كتب وبحوث

بحث (الرحمة والحزم في العلاقات الدولية)

بحث (الرحمة والحزم في العلاقات الدولية)

إعداد أ. د. عثمان جمعة ضميرية

التمهيد:

العلاقات الدَّوليَّة في الإسلام:

إنَّ مصطلح “العلاقات الدَّوْليَّة” ومصطلح “القانون الدَّوْليّ” من المصطلحات الحديثة التي لم يستخدمها العلماء المسلمون. وليس معنى ذلك أن الإسلام لم يَعرف الأحكام القانونية الدولية، بل عرفها وعُني بها، ولكن بعنوان آخر؛ حيث تناول الفقهاء علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول الأخرى في أبواب الجهاد، وفيما كتبوه عن السِّيَر والمغازي، وفي بعض المؤلفات عن الخراج والسياسة الشرعية كذلك. وقد سُمِّيت هذه الأحكام بـ”السِّير” -جمع سيرة- لأنها طريقة معاملة المسلمين لغيرهم.

وهذا يعني أن فقهاء المسلمين عُنُوا منذ البدء بوضع أسس القانون الدولي والعلاقات الدولية، وإن كانت هذه الأسس تخصُّ أحكام الجهاد أو قانون الحرب في أكثرها، وقد وجد الإسلام منذ نزوله أعداء مناضلين، فحارب من حاربه وسالم من سالمه، ووضع الحدود والقواعد لحربه وسلمه وما يعرض له فيهما من المسائل الكثيرة التي تتعلق بالمحاربين والمسالمين، وأشباه ذلك مما أحلَّه الفقه الإسلامي أسنى مكان، حتى إنه ليمكن أن يقال: إنه عني بما تقدم من القواعد واتسع لها صدره أكثر من غيرها من الأحكام السياسية، لأنها نشأت مع الإسلام ونمت بنموِّه، وكانت نتيجة لازمة للجهاد والفتوحات الإسلامية العظيمة(1).

وإذا نظرنا إلى موضوع “علم السّيَر” الذي تناول موضوع العلاقات الدولية بالمفهوم المعاصر، وإذا تتبعنا أقوال العلماء وتعريفاتهم المتنوعة، يمكن أن نخلص إلى تعريف “علم السِّير” بأنه: قواعد التعامل مع غير المسلمين في دار الإسلام ودار الكفر في السِّلم والحرب.

وهذا التعريف يلتقي مع تعريف بعض الباحثين والكاتبين للقانون الدَّوليِّ الإسلاميِّ بأنه “مجموع القواعد الملزِمة في معاملة غير المسلمين، محاربين أو مسالمين، سواء كانوا أشخاصاً أم دولاً، وفي دار الإسلام أم في خارجها”(2).

نطاق البحث في أصول العلاقات الدَّولية:

وتقوم العلاقات الدولية في الإسلام على مجموعة من القواعد العقدية والأخلاقية والتشريعية. وهي أسس عامة تبنى عليها أحكام هذه العلاقات. وهذا يؤدي إلى تميز هذه الأحكام في الإسلام عن العلاقات الدولية في النظم الوضعية.

وقد يعبّر بعض الباحثين والكاتبين عن هذه المباحث بعنوان “دعائم العلاقات الإنسانية”، وبعضهم يعبّر بعنوان “أسس العلاقات الدولية”، وبعضهم بعنوان “مبادئ العلاقات الدولية في الشريعة الإسلامية”، أو “دعائم العلاقات بين الأمم في الإسلام”، ونحو ذلك من العناوين، وهي تتفق في المضمون والمفردات، وكان العلامة الشيخ محمد أبو زهرة، أفرد مبحثاً لذلك في كتابه “العلاقات الدولية في الإسلام”(3)، وجعل هذه الدعائم في عشر فقرات (الكرامة الإنسانية، والناس أمة واحدة، والتعاون الإنساني، والتسامح، والحرية، والفضيلة، والعدالة، والمعاملة بالمثل، والوفاء بالعهد، والمودة ومنع الفساد) ثم تتابع الكاتبون في ذلك، فمنهم من أخذها بجملتها، ومنهم من تابعها مع بعض زيادات، بين مقلٍّ ومكثر. والتصنيف لهذه الأسس أو الدعائم أو الأصول قضية فنية واصطلاحية، تهدف إلى إبراز القواعد والمبادئ أو الأصول العامة التي تقوم عليها أحكام السلم والحرب في الإسلام، وهي تؤثر فيها، وتترتب عليها نتائج وأحكام، ومن الواضح البيِّن أنه يمكن رجعها إلى مبدأ العدالة والإحسان مثلاً، أو مبدأ العدل والرحمة، إذ يندرج فيهما سائر القواعد والأصول، أو إلى العدل والرحمة، وكل واحد منهما ينطوي فيه سائر المبادئ والأصول، كما في هذا الجهد المتواضع، وكذلك يمكن التفصيل في بعضها بأكثر مما تناوله الباحثون. والله أعلم.

المبحث الأول: الرَّحمة في العلاقات الدَّوليَّة

أ- مفهوم الرحمة في الإسلام:

الرحمة في اللغة العربية: أصل لغويٌّ واحد يدل على الرِّقَّة والعطف والرَّأفة. ومن ذلك يقال: رحِمه يرحمه إذا رقَّ له وتعطف عليه، والرَّحم والمرْحمَة والرَّحمة بمعنىً واحد. ويقال: وقد رحمتُه وترحمّت عليه. أي قلت: رحمة الله عليه.

وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضاً… ورجل مرحوم ومرحَّم -بالتشديد للمبالغة- والرُّحْم: الرَّحمة. واسترحمه: سأله الرّحمة. وتطلق الرَّحمة أيضاً ويراد بها الرّزق. والرَّحموت من الرّحمة، يقال: رهَبُوت خير من رَحموت، أي: أن ترهب خير من أن ترحم، ولم يستعمل على هذه الصّيغة إلا مزوَّجاً فتأتي اللفظتان متقابلتين(4).

وقال الرَّاغبُ الأصفهانيُّ: الرحمة رقَّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرِّقة المجرَّدة، وتارة في الإحسان المجرَّد عن الرقة، نحو: رحم الله فلاناً. وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرَّد دون الرقة، وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف. وعلى هذا قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: “قال الله: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلتُه، ومن قطعها قطعتُه”(5)، فذلك إشارة إلى أن الرحمة منطوية على معنيين: الرقة والإحسان، فركز تعالى في طبائع الناس الرقة، وتفرَّد بالإحسان، فصار كما أن لفظ الرَّحِم من الرَّحمة، فمعناه الموجودُ في الناس من المعنى الموجود لله تعالى، فتناسَب معناهما تناسُب لفظيهما”(6).

والرحمة في الاصطلاح الشرعي: هي إرادة إيصال الخير(7).

وقال الكفويّ: الرَّحمة حالة وجدانيَّة تعرض غالباً لمن به رقَّة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النَّفسانيّ الذي هو مبدأ الإحسان(8).

وقال القاضي الأحمد نكري: الرحمة: إفاضة الخير وإرادة إيصاله(9).

الرحمة في القرآن الكريم: وردت كلمة “الرَّحمة” وما يتصل بها بصيغ متعددة، في أكثر من ثلاثمائة موضع من كتاب الله تعالى. وأما المرادفات لها وما ينطوي فيها، فهي بالمئات في مواضع كثيرة.

وقد جاءت “الرحمة” على عشرين وجهًا في كتاب الله تعالى. منها: أرزاق الإنسان والحيوان، والمطر، والعافية من الابتلاء والامتحان، والنّجاة من عذاب النّيران، والنّصرة على أهل العدوان، والألفة والمحبّة بين أهل الإيمان، وبمعنى الكتاب المنزّل على موسى، وبمعنى الجنّة دار السّلام والأمان، وبمعنى صفة الرّحيم الرّحمن سبحانه وتعالى. وجاءت بمعانٍ تشمل الناس جميعاً: المؤمن والكافر، وتشير إلى مستويات وتجليات متنوعة: رحمة الله بعباده، والرحمة بين الناس، والرحمة بالحيوان، والرحمة بالموجودات كلها. وشواهدها من الكتاب الكريم كثيرة(10).

الخلاصة: والذي نخلص إليه في بيان معنى الرحمة ومفهومها ونقصده في هذا البحث، دون أن نحاول صياغةَ تعريفٍ جامع مانعٍ، لأن التعريفات السابقة أوفت على الغاية في هذا -وفيها ما هو موضع نقد، وفيها ما هو موضع قَبول- ولصعوبة الحدود أحياناً، أو لشدَّة وضوحها أحياناً أخرى(11)، الذي نخلص إليه هو:

إن الرحمة صفة تشير إلى إرادة الخير بالخلق في الدنيا والآخرة، وتظهر في تجليات وثمرات الرفق بهم، سواء كانوا من المؤمنين أو الكافرين، وسواء من بني البشر أو غيرهم من المخلوقات، وعلى كل مستوى ودائرة من الحلقات والارتباطات في العلاقات. وينطوي فيها صفات الرأفة والرقة والعفو والصفح والصبر، مما يجعل الإسلام دين الرحمة والرأفة والفضيلة، ويميزه عن غيره من الأنظمة التي تعرفها البشرية في عصرها الحاضر، وفي علاقاتها على المستوى الدولي والأممي، وهي تحاول أن ترتفع إلى شيء من هذا المستوى الراقي في الإسلام، ولكنها تبقى مشدودة إلى الأرض والمادة والغلبة والعلوِّ في الأرض والفساد فيها: المصلحة الذاتية والقوة الطاغية بصورة من الصور، فلا ترتقي إلى ما تصبو إليه أو إلى ما تدعو إليه.

ب- أهمية الرحمة:

1- تظهر أهمية الرحمة في الإسلام في أنها قاعدة وكلية من الكليات العامة، تستغرق معانيها كلها وحالاتها ومجالاتها، وقد جاءت وصفاً لله سبحانه وتعالى “الرَّحمن الرَّحيم”، يقرر حقيقة العلاقة بين الله والعباد(12)، وتتكرر في فاتحة كل سورة في القرآن الكريم، وفي صلب سورة الفاتحة، في آية مستقلة، لتؤكد السِّمة البارزة في تلك الربوبية الشاملة ولتثبت قوائم الصلة الدائمة بين الربِّ ومربوبيه، وبين الخالق ومخلوقاته.. إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء، إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية… إن الربَّ الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير كالذي جاء في أسطورة برج «العهد القديم» الإغريق، ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين(13).

2- رحمة الله قاعدة قضائه في خلقه، وقاعدة معاملته لهم في الدنيا والآخرة.. تفيض على عباده جميعاً وتسعهم جميعاً وبها يقوم وجودهم، وتقوم حياتهم، وهي تتجلى في كل لحظة من لحظات الوجود أو لحظات الحياة للكائنات. فأما في حياة البشر خاصة فلا نملك أن نتابعها في كل مواضعها ومظاهرها، فهي كثيرة تعزُّ على الحصر في كتاب الله تعالى، وكل ما يأتي عنها إنما هو إشارات وتنبيهات حولها…

3- والاعتقاد بهذه القاعدة يدخل في مقومات التصور الإسلامي، فرحمة الله بعباده هي الأصل، حتى في ابتلائه لهم أحياناً بالضراء؛ فهو يبتليهم ليُعدَّ طائفة منهم بهذا الابتلاء لحمل أمانته، بعد الخلوص والتجرد والمعرفة والوعي والاستعداد والتهيؤ عن طريق هذا الابتلاء وليميز الخبيث من الطيب في الصف، وليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.. والرحمة في هذا كله ظاهرة.. على أن تلمس مواضع رحمة الله ومظاهرها يستغرق الأعمار والأجيال. فما من لحظة إلا وتغمر العباد فيها الرحمة.. «كَتَبَ عَلى نفَْسِهِ الرَّحمَْة»…

4- وقال ابن القيِّم- رحمه الله تعالى-: الرّحمة سبب واصل بين الله- عزَّ وجلَّ – وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبوديَّة، وبينه وبينهم سبب الرَّحمة(14).

ثم يشير إلى ما ينبغي من النظر لمصلحة العبد رحمةً به، ولو كان يظهر منها بادي الرأي أنها شدة تتنافي مع الرحمة، فيقول: الرحمة صفة تقتضى إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقَّتْ عليها. فهذه هي الرحمة الحقيقية؛ فأرحمُ الناس بك من شقَّ عليك في إيصال مصالحك، ودفع المضار عنك. فمن رحمة الأب بولده: أن يُكرِهه على التأدُّب بالعلم والعمل، ويشقَّ عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويرفّهُه ويريحه. فهذه رحمة مقرونة بجهل. ولهذا كان من تمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه ومنْعه من كثير من أعراضه وشهواته: من رحمته به، ولكن العبد -لجهله وظلمه- يتهم ربَّه بابتلائه، ولا يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه(15).

5- ومن قبل ومن بعد: إن الرحمة صفة النبيين والصالحين، وغاية بعثتهم ورسالتهم، وفي هذا يقول الله تعالى في غاية بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وقال سبحانه في بيان صفته عليه الصلاة والسلام، وهو الذي جمع الله له ما تفرّق من خصال الخير والأخلاق في سائر النبيين عليهم الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]. وقال أيضاً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

ج – الرحمة في العلاقات الدولية:

يقيم الإسلام العلاقات الدولية أيضاً على الرحمة في حال السلم وفي حال الحرب، ويتجلى هذا في الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وفيما استنبطه العلماء منهما. وهذا أشد وضوحاً وأظهر من الشمس في رائعة النهار، وكانت واقعاً عملياً في عصر النبوة والخلافة الراشدة، وفيما تلاهما بدرجات متفاوتة قد تقترب كثيراً من القاعدة المقررة والأحكام المنصوص عليها وروح الإسلام، وقد تقع بعض المخالفات مما لا تقره القواعد الشرعية، ولا يتحمل الإسلام تبعتها.

وحسبنا في هذا المقام أن نشير إلى بعض الأحكام والأمثلة على هذه الرحمة وتجلياتها في حال السلم وفي حال الحرب.

أولاً في حال السلم:

1 – الوفاء بالعود والمواثيق: ومعناه: إتمام العهود والمواثيق على ما عقدت عليه من شروط، وعدم نقضها أو مخالفة شروطها. فإن النقض والمخالفة خيانة يبتعد عنها المسلم، وإرهاق يتنافى مع الرحمة والفضيلة التي يدعو إليها الإسلام.

والأصل في ذلك: كثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، التي ترسي هذا المبدأ الأصيل في العلاقات الدولية وفي غيرها. ففي الوفاء بالعهد، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، ويقول تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء:34]. ويأمر الله تعالى بإتمام العهود إلى مدتها فيقول: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4].

وعرضت الآيات الكريمة للصورة المقابلة للوفاء فحذَّرت من نقض العقود، وعدم مراعاتها، مع بيان ما يترتب على ذلك من الآثار، فقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 56-57].

ومنذ أن كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في مكة المكرمة والدعوة في مهدها لا تتجاوز أم القرى، يعلم الله تعالى أن المسلمين سيكون لهم دولة قوية. وقد تحمل القوة أهلَها على التهاون بالعهود والمواثيق تحقيقاً لمصلحة قريبة أو ثأراً لمظلمة سابقة، فكان من حكمة الله تعالى أن يأتي التأكيد على الوفاء بالعهد والتحذير من الغدر في التعامل مع الأمم الأخرى، فقال الله سبحانه وتعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل:91-92].

وتواردت الآيات القرآنية الكريمة في الوفاء بالعهد في مجالات العقيدة والعبادة والأخلاق، وفي العلاقات الاجتماعية والدولية، وفي المعاملات المالية والأدبية وغيرها(16).

أما الأحاديث النبوية: فقد جاءت بتفصيلات أوسع في وجوب الوفاء بالعهود المواثيق، وفي النهي عن الغدر والخيانة، سواء في المعاملات بين الأفراد أو بين الأمم والجماعات، وحسبنا أن نشير إلى طرفٍ منها:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فَجَر”(17)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لكل غادر لواء عند استِه يوم القيامة، ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة”(18)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تَخُن مَنْ خانك”(19).

من الواقع التاريخي الإسلامي: وإذا كان للوفاء بالعهد أثره في الالتزام بالمعاهدات الدولية واستقرارها فإنه كذلك يجعل المعاهدين عوناً للمسلمين ويزرع في نفوسهم الثقة بهم.

فقد أخرج القاضي أبو يوسف أنَّ أبا عبيدَةَ بنَ الجرَّاحِ لماَّ صالح أهل الشام واشترط لهم وشروطاً كان الصلح عليها، قالوا له: اجعل لنا يوماً في السنة نُخْرِج فيه صلباننا بلا رايات، وهو يوم عيدنا الأكبر. ففعل ذلك وأجابهم إليه، فلم يجدوا بُدَّاً أن يفوا لهم بما شرطوا، ففتحت المدن على هذا. فلما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين وحسن السيرة فيهم صاروا أشدَّاء على عدوِّ المسلمين وعوناً للمسلمين على أعدائهم، فبعث أهل كل مدينة ممن جرى الصلح بينهم وبين المسلمين رجالاً مِنْ قِبَلِهم يتحسسون الأخبار عن الروم وعن ملكهم وما يريدون أن يصنعوا، فأتى أهلَ كلِّ مدينة رسلُهم يخبرونهم بأن الروم قد جمعوا جمعاً لم يُرَ مثله، فأتى رؤساء أهل كل مدينة إلى الذي خلَّفه أبو عبيدة فأخبروه بذلك(20).

مقارنة: وبالمقارنة نجد البَوْن شاسعاً بين تأكيد الإسلام على الوفاء بالعهد وشروطه ومنع الغدر، حتى غدا ذلك أصلاً عظيماً في العلاقات الدولية والاجتماعية، وبين واقع غير المسلمين في القديم والحديث، وتعاملهم مع المسلمين بالغدر وعدم الوفاء، حتى اعترف بذلك كُتَّابهم ومنهم “فوشيه” الذي يقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى أتباعه بمراعاة المعاهدات وتنفيذ نصوصها، قبل أن تظهر في الغرب قاعدة احترام المعاهدات. بل في وقت كان الغرب يغطُّ فيه في دياجير الجهالة والظلمة، ولم يكن فيه أي احترام لذمةٍ أو عهد أو ميثاق، وإنما كانت القاعدة هي الكذب والخديعة والغدر، حتى إن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السابع عشر قد قامت بإعفاء الأمراء الكاثوليك من الالتزام بالمعاهدات التي أبرموها مع الكفار وغير المؤمنين بالكاثوليكية، ومنها المعاهدات المبرمة مع البروتستانت(21).

2– من مظاهر الرحمة في معاملة المبعوثين السياسيين والسفراء: حيث يتمتع الرسل والسفراء بامتيازات متنوعة، فقد تكون أماناً لأشخاصهم ومن يتبعهم، وقد تتعلق بأموالهم وما يتمتعون به من إعفاءات، وقد تتعلق بمدى خضوعهم للقضاء الإسلامي، كما يمكن أن تكون متصلة بالحقوق الشخصية للرسل والسفراء. فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لولا أنك رسول لضربت عنقك”(22).

فالسفير الذي يفد إلى دار الإسلام يتمتع بعصمة الدم واحترام النفس بمجرد دخوله إليها. فلذا لا يجوز أن يقع أيُّ عدوان أو اعتداء على حياته، أو تعذيب له أو حبس، حتى ولو لم يكن هناك شرط بين المسلمين ودولة السفير حيال ذلك، ومهما صدر عنه من قولٍ يؤاخذ عليه لو لم يكن رسولاً أو موفداً من قومه. ويستفيد الرسول هذه الامتيازات والأمان من كونه رسولاً، كما يستفيد ذلك من عقد الأمان صراحة أو ضمناً، وإن كان الوضع القانوني للسفير أو الرسول يتميز في بعض الجوانب عن الوضع القانوني للمستأمن العادي الذي دخل دار الإسلام بعقد أمان لتجارةٍ أو نحوها.

وفي القانون الدولي الحديث: لم تفطن الدول الغربية إلى أن الغدر بالرسل كبيرة إلا أخيراً في سنة (1907) وسنة (1949م) في اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب، وفي اتفاقية “فيينا” لعام (1961م) الخاصة بالعلاقات والحصانات الدبلوماسية. والتاريخ شاهد صادق على ما كان يلقاه سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء معاملة وأذى من بعض الدول التي أوفدوا إليها، كما يشهد على أن الصليبيين كانوا يقتلون رسل المسلمين. وكان صلاح الدين لا يعاملهم بالمثل التزاماً بأوامر الدين الحنيف وبقواعد الشرف والفضيلة والمثُل العليا. وهذا أصل ثابت في الإسلام منذ ظهر وقامت عليه الدولة الإسلامية في كل المراحل أثناء قوتها وضعفها، وهو أصل ما تطرَّق إلى القانون الدولي الأوربي من قواعد التمثيل الدبلوماسي بل زاد المسلمون على القواعد التي كانت معروفة من قبلهم، وسيأتي أمثلة كثيرة على هذا(23).

3- وفي قواعد معاملة السفير عند انتهاء مهمته: نشير هنا إلى أهم الأحكام والقواعد التي تعامل بها الدولة الإسلامية سفير الدولة الأجنبية عند انتهاء مهمته. فمن ذلك:

– حماية الرسول وإبلاغه مأمنه: إذا كان الرسول في موضع يخاف فيه، فينبغي لإمام المسلمين أن يراعي مصلحته الأمنية، ولا يخلِّي سبيله إلا في موضع لا يخاف عليه فيه، لأنه تحت ولايته وفي أمانه، وهو مأمور بدفع الظلم عنه. فينبغي له أن يرسل معه حرساً ليبلغه إلى مأمنه، أو إلى أبعد موضع من دار الإسلام يأمن فيه، ثمَّ يخلِّي سبيله. ونصَّ فقهاء الشافعية على أن المعتبر في إبلاغ الكافر المأمن أن يمنعه الإمام ويحميه من المسلمين ومن أهل عهدهم، ويلحقه بدار الحرب. إلا أن منهم من قال: يلحقه بأول دار الكفر. وقال بعضهم: بل يلزمه أن يلحقه بمسكنه ولا يكتفي بإلحاقه ببلاد الكفر(24).

– منح السفير مهلة للمغادرة: يمنح الرسول عند انتهاء مهمته في الدولة الإسلامية مهلة للمغادرة دون أن تسقط عنه الامتيازات التي كان يتمتع بها بوصفه رسولاً لدولته. وهذه قاعدة عامة في التعامل مع المستأمنين العاديين، وتنطبق من باب أولى على الرسل والسفراء(25).

وفي هذا ما يدل على تفوُّق علماء المسلمين على كل علماء القانون الدولي وعلى ما يجري العمل عليه بين الدول من إعطاء المبعوث مهلة قصيرة لمغادرة البلاد عند انتهاء عمله أو عند طلب المغادرة، مما قد يوقعه في الحرج.

– التثبت من قيام الرسول بوظيفته: ونظراً لما يترتب على عمل الرسول وقيامه بوظيفته من آثار في العلاقات بين المسلمين وغيرهم سلماً وحرباً، فإن أمير المسلمين إذا بعث رسولاً إلى غير المسلمين لإبلاغهم بالأمان أو بإنهاء معاهدة بينهم، فإنه لا يترتب الأثر على هذه الرسالة إلا بعد التأكد والتثبت من القيام بمهمة الإبلاغ والإنذار. وكذلك ينطبق هذا على ما لو جاء الرسول من الكفار إلى المسلمين بنقض المعاهدة مثلاً(26).

ثانياً- في حال الحرب:

1- التمييز بين المقاتِلين وغير المقاتِلين: أرسى الإسلامُ القاعدة الأساسيةَ في التفرقة بين المقاتلين من الأعداء الذين تُوَجَّه إليهم الأعمال الحربية فيحلّ قتلهم، وغير المقاتلين الذين لا توجَّه إليهم الحرب فلا يحل قتلهم، فقصر القتال على الذين يقاتلون حقيقة أو حكماً، وهم العسكريون ومَنْ في حكمهم، ومنع مِنْ قَصْدِ قتلِ المدنيين الذين لا يشتركون في القتال. وإن كانوا جميعاً يشتركون في صفة العداء للمسلمين.

والعمدة في أحكام من يجوز قتلهم في الحرب ومن لا يجوز هي – مع الأحاديث الصحيحة الكثيرة الخاصة بأصناف منهم – وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان لما بعثه على أحد الجيوش، ولذلك يحسن إثباتها كاملة بنصِّها، وهي تجمع أصناف غير المقاتلين وتبين مدى مشروعية بعض أعمال العنف والإغاظة في الحرب:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث أبو بكرٍ الصديقُ يزيدَ بنَ أبي سفيان على جيشٍ، فخرج معه يمشي وهو يوصيه. فقال: يا خليفة رسول الله! أنا الراكب وأنت الماشي، فإمّا أن تركب وإمّا أن أنزل. فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أنا بالذي أركب ولا أنت بالذي تنزل، إني أحتسب خُطاي هذه في سبيل الله. ثمَّ قال: إني موصيك بعشرٍ فاحفظهنَّ:

1- إنك ستلقى أقواماً زعموا أنهم قد فرَّغوا أنفسهم لله في الصوامع، فَذَرْهُمْ وما فرَّغوا أنفسهم له.

2- وستلقى أقواماً قد حلقوا أوساط رؤوسهم من الشَّعر، فافلقوها بالسيف.

3- ولا تَقْتُلَنَّ مولوداً (صبياً).

4- ولا امرأة.

5- ولا شيخاً كبيراً (هَرِماً).

6- ولا تَقْطَعَنَّ شجراً بدا ثمره إلا لنفع. إلا شجراً يمنعكم قتالاً، أو يحجز بينكم وبين المشركين.

7- ولا تَحْرِقَنَّ نحلاً.

8- ولا تخربنّ عامراً ولا تغرقن نخلاً ولا تحرقنَّه.

9- ولا تَذْبحنَّ بعيراً أو بقرة ولا شاة، ولا ما سوى ذلك من المواشي إلا لأكلٍ.

10- ولا تهدموا بيعة(27).

مقارنة: وشتان بين تلك الأحكام الإسلامية وبين ما فعله أعداء المسلمين منذ العهود الغابرة إلى عهدنا هذا، من عهد جنكيز خان وهجوم المغول والتتار على الخلافة الإسلامية، مما لا يزال يذكر إلى الآن حتى ذهب مثلاً في القسوة والهمجية والوحشية؟.

وفي عصرنا الحاضر؛ إن ما يأتيه أدعياء الحضارة وحقوق الإنسان والسّلم الدولي والنظام العالمي الجديد… لما تتضاءل أمامه أفعال جنكيز خان وأحفاده، ولا يزال التاريخ يذكر قنبلتي ناغازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية، وقنابل النابالم في عدوان يهود على العرب المسلمين في فلسطين المحتلة وغيرها من البلاد التي تخضع للاحتلال. وقد أثبتت تجارب الحرب العالمية الأولى أن المدنيين من النساء والأطفال كانوا هم الغالبية الساحقة من ضحايا الغارات الجوية فقد بلغ عدد ضحايا المدنيين 5% وأصبح في الحرب العالمية الثانية 48 % ثمَّ ارتفع في الحرب الكورية إلى %84. وعرفت الحرب العالمية الثانية القذف بالقنابل من الجو بغير تمييز للمدن ومراكز الصناعة. وإذا استعملت الأسلحة الجرثومية فسوف تزداد نسبة الضحايا المدنيين وقد يشكلون 90 %. واليوم نجد أمثلة كثيرة وشواهد حية تدل على ذلك(28).

2 – تقييد وسائل العنف ومدى الرحمة في ذلك: يجوز القيام بالأعمال التي تؤدي إلى التسليم بأسرع وقت لإنهاء القتال، بأن يحرِّقوا حصون الأعداء، وأن يرسلوا عليهم الماء ليغرقوهم أو ليغرقوا بساتينهم وحصونهم. ولا بأس أن ينصبوا عليهم المدافع، وأن يرموهم بالطائرات ونحوها، وأن يقطعوا عنهم الماء، ما داموا ممتنعين في حصونهم، إذا كان المسلمون لا يتمكنون من الظفر بهم بوجه آخر(29).

والدليل على مشروعية تلك الأفعال من القرآن الكريم: قول الله تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}(30). ومن السنة النبوية ما رواه أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرية يقال لها أُبْنَى، فقال: “ائتها صباحاً ثم حرِّق”(31).

وفي هذا كله نيلٌ من العدو، وهو سبب اكتساب الثواب، كما أن حرمة الأموال تابعة لحرمة أصحابها، ولا حرمة لأنفسهم حتى إنهم يُقتلون، فكيف تكون الحرمة لأموالهم؟(32)

ثانياً: أنواع الأسلحة الحربية: يجوز أيضاً استخدام الأسلحة التي تؤدي إلى سرعة التسليم في الحرب والظفر بالعدو تقصيراً لأمد القتال. ومما يتصل بهذه الأسلحة: القتل بالتدخين: فلا بأس بذلك، إلا أنهم لو قدروا على قتل المشركين الذين فيها بغير تدخين، فالأولى لهم ألا يدخنوا، وإن لم يقدروا على ذلك إلا بالتدخين فلا بأس بذلك. ولعل هذه الأمثلة عن الأسلحة التي يجوز استخدامها في الجهاد تبين لنا مدى مشروعية استخدام الأسلحة الحديثة من أسلحة التدمير الشامل التي تصيب غير المحاربين وقد تدمر المباني والمنشآت وقد يكون لبعضها تأثير على الإنسان دون المنشآت والمباني(33).

3- أعمال الإغاظة والتخريب: يجوز القيام بكل ما فيه إغاظة وكبت للأعداء في الحرب، كتحريق الأشجار والزروع وإتلافها؛ فلو حاصر المسلمون أهلَ حصنٍ فلا بأس بقطع أشجارهم ونخيلهم وتحريق ذلك، لكسر شوكتهم، دون أن يكون القصد من ذلك التخريب والإفساد، لمجرد الفساد؛ فإنه عندئذ غير جائز؛ لأن الله تعالى قد نهى عن الفساد في الأرض.

ويدل على هذا من القرآن الكريم قول الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}(34)، ونزول الآية في قصة بني النضير، لما حاصرهم بعد أن غدروا، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل فقطعت، فقال بعضهم لبعض: ليس منا مقام بعد النخيل، فنادوه: يا أبا القاسم! قد كنت تنهى عن الفساد، فما للنخيل تُقْطَع وتحرق؟ أتؤمِّننا على دمائنا وذرارينا وعلى ما حملت الإبل إلا السلاح؟ قال: نعم. ففتحوا الحصون، وأجلاهم على ما وقع الصلح عليه(35).

ويمكن أن نرجع المذاهب والآراء في حكم هذه المسألة إلى مذهبين اثنين: (الأول) مذهب جماهير العلماء الذين قالوا بمشروعية أعمال الإغاظة والتخريب للضرورة وعند الحاجة، و(الثاني) مذهب الإمام الأوزاعي عالم أهل الشام الذي قال بالمنع مع ذلك في المشهور عنه، وهو أيضاً مذهب الإمام الليث بن سعد فقيه أهل مصر، وأبي ثور، خالد بن إبراهيم الكلبي البغدادي(36).

ترجيح: وتعقيباً على الرأيين في هذه المسألة، لا نجد تعارضاً حقيقياً بينهما، بملاحظة ما يلي:

1 – إن القاعدة العامة هي عدم اللجوء إلى أعمال الإغاظة إلا للضرورة وتحقيقاً للمصلحة، إذا تعيَّن ذلك طريقاً للظفر بالأعداء، أو غلب على الظن أنهم لا يؤخذون بغير ذلك.

2 – إن كلام الجمهور ينصب على الجواز لا الوجوب، فيجوز الفعل كما يجوز الترك، فهم لم يوجبوا ذلك.

3 – كما يلتقي المذهبان في أن ما فيه ضرر بالمسلمين يمكن إزالته بذلك، فيجوز فعله عندئذ.

4 – ويلتقيان أيضاً في أن كلاً منهما لا يهدف من وراء هذه الأعمال شيئاً من الإفساد أو التخريب لذاته. وكلاهما يسعى إلى بث الخير والفضيلة وعمارة الأرض.

مقارنة: وهذه القاعدة لم تكن أوربا تعرفها حتى في أزهى عصور القانون عندها، ولا كانت جيوشها لتتورع عن إتلاف وتخريب كل ما تجد في سبيلها مما يتيسر لها نهبه، والأمثلة على هذا كثيرة تعزّ على الحصر، حسبنا أن نذكر هنا ما كتبه مؤرخ الحروب الصليبية رئيس أساقفة صور “وليم الصوري” حيث قال: “اعتقد الملك بلدوين ونبلاء المملكة – بدون سبب واضح – أن الفرصة المرغوبة منذ زمن طويل لإلحاق الضرر بالعدو – المسلمين – قد حلَّت.. فمرُّوا خلال بلاد حوران – في جنوب سورية – وشقُّوا طريقهم نحو مدينة درعا المشهورة الآهلة بالسكان واجتاحوا المنطقة من هناك، ودمّروا جزءاً كبيراً من المواقع النائية المعروفة باسم “القصور” حيث حرقوا هذه المواقع أو خرّبوها بكل وسيلة ممكنة… وحرّقوا ودمّروا بطريقة أو بأخرى المحاصيل ومستلزمات الحياة الأخرى، ولما كانت الحبوب لا تحرق بسهولة لأنها لا تشتعل وحدها، وتعذر إلى حد كبير إلحاق الضرر بالبيادر باستثناء بعثرة الحبوب ونقل بعضها علفاً لدوابهم أقبل الجنود الباحثون عن سُبُل إلحاق الضرر بمزج التبن والقشّ مع الحبوب المنظَّفة من قبل حتى يمكن إحراقها بسهولة(37).

ولما جاء “جروسيوس” أبو القانون الدولي الأوربي في القرن السابع عشر، وضع في قواعد الحرب أنه لا يجوز التدمير والإتلاف إلا إذا كان وسيلة سريعة لإخضاع العدو. ثمَّ تتابع علماؤهم على تنقيح هذه النظرية وترويجها، فذكر “فاتيل” أن الأغراض التي يجوز من أجلها الإتلاف ثلاثة: معاقبة شعب همجي لمنعه من أعمال الهمجية، والحدّ من تقدُّم العدو، وتمكين الجيش من القيام بأعماله الحربية.

فحاذى بذلك النظرية الإسلامية إلى حدٍّ كبير عمداً أو اتفاقاً، فالتخريب والإتلاف لا يتقيد فيه هذا الفاعل بهمجية ولا مدنية، وليس قصر العقاب على الشعوب الهمجية مما يعقل له معنى، ولا هو مما يلتزم في القصاص الدولي، اللهم إلا أن يكون المعنى: أن كل من فعله تخريباً أو إتلافاً فهو شعب همجي. بل لعل هذه ثغرة مقصودة في القانون الدولي لِيَثِبَ منها الأوربيون الأقوياء على الشعوب الضعيفة المتخلفة، أحراراً من كل قيد باسم إبطال أعمال الهمجية زوراً وبهتاناً مما لا يعرفه الإسلام ولا يُقرّه.

فنظرية “فاتيل” أضيق من النظرية الإسلامية. ولكنهم عادوا فاستوفوا ما بقي منها حين قرروا في اتفاقية لاهاي سنة 1899 م الخاصة بالحرب البرية أن الإتلاف محرَّم إلا لضرورة حربية. وقد أعيد النص على هذا التحريم في المادة (23) من لائحة الحرب البرية سنة (1907م)(38).

-4 تحريم المُثْلَة والتَّحريق: يدعو الإسلام دائماً إلى التمسك بالفضيلة والأخلاق مع الناس جميعاً، سواء في العلاقات بين الآحاد أم بين الجماعات، وسواء في السلم أو الحرب، وأشدّ ما كان يدعو الإسلام إلى ذلك في الجهاد، خشية أن تندفع النفوس في حال احتدام القتال إلى ما يخالف ذلك المبدأ العام، ولذلك جاء تحريم التمثيل بجثث الأعداء في الحرب وتحريقهم.

ففي القرآن الكريم، يأمر الله تعالى بالمعاملة بالمثل، ولكنه لا يجيز هذه المعاملة إذا كان فيها تشويه ومثلة، فلو أن الأعداء فعلوا ذلك بقتلانا فلا يجوز لنا أن نجاريَهم في ذلك. قال الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}(39).

ومن السنة النبوية حديث سليمان بن بريدة “لا تغلُّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا”، وعن عِمْران بن الحصين رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم بخطبنا، فيأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة”(40).

ومما يتصل بالمثلة، وهو نوع منها: قطْعُ رؤوس الكفار وحمَْلُها إلى الولاة، ونقلها من بلد إلى آخر أو من ناحي ة إلى أخرى، ما لم يكن في ذلك نكاية بالعدو وردع له. فقد ذكُِر عن عقبة بن عامر الجُهَنِيّ رضي الله عنه أنه قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه برأس ينَاق الَبِطريق. فأنكر ذلك، فقيل له: يا خليفة رسول الله إنهم يفعلون ذلك بنا. فقال: “فاسْتِنَان بفارس والروم؟ لا يُحْمَل إليّ رأس، إنما يكفي الكتاب والخبر”. وفي رواية: كتب إلى عُمّاله بالشام: “لا تبعثوا إليّ برأس، ولكن يكفيني الكتاب والخبر”(41).

5- التعذيب بالنار: ومما يتصل بالمثلة أيضاً: التحريق أو التعذيب بالنار، وقد نهى الإسلام عنه أشدَّ النهي،

واعتبّه اعتداء على حق الألوهية، إذ لا يعذّب بالنار إلا ربّ النار، على ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية وقال لهم: “إن قدرتم على فلان فأحرقوه بالنار. وكان قد نخس دابة زينب رضي الله عنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أَزْلَقَتْ – ألقت ولدها قبل تمامه – ثمَّ قال: إن قدرتم عليه فاقتلوه ولا تحرقوه، فإنما يعذب اللهُ تعالى بالنار”(42).

مقارنة: تلكم هي أحكام الإسلام، تجعل الفضيلة والكرامة نُصْبَ عينيها حتى ولو مع الأعداء والحيوانات، فلا يجوز تعذيبها ولا التمثيل بها ولا تحريقها.. بينما حروب العصبيات والتشفي والمطامع التي يعيشها القرن العشرون، تترك آثارها في المحاربين: سُلاً للأعين، وقلعاً للأظفار، وجدعاً للأنوف، وقطعاً للآذان والأطراف والأعضاء.. وتشويهاً في الجسم، وقتلاً جماعياً، واعتداء على الأعراض، وانتهاكاً للحرمات. والأمثلة والشواهد على هذا كثيرة تعزّ على الحصر، تجدها في الاعتداء على المسلمين وعلى الأقليات المسلمة في شتى بقاع الدنيا، في الفلبين، والحبشة، وروسيا، والبوسنة والهرسك.. وغيرها كثير.

المبحث الثاني: الحزم في العلاقات الدولية:

أ- مفهوم الحزم:

الحزم في اللغة العربية: مأخوذ من الحاء والزاي والميم، وهي أصل واحد، وهو شدُّ الشيء وجمعه. وهو قياس مطَّرد. فالحَزْم والحَزَامةُ: جودة الرأي، وذلك اجتماعه وألا يكون مضطرباً منتشراً، والحِزام للسرج من هذا. والمتحزِّم: المتلبِّب. والحُزمة من الحطب وغيره معروفة. والحَيزوم والحَزيم: الصدر؛ لأنه مجتمع عظامه ومشدُّها.

قال الأزهري: الحَزْمُ: ضَبْطُ الأمر والأخذُ فيه بالثِّقَة والحذر من فواته وذهابه.

وفي حديث صلاة الوتر، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر: “أخذتَ بالحزم”(43). وقيل: الحزم أن تستشير أهل الرأي وتطيعهم. وقد حَزُمَ فهو حازِم وحَزِيم. أي: عاقل مُمَيِّز ذو حنْكَة. وفِي الحديث: “مَا رَأَيْتُ من ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أَذْهَبَ لِلُبّ الرجل الحازِمِ من إِحْداكُنَّ(44) أَي: أَذْهَبَ لعقلِ الرجلَ المحْتَرِزِ فِي الأُمور المسْتَظْهِر فِيهَا. والحازم من يتصرَّف بحزم وحسم، فهو قد وقف موقفًا كلُّه الحزم(45).

والذي يقصد بالحزم في الحديث عن العلاقات الدولية: هو التثبُّث في الأمر عند اتخاذ القرارات والمواقف الإيجابية أو السلبية التي تحفظ للدولة عزتها وهيبتها دون تخاذل حذراً من فوت المصلحة العليا وذهابها. وفيها يتصرف صاحب القرار بحسم وقوة دون تردد، حسب ما يقتضيه الموقف في السلم أو الحرب.

وقد تستعمل كلمات أخرى للدلالة على هذا المفهوم، أو للدلالة على ما يقاربه ويدانيه، كالعزم والتصميم، والمبادرة بالقوة، والحسم. وكلها تمتح من المعين اللغوي للكلمة وتمتُّ إليها بنسب.

ب- مظاهر الحزم في العلاقات الدولية:

يتجلى الحزم والحسم في مظاهر متنوعة في العلاقات الدولية في حالي السِّلم والحرب، ويقرر الفقهاء جملة من المبادئ التي تتصل بذلك، وفيما يلي إشارة إلى بعض هذه المظاهر(46).

1 مراعاة عزة الإسلام والمسلمين في العلاقات الدولية:

من المبادئ المقررة في الإسلام أن يحاف المسلمون على عزتهم وكرامتهم التي يستمدونها من عزة الله تعالى القوي العزيز: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10].

وهذه حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية، وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم والموازين، وتعديل الحكم والتقدير، وتعديل النهج والسلوك، وتعديل الوسائل والأسباب! ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزا كريما ثابتا في وقفته غير مزعزع، عارف اً طريقه إلى العزة، طريقه الذي ليس هنالك سواه! إنه لن يحني رأسه لمخلوق متجبر، ولا لعاصفة طاغية، ولا لحدث جلل، ولا لوضع ولا لحكم، ولا لدولة ولا لمصلحة، ولا لقوة من قوى الأرض جميعاً. وعلامَ؟ والعزة لله جميعاً، وليس لأحد منها شيء إلا برضاه(47).

وجاءت الآيات الكريمة تؤكد هذا المعنى، وهو أن العزة الحقيقية هي لله تعالى حقيقة وبالذات، فقال سبحانه: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يونس:65].

وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:139].

فلله العزة في الحقيقة وبالذات، وهي لرسوله بواسطة القرب من العزيز وهو الله، وللمؤمنين بواسطة قربهم من العزيز بالله وهو الرسول، وذلك لأن عزة المؤمنين بواسطة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8](48).

يقول الدكتور أحمد أبو الوفا(49): يقرر الإسلام –وهذا ما يتفق مع الفطرة السليمة- تحقيق العزة للدولة ولشعوبه، لذلك يجب عدم الامتهان أو عطاء الدنية حتى عند إجراء مفاوضات دولية أو الدخول في أية علاقات دولية، فإن الإسلام يعلو ولا يُعلى، وهو مبدأ عام تضعه الدولة نصب أعينها في جميع مجالات علاقاتها الخارجية. وعدم عطاء ثبت في واقعة مشهورة حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق إلى عيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ: أرأيتَ لو جعلتُ لك ثلث ثمار الأنصار، أترجع بمن معك من غطفان وتخذِّل بين الأحزاب؟(50).

وفي رواية: أرسل عيينةُ بن حصن إلى النبي صلى الله عليه وسلم: تعطينا ثمر المدينة هذه السنة ونرجع عنك، ونخلِّي بينك وبين قومك فتقاتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال: فنصف الثمر؟ فقال: نعم. ثمَّ أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ وسعد بن عُبادة، وهما سيِّدا الأَوْس والخَزْرج، فاستشارهما. وقد حضر عيينة وقال: اكتب بيننا كتاباً. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحيفة ودواة ليكتب بينهم وفي رواية: فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة فقالا: يا رسول الله أُوْحِيَ إليك في هذا؟ فقال: لا، ولكني رأيت العرب قد رَمَتْكم عن قوس واحدة، فقلت أردُّهم عنكم. فقالا: يا رسول الله، والله إنهم ليأكلون العِلْهز(51) في الجاهلية من الجهد، وما طمعوا منَّا قطُّ أن يأخذوا ثمرةً إلا بشراءٍ أو قِرَى، فحين أكرمنا الله وهدانا بك وأيَّدنا بك نعطي الدنيَّة؟

لا نعطيهم إلا السيف. فشق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة وقال: اذهبوا، لا نعطيكم إلا السيف وأخذ برأي السعدين رضي الله عنهما(52).

كذلك حدث -في هذا المعنى- تطبيق عملي آخر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، إذْ لما التام أمر الهدنة والصلح مع قريش في (صلح الحديبية) ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطى الدَّنيَّة (الذل والأمر الخسيس) في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله! ثم أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أوَ لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوَ ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطى الدنيَّة في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني! قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق، من الذي صنعت يومئذ! مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً(53).

2- العقاب في المجال الدولي:

ويمكن أن يقال: إمكانية القيام بأعمال انتقامية. وتحتل نظرية الأعمال الانتقامية –العسكرية وما دونها- مكانة هامة في العلاقات الدولية المعاصرة. وقد أثارت هذه النظرية تساؤلات كثيرة بخصوص مدى مشروعيتها، ومناقشات عديدة بشأن حدودها والضوابط التي تحكمها. وترتبط الأعمال الانتقامية بمبدأ المعاملة بالمثل من وجوه كثيرة.

وقد أكَّد الإسلام منذ البداية على إمكانية اللجوء إلى الأعمال الانتقامية، ولكنه أحاطها بضابطين أساسيين: أحدهما عدم تجاوز الرد لما هو معقول وضروري، والثاني إمكانية العفو والتسامح حتى عند وجود ما يسوِّغ اللجوء إلى الانتقام(54).

ويستشهد الدكتور أبو الوفاء على مشروعية اللجوء إلى الأعمال الانتقامية بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى:39]، ثم قال: وعلى ذلك يحكم القيام بأعمال انتقامية في الإسلام ثلاثة أمور:

1- عدم الظلم، وذلك بوجود نوع من المماثلة بين الاعتداء والرد عليه، ويُعدَّ ذلك تطبيقاً لقاعدة المعاملة بالمثل في الإسلام.

2- أن العفو أفضل وأعظم، لقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40]، وقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43].

3- أن القيام بالأعمال الانتقامية- في الحدود السابقة- هو أمر لا سبيل عليه ولا مؤاخذة، لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41].

ويذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى أن الأعمال الانتقامية أو المعاملة بالمثل لا تتفق والإسلام، بل هي محظورة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تَخُنْ من خانك”(55)، ولذلك لا يرد المسلم على السوء الذي عانى منه.

ولا شك أن الرأي السابق هو انعكاس لمبدأ العفو أو التسامح في الشريعة الإسلامية. إلا أن ذلك لا تطبقه أي دولة قاعدةً مطلقة لا تقبل الاستثناء، وإنما الأمر رهن بظروف كل حالة ومدى تحقيقها لمصالح الدولة نفسها؛ فقد تحتم بعض الظروف اللجوء إلى العفو، وقد تسوّغ أحوال أخرى ضرورة الردِّ بالمثل بما يحف هيبة الدولة نفسها على الصعيد الدولي.

ثم إن الأعمال الانتقامية أو المعاملة بالمثل، إذا توفرت الأسباب الداعية إليها تدخل في عموم قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120]، كما أن ذلك تؤيده آيات سورة الشورى التي تقدمت آنفاً(56).

ومن الأمثلة التي تؤكد ذلك ما ذهب إليه الإمام محمد بن الحسن الشيباني –فيما ذكره السرخسي- عند الاعتداء على السفير المسلم لدى دولة أخرى، من مشروعية القتال رداً على ذلك؛ فإذا كانت القاعدة تقرر أن الرسل والسفراء دائماً في أمان، سواء في السلم أو الحرب، حتى يؤدوا الرسالة ويقوموا بمهمتهم على الوجه الأكمل، فإنه قد يُتَوَقَّع أحياناً اعتداء على الرسول من قِبَل أعداء المسلمين الذين أُوفد إليهم الرسول، أو قد يقع الاعتداء عليه فعلاً بحبسه أو التهديد بقتله، وعندئذٍ يكون للدولة الموفِدة أن تتخذ من المواقف ما يعيد الأمر إلى نصابه في تأديب أصحاب العدوان وقتالهم لتخليص السفير وإنقاذه من الأعداء. وهذا الافتراض تناوله الإمام محمد بن الحسن من خلال حديثه عن الرهائن في الموادعة، وعليه فرّع السَّرْخَسِيّ مسألة السفراء حيث جاء قولهما: “…ألا ترى أن الإمام لو احتاج إلى أن يرسل إليهم رسولاً في مُهِمٍّ للمسلمين فيه منفعة، فأبى المسلمون أن يدخل إليهم رسولا ، فإن للإمام أن يجبره على ذلك، إلا أن يكون أكبر الرأي منه إنْ بعث إليهم رسولاً قتلوه، فحينئذٍ لا ينبغي له أن يبعث من المسلمين أحداً ولا يُكْرِهَه على ذلك(57).

ثمَّ قال الإمام السَّرْخَسِيّ: “وكذلك إن أرسل إليهم رسلاً لحاجة برضاء الرسل أو بغير رضاهم فحبسوهم وقالوا للمسلمين: إن قاتلتمونا قتلنا رسلكم، فلا بأس بقتالهم. وهذا لأنه ليس في شيء من ذلك إخفارٌ من الإمام لقومٍ من المسلمين، إنما فيه مظلمة يظلم المشركون بها المسلمين، وللخوف من ذلك لا يتعذر على المسلمين القتال معهم”(58).

وهذا الذي ذهب إليه الإمام محمد رحمه الله يستدل عليه بما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت غزوة مُؤْتَة(59) في السنة الثامنة للهجرة، رداً على الاعتداء على رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك بُصْرى(60). قال ابن سعد: “بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثَ بن عُمَيْر الأَزْديّ إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شُرَحْبِيْل ابن عمرو الغسَّاني فقتله ولم ي قُْتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسو ل غيره، فاشتدَّ ذلك عليه وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجُرْف، وهم ثلاثة آلاف … وأوصاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا مقتل الحارث بن عُمَير وأن يَدْعوا مَنْ هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيّعاً لهم حتى بلغ ثَنِيَّة الوَداع فوقف وودَّعهم…(61).

وكذلك كان سبب بيعة الرضوان عام صلح الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش ابن أميَّة الخُزَاعِيّ حين نزلالحديبية، فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له ليبلِّغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قَتْله، فمنعته الأحابيش(62) فخلَّوا سبيله حتى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عديِّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفتْ قريش عداوتي إياها، ولكن أدلُّك على رجلٍ هو أعزّ بها مني: عثمان بن عفان. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأتِ لحربٍ، وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظّماً لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أَبَان بنُ سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فحمله على دابته وأجاره حتى بلَّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتَ أن تطوف بالبيت فطُفْ به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أنعثمان قد قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا نبّح حتى نناجز القوم”، ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، بايعوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، على الموت. وقال بعضهم: بل بايعوه على ما استطاعوا، أو على ألَّا يفرّوا(63).

3- الحزم والحسم مع ناكثي العهود من اليهود:

ومن مظاهر الحزم وأمثلته في العلاقات مع الأعداء والمتآمرين منهم- فيما إذا حددنا نطاق العلاقات الدولية بالتعامل مع غير المسلمين- ما نجده في تصرُّف النبي -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود الذين نقضوا العهد والميثاق. فلقد حرص الرسول أول مقامه في المدينة أن يقيم بينه وبين اليهود علائق سلم، وأن يؤمِّنهم على دينهم وأموالهم، وكتب لهم بذلك كتاباً، ولكنهم قوم غدر، فما لبثوا غير قليل حتى تآمروا على قتله، مما كان سبباً في غزوة بني النضير(64) ثم نقضوا عهده في أشد المواقف حرجاً يوم الأحزاب(65) مما كان سبباً في غزوة بني قريظة(66)، ثم تجمَّعوا من كل جانب يهيِّئون السلاح ويبيِّتون الدسائس، ويتجمَّعون ليقضوا في غدر وخسَّة على المدينة والمؤمنين فيها، مما كان سبباً في غزوة خيبر(67).

وتعليقاً على هذه الوقائع يقول الشيخ مصطفى السباعي –رحمه الله-: هؤلاء قوم لا تنفع معهم الحسنى، ولا يصدق لهم وعد، ولا يستقيم لهم عهد وكلما وجدوا غرة اهتبلوها، فهل كان على النبي –صلى الله عليه وسلم- من حرج فيما فعله بهم؟ وهل كان عليه أن يتحمل دسائسهم وخياناتهم ونقضهم للعهود فيعيشوا وأصحابه دائماً في جو من القلق والحذر وانتظار الفتنة والمؤامرات؟ لقد ضمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحزمه معهم حدود دولته الجديدة، وانتشار دعوته في الجزيرة العربية كلها، ثم من بعد ذلك إلى أرجاء العالم، ولا يلوم النبيَّ على حزمه معهم إلا يهوديٌّ أو متعصب أو استعماري. وها هي سيرة اليهود في التاريخ بعد ذلك، ألم تكن كلُّها مؤامراتٍ ودسائسَ وإفساداً وخيانةً؟ ثم ها هي سيرتهم في عصرنا الحديث هل هي غير ذلك؟ ولقد كان فينا قبل حرب فلسطين وقيام إسرائيل فيها من يخدع بمعسول كلامهم فيدعوا إلى التعاون معهم، وكان فينا من يساق إلى دعوة التعاون معهم من قبل أصدقائهم من الدول الكبرى، وكانت نتيجة ذلك التخاذل وفسولة الرأي في معالجة قضية فلسطين، أما بعد ذلك فلا يوجد من يغترُّ بهم، وليس لنا سبيل إلى التخلص من شرهم إلا حزم كحزم الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملتهم لنطمئن على بلادنا ولنتفرغ لدورنا الجديد المقبل في حمل رسالة الإسلام والسلام إلى شعوب الأرض قاطبة. تلك أمانة نؤديها بصدق وإيمان إلى الجيل الجديد عساه يستطيع أن يفعل ما لم يستطع فعله جيلنا المتخاذل(68).

4- الحزم مع بني قريظة وعقوبة الخائنين:

ومن أبرز الأمثلة على الحزم والحسم في التعامل الدولي، ما فعله النبي –صلى الله عليه وسلم- في مواجهة يهود قريظة لما نقضوا العهد وتآمروا مع الأحزاب في غزوة الخندق. وقد وقعت في السنة الخامسة للهجرة عقب غزوة الأحزاب، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن رأى ما انطوت عليه نفوس يهود بني قريظة من اللؤم والغدر والتحزب مع قريش وحلفائها، وبعد أن أعلنت له إبان اشتداد معركة الأحزاب أنها نقضت عهدها معه، وكانت وهي تساكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة تهمُّ بشرٍّ عظيم قد يقضي على المسلمين جميع اً لولا انتهاء معركة الأحزاب بمثل ما انتهت إليه، رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يؤدِّ ب هؤلاء الخائنين الغادرين، ويطهر منهم المدينة مقرَّ جهاده ودعوته حتى لا تواتيهم الظروف مرة أخرى، فينقضُّوا على جيرانهم المسلمين ويبيدوهم كما هي طبيعة الغدر اليهودي اللئيم.

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبّيل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعتَ السلاح، فو الله ما وضعتُه. قال: فأين؟ قال: ههنا، وأومأ إلى بني قريظة، قالت: فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينادي في الناس بأن لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، ثم خرج فيهم وقد حمل رايته علي رضي الله عنه، وقد اجتمع من المسلمين ثلاثة آلاف، ومن الخيل ست وثلاثون، فلما دنا علي من حصن بني قريظة، سُع منهم مقالة قبيحة في حقه -صلى الله عليه وسلم- وحق أزواجه، فأخبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وطلب إليه ألا يدنو من أولئك الأخباث، فأجابه عليه السلام بأنهم إذا رأوه لم يقولوا من ذلك شيئاً لما يعلم من أخلاقهم في النفاق والملق، فلما رأوه تلطفوا به كما تنبأ -صلى الله عليه وسلم-، ثم أخذ المسلمون في حصارهم خمس اً وعشرين ليلة، فلما ضاق بهم الأمر نزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحكَّ م فيهم سعد بن معاذ سيد الأوس، وكان بنو قريظة حلفاء الأوس، فحكم سع د بأن تُقتل مقاتلتهم، وأن تُسبى ذراريهم، وأن تُقسم أموالهم، فنفذ الرسول حكمه، وبذلك قضى على مؤامرات اليهود ودسائسهم وتآمرهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوته قضاء مبرماً في المدينة وما حولها. وفي هذه الغزوة نزلت آيات من القرآن الكريم تبين غدر اليهود، ونقضهم للعهود، وتخذيلهم لصفوف المسلمين في غزوة الأحزاب(69).

والذي يجعلنا نقف هنا وقفة خاصة بيهود قريظة: هو الحكم الذي صدر بحقهم حسماً للموقف وعقاباً على الغدر والتآمر، مما قد يثير من شبهات حول الرحمة التي يدعو إليها الإسلام، وهي أصل من أصوله في العلاقات الدولية وفي التعاملات مع الناس جميعاً في المستوى الداخلي والخارجي.

وفي هذا يقول الشيخ محمد أبو زهرة –رحمه الله-: “لا شك أن الحكم شديد، ولكنه عادل، والنظر لا من ناحية أنه عادل، ولكن أما كان موضع للتخفيف، ونقول في ذلك:

إنهم مقاتلون، واستمرت لهم صفة المقاتلين إلى آخر لحظة، وعلىُّ بن أبى طالب عند ما تقدم لهم خاطبهم على أنهم مقاتلون، وقال -رضي الله عنه- وهو يهاجمهم: لأذوقن ما ذاق حمزة، ولأفتحن حصنهم، فلما رأوا العزيمة في على ومعه الزبير، وأنهم مغلوبون لا محالة، وطلبوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فهم ارتضوا ما ينفذ فيهم قبل أن ينزل الحكم فيهم، فهم الذين نفذوا الحكم فيهم إذ ارتضوا المحكَّم فيهم، ومن المقررات القانونية أن من ارتضى محكَّمين ليحكموا فيه، فقد فوض لهم، ولهم بهذا التفويض أن يحكموا بما يرونه عدلا ، ولقد حكم، وهو الذي ذهب إليهم ليحول بينهم وبين تنفيذ نقض الميثاق فردوه رداً نُكراً، وع رف أنهم يريدون اقتلاع الإسلام، وقتل أهله.

ولقد خضع المدبرون منهم لحكمه، وأدركوا أنه بما قدمت أيديهم، حتى لقد روى أن حيي ابن أخطب عندما قدم للقصاص قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكن من يخذل الله يخذله، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، إنه لا يأس بأمر الله كتاب وقدر، وملحمة كتبها، ثم تقدم لضرب عنقه.

وهكذا كانوا يحسون بأن ما نزل بهم قصاص، وما للناس يقولون كان على النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- أن يشفق عليهم. ومع ذلك إذا لم يقتل رجالهم، فماذا يصنع معهم، أيعفو عنهم، ولو تمكنوا لقتلوه وقتلوا الإسلام، وشردوا أهل المدينة. إن العفو عن الجاني ظلم في ذاته، أم يخرجهم من أرضهم ويجردهم من أموالهم، وذلك لا يخلو من عفو، وقد قلنا إنه في هذا المقام ظلم، ثم ماذا يكون إذا خرجوا، وفيهم أكثر من سبعمائة مقاتل، ألا يكونون حربا عليه، ويتجمعوا يؤلبون يهود الجزيرة العربية، ويكون قد أشفق عليهم لينقضوا عليه إن وأتتهم الفرصة، كمن يشفق على اللصوص ليجمعوا أمرهم، ويستلبوه ما يعتز به، ويأخذوا ما عنده. إنه لم يكن إلا القتل، كفاء ما صنعوا، وهم الذين قتلوا أنفسهم بما دبروا وبما فعلوا.

قد يقال أنهم قد صاروا أسري، والأسرى لا يقتلون. ونقول في الجواب عن ذلك: إن المسلمين والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشدوا الوثاق، لأنهم منهيون عن ذلك بحكم آية الأسرى إذ يقول سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:67]. فما كان للنبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- أن يشد الوثاق وهو لم يثخن فيهم جراحاً، ولم ينل منهم نيلا، بل إنهم هم الذين ارتضوا حكما معيناً، والقتال من جانب المسلمين قائم، لم تعد السيوف إلى أجفانها ولا القلوب إلى جنوبها.

بل إن قتالهم امتداد لقتال الأحزاب الذين مالئوهم لم ينته، وإذا كان المشركون قد ألقى الله في قلوبهم الرعب، ففروا، فأولئك قد بقوا، وكان حقاً عليهم أن يقاتلوا فما قاتلوا.

وقد يقول قائل: إن النبيين رحماء، ونقول لهم إن العدالة رحمة والقصاص حياة، ورحمة الإسلام دفع الظلم، واقتلاعه عن أساسه، والنبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- قال: “أنا نبي المرحمة، وأنا نبي الملحمة”، والله سبحانه وتعالى عزيز حكيم(70).

والذي ينتهي إليه البحث في هذا الموقف من يهود بني قريظة: أن شخصاً لا يستطيع الادعاء أن النبي قاتلهم وهجم عليهم قبل نقض العهد والغدر والخيانة، وأنه لا يمكن عقد معاهدة معهم بعد ما فعلوه وفي مثل تلك الظروف الصعبة التي قد يعاودون فيها النقض، وهم الذين قبلوا بالتحكيم وكان المحكّم حليفاً لهم، ومن المتفق عليه أن الأطراف عندما تتفق على التحكيم يجب عليها الالتزام بالحكم الذي يصدر، وكان الحكم الذي أصدره سعدُ –رضي الله عنه- مطابقاً لأحكام التوراة(71)، لذلك لم يخالفه أي يهودي. وبعد وضوح هذه الأسباب والظروف التي أحاطت بالموضوع: لا يساور أحداً شكٌّ في أن ما اتُّخذ معهم كان مطابقاً للحق والعدل، ولم يكن هناك من أسلوب يمكن أن يتبع معهم غير هذا الأسلوب(72).

مقارنة عامة بين الإسلام والحضارة الغربية:

وبعد هذه الإلماعات الموجزة إلى بعض أصول العلاقات الدولية في الإسلام، تحسن الإشارة هنا إلى أن العلاقات الدولية في الحضارة الغربية تقوم على أساس القوة والمصلحة الذاتية أو الأنانية، وتقوم الدول الاستعمارية -في القديم والحديث- على الأنانية المفْرِطة وحب الذات، والظلم والعدوان، ففي السياسة الداخلية: كثيرًا ما نجد التفرقة بين البيض والملونين في الحقوق والامتيازات، وبين أولئك الذين ينحدرون من أصول معينة وبين غيرهم من الأجناس، في البلاد التي تتشدق بالعدالة والديمقراطية إلى زمن قريب. ومن المؤسف أن هذه السيئات والانحرافات عند أولئك القوم نجدها في واقعنا المعاصر رغم أن الإسلام يجعل العدل – كما رأينا- قيمة من أعلى القيم.

أما في العلاقات الخارجية وفي التعامل الدولي: فتقوم تلك الدول الاستعمارية باستغلال الشعوب الضعيفة واستنزاف خيراتها، وإفساد عقائدها وأخلاقها، لتسهل السيطرة عليها، شأنها في ذلك شأن الأناني في علاقته مع الناس.

وهذا كله مما يثير الصراع ويفشي الظلم، ويسوِّغ الغدر، ويبرر الواسطة -مهما كانت- بالغاية الأنانية التي تستهدف المصلحة الخاصة مهما كان الضرر الذي تلحقه بالغير(73).

وواقع العلاقات الدَّوْليَّة اليوم شاهد ناطق بذلك، وما قضايا المسلمين في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان والشيشان والفلبين، وفي البوسنة وغيرها، في بقاع كثيرة من العالم، ببعيدة عنا.

ولعله من المناسب بعد هذا الذي أشرنا إليه: أن نستدعي شاهداً من أبناء الحضارة الغربية المعاصرة؛ من أساتذة القانون الدولي والعلاقات الدولية، ليدلي بشهادته حيال الأسس التي تقوم عليها العلاقات الدولية في الحضارة الغربية المعاصرة، وهي شهادة لها قيمتها؛ لأن صاحبها من أبناء تلك الحضارة، ويعيش في كنفها، وهو أيضا في موقع المسؤولية العلمية في هذا الجانب. ذلكم هو البروفيسور جوزيف فرانكل، في كتابه “العلاقات الدولية”، وفيه ينتهي إلى أنَّ العلاقات الدولية المعاصرة ترتكز أساساً، إن لم يكن كلياً، على أساسين اثنين: المصلحة الوطنية، والقوة.

1- المصلحة الوطنية: وهي المفتاح الأساسي في السياسة الخارجية، ويرجع هذا المفهوم في جوهره إلى مجموع القيم الوطنية النابعة من الأمة والدولة في نفس الوقت، غير أن هذا المفهوم لا يخلو من غموض. ومن الصعب بيان المقصود بالمصلحة الوطنية بفكرة مجردة، وليس من الضروري أن تكون محكومة بمعايير موضوعية، فهي قابلة للمرونة والتكيُّف في يد صانع القرار، وسيكون في إمكانه – نتيجة لذلك – أن يقيِّم مدى أهلية المصلحة الوطنية لأن تكون أساساً قوياً للعلاقات الدولية.

2- القوة: إن مشكلة القوة تدخل جميع أنواع العلاقات الدولية؛ ففي الحروب والمنافسات تدخل القوة بمعناها العسكري، وفي التعاون يدخل التهديد بالقوة لقمع أحد الأطراف. ويدور عالم السياسة كله حول ممارسة القوة والبحث عنها. غير أن القوة في السياسة الدولية أوضح بكثير وأقل قيوداً من القوة في السياسة الداخلية. ولهذا فكثيراً ما تسمى السياسة الدولية بسياسة القوة… ولقد أدى الدور الهام الذي تلعبه القوة في العلاقات الدولية إلى نشوء مدرسة فكرية تفسِّر العلاقات الدولية على ضوء مفهوم القوة(74).

الخاتمة:

وفي ختام هذا البحث المتواضع –حقيقة لا ادِّعاء- يمكن إبراز أهم الأفكار التي عالجها والنتائج التي انتهى إليها مع توصية سريعة:

1. العلاقات الدولية ظاهرة حديثة ذات جذور موغلة في القدم، ولكن نشأتها علماً مستقلاً حديثاً ارتبطت بالدول الأوربية النصرانية التي تعصبت تعصباً واضحاً ضد الدولة الإسلامية (دار الإسلام)، ثمَّ تضافرت جملة من العوامل جعلته القانون الذي يحكمها قانوناً دولياً، وهذا الحكم ينصبُّ على هذا العلم في النطاق الأوربي. أما في النطاق الإسلامي: فإن الإسلام قد وضع أصول هذا العلم منذ قيام الدولة الإسلامية في المدينة، ثمَّ أفرده العلماء بالتدوين تحت اسم “السِّيَر”.

2. تقوم العلاقات الدولية الإسلامية على أسس عقدية وأخلاقية وتشريعية: أهمها الإيمان والتوحيد، والعدل المطلق، والحزم في المعاملات بما يحف عزة المسلمين ودولتهم، والحفاظ على الكرامة، والرحمة، والوفاء بالعهود والمواثيق والتحرز عن الغدر. وقد تميّزت بأنها جزء من الفقه، يقوم على الوحي، فيكون ذلك أساساً للالتزام والإلزام، وتوزيع هذه الأصول أو المبادئ قضية فنية اصطلاحية يمكن الزيادة فيها ويمكن اختصارها لتنطوي على جملة من المبادئ ضمناً، وقد تناول البحث والرحمة والحزم من هذه الأسس، وهي أهمها وأصلها.

3. أقام الإسلام قواعد الرحمة والحزم وغيرها على أسس متينة من العقيدة والإيمان، يوائم فيها بين التشريع الإلزامي والتوجيه الوجداني، ويتدرج في كل منها بخطوات متئدة، فينطلق من غرس هذه القيم في نفس الفرد ثم الأسرة والجماعة ليصل إلى مستوى الدول والأمم في علاقاتها وتعاملاتها الدولية، وواضح أنه يعلي من مكانة الأخلاق في المجال الدولي. بينما تقوم العلاقات في النظم الغربية على القوة الغاشمة والمصلحة الذاتية والأنانية، وهذا كان له أثره في النزاعات والحروب بين الأمم، وسيطرة البلاد المتغطرسة على الأمم والشعوب الضعيفة، حتى ولو كانت تزعم أنها تدعو إلى الحرية والمساواة بين الناس ونزع السلاح، وتزعم الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وواقع الحال يكشف المخبوء من النيات والمقاصد.

4. التوصية: وإذا كان الأمر كذلك فإن مما يمكن أن يقترح في هذا المجال هو العناية بمفردات موضوع العلاقات الدولية وقيمها على أسس من العدل والرحمة والحزم، وبخاصة في المستجدات المعاصرة، والكتابة فيها كتابة دقيقة محررة، تعتمد النصوص الشرعية والقواعد الأصولية والفقهية دون تمييع للقضايا وتأويل متكلف وتمحُّل، وبأسلوب عصري يجمع بين المنهجية العلمية والسهولة في التناول، لتكون بين يدي الباحثين من غير المتخصصين، ومن غير المسلمين أيضاً من علماء الغرب، لبيان أن المكتبة الإسلامية فيها ثروة كبيرة في هذا المجال، ويستطيع المسلمون أن يقدموا للعالم ما يحتاجه ويفتقر إليه في هذا المجال كالاهتمام بالمبادئ الأخلاقية في العلاقات الدولية ومكانة الفرد ونحو ذلك.

ومما يتصل بهذا أيضاً: العناية بجمع ما كتبه علماؤنا في هذا الباب وتحقيقه تحقيقاً علمياً، وإعادة ما طبع منه دون تحقيق، وخدمة هذه المؤلفات بفهرستها بفهارس كاشفة عن كل ما فيها من أحكام ومبادئ وقواعد، ثمَّ ترجمتها إلى اللغات الأجنبية ترجمة دقيقة مع شروحات حيال بعض القضايا التي قد تلتبس أو تكون موضع شبهة.

وكذلك من الأهمية بمكان: أن يتوافر عدد من الباحثين ممن يجمعون بين الثقافتين الشرعية والقانونية لدراسة آراء العلماء المسلمين الذين توفروا على الاهتمام بهذا الجانب، في جميع مسائل العلاقات الدولية بتعمق وشمول.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعَلى آلِه وصَحْبِه أَجمَعينَ.

____________________

  1. انظر: أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام الشيباني د. عثمان ضميرية: 1/226-244.
  2. انظر: الشرع الدولي في الإسلام د. نجيب أرمنازي، ص (44).
  3. العلاقات الدولية في الإسلام محمد أبو زهرة، ص 19-46، الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة، سلسلة التعريف بالشريعة الإسلامية، 1384هـ – 1964م.
  4. انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس: 2/498، الصحاح للجوهري: 5/1929، لسان العرب: لابن منظور: 12/230، المصباح المنير للفيومي: 1/223، التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي، ص 176 ، المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية بالقاهرة: 1/335.
  5. أخرجه أبو داود في الزكاة برقم ) 1694 ( والترمذي في باب قطيعة الرحم، برقم ) 1907 ( وقال: حديث صحيح، وفي الباب عن أبي سعيد، وابن أبي أوفى، وعامر بن ربيعة، وأبي هريرة، وجبير بن مطعم؛ وأخرجه الحاكم: 4/157، وصححه، و وافقه الذهبي.
  6. مفردات ألفاظ القرآن للراغب، ص 347.
  7. التعريفات للجرجاني، ص 1.
  8. الكليَّات لأبي البقاء الكفَوِيّ، ص 471.
  9. دستور العلماء: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون: للقاضي الأحمد نكري 2/95.
  10. انظر: الوجوه والنظائر في القرآن العظيم لمقاتل بن سليمان، ص 39-42، الوجوه والنظائر لهارون ص 38 ، الوجوه والنظائر للدَّامغاني: 1/357، مفردات ألفاظ القرآن للراغب، ص 347-348، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي: 3/53-58، نضرة النعيم.
  11. يقول الشاطبي -رحمه الله- في كتابه الموافقات 1/58، إن الحدود -على ما شرطه أرباب الحدود- يتعذّر الإتيان بها. ومثل هذا لا يُجعل من العلوم الشرعية التي يستعان بها فيها. وهذا المعنى تقرر هو أن ماهيَّات الأشياء لا يعرفها على الحقيقة إلا باريها، فتسوُّر الإنسان على معرفتها رمي في عماية. وانظر: حجة الله البالغة للدِّهْلوي: 1/344-351، و رسائل منطقية في الحدود والرسوم   172 . وعقدَ الإمامُ أبو حامد الغزالي في كتابه معيار العلم الفصل السابع لهذا الغرض، بعنوان في استعصاء الحدِّ على القوة البشرية إلا عند غاية التشمير والجهد ص 66 وما بعدها.
  12. الرحمن والرحيم نحو: ندمان ونديم، ولا يطلق الرحمن إلا على الله تعالى من حيث إن معناه لا يصح إلا له، إذ هو الذي وسع كل شيء رحمة، والرحيم يستعمل في غيره وهو الذي كثرت رحمته، قال تعالى: (إن الله غفور رحيم) [البقرة: 182]، وقال في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) [التوبة: 128]. وقيل: إن الله تعالى: هو رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة، وذلك أن إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين، وفي الآخرة يختص بالمؤمنين، وعلى هذا قال: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) [الأعراف: 156]، تنبيهاً أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين، وفي الآخرة مختصة بالمؤمنين. انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، ص 347. وقال ابن الأثير: وهما اسمان مشتقّان من الرّحمة، وهما من أبنية المبالغة ورحمن أبلغ من رحيم. والرّحمن خاصّ باللّه لا يسمّى به غيره، ولا يوصف. والرّحيم يوصف به غير اللّه تعالى، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال رحمن. والرّحمة من صفات الذّات للّه تعالى والرّحمن وصف، وصف اللّه تعالى به نفسه وهو متضمّن لمعنى الرّحمة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/210.
  13. في ظلال القرآن: 1/24.
  14. مدارج السالكين: 1/58.
  15. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: 2/174.
  16. نظر بالتفصيل: العهد والميثاق في القرآن الكريم، للأخ الدكتور ناصر سليمان العمر ص ) 153 ( وما بعدها، في ظلال القرآن: 4/2190-2193.
  17. أخرجه البخاري في الإيمان: 1/89، ومسلم في باب خصال المنافق: 1/78.
  18. أخرجه البخاري في الجهاد: 6/283، ومسلم في باب الأمر بالتيسير: 3/1361.
  19. أخرجه أبو داود في البيوع: 5/185، والترمذي في البيوع: 4/479، وقال: حسن غريب، والإمام أحمد في المسند: 3/414، وصححه الحاكم: 3/46. انظر: نصب الراية 4/119، تلخيص الحبير 3/97.
  20. انظر القصة كاملة في الخراج لأبي يوسف ص (149-151).
  21. انظر: آثار المعاهدات بالنسبة للدول غير الأطراف، د. محمد مجدي مرجان، ص 23، حضارة العرب تأليف غوستاف لوبون، ص 330-331، الشرع الدولي في الإسلام د. نجيب أرمنازي، ص (40-41)، المعاهدات الدولية، د. أحمد أبو الوفا، ص(124-125).
  22. انظر: معالم السنن للخطابي، بهامش مختصر سنن أبي داود للمنذري: 4/65.
  23. انظر: الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، ص (327-328)، الشرع الدولي في الإسلام، ص(137-168)، القانون الدبلوماسي الإسلامي، ص(596)، سلطات الأمن والحصانات والامتيازات الدبلوماسية، ص(687، 690).
  24. انظر: شرح السير الكبير: 2/519-520، الأم: 4/111 و125، روضة الطالبين: 1/338-339، مغني المحتاج: 4/259.
  25. انظر: شرح السِّير الكبير: 5/1867 و2246، فتح القدير: 4/352.
  26. انظر: السِّير الكبير: 2/475-478، القانون الدبلوماسي الإسلامي ص (231-233).
  27. أخرجه الإمام مالك: 2/447-448، وسعيد بن منصور: 2/241، وعبد الرزاق: 5/199، وابن أبي شيبة: 12/383، ولكثير من فقراتها شواهد من الأحاديث الصحيحة. انظر: نصب الراية للزيلعي: 3/406، إرواء الغليل للألباني: 5/13-14.
  28. وانظر: القانون الدولي العام د. حامد سلطان، وآخرين، ص744، الأسلحة الكيميائية والجرثومية، د. نبيل صبحي، ص157.
  29. انظر: المبسوط: 10/31، حاشية ابن عابدين: 4/12، بدائع الصنائع: 9/4309، مختصر اختلاف العلماء: 3/432.
  30. سورة التوبة، الآية: 120.
  31. أخرجه أبو داود في الجهاد: 3419، وابن ماجه في التحريق بأرض العدو: 2/942، والإمام أحمد: 5/205، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده. انظر: تعيق الأرناؤوط على المسند: 36/119-120.
  32. انظر: شرح السير الكبير: 4/1467، تبيين الحقائق: 3/244، بدائع الصنائع: 9/4309.
  33. انظر في ذلك: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، د. محمد خير هيكل: 2/1343-1361.
  34. سورة الحشر، الآية 5.
  35. سيرة ابن هشام: 2/190، طبقات ابن سعد: 2/57-58، المراسيل لأبي داود ص168.
  36. الخراج لأبي يوسف، ص 210 – 211.
  37. انظر: تاريخ الحروب الصليبية تأليف وليم الصوري، ترجمة د. سهيل زكار: 2/1049-1050.
  38. انظر: محاضرات في العلاقات الدولية في الإسلام، لأستاذنا الدكتور إبراهيم عبد الحميد، ص46، مذكرات لطلبة الدراسات العليا بكلية الشريعة والقانون بالأزهر، القانون الدولي العام، د. علي صادق أبو هيف، ص810-812، د. حسني جابر، ص334-336.
  39. سورة النحل، الآية 126.
  40. أخرجه أبو داود: 4/12، والإمام أحمد: 4/428، وابن أبي شيبة: 9/423، وصححه ابن حبان، ص362، وهو حديث صحيح ورجاله ثقات، وقوّاه الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/459، وانظر: التعليق على المسند: 33/202.
  41. أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار: 7/404-405، والبيهقي: 9/132، وسعيد بن منصور: 2/245و246، وإسناده صحيح. انظر: التخليص الحبير لابن حجر: 4/201.
  42. رواه ابن إسحاق عن أبي هريرة: 1/657، وأصل القصة في البخاري: 6/149.
  43. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: “متى توتر؟” قال: من أول الليل بعد العتمة، ثم قال لعمر: “متى توتر؟” قال: من آخر الليل، قال لأبي بكر: “أخذت بالحزم”، وقال لعمر: “أخذت بالقوة”. أخرجه أبو داود برقم 1434، وابن ماجه برقم 1202، وابن حبان برقم 2446، وابن أبي شيبة برقم 6708، وهو حديث حسن.
  44. رواه البخاري في العيدين: 2/374، ومسلم في العيدين برقم 889. انظر: جامع الأصول: 6/127.
  45. انظر: تهذيب اللغة للأزهري: 4/218، مقاييس اللغة: 2/53، مجمل اللغة: 1/2341، كلاهما لابن فارس، الصحاح للجوهري: 5/1898، إكمال الأعلام بتثليث الكلام لابن مالك الجياني: 1/147، لسان العرب، لابن منظور: 12/131-134، تاج العروس للزبيدي: 31/477، المصباح المنير، للفيومي: 1/133، المعجم الوسيط: 1/170-171.
  46. انظر بالتفصيل: العلاقات الدولية في الشريعة الإسلامية، للدكتور أحمد أبو الوفا، ص49 وما بعدها، وهو الجزء الرابع ضمن موسوعته الفريدة الشاملة، وتقع في خمسة عشر مجلداً بعنوان: كتاب الإعلام بقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية في شريعة الإسلام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1421هـ.
  47. انظر: تفسير الفخر الرازي: 26/225-226، في ظلال القرآن: 5/2529-2530.
  48. المرجع نفسه.
  49. في كتابه: العلاقات الدولية في الشريعة الإسلامية ص85-87.
  50. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى: 2/73، وابن إسحاق في السيرة: 2/223، وأبو يوسف في الخراج ص225، وعبد الرزاق في المصنّف: 5/367-368، قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
  51. العِلْهز، بكسر العين: القُراد الضخم، وطعام من الدم والوبَر في البعير كانوا يتخذونه في أيام المجاعة. الصحاح للجوهري: 3/887.
  52. انظر: المصنف لابن أبي شيبة: 14/420، مجمع الزوائد للهيثمي: 6/132، المغازي للواقدي، المصدر السابق، إمتاع الأسماع للمقريزي: 1/235.
  53. السيرة النبوية لابن هشام: 2/316-317.
  54. العلاقات الدولية في الشريعة، د. أحمد أبو الوفا، ص60-61. وانظر: أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني، د. عثمان ضميرية: 2/965.
  55. أخرجه أبو داود في البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه: 5/185، والترمذي في البيوع: 4/479 وقال: “حسن غريب” واختلف فيه تصحيحاً وتضعيفاً. انظر: نصب الراية 4/119، التلخيص الحبير 3/97.
  56. المرجع السابق.
  57. السير الكبير مع شرح السرخسي: 5/1758. وانظر أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام الشيباني، عثمان ضميرية: 2/886-888.
  58. المرجع نفسه، ص1759-1760.
  59. مؤتة، بضم الميم بعدها همزة، قرية من قرى البلقاء بالشام دون دمشق، وهي تقع الآن في الأردن. انظر: معجم البلدان: 5/219.
  60. بُصرى، بضم الباء والألف المقصورة، بلدة بالشام من أعمال دمشق وهي قصبة حوران. انظر: معجم البلدان: 2/441.
  61. انظر هذه الغزوة بالتفصيل في: طبقات ابن سعد: 2/128-130، سيرة ابن هشام: 3/383، المغازي للواقدي: 2/755-769، إمتاع الأسماع: 1/344-352، البداية والنهاية: 4/344-352.
  62. الأحابيش جمع أُحبوشة وهي الجماعة من الناس، وأحابيش قريش: جماعة من قريش وكنانة وخزاعة اجتمعوا عند حُبْشيّ، وهو جبل بأسفل مكة وتحالفوا. انظر: المعجم الوسيط: 1/152.
  63. انظر: سيرة ابن هشام: 2/314-315، وطبقات ابن سعد: 2/96-97، الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفا: 2/238، إمتاع الأسماع: 1/289-291، تفسير البغوي: 7/304-305، تفسير الطبري: 26/86.
  64. انظر وقائعها وما جرى فيها في: سيرة ابن هشام: 2/143-148، الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر، ص76-78، إمتاع الأسماع للمقريزي: 1/188 وما بعدها، شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية، للمودودي، ص233-236.
  65. انظر بشأنها بالتفصيل: سيرة ابن هشام: 2/170-192، إمتاع الأسماع للمقريزي: 1/221 وما بعدها.
  66. انظر: سيرة ابن هشام:2/، الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر، ص189-192، إمتاع الأسماع للمقريزي: 1/240-251، شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية للمودودي، ص236-239.
  67. انظر بشأنها: سيرة ابن هشام:2/297 وما بعدها، الدرر في اختصار المغازي والسير ص217-220، المغازي للواقدي: 2/640-644.
  68. السيرة النبوية – دروس وعبر، مصطفى السباعي، ص124.
  69. السيرة النبوية للسباعي، ص90-91، انظر بشأنها بالتفصيل: سيرة ابن هشام: 2/170-192، إمتاع الأسماع للمقريزي: 1/221 وما بعدها.
  70. خاتم النبيين، محمد أبو زهرة: 2/706-707. وانظر: أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية، ناصر جاد، ص245-256.
  71. كما في سفر الثنية باب 20 الفقرات 10-14: حين ترسله للقتال عند أي مدينة، ترسل أولاً رسالة صلح، فلو أجيب عليها تم الصلح، وتفتح أبواب المدينة ويصبح أهلها خدماً وعبيداً لك، وإذا رفضوا الصلح وقاتلوا، فحاصروهم وحين يمكنك الرب منهم فاقتل كل رجل منهم، وتكون لك النساء والأطفال والأنعام الموجودة في المدينة كلها غنيمة لك.
  72. انظر: شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية للمودودي، ص238-239.
  73. انظر: مصنفة النظم الإسلامية، ص43-56، 1/280، دولة الإسلام والعالم، د. حميد الله، ص30.
  74. العلاقات الدولة، فرانكل، ص12-127، العلاقات الدولية، لمعالي الشيخ صالح الحصيّن، ص9-10، وله أيضاً: التسامح والعدوانية، ص172-177، وانظر: الإسلام والعلاقات الدولية، د. أحمد مبارك، ص169 وما بعدها.

(المصدر: موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى