“الانسان والتحول” | بقلم د. علي بن حمزة العمري

“الانسان والتحول” | بقلم د. علي بن حمزة العمري

من عجائب قدرة الله أن يستطيع  الإنسان التعبير عن الحياة والأحياء بكلمات شعرية تهز المشاعر، وتستوقف الضمير، وإن لم يشر صاحبها بأصبعه نحو أحد!

والمشاعر لغة تستبطن كل شيء، ولا تدخل في السجال الفقهي، أو الاختلاف الفكري، فهي لا تسمع هذا الحراك، إنها تحس النبضات فقط كما أحسها (بيتهوفن) عندما عزف معلقاته الموسيقية وهو أصم لا يسمع!

إن هذه الأحرف القصيرة يمكنها أن تدك القلوب الجامدة، وتكبح جماح النفس الشاردة!

ومن عجبٍ أن تقلب حياة الإنسان كلمة، أو قصيدة، أو قصة!

لقد كنتُ أمضي طائعاً غير جامحٍ
ويفضحني فيكِ اقتحامي وغَيرتي
ويأكل قلبي ما أكتِّمُ راضياً
وأنتِ.. لعمري في سرور وغبطةٍ
أأنثى ووحش؟! جلَّ خالقُ خَلْقِه!

وأرضى بإطراقي على الرَّيبِ أو غَضِّي
وطرفي، وما جسَّ الأطباءُ من نَبْضي
فما بكتِ العينُ الشبابَ الذي يمضي
يسرُّكِ بسطي في الحوادثِ أو قبضي
وسبحان كاسي الوحش من رونقٍ غضِّ!

إنه الإنسان الذي يجمع بين الحب والغدر، والفن والعنف!!

لقد قرر الإمام ابن القيم في “روضة المحبين” أن الإنسان يمكن أن يعيش في الساعة الواحدة تقلبات النفس الثلاثة (اللوامة، المطمئنة، الأمارة بالسوء)!

والحياة المعاصرة اليوم تريد أن يتحول الإنسان سريعاً من داخله مرة في رحلة النفس المطمئنة، ثم الأمارة بالسوء، وبعدها اللوامة! وأن يستمر هكذا دواليك، يتحوَّلُ ويتشيَّءُ في كل ساعة.

تريد الحياة المعاصرة أن يتحول يوم الإنسان من نهار إلى ليل، لا ليكون الليل لباساً وقياماً، بل ليكون الليل أداة لراحة من يحبون السهر والسمر بما يحلو لهم، بعيداً عن ضجيج الناس، إنما ليضجوا بأنفسهم بالطريقة التي يريدون!

أن يتحول الإنسان إلى كرة ثلجية يذوب أيام الموالد وشعبان والإسراء والمعراج، وليجد المبعوث الأمريكي في مصر قبلة حاضراً هذه المواسم، وهو يشاهد المسلمين يذوبون في الحب الإلهي حسب تعبيرهم.

ثم تتحول هذه الكرة الثلجية مع الهواء البارد المندفع نحوها إلى حجر قاسٍ يُرمى به ليكسر كل شيء أمامه، ويعيق كل حركة.

كما تتحول نفسية الإنسان حسب قاعدة القبعات الست، فيدخل إلى الوجاهة بهيئة ونفسية غير تلك التي اعتادها الناس في الحارة وفي المسجد وفي المقهى!

ويمكن أن يكون حقيراً لحظتها لأن لزوم العمل الجديد، والكرسي الخشبي والجلدي يتطلب ذلك، وينس ما عبَّر عنه (لاردشفوكو): “عندما نعجز عن إيجاد الخير في أنفسنا فلا جدوى من البحث عنه في مكان آخر”.

هذا الصنف الإنساني ينتظر أي لحظة تسلل إلى وجاهة أو منصب أو مكان يذكر فيه اسمه، يظن أن أحلامه ستتحقق هناك، فإذا به مع الأيام شخصية متحولة أخرى، ولكنه في غمرة النشوة تغافل أن الغناء من حنجرة القبيح لا طعم لها، كما قيل: “حتى العصفور لا يستطيع أن يغني على الشجرة الميتة”!

وقد جرَّب الكاتب الكبير (عرفان نظام الدين) حياة الإعلام المقروء والمنظور في رحلة دامت أربعين عنها سجلها في كتابه (ذكريات وأسرار 40 عاماً في الإعلام والسياسة) فكان مما قال عن حقيقة الإنسان والتحول: “في مراحل حياتي المهنية في كثير من المحطات التي تغلبت فيها كرامتي على كل أمر آخر”!

وعندما نفهم ما قاله المفكر الاستناري (هلفتيوس): “نحن من صنع الموضوعات المحيطة بنا، لي إلا”، وما قاله المفكر الاستناري الآخر (كابانيس): “إن الدماغ يفكر كما تهضم المعدة”! حينها سنستوعب فكرة جديدة في تحول الإنسان إلى آلة.

ومن عجيب قصص هذا التحول الذي تدعو إليه الفكرة الغربية ما ذكره (د. المسيري) عن صديق له كان يشرب معه القهوة كل صباح، ثم يراه مسرعاً نحو الكمبيوتر ليرى أي رسائل وصلته ليرد عليها، وكيف كان يتحدث بسرعة ليستفيد من الوقت ما استطاع. وذكر أنه في إحدى المرات أوصله إلى محطة قطار، وقد وصلوا قبل الموعد بـ 9 دقائق، فضحك الصديق وقال: عندي 9 دقائق الآن لا أعرف ماذا أفعل فيها، فإنني لم أخطط لها!!

إن فكرة تحول الإنسان لا نحو التفهم والتعقل والتطور الإنمائي، بل إلى ما يمليه الواقع والنفس، يجعله مسلوب العفوية والحياة الطيبة والمؤاخاة الصادقة وقبول الفكرة!

ولربما يدرك الإنسان خطورة هذا التحول وأبعاده في الوقت بدل الضائع دون أن يتحول إلى حالته الصحية، ولا أدل على ذلك من موقفي مع أحد الضباط الكبار في إحدى المؤتمرات، وكان تاريخه الأسود مشهوداً بقتل العشرات بل المئات من سياسي الرأي العام، فتنكر مما اقترفته يداه، وأنه لم يتحول وقتها إلى وحش.

وفي جلسة عشاء على شاطئ البحر، قال: أتمنى أن تعود هذه اللحظات الجميلة إلى حياتي، فإني أفقدها، وأرى حزناً يدب دوماً في غرفتي لا أعرف سره!!

الحزن حين دق بابنا هذا المساءْ

ظننته عاصفةً هوجاءْ

عاصفةً مستعجلهْ

تكاد أن تقلع بيتنا.. وتقتلهْ

ظننته شتاءْ

أفلتَ من موعده.. وجاءْ

وحينما فتحتُ بابَنا

ظننته سينتظرْ

حتى أرد الثوب فوق عورتي

حتى أقول مرحباً

لكنه حتى بدون أن يرد نظرتي

تجاوز البابَ

تجاوز اليد التي مددتُها له

وحينما تبعته

رأيتهُ

يخلع ثوبَه ويرتمي على وسادتي

وبعد لحظتين.. اثنتين.. نامْ

وغاب في الأحلامْ!!

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى