هل حقاً يحب صالح المغامسي إزاحة آل سعود وعودة عمر؟!

بقلم أ. محمد إلهامي

أقسم صالح المغامسي يميناً مغلظة على أن الإخوان المسلمين لو بُعِث فيهم عمر بن الخطاب فلن يرضوا به خليفة للمسلمين لأنهم لا يقبلون أن يكون الخليفة إلا منهم.

وتلك يمينٌ كاذبة سيُسأل عنها أمام الله تعالى، وهي يمينٌ تدل على أنه يجتهد من نفسه لينافق السلطة السعودية لا أنه في عداد المضطرين والمقهورين، فإن المضطر المقهور يتخلص من المأزق بأدنى الوسائل وليس يبتكر مثل هذه الكلمات العظيمة!

لا الإخوان المسلمون ولا غيرهم من الحركات الإسلامية ولا من عموم المسلمين الذين يحبون الدين مهما بلغت انحرافاتهم يخطر في باله أن يعترض على عمر بن الخطاب لو بُعث فيهم، ولو أننا جمعنا المسلمين في صعيد وأقسمنا عليهم أن يصدقونا في تمنيهم أن يُبعث فيهم عمر بن الخطاب من جديد لهللوا فرحاً وبكوا أملاً.. اللهم إلا قليلاً! وأولئك القليل هم هؤلاء الحكام الذين ينافقهم المغامسي ثم إخوانه في نفاقهم.

ذلك أن عمر بن الخطاب لو قيل له إن والياً ممّن تغلب على المسلمين يبذل أموالهم لقيصر الروم مع شدة حاجتهم إليه، ثم هو يبذلها لمن يقتلهم ويذبحهم في مصر واليمن وليبيا كما بذلها أسلافه من قبل في الجزائر والعراق لما قرَّ لعمر قرارٌ حتى ينزل به من العقوبة ما هو أهله! فليس يخاف من انبعاث عمر بن الخطاب إلا من يخاف من جرائمه ومخازيه أن تنزل به عقوبة عمر!

وما لنا نذهب في الخيال وقد كفانا القوم مؤونة الخيال وقالوا بألسنتهم وأقلامهم قول السوء:

إن أول الذين سينزعجون من انبعاث عمر رجل مثل عبد الحميد الحكيم مدير “مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية” الذي مقره في جدة بالسعودية، حيث دعا العرب للاعتراف بأن القدس رمز ديني لليهود كما هي مكة بالنسبة للمسلمين، ثم إنه قدَّم قبل أيام (8 مايو 2019م) تهنئته لإسرائيل قائلاً بصريح العبارة: “أقدم التهنئة بذكرى 71 عاماً لإرادة شعب جعل من الحلم حقيقة بدولة من العالم الأول اسمها إسرائيل في محيط يقدس موروث الناصرية والإسلام السياسي يطعن في شرعيتها ويشرعن تدميرها، 71 عاماً من إنكار العرب لحق اليهود التاريخي بدولتهم لم يجلب لهم إلا دمار أوطانهم كمسارح للحروب الأهلية تعبث بها طهران صباح مساء”.

فمثل هذا لا بد أنه ينزعج من عودة عمر الذي فتح بيت المقدس، ثم إنه سينزعج من عمر تارة أخرى لأن عمر أجلى اليهود من خيبر، ولعله كتب فعلاً تهنئته لعودة اليهود إلى خيبر اعترافاً “بحق اليهود التاريخي” فيها، ولكنه ينتظر الوقت المناسب لنشرها.

أول من سينزعج من عودة عمر رجل مثل المخرج السعودي علي الهويريني الذي يرى أن الفتوح الإسلامية كانت تخلفاً، وأنها كانت نكسة على الإسلام وأنها جلبت العداء للأمة الإسلامية، وقد نعى على جيوش الفتح الإسلامي أنها اتجهت إلى شمال أفريقيا ولم تتجه جنوباً إلى أعماق أفريقيا حيث نيجيريا (تأمل جهله بالجغرافيا!!) وإثيوبيا. لقد كان يدين جيش عمر الذي قاده عمرو بن العاص والذي فتح مصر ثم اتجه إلى الشمال الأفريقي بقيادة عقبة بن نافع وبسر بن أرطأة حتى فتحوا طرابلس، ثم أكملوا فتح تونس في عهد عثمان بن عفان رضي الله عن الجميع.

والفضيحة أنه لا يعلم أن الجيوش الإسلامية توغلت جنوباً حتى وصلت إلى دنقلة، وفتحت ما بعد الشلال الرابع وبموازاة الشلال الخامس على نهر النيل، أي أنهم لم ينسوا أفريقيا التي يحزن على تركها بلا فتح، على أن حركة الفتوح كانت تستهدف إنهاء الوجود البيزنطي في الشمال الأفريقي الذي كان هو القوة الأساسية التي تواجه الإسلام في سائر جناحه الغربي: في الشام ومصر والشمال الأفريقي. وليس المقام مقام ردٍّ وتفنيد، إنما هو مقام بيان البلوى التي ابتلينا بها، والتي نوردها لنقول كيف كان علي الهويريني سينزعج من عودة عمر التي تعني عودة الفتوحات العظيمة شرقاً وغرباً.

لم يقف الأمر عند عمر بل تجاوزه إلى آخرين سينزعجون ممَّن هو خير من عمر، سينزعجون من عودة أبي بكر الصديق؛ فلقد أخرجت لنا السعودية في العقود الأخيرة من يتهم أبا بكر الصديق أنه مؤسس فكر التكفير، فقد نشرت صحيفة الرياض الرسمية السعودية تقريراً لأحمد الجميعة أستاذ الصحافة بكلية الإعلام بعنوان “الإرهاب لا دين له ولا وطن” (العدد: 13375، بتاريخ 5 فبراير 2005م) كان مطلعه على هذا النحو: “لم يخرج فكر التكفير إلى الوجود بغتة بل إن له جذوراً وسوابق في التاريخ الإسلامي ولعل أول وأهم واقعة تاريخية عبرت عن ميلاد فكرة التكفير في الإسلام هي “حروب الردة” التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق في مطلع عهده”، ثم قال بعد ذلك: “وبذلك تكون حروب الردة أول بيان رسمي يعلن ميلاد أيديولوجيا التكفير”.

ترى إذا قيل لهذا إن أبا بكر سيبعث خليفة من جديد، فماذا يكون موقفه من خلافة مؤسس أيديولوجيا التكفير؟!!

بقيت مرتبة أخرى أحط محجوزة لكاتب سعودي آخر أشهر من جميع من سبقوا، ذلك هو تركي الحمد الذي قال هذه الكلمة العظمى، “جاء رسولنا الكريم ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل، وجاء زمن نحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبد الله”. ولما اشتعلت ضده حملة على تويتر دَعَمَه أستاذ سعودي آخر هو وائل القاسم بقوله: “صدق الدكتور (تركي الحمد) في كل تغريداته التي ألهبت سياطها ظهور القطيع. نعم نحتاج إلى تصحيح عقيدة محمد ودين محمد ونصوص محمد بن عبد الله”.

ليست المشكلة هنا في مجرد الكلمة التي يقولها أحدهم، المشكلة في أن قائل هذه الكلمات إنما يحظى بالتقدير والعناية في السعودية، ويوضع في مصاف النخبة المثقفة، وهو يمرح ويصول ويجول على الفضائيات والصحافة ومواقع التواصل في زمن الاعتقالات العامة والتخويف والترويع والإجبار على السكوت وإغلاق حسابات التواصل. ويحدث هذا كله في ذات الوقت الذي تطالب النيابة السعودية فيه بإعدام سلمان العودة وغيره من المشايخ، وتضع قائمة للاتهامات من بينها: تأسيس منظمة لنصرة الرسول!!

إن الذي يتخوف وينزعج من عودة عمر وأبي بكر ومحمد صلى الله عليه وسلم هو من ينوي بناء الكنائس في مهد الإسلام، وعنه تتسرب الأخبار والوعود بقرب بنائها وأن الأمر مسألة وقت، لا بل تتسرب الصور والفيديوهات لمساكن وبنايات اتُّخِذَتْ فعلاً كنائس وتجري فيها الطقوس والشعائر المسيحية، فلئن كان صالح المغامسي يحب عمر بن الخطاب حقاً فليواجه هذه الوقائع المعلنة والكتابات الصريحة قبل أن يقسم بالله هذا القسم المغلظ على غيب مكنون في الصدور تُكَذِّبه أحوال أصحابه وأعمالهم.

لكن ثمة سؤال هنا: ترى لو بعث عمر بن الخطاب فسأل المغامسيَّ: ماذا فعلت لرفع الظلم عن إخوانك المشايخ أو عن غيرهم من أهل مصر واليمن والشام والعراق.. ترى كيف سيقول المغامسي؟! هل يحب المغامسي حقاً أن يبعث عمر بن الخطاب ويزيح آل سعود ويعود خليفة للمسلمين؟!.. هل يجرؤ المغامسي أن يعلن تأييده لإزاحة آل سعود من الحكم وأن يجاهد مع عمر ضدهم؟

ألا صدق القائل: ما شيءٌ أولى بطول حبسٍ من لسان!

(المصدر: الخليج أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى