تقارير وإضاءات

المعمم الذي قتلته الحوزة و الشاه

إعداد مصطفى حسين

قبل سنين ليست بعيدة جداً انتشر كتاب تحت عنوان ” تخت فولاد”  سنة  1972 ,من  تاليف على دشتي , يتناول الكاتب فيه نبذة قصيرة عن حياة العلامة  سيد محمد باقر بروجردي، أحد رجال الدين في إيران في مدينة أصفهان,  وتم قتله على يد رضا خان , و هو فی سن 78 من حیاته.
k2 تألق العلامة  بنمط جديد في تناول البحوث العقائدية والفقهية واستدلالاته العقلية , واستناده إلى القران الكريم , باعتباره المصدر الأساسي للإسلام والمسلمين.
يتناول الكتاب حواراً على شاكلة المناقشة  بين  العلامة محمد باقر بروجردي وعدد من طلابه  , ويتطرق إلى عدة محاور, وينقد مفهومها الدارج في المذهب الشيعي تماما , ومن أهمها مفهوم  العقل والنقل، التبرؤ و التولي،  والشفاعة  والتوسل باهل البيت في المكتب الشيعي  و تأويل آيات القران . كما تناول الحديث عن (السلفية) بشكل مختصر.
في هذه المناقشة سلط  العلامة الضوء على التقاليد الشيعية  المتطرفة والأحاديث المشبوهة والمعتقدات غير الصالحة , وأثبت في استدلالاته سوء استخدام ترجمة القران الكريم , والاستنباطات القشرية  وتفسير الأحاديث و الروايات في مذهب الشيعه  , وكيف أدت هذه المعتقدات إلى تضليل الإسلام والمسلمين وتدمير البلاد.

كان العلامة  يشكل الروح الدينية المتسامحة للحوزات الشيعية في إيران , حيث تحول من رجل دين إلى رجل دين  إصلاحي ,  وأدت أفكاره و آراؤه  إلى جدل قوي , و حساسية بالغة في إيران في أوساط السلطات  والحوزات العلمية , حيث كان ينتقد علناً النظام الحاكم و الحركات الدينية الراديكالية التي تتبناها الحوزات بشكل عام , كما كان من مويدي صوت توحيد المذاهب الإسلامية .
1كان يعتبر في تلك الأيام ضمن أقلية  من المراجع الذين تجرؤوا على معارضة النظام , و مخالفة أسلوب الحوزات الشيعية التي كانت تزرع وتبث الكراهية .  وبناءً على معارضته  للمنهج الحوزوي المتطرف و انتقاداته الشديدة لها، وقف مراجع الشيعة في الحوزات التابعة للنظام ضده بشدة , وشكلوا هجوماً عنيفاً و مباشراً عليه , حيث كان يهاجم ويشتم و يقذف من قبل بعض من الناس في أصفهان بفتوى مراجع الحوزات التابعة للنظام . على الرغم من أنه لم يتم التعامل معه باعتباره مرجعاً مشهوراً بشكل جاد بسبب بساطته و تواضعه , و كذلك انتقاداته اللاذعة للفكر التشيع القشري المسيطر على الشارع، لكنه كسب الكثير من التعاطف بين الناس , و خاصة في أصفهان , غير أن  صوت العلامة المحتج أدى إلى قتله.
k3و قد تتلمذ العديد من كبار مراجع الشيعة , بل أبرزهم  ممن يحمل الأفكار الأكثر اعتدالية  على يد هذا العلامة , مثل : مولی محمد معروف بمیرزا أبوالمعالي ، سید حسن مدرس، سید حسین طباطبائي بروجردی، سید أبوالحسن أصفهانی، میرزا علی آقا شیرازی، حاج آقا رحیم أرباب، آقا نجفی قوچانی، سید محمدعلی أبطحی، میرزا مهدی بیدآبادی أصفهانی، سید عباس دهکردی، محمدعلی یزدی، جلال‌الدین همایی . وتاثر طلابه بافكاره المعتدلة. و كان من أبرز مشاريعهم الفكرية  الوحدة بين المسلمين و الاستناد على القران و رفض الرويات الباطلة  , حيث تجلت أفكار سيد محمد درجه أي من خلال طلابه طوال السنين  حتى يومنا هذا , و منهم من عاصر حكومة البهلوية  , وقضى حياته في السجن أو قتل , و ممن تتلمذ على أيادي هولاء أمثال سيد محمد حسين كاظميني بروجردي , حيث أصبح في سجون ولاية الفقيه سبب مخالفته لنظرية ولاية الفقية و دفاعه عن نظرية فصل الدين الشيعي عن السياسة.
من جهتها رفضت الحوزة الإيرانية أخيراَ  نقلاً عن وكالة صادق نيوز فحوى كتاب ” تخت فولاذ “, وصرح  مكارم شيرازي أحد مراجع التابع للسلطات المعروف بمفتي النظام ، “إن هذا الكتاب ليس إلا للتخريب ” . بينما هناك دلائل عديدة تبين حقيقة هذا العلامة , حيث وفقاً لما ذكرته صحيفة  ” خاطرات ” كانت قد نشرت مجلة ” توحيد ” من المجلات التي تعتني بشكل خاص بتاريخ الفكر الشيعي والمعتقد ات ، الحوار بين العلامة سيد محمد باقر درجه أي و طلابه  في عددها ال 7 و 8 في السنة التاسعة من انتشارها آنذاك  , و نشرت مجلة  “ماهان خاطرات ” هذا الحوار في 12 عدد  في 5 يناير 1972 حتى 5 يناير 1973 .
2هناك روايتان متناقضتان  فيما يخص وفاته أو قتله  . الأولى تبناها النظام الحاكم و الحوزات التابعة له  , وأما الاخرى المتفق عليها حسب الإثباتات التي سنذكرها بالتفاصيل عبارة عن عملية اغتيال واضحة  , تمت بالتنسيق مع رضا خان الذي تولى مقاليد الحكم بعد سنة من ذلك. وفي ذلك الحين عندما أعلن عن وفاته , كان قد أعلن الأطباء الحكوميون أن وفاته طبيعية , أثر الاختناق في الحمام  , لكن كما يعلم الجميع أن العلامة  كان من أشد معارضي رضا خان  , وقد رفض لقاء رضا خان في بيته. كما أكد العديد من أصحاب الرأي  مراراً  حقيقة وفاته , واستشهدوا بالأسباب  التالية :
1 : في سنة مقتله زار رضا خان مدينة أصفهان مرات عديدة , باعتباره رئيس القوات العسكرية.
2 : كان قد أكد رضا خان خلال هذه الفترة على لقاء العلامة , و أصر على ذلك ، وبعث العديد من أصحاب الشأن , ومن السلطات للعلامة حاملين هدايا للحصول على إذن لقائه  , ولكن على الرغم من إصرار الرسل الا أن العلامة رفض اللقاء , و رفض استلام الهدايا.k1
3 : واجه  العلامة في الأيام الاخيرة من حياة أذى و مضايقات أمنية , و تهم مفبركة من قبل رضا خان , حيث أدت إلى إضراب العام  وإغلاق المحلات في الأسواق  لعدة أيام رداً على هذه المضايقات.
4 : شُوهد  قبل مماته عدة أشخاص يرتدون ملابس مدنية غرباء غير محليين  يتنقلون في مدينة ( بروجرد ) حيث يسكن العلامة , واختفوا بعد مماته , حيث لم يراهم أحد بعد ذلك الحدث.
5: تواصلت المسيرات والاحتجاجات الغاضبة في أصفهان و المدن المجاورة منذ التشييع لليوم الثاني والثالث , وهتف المحتجون بشعارات اتهموا النظام بقتله.
6 : جزء من خطبة  ” حاج آقا جمال صهري ” أحد علماء ومشاهير مدينة خميني شهر التي صبها على الحاضرين في مجلس تأبين أحد رجالات الدين ” الحاج ميرزا علي اقا الشيرازي” . حيث خطب الصهري في هذه خطبته بحضور علماء ورجال الدين قائلا : ” يجب علينا الحفاظ على احياء ذكرى واستشهاد رجال الكبار أمثال  آية الله سيد محمد  باقر بروجردي ” ، و بسبب أهمية هذه الخطبة نتناول أجزاء منها لتكشف 1للقاريء حقيقة ماجرى في تلك الحقبة من الزمن لرجال الدين , ممن خالفوا النظام الحاكم , و خالفوا الحوزات المتطرفة الشيعية. (من كتاب تخت فولاذ).
هذا الخطيب الشهير، في التاسع من يناير 1956 قدم خطابا انتقد فيه الإهمال المتعمد لحياة المشاهير مخاطباً الجمهور : ” لماذا هذا السكوت ولماذا لم تنهضوا ؟”
وأريد أن أسألكم .. هل حقا مات العلامة طبيعيا أم قتلوه خنقا ؟ ! ! وبدأ هذا الرجل يشرح الحدث لحظةً  تلو الأخرى , و في كل لحظة يعلى صوته , ثم فجاءة صرخ و قال عدة مرات : ” أنا قتلته، أنا قتلته، أنا قتلته ” و أجهش بالبكاء , و قال كنت من المضلين و من أتباع النظام , وكنت ساعدت فى مضايقة العلامة و كنت من ضمن قاتليه. أنا لست وحيداً في القتل , بل واحداً من جيش قتله. (كتاب قصه های خواندی از چهره آی ماندنی)
وأختم بأهم ماقاله درجه أي في حوارات مع طلابه كما يلي :
عندما سأله أحد الطلاب:  نحن لا نريد من الأولياء قضاء الحاجات ، ولكن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله ؛ لأنهم أهل صلاح ومكانة عند الله , أجاب درجه أي  :إن هذا هو عين ما قاله المشركون من قبل في تسويغ ما هم عليه ، كما في قوله تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ )
وأما بالنسبة للشفاعة , قال بصراحة : لم تضر بالإسلام بدعة أو خرافة أو معتقد بقدر ما ضرت الشفاعة هذا الدين وأ خرجته عن مساره و عبثت بالاسلام والمسلمين.
ولما بدأ النقاش حول الوهابية و هاجم أحد طلابه الوهابية , و بينما تساءل الآخر عن معتقداتهم الغريبة  , حسب زعمه  , قال العلامة : ليس لديهم معتقدات غريبة , بل كل ما في الامر ، أثبتت حركتهم أنها تبحث عن دعوة خالصة إلى التوحيد والسنة، ونبذ الشرك والبدعة مدعمة بأدلة الكتاب والسنة،  وقال في الحقيقة إنها ليس مبتدعة , أو وليس لها دين جديد ولا مذهب جديد، إنما هي دعوة إلى التوحيد على منهج الصحابة ومن سلك سبيلهم هذا هو مذهب الوهابية.  وقال ليس لهم عداء مع أهل بيت الرسول , بل هم حاربوا صناعة القبور , لذلك حاربوا تقديس الهياكل والأضرحة .

(المصدر: موقع المثقف الجديد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى