عزيزي الملحد.. الإله ليس موظفا عندك!

عزيزي الملحد.. الإله ليس موظفا عندك!

بقلم محمد تلجو

ماما من أين يأتي الطفل، سؤال صادم للأهل وغالبا يحرجون حين الإجابة عليه رغم أنه سؤال اعتيادي لطفل يسير خطواته الأولى نحو المعرفة وجوابه معروف للكبار هذا المعنى ذاته أشار إليه أنتوني فلو في كتابه يوجد إله حيث قال إنني أحمل المؤمنين مسؤولية إلحادي طوال عمري فقد كنت بالفعل أبحث عن الحقيقة فأطلقت تساؤلاتي عبر حوراتي وكتبي لكن أحدا منهم لم يجبني بشكل صحيح.

لكن ماذا لو همس قريب في أذن الطفل في جمع من الناس اسأل أمك من أين يأتي الطفل، هنا يأخذ السؤال أبعادا أخرى تتجاوز براءة الأطفال تجعل إجابة الأم أكثر تعقيداً ويشبه هذا التداخل الخبيث قضية استغلال التساؤلات الوجودية لجعلها منظومة الإلحاد السياسي أو الفكري، أين الله أرني الله لماذا خلق الله الشر والخير والغنى والفقر المرض لماذا هناك فقير وغني أليس الله رحيم فلماذا خلق الله النار. الأسئلة السابقة وغيرها هي أسئلة طبيعية ومشروعة يمر بها البشر وخاصة المفكرون وتعبر عن فطرة الإنسان وتوقه للمعرفة وأفكاره هي من أصل تكوينه ومحفز تطوره عبر العصور.

الأسئلة ذاتها تمر بالأنبياء كما تحدث القرآن الكريم عن إبراهيم عليه السلام حيث تساءل هل النجم أم الشمس أم القمر هي الخالق قبل أن يصل إبراهيم الخليل لمعرفة من فطر السماوات والأرض وهو نفس المعنى المثبت بشهادة التوحيد فلا بد من البدء ب لا إله أي نفي كل إله مزيف لنصل لمعرفة الإله الحق وصفاته الكاملة فالبشر يعجزون عن تخيل عظمة الموجودات واتساع الكون ناهيك عن تخيل عظمته بعلم وحواس البشر المحدودة، لن نخوض مفصلاً بالأسئلة والأجوبة باعتبار أن مئات الكتب في الفلسفة والعقيدة تناولت هذا الموضوع وإنما سنشير لآليتي تفكير تتناولان الأسئلة الوجودية الكبرى التي تعترض الإنسان.

أولا: عقل صادق يبحث عن الحقيقة

مهما حار هذا العقل فسيصل للحقيقة طالما هو صادق في نيته والدكتور أنتوني فلو المذكور سابقاً نموذج حديث لشخص كتب عشرات الكتب في مواضيع الماركسية والأديان وطرائق التفكير وحين قارب التسعين من العمر ألف كتابه هناك إله “There is a good” تحدث فيه عن رحلة إلحاده ثم كيف اهتدى للإله بثلاثة أشياء هي إحكام قوانين الطبيعة ودقة الشيفرة الوراثية في كل الأحياء وإجماع العلماء على أن للكون بداية أو ما يدعى الانفجار الأعظم ولمن يريد الاستزادة الكتاب موجود على الانترنت.

سنعالج هنا فكرتين فقط من الأفكار المتداولة من أقدم العصور ولباقي الأفكار معالجات مماثلة وموسعة لمن يريد معرفة الحقائق بموضوعية. أولا.. “نريد رؤية الله ولماذا لا نرى الله فإن كنا لا نستطيع رؤية الله تعالى فهو غير موجود”، إن القول بأن ما لا نراه هو غير موجود هو سذاجة وجهل مطبق تدحضه ملايين الأمثلة فنحن لا نرى عقولنا ولا نرى الجاذبية أو ذرات أجسادنا ولا نرى الموجات الصوتية والتلفزيونية ولا نرى المجرات ولا أجزاء الذرات ولكن نوقن بها إما عبر تأثيراتها المختلفة أو عبر العلم الذي يخبرنا عنها.

أما الرغبة برؤيا الله فهي جميلة حتما ولكنها للأسف غير ممكنة في الدنيا الحالية لأسباب موضوعية فعيوننا مبرمجة لترى واحد بالمائة فقط مما يمكن أن يرى كما يقول علماء البصريات فنحن لا نرى الأطياف تحت الحمراء وفوق البنفسجية ولا نرى الموجات التلفزيونية الموجودة في الهواء مع أنها أشياء لها قوانين علمية دقيقة في التحكم بالصورة والصوت والتنقل بين القنوات المختلفة ناهيك عن رؤيتنا لمكونات الهواء والذرات وأجزاءها، كل ما نستطيع رؤياه هو الأجسام المادية بينما الإله هو فوق المادة فهو خالقها ناهيك عن أنه أكبر من الكون بما فيه ونطاق رؤيا عيوننا بالكاد يحيط بجزء من مجرتنا في ليل سماء صافية

ثانياً يتوه الكثيرون لمشاهدتهم شقاء الدنيا وغياب العدالة فيها ووجود الموت وتسلط الظلمة والأشرار فيها وبالتالي الشك بوجود إله قادر ذو صفات عظيمة كالرحمة والعدالة الفورية، فنقول هنا إن وجود الشر والموت والظلم وغيره هو حقيقي ولكنه ليس مطلقاً فله ما يقيده ويدفعه ويعاكسه من الخير وتجدد الحياة وزوال الزبد ليبقى ما ينفع الناس، ما سبق لا يشير إلى ضعف قدرة الخالق أو انتفاء صفاته من الرحمة وغيرها وإنما يشير إلى عمق صفاته من العزة والصبر والإمهال “وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ”.

ويشير أيضاً إلى إحكام الخلق وتنوعه وإلى أنه الأكبر والأقدر على الخلق المبهر المنوع وليست الحياة كما تتصور طوباويتنا نزهة جميلة كلها سمن وعسل بل فيها فصول أربع وربما أربع مائة وأربع مليارات من الفداء والتضحية والبحث والصبر والفن والعلم والشر ومقاومة الشر والأشرار ورحلتنا كما أخبرتنا رسل الإله لن تنتهي في التراب وإنما سننتقل إلى عالم تختلف فيه كل الموازين كولادة جديدة لعالم العدالة المطلقة والجزاء العادل للظلمة بينما يوفى الأخيار أجورهم بأضعاف مضاعفة.

ثانياً: عقل متكبر ومعاجز

يفترض صاحبه أن الخالق والمخلوقات يجب أن تخضع لتصوراته كما أسلفنا فيفترض أن الإله موظفاً عنده فيقول يجب عليه كذا يفترض كذا أريد منه كذا، بدل أن يبحث بموضوعية ليتعرف على أسرار الوجود الكبرى وهو يعرف قدر نفسه كإنسان ضعيف محدود الجسد والعمر لا يكبر إلا بالعقل والحكمة.

ورد أن شخصاً جاء للسيد المسيح عليه السلام فقال له ألا يستطيع الله أن ينقذني إن أنا ألقيت بنفسي من فوق الجبل فأجابه السيد المسيح عليه السلام ويلك يا جاهل إن الله لا يجرب، أي ما هذا التفكير السخيف فمن أنت لتضع نفسك أستاذا ثم تخضع الله لامتحان إما أن ينجح فيه أو أن يرسب ومثل هذا كمثل طفل يتفلسف فيقول أريد من الشمس أن تقبل حذائي لأعترف أنها للكون مفيدة.

ولنذكر بعض تصورات هؤلاء الأشخاص، لماذا هناك موت ومرض وفقر وشرور وحروب وافتراس للحيوانات فما أجمل أن تكون الحياة مثالية بلا منغصات نحيا في عالم فاضل، وقسم آخر يرضى بالدنيا كما هي ولكنه يريد تدخلاً مباشرا من الخالق تعالى يظهر نفسه لمخلوقاته فيعطي هدايا للجيدين ثم يعاقب الظلمة مباشرة على أفعالهم أولا يسمح لهم بارتكاب الجرائم والموبقات ليكون العالم جميلا برأيهم، وهناك قسم آخر من المشاعيين أو الإباحيين الذين يريدون اغتراف اللذائذ بلا حدود وبالتالي فلا حاجة لوجود إله أو ثواب أو حياة آخره ومن المفيد لهم نفي كل ما يعيق شهواتهم.

لو تمعنا في أفكار هؤلاء لوجدنا أنهم يريدون عالماً يشبه الجنة وباعتبار أنهم لا يؤمنون بالجنة فيمكن أن نشبه الأمر بحياة الحيوانات في المداجن حيث يقدم لها الطعام بلا عناء وتمارس الحيوانات غرائزها بحرية وتشاهد أصحاب الحظائر بعيونها، التصور الطوباوي السابق لا ينطبق على الطلاب في المدارس حتى فمن يرضى أن يتم نجاح الطلاب وتوزيع المراتب عليهم بدون اختبارات واجتهاد في تحصيل العلم، ومن لا يعرف قيمة الامتحانات في تحفيز القدرات وتمييز المتفوقين من غيرهم ومن لا يعلم أن الحياة الرتيبة والمملة تدفع الكثيرين للانتحار.

العالم معقد كثيرا وليس بسيطاً صحيح ليس كما يتمنى الحالمين نعم فيه من القسوة والشرور والحروب الكثير صحيح لكن بالمقابل فيه من الخير والجمال والإبداع والقوانين والنظم الكونية ما يسحر الألباب. من الجميل أن نحيا حياة كقوس قزح بحلوها ومرها فلا قيمة للنجاح إلا بعد التعب ولا يعرف الخير إن لم يقارن بضده ومن الأجدى أن نفهم الحياة ونعيشها كما هي لا كما نحلم.

يعترض البعض على طائرة تنقل المسافرين بسبب تلويثها للجو بالصوت وبمخلفات الوقود لكن صانعها يستطيع أن يشرح ببساطة فوائدها ويعلل سبب الضجيج وضرورة حرق الوقود طبعا، السابق مثال بسيط جدا ولو قارناها أحد إبداعات الخالق تعالى مع الأرض التي تدور حول الشمس بصمت بسرعة 107000 كم في الساعة وتدور حول نفسها بسرعة 1670 كم في الساعة وتجذبنا إليها برفق فإن تابعنا الشمس والمجرات بمسافاتها وأزمنتها الهائلة ستتفتح آفاقنا وسنجد من الأسرار الساحرة ما يجعلنا نذوب عشقاً في هذا الكون البديع ونستدل به على صفات خالقه العظيم.

إن تصور البشر للحياة تتغير باستمرار مع تقدم معلوماتهم كما تتغير تصورات الطفل الصغير خلال مراحل حياته ومتى فهمنا أسرار الحياة كما هي نستطيع أن نفهم كمال صفات الخالق وإبهار صفاته القدسية

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى