تقارير وإضاءات

الحراك الشعبي الجزائري.. هل يطيح باللغة الفرنسية؟

الحراك الشعبي الجزائري.. هل يطيح باللغة الفرنسية؟

إعداد عباس ميموني

لم يعد مقترح إحلال اللغة الإنجليزية محل الفرنسية في الجزائر مطلبًا شعبيًا متداولًا عبر منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل أصبح ضمن خطط الحكومة، وهو ما ظهر في قرارات وزراية تتجه نحو إنهاء هيمنة الفرنسية في البلد العربي.

تلك الخطط برزت بشكل لافت في الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع حراك شعبي أجبر عبد العزيز بوتفليقة (1999: 2019) على الاستقالة من الرئاسة، في 2 أبريل/ نيسان الماضي.

ويستمر الحراك الشعبي، الذي بدأ قبل خمسة أشهر، رافعًا مطالب عديدة، بينها القضاء على “الوصاية” والنفوذ الفرنسي في الجزائر، والذي تعد الفرنسية أحد أبرز أدواته.

ويعتبر كثيرون في الجزائر أن الفرنسية هي من مخلفات فترة الاستعمار الفرنسي لبلدهم (1830: 1962)، ومن الشواهد على استمراره نفوذ باريس في الجزائر.

** تعزيز الإنجليزية

أطلقت وزارة التعليم العالي عبر منصة رقمية، في 5 يوليو/تموز الجاري، استفتاء يستمر شهرًا حول تعزيز مكانة اللغة الإنجليزية في الجامعة.

وأظهرت نتائج الأسبوع الأول دعم الغالبية الساحقة من المصوتين للغة الإنجليزية.

فمن بين ما يزيد عن 87 ألف مشارك، صوت 94.4 بالمائة لصالح تعزيز استعمال الإنجليزية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، مقابل 5.6 بالمائة صوتوا بـ”لا”.

كما أعلنت وزارة التربية، طلع الشهر الجاري، إلغاء الفرنسية نهائيًا من اختبارات الترقية المهنية للمعلمين والأساتذة.

وأعلن وزير القطاع، عبد الحكيم بلعابد، إدراج الإنجليزية في مسابقات التوظيف الخارجية، بحيث يمكن للمترشحين الاختيار بينها وبين الفرنسية.

وعادة ما ترتبط جهود دولة ما لتقليص مكانة لغة أجنبية أو تعزيز مكانة أخرى بطبيعة العلاقات غير المرغوبة أو المأمولة بين الدولة والدول الكبرى الناطقة بتلك اللغات.

وبمناسبة الذكرى الـ57 لاستقلال الجزائر عن فرنسا، في الخامس من الشهر الجاري، أشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في برقية تهنئة بعث بها إلى الرئيس الجزائري المؤقت، عبد القادر بن صالح، بالتعاون الثقافي بين البلدين.

** التيار الفرانكوفوني

يرى مثقفون من التيار الفرانكوفوني (الناطقون بالفرنسية) أن إحلال الإنجليزية محل الفرنسية في الجامعات ليس أولوية، ولن يؤدي بالضرورة إلى رفع مستوى التعليم العالي والبحث العلمي.

ووصف وزير المالية الأسبق، عبد الرحمان بن خالفة، استفتاء وزارة التعليم العالي بأنه “ارتجال واستباق”.

وقال “بن خالفة”، على “فيسبوك”: “أوقفوا الارتجال والاستباقية التي تتخذونها كأداة للتسيير في قطاع سيكون للاختيار فيه آثار على ملايين الجزائريين”.

واعتبر عبد الرزاق دوراري، رئيس المركز الوطني البيداغوجي لتعليم اللغة الأمازيغية، في تصريح لصحيفة محلية مؤخرًا، أن “استبدال الفرنسية بالإنجليزية جريمة في حق الأمة وشتيمة للنخبة الفرانكفونية”.

** شجاعة.. ومقاومة

بينما وصف الباحث في علم الاجتماع، محمد قارة، في حديث للأناضول، قرار تعزيز الإنجليزية في الجامعة بـ”الشجاع والجريء”.

واستدرك: “لكن القرار سيجد مقاومة شرسة من التيار الفرانكفوني المدعوم من فرنسا، والمتغلغل داخل الإدارات ومراكز القرار”.

ودعا قارة إلى “التطبيق التدريجي للمشروع مرعاة للمورد البشري، الذي يجب أن يكون مؤهلًا”.

واعتبر أن الجامعة الجزائرية خسرت الكثير بتبنيها للغة الفرنسية، مما جعلها تقبع في ذيل الترتيب لمختلف التصنيفات العالمية.

ورأى أن التوجه نحو إحلال الإنجليزية محل الفرنسية لم يكن ليحدث لو لا “الظرف السياسي الذي تمر به البلاد”.

وأضاف أنه “قرار سياسي تعبوي أكثر منه قرار مبني على أسس ودراسات”.

** التخصصات التقنية

أشاد منسق مجلس أساتذة التعليم العالي (نقابة خاصة)، عبد الحفيظ ميلاط، بقرار تعزيز مكانة الإنجليزية في الجامعة.

وقال ميلاط، في بيان مؤخرًا، إن هذا التوجه لن تعترضه أية عراقيل؛ “لأن التدريس باللغة الإنجليزية سيكون في التخصصات التقنية”.

وتابع: “كل الأساتذة في هذه التخصصات متعودين على التعامل فقط باللغة الإنجليزية في جميع الأبحاث العلمية التي ينشرونها في مختلف المجالات العلمية”.

** الفرنسية.. أداة نفوذ

تنظر باريس للغة الفرنسية على أنها أداة نفوذ ثقافي يعزز نفوذها السياسي والاقتصادي في مستعمراتها القديمة، ومنها الجزائر.

وفي 2017، أصدر مجلس الشيوخ الفرنسي تقريرًا تساءل فيه عن أسباب عدم انضمام الجزائر لمنظمة الدول الفرانكفونية بينما “أزيد من ثلث سكانها يتحدثون الفرنسية”.

وقال برنار باجولي، السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر (2006-2008)، في كتابه المعنون بـ”الشمس لن تشرق في الشرق”، إن الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك (1995: 2007)، حذره من الحديث باللغة العربية مع الجزائريين.

وكتب باجولي: “كرر جاك شيراك على مسامعي: لا تتحدث بالعربية. أنت معرب، وأنا لا أحتمل هذا في الجزائر، يجب أن تجعلهم في حالة مضطربة. ثم إنّني، ومن أجل هذا، تردّدت في تعيينك، وعليه، فأنا أمنعك من الحديث بالعربية”.

لكن باجولي تجاهل في مرات عديدة ما قاله شيراك، وأوضح قائلًا: “ألقيت خطبًا عديدة باللغة العربية، بما في ذلك يوم العيد الوطني الفرنسي”.

واستطرد في كاتبه: “لا يعني ذلك أن الجزائريين لا يفهمون الفرنسية، بل على العكس، فمعظم المسؤولين يتقنونها تماما. لكن مخاطبتهم باللغة العربية الفصحى كانت طريقة لإظهار مدى الاحترام الذي أكنه لثقافتهم، التي احتقرتها فرنسا خلال 132 سنة من الاستعمار”.

** غنيمة حرب

الفرنسية هي اللغة الأجنبية الأولى في الجزائر، ويبدأ تدريسها إجباريًا من السنة الثانية من المرحلة الابتدائية، بينما تبدأ الإنجليزية في مناهج التدريس في الطور المتوسط (الأساسي).

ويعتبر قطاع واسع من الجزائريين الفرنسية من المخلفات الطبيعية للاستعمار الفرنسي، كما الحال مع الدول التي احتلتها بريطانيا، وجعلت الإنجليزية هي لغتها الأجنبية الأولى.

وقال الأديب الجزائري الشهير، كاتب ياسين في أحد مؤلفاته، إن “الفرنسية غنيمة حرب”، بمعنى أنها من بين الأسلحة التي غنمها الشعب الجزائري في كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي.

بينما عقب الاستقلال مباشرة، توقف الكاتب الجزائري المرموق، مالك حداد، عن الكتابة بالفرنسية، واصفًا إياها بأنها “لغة المنفى” بالنسبة إليه.

واعتبرا حداد أن سلاح لغة المستعمر لم يعد مجديًا بعد استعادة السيادة الوطنية، في 5 يوليو/ تموز 1962.

** مطلب للحراك

من أبرز مطالب الحراك الشعبي المستمر في الجزائر، منذ 22 فبراير/شباط الماضي، هو إنهاء ما يعتبره كثيرون “وصاية” فرنسية على الجزائر.

ويدعم كثيرون على منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر خطط إحلال الإنجليزية محل الفرنسية كخطوة للتخلص من بقايا الاستعمار الفرنسي.

ووصف المتظاهرون في بداية المظاهرات رموز نظام بوتفليقة بـ”عملاء فرنسا”.

وباتت المؤسسة العسكرية، منذ رحيل بوتفليقة، في مرمى انتقادات التيار الفرانكفوني.

وفي الجمعات الأخيرة من الحراك الشعبي، رفع المحتجون شعار “أولاد فرنسا ارحلوا”.

وكان الوزراء وكبار مسؤولي الدولة يتعرضون لانتقادات لاذعة لحديثهم باللغة الفرنسية في المناسبات الرسمية، سواء داخل أو خارج الجزائر.

وقبل أيام، دعا قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، إلى تطهير البلد ممن أسماهم “عبدة الاستعمار وأصنامه”، وفاء لشهداء ثورة التحرير (1954: 1962).

وفهم كثيرون تلك الدعوة على أنها تحذير من قائد أركان الجيش للوبيات (الجماعات) المحسوبة على فرنسا في أجهزة الدولة.

(المصدر: وكالة الأناضول)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى