كتابات

الشيخ والدكتور: دراسة تحليلية مقارنة

بقلم سيكو توري

تتولد إشكالية الأصالة والمعاصرة، وإشكالية السلف والخلف، والسابق واللاحق، والماضي والحاضر في أمور الحياة كلها، وليست الدراسات الإسلامية بمستثناة من هذه القاعدة. حظيت العلوم الشرعية بالعناية قديما وحديثا؛ إلا أن الفلسفة والغاية والوسيلة وما يتخللها تتباين، وتتعلق بهذه التعيرات أمور عدة، بما في ذلك أمور تدينية. صحيحٌ أنه كتب في مثل هذا الموضوع كثيرا؛ إلا أن الفرق يكمن في تدقيق النظر إلى الفروقات بين ماضي الأمر وحاضره، وترك خيار الحكم للمهتمين ولمن تدور القضية في أذهانهم، ليبنوا عليها أحكاما مناسبة وقرارات مفيدة.

الدراسات الإسلامية بين المسجد والجامعة!

كانت العلوم الشرعية تعنى -بالمقام الأول- بالدعوة إلى الله والموعظة الحسنة، ويتم ذلك بالترغيب إلى رحمة الله ونعيمه، والترهيب من غضبه وعذابه. وكان أغلب موضوعات العلماء يدور حول ما يحقق هذه الغاية؛ فيتحدثون عن الله وعلاقة الإنسان به وخشيته وعبادته حق العبادة، ويعلمون الناس علاقتهم مع من حولهم من أب وابن وزوح وجار وضيف ومسافر وصاحب حاجة. على أن الحديث عن واقع أبعاد الحياة الأخرى قد تُتناول من بعد.

أصبحت الدراسات الأكاديمية ومناهج البحث العلمي المعاصر المتعلقة بالدراسات الإسلامية لا تعنى بتقرير الأمور السابقة وتكرارها، بقدر ما تشجع على إيجاد جديد!. ولعل من أغلب الموضوعات المعاصرة: الإسلام والسياسة، وحدة المسلمين، الاقتصاد الإسلامي، حقوق الإنسان، الجهاد والإرهاب، الأديان، الإسلام والغرب، ودراسة فكر عالم من العلماء، ومنطقة أو مؤسسة ما. وإلا فلا يستحق الأمر بذل جهد ووقت ومال. على أنها قد تهتم بتعليم الناس من يكرر للناس الموضوعات التقليدية من أمانة وشجاعة وفضيلة الصوم والصلاة، غير أن مكانتها لا تكون كمكانة من يدندن حول إضافة جديد إلى بنية العلم، ويقدم حلولا لمسائل مستجدة، القائمة على مسمى “إشكالية بحث!”.

وهكذا؛ فإن الشيخ الحق هو من يتلقى علوم الوحيين ويحيط علما بأقوال السلف وآثارهم، “فاحفظ فكل حافظ إمام”، “فاعلم فخير أمة علامها”، على أنه بقدر تمسكه بهذه الأقوال والآثار وعدم الخروج عنها بقدر ما يقَرُّ له بالعلم والمكانة. والأكاديمي الحق هو الذي يكون ملما بهذه الأمور؛ مجرد إلمام، على أن دوره بإضافة جديد، تبدأ بعدَ أن يحلل البيانات الموروثة ويبين تداعيات ذلك؛ ليقترح المناسب، ولو أدى إلى تجاوز التراث الإسلامي الضخم؛ فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، بل أنت ما ذا قدمت اليوم؟.

مهمة الشيخ ووظيفة الدكتور

كان الذي يقوم بمهمة تعليم العلوم الشرعية يدعى بمولانا، الشيخ، الإمام، العلامة، أوالداعية، وغيرها من المصطلحات الروحانية القرينة من طبيعة الوظيفة؛ المنبثقة من خلافة النبوة، فالعالم يقوم مقام النبي في الدعوة والموعظة والهداية والتربية، في مجتمع أغلبه أمّي، يعتمد على العرف وما وجدوا عليه آباءهم بدون تمحيص، فهو خير الناس ومثل ورباني.

أصبح الذي يقوم بمهمة تعليم العلوم الشرعية عبر الدراسات الأكاديمية والبحث العلمي يدعى بالمتخصص، الباحث، الأستاذ المساعد، الأستاذ المشارك، والأستاذ الدكتور. وهو ليس خير الناس على الإطلاق، بل هو متقن لتخصصه كما يتقن غيره تخصصه. ويكمن دوره في إدراك حقيقة العلوم الشرعية وتعليمها لمخاطبيه المتعلمين والمتخصصين والمثقفين، الذي يبحث عن حل عملي لا مشاعر ونظريات.

ومن هنا، ينكر المجتمع غالبا الشيخ بلا لحية، لابس البنطال، وغيرها من الروحانيات المؤكدة لدور القدوة والربانية، بينما قد لا تكتمل صورة الأكاديمي في العلوم الإسلامية إلا بالطقم والغرافا والبنطال، ما دام كلامه علمي وموضوعي. فمثلما يستهجن على الشيخ تعرية الرأس، يستهجن على الدكتور صورة الشيخ.

غاية الشيخ وهدف الدكتور!

غاية الشيخ هي: “لتبين للناس ما نزل إليهم” وهذا يقتضي الرعاية والكفالة الربانية لأن مثل هذا الأمر لا يتم إلا بـ “لا أسألكم عليه أجرا”. فغاية الشيخ البيان والتكرار، ولا جديد عنده. “قل ما كنت بدعا من الرسل” “ومصدقا لما بين يدي” فليس سرقة علمية أن يتلقى السلف من الخلف وينقل عنه سواء أشار إلى المصدر أم لم يشر، وليس ذاك بعار.

لكن غاية الدكتور الإتيان بجديد مفيد، وعليه، فإن تكرار تدريس أركان الإيمان والكتابة فيه، وبيان منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة ليس بقدر دراسة لماذا يتقاتل دوما أبناء المنتسبين للدين الواحد؟ وليس الحديث عن القدر والصبر مثل تقديم خطط عملية لإنهاء الفقر في منطقة ما من منظور ديني. ومن هنا فالتكرار غير مرغوب، وأخذ قول الغير سرقة علمية.

وجمهور الشيخ هو عوام المسلمين، يجمعهم دبر الصلوات في المساجد وفي المناسبات يعيش معهم قضاياهم ومشاكلهم ويساعد في حلها، بينما جمهور الدكتور هو الأكاديمي ويجمعهم في المحاضرات والندوات والمؤتمرات، في لقاءات منظمة.

ليس أمام الشيخ ترقية أو زيادة راتب، نيته وعظم أمره بينه وبين الله، بينما الدكتور يترقى بأنشطة البحث العلمي وخدمة مؤسسته مثل أي موظف، فهو يحتاج نية؛ لكي لا يذهب عمله هباء.

وفي النهاية فلا شك أن الطريقة التقليدية في تلقي العلوم الشرعية كما كان ما زال قائما في بعض المجتمعات، ولدى بعض المشايخ، ولعل التزام شيخ ما سنة واحدة خير من التعليم الأكاديمي عشر سنوات، لكن السيل العارم من الناس اليوم لا يرون إلا الطرق الحديثة؛ لأنه المتبنى في الدولة وعلى المستوى العالمي. ولا جرم أن ثمة من يميل إلى هذا أو ذاك، ويعضد كل رأيه بما يراه من دليل. ويتبع ذلك أوصاف وأحكام. لكن الأمر جلل؛ هل العلوم الإسلامية في ثوبه الجديد في غربة وانسلاخ مقصود، أم أن تطور الحياة وإدارتها يتطلب ما نلاحظ من تغييرات، وما مسؤولية الفرد وصاحب القرار أمام الله تجاه هذا الأمر؟.

المصدر: اسلام أون لاين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى