تقارير وإضاءات

تعادي الإسلاميين وتشكك في السنة.. هل تحارب الإمارات الدين؟

تعادي الإسلاميين وتشكك في السنة.. هل تحارب الإمارات الدين؟

إعداد شدوى الصلاح

في الوقت الذي تستضيف فيه دولة الإمارات العربية المتحدة، البابا فرانسيس بابا الفاتيكان وتفتتح الكنائس والمعابد البوذية على أراضيها وتدعم احتفالات المسيحيين والهندوس هناك، فإنها على الجانب الآخر تشدد الرقابة على المسلمين لديها وتحارب ما تطلق عليه “الإسلام السياسي”، وتفتح قنواتها لمن يدّعي تجديد الخطاب الديني.

وإذا كان البعض قد يبرر لعيال زايد محاربتهم لتيار الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي التي قد تهدد الملك والثروة، فإنه من غير المبرر على الإطلاق احتضانهم لبعض من يشككون في كتب ورموز السنة النبوية مثل صحيح البخاري ومسلم وابن تيمية.

مهاجمة صحيح البخاري

ورغم أنه لم يرد شكّ عند العلماء والمؤرخين في نسبة كتاب الجامع صحيح البخاري لمصنّفه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وثبوت ذلك من عدّة وجوه منها أن جمعاً غفيراً من الناس وصل عددهم لعشرات الآلاف سمعوا الكتاب من البخاري نفسه، إلا أن الأكاديمية الإماراتية “موزة غباش” أقدمت على مهاجمة “صحيح البخاري”، واصفة إياه بالكتاب “المتخلف”، وذلك بحضور نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، وهو ما أثار سخط ناشطين على تويتر.

https://twitter.com/Alyahyamo7ammad/status/1105464730444091396

وبفرضية أن “غباش” لا تمثل إلا نفسها ولا تمثل الإمارات فلم يصدر حتى كتابة هذه السطور، أي رد فعل إماراتي رادع لمثل تلك التصريحات، وهو ما يضع الإمارات في موضع الاتهام، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يشن فيها إماراتيون هجوما على صحيح البخاري، فقد سبقها الداعية المجنس إماراتيا وسيم يوسف، حين قال إنه لا يؤمن بالبخاري ولا السنة النبوية بشكل مطلق، مشيراً إلى أن إيمانه فقط يقوم على القرآن الكريم.

من هو وسيم يوسف؟

وقع الجدل الأكبر حول الشخصية الإعلامية “وسيم يوسف” قبل أعوام، حين قامت دولة الإمارات بتجنيسه، وتعيّنه إمامًا وخطيبًا لمسجد الشيخ زايد في مدينة أبو ظبي بالإمارات، ولكن قبل الخوض في تفاصيل قصة تجنيسه، من هو “وسيم يوسف” قبل أن تُجنسه الإمارات؟

وُلد في مدينة إربد شمال الأردن، يبلغ من العمر الآن 34 سنة، درس علوم القراءات وحصل على بكالوريوس الشريعة من جامعة البلقاء التطبيقية في علوم القراءات عام 2004، ومن  ثم قام بدراسة الماجستير في تفسير القرآن الكريم ونال الدرجة العلمية في عام 2009.

يشير “وسيم يوسف” إلى دراسته على يد كوكبة من العلماء دومًا حينما يتحدث عن نفسه على القنوات الفضائية، حيث يشير إلى دراسته لعلم الفقه والتفسير والعقيدة الإسلامية، وإلى حفظه الصحيحين ودراسته بعض كتب علم الحديث، ومن أشهر الشيوخ الذين تأثر بهم الشيخ، مثل الشيخ محمد ناصر الألباني رحمة الله والشيخ عبد العزيز بن باز.

درس “يوسف” التفسير في حلقات ودروس يومية في مساجد المملكة الأردنية الهاشمية، وكان له عدد من المحاضرات في شرح العقيدة ومحاضرات عن “الوعظ” و”الإرشاد”.

كان له باع في تفسير الرؤي والأحلام، حيث يشير إلى نفسه بأن له بحوثا في دراسة الأحلام وتأويلها وتفسيرها، واشتهر في الأردن بمحاضراته عن تفسير الأحلام بتفسير الكتاب والسنة، وكانت له محاضرات اجتماعية بخصوص العلاقات الزوجية أسماها “100 طريقة لتكسبي زوجك”.

تشويه متعمد

وعلى خلفية الغضب الذي أثارته تصريحات الرموز الإماراتية، قال الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن آفة كثير من الاجتهادات المردودة: أنها تصدر من غير متخصَّصين، من أناس أقحموا أنفسهم على الشريعة، وهم لم يتفقهوا في علومها.

إبراهيم الدويش اعتبر أن السنة النبوية تتعرض لتشويه متعمد برواتها ومصادرها الأصلية؛ كمحاولات لهز قيمتها في نفوس المسلمين كمصدر ثانٍ للتشريع الإسلامي، فهي وحي السماء المروي الذي يوضح ويفسر ويفصل الوحي المتلو (القرآن) الذي قال: “إن هو إلا وحي يوحى”.
وقال الدكتور يوسف اليوسف، الأكاديمي الإماراتي، إن الذي يطعن في صحيح البخاري إما أنه حاقد وكاره للإسلام أو أنه جاهل متطفل مفرط في الوقاحة وسوء الأدب مع مقدسات هذه الأمة، وكلاهما جدير بالزجر إلا إذا كانت حكومة الدولة مارقة لا دين لقياداتها والعياذ بالله.
وأضاف في تغريدات له على حسابه بتويتر: “الصبيان في أبوظبي بدأوا بالتشهير وباعتقال من طالب بإصلاح الأوضاع السياسية حتى لا تترك الثروة والقرار في أيديهم، ثم تتلمذوا على يد شحرور وروجوا لأفكاره المنحرفة في التلفزيون الرسمي ثم سمحوا لمهرج باسم العلم أن يشكك في صحيح البخاري، ثم تركوا مدعية للثقافة تسفه بأهم مرجع للسنة”.

واستنكر المغرد صالح الميري صمت المؤسسات الدينية، قائلاً: “لو انتقد معارض طاغية لشاهدت الفتاوى من هيئة كبار العلماء في السعودية ورموه إنه خارجي، وهذه الأيام مرتزقة أبوظبي كوسيم يوسف وأكاديمية شمطاء يطعنون في أصح كتاب بعد كتاب الله وهو صحيح البخاري؛ ولم نشاهد فتوى أو ردا أو حتى تنويها، مثلها مثل الأزهر الذي سكت عن شباب مصر الذين قتلهم السيسي”.

وأضاف: “الفلسطينيون تقتلهم إسرائيل والسيسي يسجن ويقتل شباب مصر، وبن سلمان يسجن العلماء والنساء العزل، وبن زايد يقتل أطفال اليمن ومرتزقته يطعنون في صحيح البخاري، وهيئة كبار العلماء في السعودية مشغولة بفتاوى الحيض والنفاس، وعلماء الأزهر مشغولون بختان الإناث”.

صمت سعودي

يأتي التمادي الإماراتي في ظل صمت وإقصاء سعودي، ودوما ما تحاول الإمارات طرح بديل عن السعودية  التي تعتبر نفسها “مرجعا للمسلمين” كونها أرض الحرمين؛ لتستضيف مؤخراً مؤتمرا أطلقت عليه “الإخوة الإنسانية” دعت إليه البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، حيث وقعا على وثيقة حملت اسم المؤتمر ذاته بدون أن يكون للمملكة السعودية أدنى حضور.

وبحسب مصادر مقربة جدا من مفتي السعودية وهيئة كبار العلماء في السعودية، فإن “حالة من الاستياء تسود الأوساط الدينية السلفية والمؤسسة الدينية بعد ما اعتبروه ضربة أخرى توجهها الامارات للمشايخ السلفيين عموما والسعوديين خصوصا؛ إثر التجاهل الكامل من قبل الإمارات لهم، وإدارة الظهر للمؤسسة الرسمية الدينية في المملكة العربية السعودية”، حيث كانت الضربة الأولى باستبعاد السعودية من “مؤتمر أهل السنة” الذي انعقد في أغسطس/آب 2016 في الشيشان.

تراقب المسلمين

وبدورها، قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن دولة الإمارات تراقب نشاط المسلمين وتضيق عليهم، في حين تتسامح إلى حد كبير مع أصحاب الديانات الأخرى بالبلاد.

وأوردت الصحيفة في تقرير لها مؤخراً أن سيطرة الدولة في الإمارات على الإسلام تمتد إلى ما هو أعمق في الحياة اليومية للمسلمين، إذ تقوم الحكومة باختيار جميع الأئمة وفحصهم، وتقدم لهم إرشادات أسبوعية لخطب صلاة الجمعة، وحتى الممارسات غير الرسمية للتعلم الإسلامي يجب أن توافق عليها الحكومة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإمارات تعتبر الحركات الإسلامية بمثابة التهديد الرئيسي لنظامها السياسي ولأمنها القومي، ولا سيما في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011.

وبحسب تقرير واشنطن بوست، تتسامح الإمارات مع الاحتفالات العامة المسيحية والهندوسية الكبرى ورأس السنة الصينية الجديدة، وكذلك الإعلانات والدعاية للنشاطات الدينية غير الإسلامية.

ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا عن وضع الدين في الإمارات العربية المتحدة. وتحت عنوان “في دولة عربية: المسيحيون والبوذيون واليهود يصلون” قالت فيه: “في كل جمعة وبالطابق الرابع في مركز مؤتمرات بفندق في قلب البلد العربي التجاري يصل آلاف من المسيحيين للصلاة ساعتين؛ فيما يعتبر أكبر الكنائس سرية في العالم”.

تبنى الفكر الصوفي

وفي إطار سعيها لتقديم نموذج يتبنى فكرا صوفيا لتشكل مرجعية دينية للعالم الإسلامي، أسست الإمارات “مجلس الحكماء المسلمين” يرأسه أحمد الطيب شيخ الأزهر في تموز/ يوليو 2014، وهو المجلس الذي أجمع مراقبون أنه انشئ لمواجهة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”.

وقبل 3 أعوام، أعلنت مؤسسة “طابة” الصوفية ومقرها أبوظبي، ومؤسسها رجل الدين اليمني الحبيب علي الجفري، أنها هي التي نظمت مؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة؟” الذي أقيم في جروزني عاصمة الشيشان، والذي لم يعتبر السلفية والوهابية من أهل السنة والجماعة.

وتصاعد الحديث حينها عن تمويل دولة الإمارات، ودعم ولي عهد أبوظبي، الأمير محمد بن زايد، للمؤتمر، الذي لم تشارك فيه أي رموز من المدرسة السلفية، سواء من مصر أو السعودية أو غيرهما.

وأوصى المؤتمر بـ”حصر أهل السنة والجماعة في الأشاعرة والماتريدية (مدرسة إسلامية سنية ظهرت أوائل القرن الرابع الهجري) في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية، وإخراج كل من خالفهم من دائرة السنة والجماعة”.

تغدق عليها

وبحسب مراقبين، فإنه بات واضحا محاربة الإمارات لتيارات الإسلام السياسي بذريعة مواجهة الإرهاب، وتوظيفها للأزهر الشريف لوأد أي حراك إسلامي، ولم تكتفِ بذلك بل أصبحت تتنفذ في كثير مناطق العالم الإسلامي، ولها منظمات ودور نشر وهيئات تدعمها وتغدق عليها لتخترق بها مؤسسات دينية ومدارس إسلامية عريقة.

فالإمارات بما تضخّه من أموال وتقدمه من دعم لمؤسسات مؤثرة، تسعى إلى تفرّيغ المجال الإسلامي من الشخصيات الفاعلة، وتستبدلهم بأشخاص موالين لها يتصدرون المشهد بين الحين والآخر.

مشروع الإمارات للسيطرة على المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر، وتوظيفها لخدمة سياستها والترويج لها أتى كردة فعل على صعود الإسلاميين، والذي بلغ أوجه بعد الربيع العربي، حيث ازداد السخط الإماراتي من صعود جماعة الإخوان إلى سدة الحكم في بلاد مثل مصر وتونس والمغرب. كما كشفت الدلائل على تورط الإمارات في مخطط إسقاط الثورة اليمنية، تماما كما حدث في مصر، وليبيا وإجهاض ما تبقى من ثورة سوريا عبر دعم بشار الأسد.

_____________________________________________________________________________
المصادر:
  1. واشنطن بوست: الإمارات تراقب نشاط المسلمين أكثر من أي دين آخر بالبلاد
  2. وول ستريت جورنال: الإمارات تتسامح مع كل الممارسات الدينية إلا الإسلام السياسي
  3. “وسيم يوسف” سلاح الإمارات الديني
  4. هل موّلت الإمارات مؤتمر الشيشان المثير للجدل؟
  5. الإمارات وتوظيف الأزهر لوأد الحراك الإسلامي
  6. أسرار تفجر الغضب السعودي على الامارات بعد زيارة البابا

(المصدر: صحيفة الاستقلال الالكتترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى