تقارير وإضاءات

مراوي “عاصمة” مسلمي الفلبين.. يعسكرها الجيش ويماطل في إعمارها

مراوي “عاصمة” مسلمي الفلبين.. يعسكرها الجيش ويماطل في إعمارها

إعداد صهيب جاسم

إثر الانتهاء من المرحلة الأولى من الاستفتاء على القانون التأسيسي للحكم الذاتي لشعب مورو في جزيرة ميندناو يوم 21 يناير/كانون الثاني الماضي، وترقب مرحلة ثانية في بلديات أخرى، بدأت الأضواء تسلط على مدينة مراوي ومستقبلها في ظل الحكم الذاتي المرتقب.
وكانت مراوي ممن صوت أهلها بأغلبية ساحقة -إلى جانب سكان إقليم لاناو الجنوبية من قومية “المراناو”- لصالح مشروع التحول السياسي محل الاستفتاء، بعد 15 شهرا من توقف الحرب بالمدينة.
وكانت الحرب استمرت خمسة أشهر بين الجيش الحكومي وجماعة ماوتي التي رفعت شعارات تنظيم الدولة وأعلنت ولاءها، بصورة أثارت تساؤلات كثيرين في مراوي عن ارتباط تلك الجماعة بأطراف سياسية محلية ودولية دعمت ظهورها بالمدينة.
وقد دمرت الحرب النصف الشرقي من المدينة وتحديدا 24 حيا من الأحياء الأكثر اكتظاظا بالسكان، وهي المنطقة التي تضم نحو 12 ألف منزل -حسب بعض التقديرات- أي نحو عشرين ألف أسرة، ويقدر البعض العدد بنحو مئة ألف شخص فقدوا منازلهم ومتاجرهم ومساجدهم وجامعاتهم ومدارسهم وحتى بعض الكنائس.

وقبل وصول الجزيرة نت المدينة، لاحت مخيمات النازحين، بعضهم مازالوا بالخيام، وآخرون حصلوا على غرف خشبية صغيرة لكل أسرة. ويشكو النازحون من انقطاع المساعدات التي تصل إليهم وندرتها والغموض الذي يعيشون فيه، وعدم وجود معلومات واضحة وأكيدة من الحكومة عن تعويضهم وإعمار منازلهم.

من مظاهر ما خلفته الحرب (غيتي-أرشيف)
وعن هذه التساؤلات، قال للجزيرة نت مستشار الرئاسة لشؤون السلام كارليتو غالفيز والذي كان من أبرز القادة العسكريين بحرب مراوي إن إعادة الإعمار “ستستغرق وقتا طويلا، ونصيحتي للسكان بأن يصبروا وتأكدوا بأننا سنعتني بشأنهم”.
الإعمار لم يبدأ بعد
ولاحظت الجزيرة نت بالجزء الغربي غير المدمر من مراوي -والذي لم يتضرر كثيرا- أن الأحياء في غربها القريب من جامعة ميندناو الحكومية مكتظة بسبب تركز الأسواق فيها، بعد أن دمرت الحرب السوق الرئيسية بالجزء الشرقي منها. علما بأنه لا يسمح الدخول إلى المنطقة المدمرة إلا بإذن من الجيش، لكن يسمح للبعض فقط بعبور بعض شوارعها للوصول إلى مناطقهم التي تقع بأقصى شرق المدينة، وفيما عدا ذلك فالمنطقة محروسة من قبل الجيش.

وبعد 15 شهرا من توقف الحرب، يتأكد لأي زائر لوسط المدينة المدمر -والذي يضم أشهر مساجدها وكنائسها وبعض الجامعات والمدارس الخاصة- ألا شيء تم إعماره حتى الآن، رغم وجود بعض المشاريع الهامشية في محيط المدينة من قبل بعض المانحين من اليابان والولايات المتحدة، لكن لا شيء على الإطلاق تم إعماره بالمنطقة التي كانت أرض المعركة.

منازل في مراوي (رويترز-أرشيف)
ويقول رئيس حزب الأمة أمير الدين محمد سرنجاني إن أهل مدينته يشعرون بالألم لما لحل لمدينتهم التي كانت توصف بعاصمة المسلمين في الفلبين، نظرا لكون 99% من سكانها مسلمين، وهي مركز تعليمي وتجاري معروف بينهم، وهذا أمر لا تجده بمدينة فلبينية أخرى.

ويضيف للجزيرة نت أن واقع النازحين مؤسف ومؤلم للغاية، ففضلا عن تأخر إعمار منازلهم فإن بعضهم لم يتسلم معونات منذ بضعة أشهر.

ويؤكد سرنجاني، وهو من العلماء والدعاة البارزين في المدينة، أن سكان مراوي يترقبون البرامج الإصلاحية للرئيس وسلطة بنغسامورو الانتقالية، والانتخابات المحلية في مايو/أيار المقبل، لإصلاح أوضاعهم التي دمرتها الحرب.

ولعل أبرز الأسئلة -التي تتبادر إلى الذهن عندما نرى عدم إعمار المناطق المدمرة في مراوي- التساؤل عن موازنة الإعمار، وهل أقرت الحكومة الفلبينية مبلغا محددا. وبهذا الشأن يقول دريزا أباتو ليلتندينغ رئيس مجموعة وفاق مورو إن الكونغرس الفلبيني لم يقر بشكل نهائي وواضح موازنة كاملة للإعمار بالمنطقة المدمرة ضمن موازنة عام 2019.

معسكر جديد

وعوضا عن الإشكاليات والجدل القانوني بشأن تثبيت ملكية أراضي السكان بعد إزالة آثار الدمار في 24 حيا مدمرا بالكامل، يقول دريزا وهو من ناشطي مراوي الذين شاركوا في جلسات استشارية عديدة بشأن إعمار المدينة “هناك خطة من قبل الحكومة لتأسيس معسكر آخر داخل المنطقة الأكثر تضررا”.
سرنجاني: سكان مراوي يترقبون البرامج الإصلاحية للرئيس والسلطة الانتقالية (الجزيرة)

ويضيف الناشط “خصص لمشروع المعسكر أربعمئة مليون بيسو (حوالي ثمانية ملايين دولار) وقد وضعت الحكومة حجر الأساس، قبل وضع حجر الأساس لإعمار المناطق المتضررة بمراوي”.

ويؤكد دريزا أن أهل مراوي من قومية المرناو يعتبرون أرضهم مورثة عن أجدادهم، ولها قيمة تاريخية وثقافية، ولا تباع بهذا الشكل “والناس لا يبيعون أرضهم بأقل من القيمة المتعارف عليها” بين سكان مراوي.

ويوجد في مراوي معسكر للجيش بجانب مقر عمدة المدينة وحاكم الإقليم (وسط) ويطل على الجزء الشرقي الذي وقعت فيه المعارك، مما يجعله المعسكر الثاني داخل نفس المدينة، الأمر الذي يدفع أهل مراوي للتساؤل عن الحاجة لمعسكرين داخل مدينة سكانها نحو مئتي ألف نسمة.

خطة الحكومة
ويبدو دور الساسة المحليين في نظر دريزا شبه غائب عن القرارات التي تتخذ بشأن مراوي، فمن اللافت حسب ناشطين بالمدينة أن المسؤولين المحليين -ومنهم عمدة المدينة وحاكم إقليم لاناو الجنوبية، وحاكم منطقة الحكم الذاتي الحالي التي ستنتهي ولايته قريبا- جميعهم ليسوا أعضاء أساسيين بهيئة إعمار مراوي، وحضورهم استشاري كمراقبين، والقرار بيد ساسة مانيلا نهاية المطاف.

ويقول دريزا “أعتقد أن الحكومة قد اتخذت قرارها بشأن ما ستقوم به في المنطقة المتضررة في مراوي، مما سيؤدي إلى تشريد آلاف من سكان مراوي، وهنا مكمن قلقنا، فنحن لسنا بحاجة إلى توسعة الشوارع وبناء حدائق وممرات مشاة، يمكن أن تنشأ الحدائق في أماكن أخرى وليس وسط المدينة، وهناك مساحات أخرى كبيرة يمكن الاستفادة منها، فلماذا الإصرار على كل تلك الخطط وسط المدينة المكتظ بالسكان؟”.

أطلال مسجد بعد المعارك الطاحنة (الجزيرة-أرشيف)
ويتساءل كثيرون في مراوي -ممن التقتهم الجزيرة نت- عن سر تأخر الحكومة في تنفيذ مشاريع الإعمار، وعن سبب عدم دعوتها إلى مؤتمر دولي لتمويل الإعمار، على غرار دول أخرى واجهت حروبا أو كوارث طبيعية، ففتحت المجال لدول مانحة لتمويل الإعمار أو للاستثمار فيه.
سلطة انتقالية
وكان الحاج مراد إبراهيم رئيس جبهة تحرير مورو الإسلامية، وأبرز الشخصيات المرشحة لرئاسة سلطة بنغسامورو الانتقالية، قد تحدث عن وضع مراوي ضمن أولويات المرحلة المقبلة.

وقال مراد في تصريحات صحفية “رغم أننا لسنا جزءا من هيئة إعمار مراوي لكن يمكننا التفاوض مع الحكومة المركزية والرئيس” لأن السكان في مراوي يتوقعون أن القانون التأسيسي للحكم الذاتي لشعب مورو سينعكس على برنامج إعادة تأهيل وإعمار المدينة.

وأكدت أدوراسيون نافارو نائبة رئيس هيئة الاقتصاد الوطني والتنمية وجود نقص في تمويل إعمار مراوي، عقب إلغاء مخصصات تخص مشاريع إعمار من الموازنة لهذا العام عند إقرارها، مشيرة إلى احتمال اللجوء إلى قروض لتمويل بعض مشاريع إعادة تأهيل مراوي والذي يحتاج 12 مليار بيسو (229 مليون دولار) حسب تقديرها.

وقد أثير جدل قانوني بشأن شركات صينية كانت ستنفذ مشاريع الإعمار بالشراكة مع شركات فلبينية، ولذلك ألغيت مشاركتها لاحقا.

ولا يعرف بشكل مؤكد من سينفذ مشاريع الإعمار لو قررت الحكومة البدء بتنفيذها، باستثناء ما ذكر عن اختيار ثلاث شركات محلية ستقوم بإزالة آثار الدمار بالمرحلة الأولى، بينما يبدو سكان مراوي غير متفائلين بالعودة إلى ديارهم قبل 2022 أي مع نهاية ولاية الرئيس رودريغو دوتيرتي.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى