تقارير وإضاءات

متحف الفن الإسلامي بأثينا.. عنوان النفع والجمال

متحف الفن الإسلامي بأثينا.. عنوان النفع والجمال

 

إعداد م. محمود صقر

في وسط العاصمة اليونانية أثينا يوجد متحف “بيناكي” للفن الإسلامي.

ومن هو “بيناكي” الذي جمع كل تلك التحف؟

هو “أنطونيوس بيناكي” (1873-1954)، ولد وعاش في الإسكندرية حتى صار عمره ثلاثة وخمسين عاما، ثم قرر العودة إلى اليونان عام 1926.

هاجر والده “إيمانويل بيناكي” (1843-1929) إلى الإسكندرية بحثاً عن الرزق، حين كانت الإسكندرية مركزاً تجارياً عالمياً، وعمل في تجارة القطن والمنسوجات، وكون ثروة كبيرة، وأنجب ستة أبناء كان منهم “أنطونيوس” الذي اهتم بجمع التحف والآثار، وكوَّن مجموعة كبيرة أثناء تواجده في الإسكندرية.

وبعد عودته (ومعه ما جمعه من تحف نادرة) أسس “متحف بيناكي” عام 1931، وكان قسم الفن الإسلامي يتواجد في حجرتين بالدور الأرضي وحجرة بالدور الأول، وتم التوسع في جمع التحف والآثار الإسلامية حتى افتتاح مبنى مستقل مكون من أربعة طوابق في قلب العاصمة أثينا، وذلك عام 2004 تزامناً مع افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية في أثينا.

والمعروضات في المتحف في غاية الثراء والتنوع، إذ تتسع المقتنيات باتساع العالم الإسلامي من الصين إلى الأندلس، وتمتد عمقاً في التاريخ من العهد الأموي حتى نهاية العصر العثماني، وتغطي كافة فروع الفنون الإسلامية تقريبا، من منتجات خزفية ومشغولات معدنية وأخشاب ونسيج وزجاج وعاج، فضلاً عن مخطوطات  ولوحات خطية فنية.

المعروضات مقسمة في الدور الأول والثاني والثالث بحسب الفترة الزمنية، والدور الرابع يحوي العديد من لوحات الخط العربي البديعة والنفيسة ومعظمها لفنانين إيرانيين.

أما الدور الثالث فيحوي نموذجاً بديعاً لصالة استقبال لبيت مصري في العصر المملوكي، أرضيته من الرخام ذي الألوان والتشكيلات البديعة، تتوسطه نافورة ماء تعزف بخريرها سيمفونية عذبة، وحوائطه مزينة بالرخام والخشب ونوافذ من الزجاج الملون المعشق يُحَوِّل أشعة الشمس إلى لوحة فنية متعددة الألوان، تنعكس على حوائط الصالة وأرضيتها.

ومن أهم مقتنيات المتحف باب من العصر الأموي بالعراق في القرن الثاني الهجري، تم العثور عليه في مدينة “تكريت”، وتعد من أهم وأقدم الأعمال الإسلامية المبكرة المعروضة بالمتاحف العالمية، والتي توضح الأصول الأولى لفن الزخرفة الإسلامية المعتمدة على التشكيلات الزخرفية الهندسية والنباتية.

ومن أهم العروضات إسطرلاب أندلسي نادر يحمل توقيع صانعه “أحمد بن السراج” في عام (728هـ-1328م)، وتنبع أهمية هذا الإسطرلاب من مكانته العلمية في تطور علم الفلك.

ومن التحف المعدنية المهمة التي يقتنيها المتحف صندوق من النحاس الأصفر المكفت بالفضة، يحمل توقيع صانعه “إسماعيل بن الورد الموصلي” عام 1200م. ويعتبر هذا الصندوق من الأعمال الفنية المهمة التي تؤكد دور الصُنَّاع من الموصل في ازدهار وانتشار فن تكفيت المعادن، بعد هجرتهم ديارهم بفعل الغزو المغولي، واتجاههم  للعمل في كل من مصر والشام.

هذه المقتنيات وغيرها تضع هذا المتحف في مصاف أفضل وأهم متاحف الفن الإسلامي على مستوى العالم، ولكن يبدو أنه لا يحظى بدعاية كافية؛ حيث كنت أتجول وحدي لمدة ساعتين مع ابنتي، ولم يصادفنا سوى زائرة واحدة، وللعلم أيضاً فتذكرة دخول المتحف ضعف ثمن تذكرة دخول متحف الأكروبوليس.

ويظل الإسلام هو دين الحياة، الذي فرض حضوره على كافة أنشطة الحياة، وتميز بنظرته للكون القائمة على دعامتين: النفع والجمال كما في الآيات الكريمة {انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}، {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}، {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.

فانعكس ذلك على تلك المنتجات النافعة الجميلة.

 

 

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى