الشيخ أحمد حسن الباقوري | بقلم د. يوسف القرضاوي

الشيخ أحمد حسن الباقوري | بقلم د. يوسف القرضاوي

الشيخ أحمد حسن الباقوري

وزير الأوقاف وشئون الأزهر ورئيس جامعة الأزهر الأسبق

(1325 – 1405هــ = 1907 – 1985م)

أحمد حسن الباقوري، أحد علماء الأزهر الشريف، وأحد الخطباء المعدودين في العالم العربي، من الأعضاء السابقين في دعوة الإخوان المسلمين، ولد في قرية باقور بمحافظة أسيوط، وإليها ينسب.

التحق- كعادة الناس وقتها- بكتاب القرية، وبعد إتمامه حفظَ القرآن التحق بمعهد أسيوط الديني.

حصل الباقوري على الشهادة الثانوية عام 1928، ثم التحق بالقسم العالي، وانتقل إلى القاهرة عام 1929م، وحصل منه على شهادة العالمية عام 1932، ثم حصل على شهادة التخصص في البلاغة والأدب عن رسالته (أثر القرآن في اللغة العربية).

وبعد تخرجه عين مدرسًا للغة العربية وعلوم البلاغة في معهد القاهرة الأزهري، ثم نقل مدرسًا بكلية اللغة العربية، وبعدها نقل وكيلًا لمعهد أسيوط العلمي الديني، ولم يلبث أن نقل وكيلًا لمعهد القاهرة الديني الأزهري عام 1947، وفي سنة 1950

عين شيخًا للمعهد الديني بالمنيا.

انضم إلى حركة الإخوان المسلمين سنة 1933، وهو طالب في الأزهر، وكان أحد قيادات الإخوان، ثم عضو مكتب الإرشاد، وكان أحد المرشحين بقوة لخلافة الإمام حسن البنا.

قيادته لثورة الأزهر:

كان الشيخ الباقوري طوال حياته من طلاب الأزهر النابهين، وكان خطيبا مفوها، وشاعرا مجيدا، وقد اختاره طلاب الأزهر قائدًا لثورتهم سنة 1940، حين ثاروا على مشيختهم المفروضة عليهم من قبل الملك، الذي أقال شيخهم الأكبر القريب منهم والمحبب إليهم: الشيخ محمد مصطفى المراغي.

ثار الأزهر على الظلم الواقع عليه، فقد كان العالِم من خريجي الأزهر في أي من كلياته يُعيَّن براتب قدره ثلاثة جنيهات في معاهد الأزهر، وكان معلم المدرسة الإلزامية خريج مدرسة المعلمين الابتدائية يعيَّن بأربعة جنيهات، ولم يجد الأزهريون شيخًا يتبنَّى مطالبهم غير الشيخ المراغي، وهو من الشيوخ الذين جمعوا بين الأصالة والمعاصرة، فثاروا مطالبين بتحسين أوضاعهم، وإعادة شيخهم المراغي لقيادة سفينة الأزهر.

ومما ينسب إلى الباقوري من الشعر في هذه الثورة قوله:

ثورةَ الأزهر، أرخصنا الدماء فكلي الأرض وثنِّي بالسماء!

وانتصرت ثورة الأزهر التي لمع فيها اسم الباقوري زعيم الثورة، حتى أطلقت الصحفية نعم الباز لقب (ثائر تحت العمامة) على الشيخ الباقوري، في دراسة لها عن الباقوري ومواقفه وحياته، فلم تجد عنوانًا يعبر عن مواقفه إلا هذا العنوان، وبعد عودة الشيخ المراغي إلى مشيخة الأزهر دعا الشيخ أحمد حسن الباقوري، وقدم له هدية منه ” تقديرًا منه لجهوده في إعادته للأزهر.

وأصهر الباقوري إلى أحد كبار علماء الأزهر، وهو الشيخ محمد عبد اللطيف دراز، فقد تزوج ابنته، وأنجب منها ثلاثَ بنات. ثم أصبح الشيخ دراز وكيلا للأزهر بعد ذلك، وهو من عائلة شيخنا العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز.

الباقوري الأديب:

كان الشيخ الباقوري إلى الأدباء أقرب منه إلى العلماء؛ لذا عرف بالخطابة والشعر، أكثر مما عرف بالفقه والبحث العلمي.

وكان له شعر جميل كنا نحفظه، أناشيد تثير فينا مشاعر الحب والحماس للإسلام، ومنها النشيد المعروف:

يا رسول الله هل يرضيك أنَّا إخوة في الله للإسلام قمنا

ننفض اليوم غبار النوم عنا لا نهاب الموت لا بل نتمنى

أن يرانا الله في ساح الفداء

وهو النشيد الذي اعترض عليه بعض الإخوة السلفيين بأنه يخالف العقيدة الصحيحة؛ لأنه يوحي بأن العمل يكون لإرضاء رسول الله، لا لإرضاء الله.

ورأيي أن الشيخ لا يقصد ما ذهب إليه هؤلاء، وإنما يريد أن يقول: هل يسرُّك يا رسول الله ويفرحك ويقر عينك: أُخُوَّتنا في الله، وقيامنا لنصرة دينك، والدفاع عن دعوتك؟.. إلخ.

ولا أعلم أن شعر الباقوري جُمع إلى اليوم، وقد سمعته مرة وقد سئل عن شعره، فقال في تواضع: إنه من شعر العلماء، وشعر العلماء كعلم الشعراء.

وأحسب أن هذا من جميل أدبه وتواضعه، فكثيرًا ما يكون للشعراء علم راسخ، كما يكون للعلماء شعر رائع، ومن هذا شعر الإمام الشافعي الذي لا يشك دارس في

قيمته الأدبية، وعلو مستواه الفني. ومن ذلك قوله:

أنا إن عشت لست أعدم قوتا وإذا مت لست أعدم قبرا

همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا

وإذا ما قنعت بالقوت عمري فلماذا أخاف زيدا وعمرا؟

الباقوري والإخوان المسلمون:

وكان الشيخ الباقوري قد انضم إلى دعوة الإخوان المسلمين من قديم، وبايع الإمام حسن البنا على العمل لنصرة الإسلام، واستعادة مجده، وتحرير أوطانه، والتمكين له عقيدة ونظاما في حياة المسلمين، وكان عضوًا في الهيئة التأسيسية، ثم بعد ذلك في مكتب الإرشاد العام.

وكان أول لقاء بيني وبينه وأنا طالب في معهد طنطا الأزهري، فقد سافرت مع بعض الإخوة إلى القاهرة لنلتقي الإمام البنا في المركز العام للإخوان المسلمين، وكنا مجموعة من طلاب الأزهر، وطلبنا إلى الإمام البنا أن يجلس إلينا، ولكنه قال لنا بأدب: كان يسعدني أن أجلس معكم، وأتحدث إليكم، ولكني للأسف مرتبط بموعد آخر، ولكني سأنيب بعض الإخوان ليجلس إليكم، ونادي الشيخ أحمد الباقوري لينوب عنه في الجلوس والحديث، وجلسنا معه جلسة طيبة، وهذا يدل على مكانته من الإمام البنا، وعلى ثقة الإمام البنا به.

وعندما حل النقراشي جماعة الإخوان في ديسمبر 1948م، بلغني أن الأستاذ البنا أوصى بأن يكون الباقوري مسؤولًا عن الإخوان خارج المعتقل.

وبعد استشهاد الإمام البنا كان اسم الباقوري أحد الأسماء المرشحة لقيادة الجماعة.

 وفي الانتخابات التي جرت بعد سقوط وزارة إبراهيم عبد الهادي وحزب السعديين، الذين عادوا الإخوان وافتروا عليهم : رشَّح الشيخ الباقوري نفسه في دائرة الخليفة بالقلعة، كما رشَّح عدد من الإخوان أنفسهم، وقد شهدته وهو يدور على أماكن التجمعات في الدائرة ويخطب

فيها، وإن لم يحالفه النجاح في النهاية، شأنه شأن كل مرشحي الإخوان: مصطفى مؤمن، وفهمي أبو غدير، وطاهر الخشاب، والشيخ عبد المعز عبد الستار، والشيخ على شحاته وغيرهم.

وأذكر أني لقيته في تلك الفترة- بعد خروج الإخوان من المعتقلات- في محطة القطار بمدينة طنطا، فهرعت إليه، وسلمت عليه، وعرفته بنفسي، وسألته عن حال الإخوان، فتنفس الصُّعَداء، وشكا إلى الله من سوء الحال، وقال: خير للجماعة أن تكتفي بما أنجزت، وأن تقف عند هذا الحد، وتبقي على هذا التاريخ الناصع، بدل أن تكدر صفاءه بما لا يلائم تراث الجماعة ومواقفها الشامخة في قضايا الوطن والإسلام.

وحين اختارت الجماعة الأستاذ الهضيبي مرشدًا عامًا، كان الباقوري أول من بايعه، وكان الهضيبي يصطحب الباقوري كثيرا في رحلاته إلى محافظات مصر، ويقدمه للحديث إلى الجماهير، وقد صحبته في رحلتين كان الباقوري رفيقه

في كلتيهما: إحداهما إلى مدينة السويس، والأخرى إلى كفر الشيخ.

وكان الباقوري عضوًا في مكتب الإرشاد مع الأستاذ الهضيبي، حتى قامت ثورة 23 يوليو، وحين طلب جمال عبد الناصر ورجال الثورة من الإخوان أن يرشحوا أشخاصًا للوزارة ، رشَّح الأستاذ الهضيبي لهم ثلاثة لم يكن الباقوري بينهم، واختار رجال الثورة الباقوري ليتولى وزارة الأوقاف معهم، وأبدى الباقوري للهضيبي أنه راغب في الاستجابة لهم، وأن لديه أفكارًا وتطلعات في إصلاح المساجد والأوقاف، ولم يمانع الأستاذ الهضيبي في ذلك، ولكنه طلب إليه أن يدخل في الوزارة باسمه لا باسم الجماعة. وهذا يتطلب منه أن يقدم استقالته من الجماعة، وقد قبل.

ومن مكارم الأستاذ الهضيبي أنه ذهب للباقوري في مكتبه يهنئه بمنصبه، وهذا يعني أنه لم يعتبر دخوله قطعًا لصلة المودة له، وقال له الباقوري: عفوًا يا مولانا. إنها شهوة نفس. فقال له الهضيبي: اشبع بها!

ومما يذكر للباقوري ما نشرته جريدة (المصري) بتاريخ 11/ 9/ 1952م، فقد سأل مندوبها الشيخ عن أسباب استقالته من الإخوان، فكان جوابه: هي أسباب أحب أن أوثر نفسي بها. وليس من بينها سبب واحد يمس احترامي لإخواني، واعتزازي بهم، فكل واحد منهم- صغيرا كان أو كبيرا- في أعمق مكان في قلبي.

الباقوري الوزير:

انسجم الباقوري مع الثورة، وانسجمت معه الثورة، وكان خطيبها ولسانها المتحدث باسم الدين، وهو رجل حسن المظهر، حصيف الرأي، حلو اللسان، يحسن استقبال الناس، ويحسن الحديث إليهم، ويعرف متى يمسك لسانه، ومتى يطلقه، وفيم يطلقه.

ومن حسناته: أنه ضم إليه مجموعة من الدعاة المعروفين، ووكل إليهم شؤون الدعوة والمساجد، والثقافة الدينية، وعلى رأس هؤلاء: أستاذنا البهي الخولي الذي ولاه منصب مراقبة الشؤون الدينية، وشيخنا الشيخ محمد الغزالي الذي تولى منصب مدير المساجد، وشيخنا الشيخ سيد سابق، الذي تولى منصب مدير الثقافة، وكل هؤلاء من كبار دعاة الإخوان، والمقدمين فيهم.

كما شهد الكثيرون من الإخوان أن الباقوري ما ذهب إليه من أعضاء الجماعة أحد يطلب منه عونًا أو خدمة في قضية، إلا لبَّى طلبه وقضى حاجته، ما دام يقدر عليها.

الباقوري يدعوني إلى الوقوف ضد الانجليز والصهاينة :

وبعد العدوان الثلاثي على مصر، بعد أن أمم عبد الناصر قناة السويس، جاءتني برقية من وزارة الأوقاف تطلب إلي أن أحضر بسرعة إلى القاهرة لأتسلم منبر الأزهر، لرفع الروح المعنوية في الشعب في هذه المرحلة الخطيرة في تاريخ مصر، وكان هذا بتوجيه من شيوخنا: البهي الخولي ومحمد الغزالي وسيد سابق، الذين أشاروا على الشيخ الباقوري أن يستدعيني للأزهر. بيد أني لم أتجاوب مع هذه البرقية، وقلت في نفسي: إنهم يستنجدون بي الآن، حتى إذا انكشفت الغمة طرحونا وراءهم ظهريا! ولما لم أرد عليهم كلفوا شيخنا الشيخ محمد الغزالي الذي اعتلى منبر الأزهر، وظل يخطب فيه عدة سنوات، وقد كان الشيخ الغزالي يخطب في جامع الزمالك الكبير، فخلا مكانه، فأرسلوا إلي في القرية أحد الإخوة ليبلغني بضرورة الاستجابة إلى طلب الأوقاف، وإلحاحهم في أن أحل محل الشيخ الغزالي في مسجد الزمالك، واستجبت إلى رغبة شيوخنا، وسافرت إلى القاهرة، وتسلمت مسجد الزمالك لأخطب فيه، بمكافأة قدرها اثنا عشر جنيها، وعرف الكثيرون ذلك فبدأ الناس يتوافدون على المسجد من أنحاء القاهرة وضواحيها، بل من خارج القاهرة أيضا، وظللت أكثر من سنة أخطب الجمعة بمسجد الزمالك، حتى بعد أن انتهت الحرب، ولاحظ رجال المباحث العامة أن المسجد أصبح يمثل مدرسة دعوية متميزة بخطبه، وبالحلقات التي أعقدها بعد كل خطبة أجيب فيها عن أسئلة الناس، وأمسى الناس يفدون إليه من كل صوب وحدب. وأخيرا ضاق صدرهم، ونفد صبرهم، فأجبروا الأوقاف أن تمنعني من الخطابة، فقد انتهت مهمتي بعد أن أصرت أمريكا على دول العدوان الثلاثي أن تجلو عن مصر، وهذا ما كنت أتوقعه منهم.

تعيينه لعشرة من الإخوان رغم أنف المباحث:

ومما يذكر للشيخ الباقوري في أثناء توليه وزارة الأوقاف تعيينه لعشرة من الإخوان في الوزارة، فقد عقدت مسابقة لتعيين وعاظ بالأزهر، وأئمة وخطباء بالأوقاف، وقدمتُ فيها أنا وعدد من الإخوان، ونحن نعلم أننا ممنوعون من الوظائف المتصلة بالجماهير، ومنها الخطابة والوعظ، ولكن قلنا: لن نخسر شيئًا إذا قدَّمْنا،

فربما نجحنا وقُبِلنا.

ودخلنا الامتحان دخول من لا يعتقد أن وراءه جدوى، وسرعان ما ظهرت النتيجة، وقد نجح فيه عشرة من الإخوان: أنا والعسال وسليمان عطا، وعبد الرؤوف عامر، وعبد التواب هيكل، وعبد الحميد شاهين.. إلخ.

وكان ترتيبي هو الثاني في هذه المسابقة، فقد كان الأول هو زميلنا الأخ العالم الفاضل الشيخ إبراهيم الدسوقي جلهوم، خطيب مسجد السيدة زينب فيما بعد.

وبعد نجاحنا كان للشيخ الباقوري وزير الأوقاف موقف رجولة وإنسانية لا ننساه، وهو أنه عارض رجال الأمن، وقال: أنا سأعينهم على مسؤوليتي، في أعمال غير الخطابة والتدريس.

وفعلا كانت وظيفتنا الرسمية: الإمامة والخطابة، ووظيفتنا الفعلية التي

انتدبنا لها نحن العشرة العمل بقسم النُّظَّار والأوقاف، ومقرُّه سطوح وزارة الأوقاف.

وقد حضرت أنا وأخي العسال يومًا واحدًا في هذا القسم، ثم انتدبنا للعمل في

مراقبة الشؤون الدينية، وكلَّفني المراقب العام للشؤون الدينية الأستاذ البهي الخولي

بالإشراف على (معهد الأئمة)، وكلَّف العسال بالإشراف على مكتبة إدارة الثقافة بمسجد عمر مكرم. ومعهد الأئمة ليس له مبنى، ولكنه (فكرة) تقوم على أساس النهوض بمستوى الأئمة، والرقي بثقافتهم، على أساس تنظيم محاضرات لهم في موضوعات إسلامية وفكرية متنوعة من علماء ومفكرين كبار، توسع من آفاقهم، وتنير من بصائرهم، في فقه حقيقة الدين، وحقيقة الواقع.

 وقد عملت فترة من الزمن بترتيب هذه المحاضرات لعدد من أئمة الوزارة، يقدم هذه المحاضرات الأساتذة الكبار مثل الأستاذ الدكتور على عبد الواحد وافي الذي كان يقرأ للمشايخ فقرات من مقدمة ابن خلدون. ومحاضرات فضيلة العلامة الشيخ محمد المدني الذين كان يلقي محاضرات في فهم القرآن الكريم، والشيخ البهي والشيخ الغزالي وغيرهم.

عبد الناصر يغضب على الباقوري:

وظل عبد الناصر راضيا عن الباقوري سنين طويلة، حتى بلغه عنه شيء كرهه منه، قيل: إنه حديث جرى عنده من الأديب والمحقق الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر، وهو رجل معروف بأنه لا يبالي من أصاب بلسانه، لا يخاف لومة لائم،

ولا نقمة ظالم، فيبدو أنه- على سجيته- صب جام غضبه على عبد الناصر، ولم يدافع الباقوري عن رئيسه وقائده كما ينبغي، ولم يعلم أن ذلك سيبلغ عبد الناصر، الذي له عيون وآذان في كل مكان، حتى عند وزرائه أنفسهم، وقد قيل: إن هذا الحديث سُجِّل، وسمعه عبد الناصر. وقيل: إن الباقوري كان مشغولًا حين تكلم شاكر مع صديق له في بيت الباقوري، وأن الباقوري لم يسمع كلام شاكر.

وغضب جمال على وزيره، ولم يشفع له ماضيه معه، وخرج الباقوري من الوزارة سنة 1959م، وجلس في بيته معتكفًا- أو كالمعتكف- خمس سنوات أو

يزيد، واتخذ من بيته صومعة يخلو فيها إلى التعبد وتلاوة القرآن، ومدارسة كتب

العلم، ولا يكاد يقابل أحدًا، ثم بدأ يلقى في بيته بعض الخاصة من الناس، من أهل

العلم والفكر، يذهبون ويجلسون عنده، يتراجعون في بعض مسائل العلم، وقضايا الأدب والفكر، وقد يحتدُّ النقاش بينهم، فيرجعون إلى مصدر من المصادر في مكتبة الشيخ.

وقد زرته في هذه الفترة أنا وأخي أحمد العسال، فكان عنده العالم الأزهري الكبير البحَّاثة المعروف: الشيخ عبد الجليل عيسى، مؤلف كتاب (صفوة صحيح البخاري) الذي كان مقرَّرًا علينا في المرحلة الثانوية، وكتاب (اجتهاد رسول الإسلام)، وكتاب (ما لا يجوز الخلاف فيه بين المسلمين) و(تيسير التفسير).. وغيرها، وكان من جلسائه الدائمين.

كما وجدنا عنده الأستاذ خالد محمد خالد الكاتب الشهير، الذي لم أكن أعرف وجهه، ولم أعلم أنه خالد إلا بعد انصرافه.

مدير جامعة الأزهر:

وبعد ذلك رضي عنه عبد الناصر، فأسند إليه في سنة 1964 منصب أول مدير لجامعة الأزهر بعد التطوير، واستمر فيه حتى وفاته رحمه الله 1985.

كما كان مديرًا لمعهد الدراسات الإسلامية بالزمالك الذي أسسه رحمه الله، حتى غدا يعرف بـ(معهد الباقوري)، والذي كان يعطي درجة الماجستير في العلوم الإسلامية، وقد ناقشت فيه رسالة ماجستير في الاقتصاد الإسلامي، قدمها الطالب النابه محمد عبد الحكيم زعير، المراقب الشرعي الآن لبنك دبي الإسلامي، وكنت مع أ.د عيسى عبده إبراهيم رئيس لجنة المناقشة، والزميل الكريم أ.د حسين حامد حسان.

لم تكن صلتي قوية بالشيخ الباقوري، كما كانت بالمشايخ: الخولي والغزالي وسابق. ولذلك لا أعرف الكثير عن سيرته وحياته، ولا عن إنتاجه العلمي والأدبي، والمعروف أنه كان قليل العطاء في هذه الناحية، وخصوصا بعد توليه الوزارة، وكل ما قرأته له كتاب أخرجه تحت عنوان (عروبة ودين) هو مجموعة مقالات وبحوث جيدة ومتنوعة في موضوعاتها، وأظن له أشياء أخرى لا أعرفها، ولكنها ليست كثيرة، ولكنه كان رجلا يحترم نفسه، ويعرف عصره. وله شعر رصين، قرأته له في مناسبات مختلفة.

مؤلفاته:

ونحن وإن غلبنا الجانب الأدبي في حياة الباقوري العلمية، فمن الإنصاف أن نذكر أن له بعض مؤلفات جيدة، تحمل روح الداعية، وأسلوب الأديب، منها: كتابه (قطوف من أدب النبوة) الذي شرح فيه عددًا من الأحاديث شرحًا ميسَّرًا سلسًا، في متناول القراء العاديين، والكتاب يقع في جزأين صغيرين. وله كذلك كتابه: (من أدب القرآن: تفسير سورة تبارك).

أما ما يدل على عقلية الباقوري البحثية، فهو كتابه الصغير الحجم، الكثير النفع، (أثر القرآن الكريم في اللغة العربية)، وهو كتاب شهد بغزارة علم مؤلفه وجزالة أسلوبه وقوة حجته: الأديب المعروف الدكتور طه حسين، حتى كتب مقدمة للكتاب، أثنى فيها على الباقوري وعلمه. ومنها أيضا: (عروبة ودين)، وهو مجموعة مقالات وبحوث جيدة ومتنوعة في موضوعاتها تمثل خلاصة لمجموعة الخطب التي

ألقاها في مناسبات مختلفة وفي حفلات عديدة، إلى مقالات أخرى، منها: مقاله لأبي الكلام آزاد تحدذ فيها بحديث طويل عن ذي القرنين ورأيه فيه، وأيده الباقوري، وكذلك كتابه: (مع القرآن)، و(مع الصائمين).

وفاته:

توفي الشيخ أحمد الباقوري أثناء علاجه في لندن في 27 أغسطس 1985م.

غفر الله للباقوري ورحمه، وجزاه خيرا عما قدم لدينه وأمته.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى