشعب الذي نرتبط معه بأواصر الأخوة ووشائج العروبة ورابطة الدين.

لكن… ويا ويح لكن.

جاء المحتل الأميركي في 2003 ليعيث في بلاد الرافدين الفساد ويعمل على تدمير ما تبقى من أسباب الحياة، بحجة دعم الشعب العراقي وتخليصه من ديكتاتورية عمياء وتبشيره بديموقراطية تعيد إلى الشعب شيئا من كرامته وتحفظ له القليل مما بقي من ثرواته، ليتفاجأ العالم برمته بحجم الإجرام الأميركي على الأراضي العراقية وانتهاك حقوق الإنسان وتدمير كل ما يمكن أن تقع عليه يد جنود الاحتلال الأميركي، ولا يمكن لعاقل أن ينسى منظر الخوف والرعب الذي مارسه الأميركيون في سجن «أبوغريب» وتدمير منازل الآمنين في المناطق العراقية، ثم كانت الطامة الكبرى حينما انسحب المحتل وسلم العراق لقمة سائغة لميليشيات طائفية أكملت مهمة تدمير هذا البلد العريق، وتعاملوا مع شعبهم وكأنهم قوات احتلال لبلد معاد وليسوا حكومة تمثل الشعب وتعمل لأجل استرداد الحقوق وحفظ الأمن وتنمية المجتمع واستثمار الثروات الطبيعية في خدمة أهلهم.

مازال العراق بعد 12 عاما من توالي الحكومات الطائفية المدعومة إيرانيا يعاني من فقدان الأمن والكهرباء والماء، وأبسط الحقوق الإنسانية كالتعليم والصحة وما تحتاجه كل المجتمعات الحضارية، وكانت السمة الغالبة خلال تلك السنوات ما يمكن وصفه بكل بساطة سرقات أودت بالعراق إلى الهاوية، والأخطر من ذلك عمليات الاقتتال الطائفي واجتثاث المخالف التي ابتدأتها الميليشيات التي كانت تتخذ من إيران مقرا لها، وحظيت بدعم واحتضان إيراني حكومي بغية إحكام السيطرة الإيرانية على العراق.

وما زالت ماثلة أمام الأعين، بشاعة الصور التي نقلت همجية التعذيب التي تعرض لها أبناء أهل السنة في العراق أثناء التحقيق معهم في مقرات الأجهزة الامنية التابعة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتظهر أنواع التعذيب البشع ابـتداء بـ «الدريل» مرورا بانتزاع الأظافر وإغراق الأبرياء وتغطيسهم بالمياه الساخنة لانتزاع المعلومات بالإكراه، ثم قتل بعضهم والتخلص من جثثهم، وظل الشرفاء من أهل العراق يعانون من ويلات الإجرام الطائفي حتى وصل الأمر إلى تهجيرهم داخل بلادهم، بل ووصل الحال إلى أن يمنع المواطن العراقي النازح من دخول عاصمة بلاده إلا بوجود كفيل شخصي من سكان بغداد يتقدم بضمان يسمح له بدخول بغداد، وقد عانى النازحون العراقيون داخل بلادهم الأمرين، سواء لجهة فقدان الأمن النفسي والاجتماعي، أو لجهة ضياع حقوق المواطنة لهم، وما يترتب على ذلك من حال الجوع والفقر والحاجة الملحة للطبابة والتعليم وما يرتبط بمعيشة الإنسان.

العراقيون اليوم، وهم الأقرب إلينا، لا بواكي لهم، فبعد قتل علمائهم وأطبائهم وطلبة العلم فيهم وأئمة المساجد والنخب الأكاديمية واغتصاب نسائهم وهدم مساجدهم وذبحهم على الهوية، مازلنا لا نشعر بمأساتهم ولا نتكاتف لرفع الظلم عنهم، وهم الذين ينطبق عليهم «الأقربون أولى بالمعروف» وإني أخشى الله أن يسائلنا عن خذلاننا لهم وتقصيرنا تجاههم وعدم استشعارنا لعظيم مأساتهم.

وفي ظل مانراه من واقع سيئ سيظل شعب العراق يعاني ويلات الحروب الطائفية والتهجير وفساد حكامه الجدد، ولن يقوم للعراق الموحد الذي عرفناه قويا شامخا قائمة بعد اليوم إلا بمعجزة، معجزة يعلمها الله وما زالت مخفية في طيات القدر وحتى يحين موعد انكشافها لا نملك إلا الدعاء أن يحفظ الله أهلنا في العراق.

المصدر: موقع الراي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى