كتاباتكتابات مختارة

معركة “باب الرحمة” وضبابية بوصلة الجيل المسلم!

معركة “باب الرحمة” وضبابية بوصلة الجيل المسلم!

بقلم أحمد التلاوي

هل عَلِمَ أحدٌ من الجمهور الإسلامي بالمعركة التي دارت حول “باب الرحمة” في الأيام الأخيرة؟!.. لا أعتقد!

وهذا الحكم ليس حكمًا تعسفيًّا؛ فيكفي أن يتابع أي باحث في المجال الإعلامي، “التريندات” والوسوم أو “الهاشتاجات”، على مواقع “التواصل الاجتماعي”، أو محتوى التغطيات على القنوات الفضائية والصحف والمصادر الإعلامية المختلفة؛ سوف يجد أن الموقف لا يمكن توصيفه إلا بأنه جريمة في حق الوجدان الجمعي، والوعي الجماعي العربي والمسلم.

والجريمة هنا مزدوجة المعنى؛ حيث هي في جانب منها، نتيجة لمراكمة طويلة الأمد، بدأت قبل عقود، من أجل إنهاء القضية الفلسطينية، وفي القلب منها، قضية #القدس والأقصى، من خلال إنهاء وجودها في وجدان وعقول الشعوب العربية والمسلمة.

أما الجانب الثاني، فهي سبب؛ إذ إن هذا الاستهتار الكبير الذي لمسناه في وسائل الإعلام والمنصات المختلفة بما جرى عند “باب الرحمة”، وما رافق ذلك من اعتقال للعلماء، وصدامات مع قوات الاحتلال؛ إنما هو سوف يكون – مع مفاعيل أخرى – له أبلغ الأثر في مراكمة المزيد من الأثر المشار إليه في الفقرة السابقة.

ومن المؤسف أن هذه حقيقة، وليست تقييمًا. فالأجيال الجديدة من المراهقين والشباب العربي والمسلم، نشأت في وقتنا الراهن على أساس منظومة من القيم والقضايا والمفاهيم، بدأت تختلف في جوهرها بشكل كبير عن خريطة القيم والقضايا والمفاهيم التي كانت لدى الجيل السابق.

الأجيال الجديدة من المراهقين والشباب العربي والمسلم، نشأت في وقتنا الراهن على أساس منظومة من القيم والقضايا والمفاهيم، بدأت تختلف في جوهرها بشكل كبير عن خريطة القيم والقضايا والمفاهيم التي كانت لدى الجيل السابق

فلا يمكن بحال القول بأن هذه الخريطة في وقتنا الراهن، متطابقة أو حتى قريبة الصلة بالماضي القريب.

ففي النصف الثاني من القرن العشرين، كانت قضية فلسطين، قضية محورية، مع قضية التحرر، والسعي إلى التخلص من التبعية، ومحاربة مراكز نفوذ الاستعمار القديم بين ظهراني عالمنا العربي والإسلامي.

ثم شمل ذلك، بعد ظهور الصحوة الإسلامية المعاصرة قبل أربعة عقود ونيِّف، قضايا الإصلاح والتغيير السياسي والاجتماعي الداخلي، والتي تتضمن قضية الإصلاح الأخلاقي والسلوكي، وتطوير مفاهيم وقناعات الجيل العربي والمسلم الناشئ.

ثم، وبعد ذلك، وعندما اندلعت ثورات ما يُعرَف “الربيع العربي”؛ كان من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الحركات الإسلامية، على اختلاف تلاوينها، هو أنها قد وسَّعت جبهات الصراع التي خاضتها .

ثم كان أن ربطت الحركة الإسلامية معاركها هذه بشعارات دينية، وتمادت في ذلك، فاعتبرت أن هذه الأزمات والصراعات، إنما فيها مصير الأمة، ومصير الدين، بينما مصير الدين في يد الله تعالى.

ومع اتساع رقعة هذه الصراعات، وتحوُّل بعضها بالفعل إلى معركة حياة أو موت بالنسبة لبعض هذه الجماعات والحركات؛ كان أن وجهت هذه الأطر جُل الاهتمام والموارد إلى حروب وصراعات لا تتصل بقضايا الأمة بشكل مباشر، بما في ذلك عمليات الحشد والتعبئة والتوجيه للمورد البشري، وهي من أهم النقاط ارتباطًا بالقضية التي نتناولها في هذا الموضع.

ثم أضيف إلى ذلك ظاهرة شديدة الخطورة، وهي اقتتال “إسلاميين” و”إسلاميين”، برغم أن القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة، قد جعلا ذلك أكبر الكبائر، وحدد له القرآن والسُّنَّة عقوبة لم تحددها الشريعة الإسلامية لأي أمر آخر بعد الشِّرْك والكفر والعياذ بالله.

ثم أُضيف إلى ذلك قضايا أخرى من نفس التصنيف؛ الانحرافات عن المنهج؛ حيث إن الكثير من المغامرين والمدَّعين قد دخلوا إلى أفنية الحركة الإسلامية، كما قام أعداء الأمة “بصناعة” حركات “إسلامية”، قادت إلى أسوأ وأعمق ألوان التخريب والتدمير لجسد الصحوة الإسلامية، وتفكيك بنيتها .

قاد ذلك إلى حالة من التشكيك في خطاب الحركات المنضوية أسفل الشعار الديني، أو الانتماء الإسلامي، وبالتالي؛ انصراف شرائح من الجمهور العربي والمسلم عن قائمة أولويات الحركات الإسلامية.

وفاقم من هذه المسألة، أخطاء حقيقية وقعت فيها بعض هذه الحركات في مجال المواءمة السياسية، مما زاد من نقطة التشكيك في النوايا، وصلت إلى مستوى التباعد الكامل عن الحركات الإسلامية، ومختلف قضاياها التي تتبناها في خطابها وحراكِها.

هذه الأمور كافة، قادت إلى انحراف البوصلة لدى الإعلام والجمهور على مستوى الساحة الإسلامية إلى أمور وقصايا أخرى بخلاف قضية الأمة المركزية، وهي قضية فلسطين، وفي القلب منها، قضية المقدسات.

بل كانت الضحية الأساسية لهذه المشكلات، هي القضية الفلسطينية.

فالقضية الفلسطينية، وأبرز رموزها، المسجد الأقصى المبارك، كانت من بين أهم المفاتيح التي مثلت مدخل الصحوة الإسلامية إلى قلب وعقل الجمهور في العالم العربي والإسلامي.

القضية الفلسطينية، وأبرز رموزها، المسجد الأقصى المبارك، كانت من بين أهم المفاتيح التي مثلت مدخل الصحوة الإسلامية إلى قلب وعقل الجمهور في العالم العربي والإسلامي

ثم، ومع مرور السنوات التي سبقت اندلاع ثورات الربيع؛ تحولت القضية الفلسطينية، إلى أيقونة على الصحوة الإسلامية، والحركات التي تتبنى الخطاب الصحوي الوسطي.

وفي مثل هذه الأحيان؛ فإن خراب الوعاء الحامل، يقود إلى خراب للمحتوى، وهو ما نال من قضية فلسطين، عندما وقعت الانحرافات والمشكلات التي سبق الإشارة إليها.

وهنا، وبالرغم من أن هذا الموضع من الحديث لا يتناول قضية سياسية بعينها تخص الواقع العربي في مرحلة ما بعد الربيع العربية؛ لكننا نجد أنه من الأهمية هنا، الإشارة إلى الحرب السورية.

فغالب سنوات الحرب السورية، قبل 2018م، كان أكثر من تسعين بالمائة من خط الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة عام 1948م، كان تحت قبضة جماعات وحركات تزعم أنها تتبنى أجندة قضايا الأمة، وأهمها قضية فلسطين، ولم تطلق طلقة واحدة على الكيان الصهيوني.

وهنا نريد الإشارة إلى أن هذه الحركات قد ساهم في تأسيسها حكومات دول عربية وإسلامية، قالت إنها أسستها لدعم الثورة السورية [راجع: “سوريا.. حرب العالم”، الذي أنتجته وبثته هيئة الإذاعة البريطانية في جزأين].

وزاد من واقع أثر ذلك، هو الخطأ الأبدي الذي وقعت فيه الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، وهو الانقسام، وارتهان بندقية بعضها إلى قرارات حكومات وأنظمة.

فكان أن انشغلت السلطة بكل شيء إلا بالقضية الفلسطينية، مما قاد الشعب والفصائل الأخرى إلى أتون معارك جانبية وهامشية أخرى، على حساب القضايا الرئيسة .

في الأخير؛ فإن هذه بعض جوانب الأسباب التي تقف خلف دفن أزمة “باب الرحمة” أسفل الكثير من الركام الذي طمس على قلوب وعقول أبناء الأمة الذي باتوا هم بحاجة إلى صحوات وليس ليس إلى صحوة إسلامية واحدة!

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى