كتاباتكتابات مختارة

فضائيات الإسلاميين.. نحو تقييم للتجربة

فضائيات الإسلاميين.. نحو تقييم للتجربة

بقلم وليد الجبوب

عقب أحداث الربيع العربي امتلأ الفضاء بقنوات الإسلاميين بأسماء متنوعة كلها تحيل إلى خلفيات دينية لملاك تلك القنوات، ذلك يشير إلى كون الإسلاميين قد اكتشفوا فجأة أهمية الإعلام المرئي تحديدًا، بعد سنوات طويلة من الاكتفاء بتوجيه اللوم إلى القنوات الفضائية القائمة بمبررات عديدة يجمعها عنوان واحد أن تلك القنوات لا تلتزم بتعاليم الإسلام، ولا تراعي الهوية الدينية للجمهور المستهلك للمواد الإعلامية.

كان ما يُعرف بالإعلام الإسلامي بالطبع موجودًا قبل الربيع العربي غير أن القنوات الإسلامية قبل تلك الأحداث لم تكن سوى تجارب خجولة، إضافة لتقليدية المحتوى المنشور وانحصاره في برامج الفتاوى، والأناشيد، وقراءة القرآن، إلا أن إعلام الإسلاميين ما بعد الربيع حاول إنتاج محتوى يواكب هجرة الإسلاميين إلى السياسة ودخولهم معترك السباق على كسب الجماهير تحسبًا لأي استحقاقات سياسية ينوي الإسلاميون خوضها، وذلك يعني أن إعلام الإسلاميين بعد الربيع العربي كان إعلامًا سياسيًا بالدرجة الأولى، يستجدي بالطبع النص الديني لإقناع المشاهد بوجهات النظر السياسية المطروحة.

استمرارية ظهور القنوات الجديدة التابعة للإسلاميين لم يُحدث أي تنويع في المحتوى، فلم يفعلوا أكثر من نقل الخطبة السياسية مع الخطيب السياسي من المسجد إلى استديو القناة وإطلاق البث بموضوعات جدلية كانت محط اهتمام الساحة العربية وخصوصًا بلدان الربيع العربي، وبذلك يرى الإسلاميون أنهم يحاولون سد ثغرة مهمة تتمثل في إنشاء فضائيات يقدمون وجهات نظرهم من خلالها للشعوب، وللأسف كانت تلك الرؤية ناقصة إلى حد كبير، وهذا النقص كان قادمًا من فهم الإسلاميين القاصر للإعلام وهو ما أنتج عددًا كبيرًا من القنوات بعدد قليل جدًا من الموضوعات بضعف كبير في تنوع المحتوى وانحصاره كما تقدم تقريبًا في الموضوع السياسي يقدم في قالب تقليدي وحيد هو قالب التلقين والخطبة السياسية.

في الواقع كان ميلاد تلك الفضائيات ناشئ عن شعور الإسلاميين الدائم بضرورة التميز عن المجتمع العام، ذلك الشعور الذي تسبب في خلق مجتمع خاص داخل المجتمع تم التعبير عنه بمجتمع الملتزمين، وهو طائفة من الناس ترى أنها أكثر تمسكًا بتعاليم الإسلام من باقي المجتمع، تلك الفئة شكلت لها مظهرًا خاصًا ولغة تخاطب خاصة، نفور كامن من المجتمع العام، وإيمان بضرورة تنميط المجتمع بنمط الإسلاميين الملتزمين، هذا الفرز كان يظهر باستمرار على كثير من أنشطة الإسلاميين حتى وصل إلى ما أُطلِق عليه خطأ الإعلام الإسلامي وبه ظهرت فضائيات عديدة كل همها شحن المجتمع بمحتوى يعبر عن ذلك النمط على المستوى السياسي أو الاجتماعي، إلى الحد الذي جعل تلك الفضائيات تضع موازين دينية للاختيار السياسي لا تقوم على مقدار الكفاءة وتوافر المشروع وإنما بناءً على كون الخصم السياسي مختلف في الرؤى والتوجهات وهو ما يستدعي عدم تفضيله دينيًا على الإسلامي لأنه إسلامي، أي لأنه حاملًا لصفة فوق الموازين المعتادة المتمثلة في المشروع والتأريخ النضالي وغيرها من نقاط المقارنة بناءً على مدى النفع العام لا على التوجهات والإيمانات الشخصية، وما سبق تحول إلى قيم حاكمة للمحتوى المنشور على فضائيات الإسلاميين.

ما سبق يعني أن تلك الفضائيات كانت إعلامًا سياسيًا للمكونات السياسية الإسلامية، يُعنى بدرجة رئيسة بطرح وجهات نظر الإسلاميين السياسية، وبالتالي يصبح إطلاق مصطلح الإعلام الإسلامي على تلك الفضائيات من قبيل الخطأ بناءً على نقاط كثيرة تعتبر فوارق جوهرية بين الإعلام الإسلامي وبين ما توهمه كثير من الإسلاميين إعلامًا إسلاميًا.

بالتأكيد نقول من حق أي أحد إنشاء أي منصة تعبر عنه، لكن ما نود قوله هنا أن الإسلاميين باعتبارهم مكونًا كبيرًا يحتاجون أولًا إلى فهم الإعلام السياسي وقواعده وخلق محتوى متنوع يجعل من تلك الفضائيات شيئًا آخر غير منبر المسجد الذي يؤدي بالطبع مهام تربوية جليلة، والمهم مراجعة الأفكار ذاتها التي يتشكل منها المحتوى من خلال دراسة جمهور هذه المنطقة ومعرفة احتياجاته الحقيقة لا المتوهمة، إضافة إلى تجنب الخلط العشوائي بين مبادئ الدين ومتغيرات السياسية وإبقاء المجال العام فاعلًا ونشطًا يتيح التبادل البناء لوجهات النظر ويسمح بالجدل السياسي المفتوح لأجل النفع العام، وهذا بالطبع ما يجب أن يكون حاكمًا للمحتوى، أما الإسلام فهو راسخ في وجدان هذه الشعوب فلا أحد يستطيع محو هذه الهوية الراسخة، كما أنه من الخطأ فرز الإسلاميين للمجتمع المسلم العام إلى ملتزم وغير ملتزم فحضور هذا الفرز على فضائيات الإسلاميين أدى بالطبع إلى انعكاسات سلبية علاوة على كونه غير صحيح وغير علمي.

هنا يتعين على الإسلاميين القيام بتقييمات علمية لمدى تأثير تلك الفضائيات، ومراجعة المحتوى الذي استهلك معظم مساحات البث في تلك الأيام، وطرح الأسئلة الصحيحة التي تمثل مركز الدراسة لتلك التجربة، وأهمها هل كانوا بالفعل بحاجة لذلك النوع من الفضائيات؟ وهل تم الخلط بين مشروع الإعلام الإسلامي وإعلام الإسلام السياسي؟ وإلى أي مدى كان ذلك المحتوى السياسي ذات الطابع الإسلامي مقنعًا للجماهير؟ وسينتج عن الإجابة عن تلك التساؤلات تقييم عام لا للتجربة الإعلامية فحسب بل للتجربة السياسية للإسلاميين على اعتبار أن المواد المنشورة في تلك الفضائيات ليست سوى وثائق تؤرخ لمرحلة سياسية حساسة نعيش تفاصيلها حتى اليوم.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى