تقارير وإضاءات

أقدم مسجد في أوروبا قد يكون مدفونا تحت الأرض

أقدم مسجد في أوروبا قد يكون مدفونا تحت الأرض

اكتشف علماء الآثار ملامح كانت مختفية طويلا لمدينة للقوط الغربيين في إسبانيا، بما في ذلك أجزاء غير مستكشفة من قصر قديم، ومبنى قد يكون أحد أقدم المساجد المتبقية في أوروبا.
وكشفت تقنية المسح المغناطيسي الأرضي عن وجود بنية حضارية كثيفة وقصور ملكية جديدة غير متوقعة، وضاحية خارج المدينة، وواحد من أقدم المساجد الإسلامية في أيبيريا. وتمثل ريكوبوليس الآن مثالا استثنائيا على التمدن المبكر في العصور الوسطى، والذي يتحدى تصوراتنا عن التنمية الحضرية في أوروبا في القرن السادس، بحسب الدراسة التي نشرتها مجلة العصور القديمة، التابعة لجامعة كامبريدج البريطانية.

وبدون حفر، استخدم الباحثون تقنية المسح المغناطيسي للكشف عن الجدران وغيرها من الهياكل التي لا تزال مدفونة تحت الأرض في ريكوبوليس الواقعة في منطقة ريفية خارج مدريد، ووجدوا أن المدينة -التي يبلغ عمرها 1400 عام- كانت أوسع بكثير مما تشير إليه الأنقاض المرئية في الموقع اليوم.

ووجد الباحثون مبنى كبيرا ذا اتجاه مختلف عن جميع المباني الأخرى الموجودة في الموقع، فهو مصمم باتجاه قبلة المسلمين في مكة، وتشبه أرضيته مساجد الشرق الأوسط أيضا، وقال مايكل ماكورميك، مؤلف وعالم آثار العصور الوسطى بجامعة هارفارد لـ”لايف ساينس”؛ “في كل مكان استطعنا مسحه وجدنا أبنية وشوارع وممرات”.

وأضاف ماكورميك إن الحفريات هي وحدها القادرة على تأكيد أن المبنى هو بالفعل مسجد، وإذا كان الأمر كذلك، فقد يكون أقدم مسجد متبق في أوروبا.

القوط في ريكوبوليس
في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، كانت شبه الجزيرة الأيبيرية مركز قوة القوط الغربيين، وجعل الملك القوطي ليوفيجيلد عاصمته الملكية في توليدو (طليطلة) بإسبانيا، وبعيدا عن المنبع على طول نهر تاجوس، بنى مدينة جديدة تسمى ريكوبوليس عام 578، وهي المدفونة تحت الأنقاض، ويحتمل أن يكون العرب الذين فتحوها في القرن الثامن الميلادي قد بنوا فيها مسجدا جامعا.

وينتسب القوط الغربيون إلى القبائل الجرمانية الذين أسسوا مملكة في جنوب غرب أوروبا في العصور القديمة المتأخرة، أي قبل بدء العصور الوسطى بقليل، وقاموا باجتياح روما عام 410، ثم لعبوا دورا كبيرا في أوروبا الغربية، وتوسعت مملكتهم لتحتل كل شبه الجزيرة الإيبيرية.

أين بقية المدينة؟
واستمرت أعمال الحفريات الحديثة في ريكوبوليس عدة عقود، ولكن حتى الآن اكتشف علماء الآثار نحو 8٪ فقط من المساحة الموجودة داخل أسوار المدينة، وعندما زار ماكورميك الموقع عام 2014 رأى بقايا القصر وكنيسة وبعض المتاجر، لكنه سخر من صديقه الباحث المشارك ومدير الحفريات لاورو أولمو أنثيسو من جامعة الكالا في إسبانيا، متسائلا: “أين بقية المدينة؟!”

وسيتعاون الباحثون في العام المقبل لإجراء أول مسح جغرافي مغناطيسي للموقع، وتسمح تقنية التنقيب المغناطيسية للباحثين بمشاهدة الهياكل تحت الأرض عن طريق تحديد النتوءات الشاذة تحت سطح الأرض، وكانت نتائج المسح الأولي أظهرت أن المساحات الفارغة داخل أسوار مدينة ريكوبوليس كانت مليئة بالشوارع والمباني المخفية، إضافة إلى ضاحية خارج بوابة المدينة الأثرية.

ونشرت النتائج الأسبوع الماضي في مجلة العصور القديمة، التابعة لجامعة كامبريدج البريطانية.

وقال نويل لنسكي، أستاذ العلوم الكلاسيكية والتاريخ في جامعة ييل، الذي لم يشارك في الدراسة؛ “بفضل هذا المسح الجيومغناطيسي الجديد تعلمنا أن المساحة التي تحيطها أسوار المدينة قد تطورت بالكامل، وأن عدد سكانها كان كبيرا بما يكفي ليتجاوز حدود المدينة”، وأضاف “حدث ذلك في فترة يعتقد أنها تتميز بانحدار حضري وانهيار سكاني”.

وتم بناء ريكوبوليس بالفعل وسط الاضطرابات في القرن السادس التي سادت العالم من أوروبا الغربية إلى الصين، ويرتبط هذا العصر بالهجرات الجماعية والانهيار الإمبراطوري ونقص الغذاء والمجاعة، فضلا عن أول ظهور معروف للطاعون العقدي.

وحدد الباحثون مؤخرا فترة التغير السريع في المناخ المسماة “العصر الجليدي القديم المتأخر”، الذي استمر من 536 إلى حوالي 660م، ونشأت بسببه سلسلة من الانفجارات البركانية في نصف الكرة الشمالي، وربما كانت هي المحفز للاضطرابات التي حدثت على نطاق واسع.

وقال ماكورميك “من الرائع حقا أن نرى مملكة القوط الغربيين مجتمعة في هذا الوقت وتقوم بتجميع الموارد لتتمكن من إنشاء مدينة جديدة”.

وتمت إزاحة حكام القوط الغربيين في المنطقة أثناء الفتح الإسلامي عام 711، وتظهر الأدلة الجيوفيزيائية الجديدة علامات دخول المسلمين إليها قبل أن يتم التخلي عن المدينة.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى