كتاباتكتابات مختارة

“نادية مراد” وقصة الأهداف الدائمة لـ”نوبل للسلام”!

“نادية مراد” وقصة الأهداف الدائمة لـ”نوبل للسلام”!

بقلم أحمد التلاوي

جاء الإعلان عن فوز الناشطة الأيزيدية العراقية “نادية مراد” بجائزة “نوبل” للسلام، في موسمها للعام الحالي (2018)م؛ لكي يفتح المزيد من أبواب الجدل الذي لا ينتهي حول جوائز “نوبل” للسلام والأدب، وجوائز ومجالات أخرى للتكريم على المستوى العالم، فيما يخص نقطة المنْح بين الجدارة وبين التسييس.

وفي حقيقة الأمر، فإن الجدل في حالة مراد –مع كامل الاحترام لمعاناتها والتعاطف مع تجربتها التي مرَّت بها خلال أسرها لدى تنظيم الدولة “داعش”– هو جدل مشروع؛ حيث إن جوائز “نوبل” ليست تكريمية فحسب، إنما هي تُمنح –باستثناء نوبل للأدب– على أساس إنجاز محدد لمَن يترشح لها.
ولذلك هي أعلى جوائز العالم من الناحية المالية؛ لأنها تكون نظير جهد ومال أنفقه أصحاب الجائزة للوصول إلى ما أنجزوه، وفي مجالات مثل الطب والفيزياء والكيمياء بالذات، تكون التكلفة عالية للغاية على الباحثين في مجال الإنفاق على أبحاثهم.

وهنا قد نتفهَّم حصول الطبيب الكونجولي، “دينيس موكويجي” الذي تشاطر مع مراد الجائزة هذا العام عليها؛ لأنه بالفعل بذل الكثير من الجهد الميداني في مجال معالجة ضحايا الحروب، أما مراد فإن تجربتها في غالب الحال (رمزية)، وهو الأمر المهم. رمزية تجربة ومعاناة “نادية مراد”، والتي هي محور هذا الحديث.

عن التكريم.. وعن أجنداته!

نعلم جميعًا ما تثيره في كل عام، جائزتا “نوبل” للسلام والأدب الكثير من الجدل، في ظل الطبيعة المسيَّسة الواضحة لكلا الجائزتَيْن، كما الوضع في كثير من الأحيان عند منح بعض الجوائز الأخرى ذات الطابع الدولي، مثل جوائز الأكاديمية الأمريكية للفنون وعلوم الصور المتحركة، المعروفة باسم جوائز “الأوسكار”، أو تكريم الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة لبعض الشخصيات.

وبالرغم من اتساع نطاق الجدل المحيط بهذه الجوائز، إلا أن هناك مجالات محددة تغلب على الطبيعة السياسية التي تطغى على عملية منحها، سواء في اختيار الشخصية، أو العمل الذي يتم تكريمه.

فمن خلال فحص ما تم منحه من جوائز في هذه المجالات، سوف نجد مركزية شديدة الأهمية لقضايا بعينها، مثل المحرقة اليهودية في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، أو ما يُعرَف بـ”الهولوكوست”، ومثل اعتراف الممنوح له الجائزة –سواء “نوبل” للسلام أو للأدب– بالكيان الصهيوني.

ومن ضمن القائمة كذلك، قضايا ذات طابع جدلي في الفضاء الديني، ليس لدى المسلمين فحسب، وإنما حتى لدى الكنائس المسيحية المحافِظة، وخصوصًا البروتوستانتية، مثل قضايا “حرية الجسد” والشواذ والإجهاض، وغير ذلك مما اتصل من قضايا.

وفيما يخص الشأن الإسلامي في هذا الصدد، ويتصل بنقطة الرمزية المشار إليها؛ فإنه، ومنذ سنوات، وبالتحديد منذ نهايات الحرب الباردة، تحوُّلت فوهة بندقية استهداف التحالف الغربي، الخشنة والناعمة من “الخطر الأحمر”، أي الشيوعية، إلى “الخطر الأخضر، أي الإسلام .

وبالتالي فقد انضمَّت لهذه القائمة من القضايا، قضية على أكبر قدر من الأهمية، وهي تركيب صورة ذهنية مُشوَّهة عن الإسلام والمسلمين، تتطابق حرفيًّا مع الصورة التي كان عليها اليهودي في أوروبا، في قرون الاضطهاد، من القرون الميلادية الأولى، بعد دخول المسيحية إلى الدولة الرومانية، وتحميل اليهود مسؤولية دم السيد المسيح (عليه السلام) وفق المعتقد المسيحي، وحتى منتصف القرن العشرين.

في هذا الإطار، جرى ولا يزال يتم تصوير الإسلام والمسلمين على أنهم الخطر الأكيد على الحضارة الغربية وقيمها.

وفي حقيقة الأمر، فإن هذا الاستهداف ليس وليد اليوم، أو سنوات ما بعد الحرب الباردة، ولكنه كان مكتومًا لأولوية الصراع ضد الاتحاد السوفييتي السابق والكتلة الشرقية، وضد الشيوعية بشكل عام؛ حيث كان هناك مساحة معينة للدين للتصدي للأفكار الشيوعية الإلحادية.

ولعلنا نذكُر جدلية فيلم “يوم الاستقلال” الأمريكي الذي صدر في التسعينيات الماضية، في فترة كانت فترة سيولة للنظام العالمي في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق والكتلة الشرقية، وبدء الولايات المتحدة في السعي لتحويل النظام العالمي من نظام ثنائي القطبية، إلى نظام أحادي القطبية بنفس وسائل وأساليب الحرب الباردة، ومنها القوة الناعمة، وعلى رأسها “هوليوود” والمُنْتَج السينمائي الأمريكي كما نعلم.

في هذا الفيلم نجد أن الحضارة الأمريكية قد أنقذت العالم، وأن العالِم اليهودي “ديفيد” هو الذي استطاع فك شفرة المخلوقات الفضائية التي كانت تغزو الأرض، بينما الشعوب العربية والإسلامية، في الخلفية عبارة عن مجموعة من المتوحشين المتخلفين راكبي الإبل!

في هذا الإطار، نجد أن الفترة الماضية، قد شهدت بذل وسائط الإعلام والترفيه الغربية الكثير من الجهد، وضخ عدد هائل من المواد المقروءة والمسموعة والمرئية، التي تحقق هذه الرسالة تشويه الصورة الذهنية للعرب والمسلمين.

ولقد استغلت الحكومات والأجهزة التي تقف خلف هذا المخطط، العديد من الأمور والأحداث الكبار التي شهدها العالم من خلف الشاشات، ولم يرها من خلفها، على حقيقتها، وكيف أنه يتم اصطناعها اصطناعًا بشكل يقلب الحقائق.

ولعلنا هنا نذكر الوضع في العراق بعد الغزو الأنجلو أمريكي لهذا البلد، وكيف حوَّلت “هوليوود” و”سي. إن. إن” ما يجري على الأرض من مقاومة مسلحة مشروعة لا تستهدف سوى جنود الغزاة، إلى علائم وحشية وتخلف وبربرية، وأن الجندي الأمريكي الذي يمزقه “الإرهابيون” العراقيون إنما هو “حمامة سلام” جاءت بالحرية والديمقراطية لهذا البلد، فكان جزاؤه على ذلك، هو القتل!

وفي سنواتنا الأخيرة، كانت الأداة الجديدة جاهزة، وهي بعض التنظيمات الغامضة التي نسبت نفسها إلى الإسلام، وهي أبعد ما تكون عنه، وحملت السلاح وتفسِد باسم الدين، بينما هي في الغالب نشأت من رحم أجهزة مخابرات دول معادية للمشروع الإسلامي الحضاري في صورته النقية التي عكستها الصحوة الإسلامية في العقود الأخيرة.

وغرض ذلك بطبيعة الحال، هو إفشال التقدم الكبير الذي حققته الصحوة، وجعل من الإسلام الديانة الثانية حول العالم، والديانة الأسرع انتشارًا في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية؛ معقل الليبرالية والحضارة اليهودية المسيحية.

نوبل للسلام.. والإسلاميون “المتوحشون”!

في السياق السابق؛ نجد أن نوبل للسلام قد مُنِحَت في الأعوام الأربع الأخيرة مرتَيْن لشخصتَيْن نسائيتَيْن تعرضتا لمأساة كبرى مع مجتمعهن على أيدي تنظيمات وجماعات محسوبة على مفهوم “الإسلاميون” كما يقرؤه الغرب.

نوبل للسلام قد مُنِحَت في الأعوام الأربع الأخيرة مرتَيْن لشخصتَيْن نسائيتَيْن تعرضتا لمأساة كبرى مع مجتمعهن على أيدي تنظيمات وجماعات محسوبة على مفهوم “الإسلاميون” كما يقرؤه الغرب

الحالة الأولى، هي حالة الفتاة الباكستانية، مالالا يوسف زاي أو يوسف ضاي، في العام 2014م، مناصفةً – كذلك – مع الناشط الحقوقي الهندي كايلاش ساتيارثي، ونالتها مالالا عن جهودها في مجال تعليم الفتيات، بعد ما تعرضت له من أعمال عسف على يد حركة “طالبان” الباكستانية المصنَّفة إرهابية في القائمة الامريكية.

الحالة الثانية، هي حالة الفتاة الأيزيدية العراقية نادية مراد التي نحن بصددها، ونالتها –أيضًا- عن معاناتها في الأسر والاغتصاب مع عدد يُقدَّر بسبعة آلاف امرأة أيزيدية اتخذهنَّ تنظيم “داعش” وقت سيطرته على مناطق الأيزيديين، شمال العراق، “سبايا”!

الملاحظة المهمة الثانية –بجانب نقطة اتصال الأمر بـ”إسلاميين”– في حالتَيْ مالالا ومراد، هو اتصال الأمر بلقطة لها أهميتها وحساسيتها في عالم اليوم “المتحضِّر”، وهي حقوق المرأة، والانتهاكات التي تتعرض لها، والتي –بالصدفة البحتة– لا يبدو أن العالم يرى أنها تتعرض لها سوى في المجتمعات العربية والمسلمة.

لا ننكر مشكلات المرأة في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، ولكن لو قسنا الأمور بالإحصاء التطبيقي، أي الأدوات الإحصائية التي تضع الأرقام المقارنة في سياقها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي؛ فإننا سوف نجد أن ما تتعرض له المرأة من انتهاكات في المجتمعات الغربية أعلى بكثير مما تتعرض له في المجتمعات المسلمة المحافِظة، من اغتصاب وتحرش وانتهاك لحقوقها الاجتماعية، وفي مجال الأجور، حتى في بريطانيا نفسها، التي تدعي لذاتها أنها النموذج الأرقى في أوروبا لحالة المرأة.

وذلك واقع بالرقم المطلق كذلك. أي بعدد الحوادث نسبة إلى تعداد السكان وكثافاتهم، من دون حتى الوضع في الاعتبار فارق التعليم والمستوى الاقتصادي والمعيشي، ومع كل الانفتاح الجنسي –لو صحَّ التعبير– الذي يعيشون فيه، من “حرية الجسد” وما إلى ذلك.

الملحَظ الثالث هنا، هو التطابق الكامل بين أسلوب “تلميع” المجتمع الدولي لمالالا ونادية. كلتاهما تمت في البداية استضافته في محافل حقوقية وفضائيات دولية، مثل “بي. بي. سي” و”فرانس 24″؛ لكي تروي ما تعرضت له وبنات جلدتها من مآسٍ “على يد الإسلاميين المتوحشين” و”في مجتمعات مسلمة متخلفة”، قبل أن ينتقل الظهور إلى الأمم المتحدة، ثم الترشيح لجوائز عديدة أهلتهما للحصول بعد ذلك على جائزة “نوبل” للسلام.

الأمر المثير للانتباه إلى أن كل ما فعلته “داعش” –بفرض أنها الممثل الشرعي والوحيد للمشروع الإسلامي– لا يصل إلى واحد بالمائة مما فعلته قوات الغزو “الحضاري” الأنجلو أمريكي في العراق؛ حيث إنه -ومنذ العام 1991م، وقت بدء الحصار على العراق، وحتى الآن- قُتِل أكثر من مليونَيْ عراقي بسبب السياسات الغربية هناك.

الأمر المثير للانتباه إلى أن كل ما فعلته “داعش” –بفرض أنها الممثل الشرعي والوحيد للمشروع الإسلامي– لا يصل إلى واحد بالمائة مما فعلته قوات الغزو “الحضاري” الأنجلو أمريكي في العراق

وذات ما اتهموا به “داعش” من تدمير للآثار والحضارة، قامت به القوات الأمريكية عندما دخلت بالدبابات إلى المتاحف العراقية ونهبتها بعد الغزو؛ حيث مئات الآلاف من القطع الأثرية العراقية موجودة الآن في متاحف دول التحالف الغربي الأسود. وذات الشيء يُقال عن سرقة النفط والذهب.

ومع التأكيد على أن “داعش” وقريناتها لا تمت للإسلام بصلة؛ فإننا نجد التركيز عليها باعتبارها النموذج المنتظر للعالم لو حكم الإسلام؛ بينما –المضحك المبكي في الأمر– النموذج “الحضاري” الغربي الذي يحكم العالم بالفعل؛ الذي قام به ولا يزال يقوم به هو ألعن من جرائم وانتهاكات.

ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى دعم الكيان الصهيوني المجرم الذي يقتل الفلسطينيين يوميًّا، ويكفي ما قاموا به في “العامرية” في العراق، وفي أفغانستان، وفي إندونيسيا ونيكاراجوا من قبل، وغير ذلك مما وصفه وليام بلوم بـ”قتل الأمل” في كتابه الشهير الذي استعرض فيه التدخلات العسكرية الأمريكية المباشرة وغير المباشرة في العالم، وكم الدماء والخراب الذي تم بأيديهم وأيدي عملائهم المحليين!

إن الأمر بحاجة إلى جهد في أكثر من اتجاه: الأول- هو العمل الإعلامي المضاد أو المعاكس الذي ينفي الاتهامات، ويقلب الطاولة على الغرب ويكشف أنه أشد إجرامًا من جماعات مرتزقة اخترعها الغرب أصلاً لتشويه صورة الإسلام والمسلمين.

الاتجاه الثاني- هو التعامل مع الأطراف التي فيها مسلمون في هذه الجماعات، والتي تخدم مختلف الأهداف التي يسعى إليها الغرب.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى