كتب وبحوث

التكوير على التحرير والتنوير (9) | الشيخ محمد خير رمضان يوسف

التكوير على التحرير والتنوير (9)

الشيخ محمد خير رمضان يوسف

 

(خاص بمنتدى العلماء)

الجزء التاسع

 

(تابع سورة الأعراف)

88- {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ}.

قالَ في الآيةِ (60) من السورة: الملأ: الجماعةُ الذين أمرُهم واحد، ورأيهم واحد؛ لأنهم يُمالىءُ بعضُهم بعضاً، أي: يعاونهُ ويوافقه. ويطلقُ الملأُ على أشرافِ القومِ وقادتهم؛ لأن شأنهم أن يكونَ رأيهم واحداً عن تشاور، وهذا المعنى هو المناسبُ في هذه الآية..

89- {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا}.

ذكرَ عند تفسيرِ الآيةِ (94) من سورةِ آلِ عمران، أن الافتراءَ هو الكذب، وهو مرادفُ الاختلاق، وكأن أصلَهُ كنايةٌ عن الكذبِ وتلميح، وشاعَ ذلك حتى صارَ مرادفًا للكذب.

90- {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ}.

قالَ في الآيةِ (60) من السورة: الملأ: الجماعةُ الذين أمرُهم واحد، ورأيهم واحد؛ لأنهم يُمالىءُ بعضُهم بعضاً، أي: يعاونهُ ويوافقه. ويطلقُ الملأُ على أشرافِ القومِ وقادتهم؛ لأن شأنهم أن يكونَ رأيهم واحداً عن تشاور، وهذا المعنى هو المناسبُ في هذه الآية..

91- {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}.

قال في مثلها، في قصةِ صالح (الآية 78 من السورة): {فَأَصْبَحُوا} هنا بمعنى صاروا. والجاثم: المكبُّ على صدرهِ في الأرضِ مع قبضِ ساقيهِ كما يجثو الأرنب، ولمـّا كان ذلك أشدَّ سكوناً وانقطاعاً عن اضطرابِ الأعضاء، استُعمِلَ في الآيةِ كنايةً عن همودِ الجثّةِ بالموت. ويجوزُ أن يكونَ المرادُ تشبيهَ حالةِ وقوعهم على وجوههم حين صُعِقوا بحالةِ الجاثمِ تفظيعاً لهيئةِ مِيتتهم، والمعنى: أنهم أصبحوا جثثًا هامدةً ميِّتةً على أبشعِ منظرِ لميِّت.

93- {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ}.

ثم أعرضَ عنهم وهم هَلْكَى بين الأنقاض، موبِّخاً إيَّاهم على كفرِهم وعنادِهم، مخاطباً إيّاهم بقوله: لقد بلَّغتُكم ما أُمِرتُ به من قِبَلِ ربِّي، واجتهدتُ في نصحِكم وتحذيرِكم، ولكنَّكمُ استكبرتُم ورفضتُم، فكيف أحزنُ عليكم وقد كفرتُم بما جئتُكم به، وجحدتُم رسالةَ ربِّكم؟! (الواضح).

97- {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُون}.

قالَ في الآيةِ (4) من هذه السورة: أي مبيِّتاً لهم.

100- {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ معنى الطبعِ في الآيةِ (155) من سورةِ النساء، وقد قالَ هناك: الطبع: إحكامُ الغلق، بجعلِ طينٍ ونحوهِ على سدِّ المغلوق، بحيثُ لا ينفذُ إليه مستخرِجُ ما فيه إلا بعد إزالةِ ذلك الشيءِ المطبوعِ به، وقد يَسِمُون على ذلك الغلقِ بسمةٍ تتركُ رسماً في ذلك المجعول، وتسمَّى الآلةُ الواسمةُ طابَعاً – بفتحِ الباءِ – فهو يرادفُ الخَتْم. اهـ.

{فَهُمْ لَا يَسْمَعونَ} موعظةً ولا تذكيراً سماعَ منتفِعٍ بهما. (الطبري).

101- {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ نظائرهُ غيرَ مرة، منها في الآيةِ (155) من سورةِ النساء، قالَ هناك: الطبع: إحكامُ الغلق، بجعلِ طينٍ ونحوهِ على سدِّ المغلوق، بحيثُ لا ينفذُ إليه مستخرِجُ ما فيه إلا بعد إزالةِ ذلك الشيءِ المطبوعِ به، وقد يَسِمُون على ذلك الغلقِ بسمةٍ تتركُ رسماً في ذلك المجعول، وتسمَّى الآلةُ الواسمةُ طابَعاً – بفتحِ الباءِ – فهو يرادفُ الخَتْم.

106- {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

إنْ كنتَ صادقًا فيما ادَّعيت. (ابن كثير).

114- {قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِين}.

في المنزلةِ الرفيعةِ عندي مع الأجر. (البغوي).

117- {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}.

يخبرُ تعالى أنه أوحَى إلى عبدهِ ورسولهِ موسى عليه السلامُ في ذلك الموقفِ العظيم، الذي فرَّقَ الله تعالى فيه بين الحقِّ والباطل، يأمرهُ بأن يُلقي ما في يمينه… (ابن كثير).

126- {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين}.

{بِآيَاتِ رَبِّنَا}: بحججِ ربِّنا وأعلامهِ وأدلتهِ التي لا يقدرُ علـى مثلِها أنت ولا أحدٌ سوى الله، الذي له ملكُ السماواتِ والأرض.

{وَتَوَفَّنَا}: واقبضنا إلـيك. (الطبري).

127- {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ}.

قالَ في الآيةِ (60) من السورة: الملأ: الجماعةُ الذين أمرُهم واحد، ورأيهم واحد؛ لأنهم يُمالىءُ بعضُهم بعضاً، أي: يعاونهُ ويوافقه. ويطلقُ الملأُ على أشرافِ القومِ وقادتهم؛ لأن شأنهم أن يكونَ رأيهم واحداً عن تشاور، وهذا المعنى هو المناسبُ في هذه الآية..

128- {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

والعاقبةُ المحمودةُ لمن اتقَى الله وراقبه، فخافَهُ بـاجتنابِ معاصيهِ وأدَّى فرائضه. (تفسير الطبري).

133- {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.

وكانوا قومًا يعملونَ بما يكرههُ اللهُ مِن المعاصي والفسق، عُتوًّا وتمرُّدًا. (الطبري).

135- {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ}.

ذكرَ عند تفسيرِ الآيةِ السابقة، أن المقصودَ (العذابُ المذكور)، ويعني الطوفان، ثم بيَّنَ أن الرجزَ من أسماءِ الطاعون، وأنه يجوزُ أن يكونَ المقصودَ به.

141- ) {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}.

قالَ في تفسيرِ الآيةِ (49) من سورة البقرة {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} ما ملخصه: تنجيةُ أسلافهم تنجيةٌ للخلف، فإنه لو بقيَ أسلافُهم في عذابِ فرعونَ لكان ذلك لاحقاً لأخلافهم، فلذلك كانت منَّةُ النتيجةِ منَّتين: منَّةً على السلف، ومنَّةً على الخلف، فوجبَ شكرها على كل جيلٍ منهم.

وآلُ الرجل: أهله. والأهلُ والآلُ يرادُ به الأقاربُ والعشيرةُ والموالي، وخاصةَ الإنسانَ وأتباعَه. والمرادُ من آلِ فرعونَ وَزَعَتهُ ووكلاؤه، ويختصُّ الآلُ بالإضافةِ إلى ذي شأنٍ وشرفٍ دنيوي.

ومعنى {يَسُومُونَكُمْ}: يعاملونكم معاملةَ المحقوقِ بما عوملَ به.

وسوءُ العذاب: أشدُّهُ وأفظعه، وهو عذابُ التسخيرِ والإرهاق، وتسليطُ العقابِ الشديد، بتذبيحِ الأبناء، وسبي النساء. والمعنى: يذبحون أبناءَ آبائكم، ويستحيون نساءَ قومكم الأولين.

والبلاء: الاختبارُ بالخيرِ والشر، ولما كان الاختبارُ يوجبُ الضجرَ والتعبَ سمِّيَ بلاء، ثم شاعَ في اختبارِ الشر؛ لأنه أكثرُ إعناتاً للنفس. وأشهرُ استعمالهِ إذا أُطلِقَ أن يكونَ للشر، فإذا أرادوا به الخيرَ احتاجوا إلى قرينةٍ أو تصريح. والمرادُ هنا: المصيبة.

142- {وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين}.

قالَ أثناءَ تفسيرِ الآيةِ (205) من سورةِ البقرة: الفسادُ ضدُّ الصلاح، ومعنى الفساد: إتلافُ ما هو نافعٌ للناسِ نفعًا محققَا أو راجحًا.

144- {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِين}.

{وكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لله على ما آتاكَ من رسالته، وحصلَ به من النـجوى بطاعتهِ في أمرهِ ونهيه، والمسارعةِ إلى رضاه.

147- {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا}.

حُجَجِ اللهِ ورسلهِ وآياته. (الطبري).

148- {اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}.

ذكرَ أنه كقولهِ في سورةِ البقرة (الآية 51): {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}، قالَ هناك: حالٌ مقيدةٌ لـ {اتَّخَذْتُمُ}؛ ليكونَ الاتخاذُ مقترناً بالظلم، من مبدئهِ إلى منتهاه، وفائدةُ الحالِ الإشعارُ بانقطاعِ عذرهم فيما صنعوا، وأنْ لا تأويلَ لهم في عبادةِ العجل، أو لأنهم كانوا مدةَ إقامتهم بمصرَ ملازمين للتوحيد، محافظين على وصيةِ إبراهيمَ ويعقوبَ لذريتهما بملازمةِ التوحيد، فكان انتقالهم إلى الإشراكِ بعد أن جاءهم رسولٌ انتقالاً عجيباً! فلذلك كانوا ظالمين في هذا الصنعِ ظلماً مضاعفاً، فالظاهرُ أنْ ليس المرادُ بالظلمِ في هاتهِ الآيةِ الشركَ والكفر، وإن كان من معاني الظلمِ في اصطلاحِ القرآن؛ لظهورِ أنَّ اتخاذَ العجلِ ظلم، فلا يكونُ للحالِ معه موقع.

149- {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

{قَدْ ضَلُّوا}: قد جاروا عن قصدِ السبـيـل، وذهبوا عن دينِ الله, وكفروا بربِّهم…

{لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}: … لنكوننَّ مِن الهالكينَ الذينَ حبطتْ أعمالهم. (الطبري).

153- {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.

لساترٌ عليهم أعمالَهم السيِّئة, وغيرُ فاضحِهم بها, رحيمٌ بهم, وبكلِّ مَن كانَ مثلهم من التائبين. (الطبري).

154- {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}.

{هُدًى وَرَحْمَةٌ} أي: بيانٌ للحقِ عظيم، ورحمةٌ جليلة، بالإرشادِ إلى ما فيه الخيرُ والصلاح.

{يَرْهَبُونَ} أي: يخافون أشدَّ الخوف. (روح المعاني).

155- {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا}.

أي: للوقتِ الذي وقَّتناهُ له وعيَّنَّاهُ ليأتيَ فيه بسبعينَ رجلًا من خيارِ بني إسرائيل؛ ليعتذروا عمّا كان من القومِ من عبادةِ العجل، فهذا الميقاتُ ميقاتُ التوبة، لا ميقاتُ المناجاةِ والتكليم. (روح البيان).

156- {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}.

ذكرَ في الآيةِ (183) من السورة، أن التقوى الشرعيةَ هي اتقاءُ المعاصي.

157- {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

الـمُنـجَحون، الـمدرِكونَ ما طلبوا ورجَوا بفعلِهم ذلك. (الطبري).

158- {فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}.

{النَّبِيِّ الأُمِّيِّ}: مما ذكرَهُ المؤلفُ في الآيةِ السابقةِ عن أميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قوله: الأميُّ الذي لا يعرفُ الكتابةَ والقراءة… والأميّةُ وصفٌ خصَّ الله به من رسلهِ محمداً، إتماماً للإعجازِ العلميِّ العقليِّ الذي أيدَهُ الله به، فجعلَ الأميةَ وصفاً ذاتياً له، ليتمَّ بها وصفهُ الذاتي، وهو الرسالة، ليظهرَ أن كمالَهُ النفسانيَّ كمالٌ لدُنّيُّ إلهيّ، لا واسطةَ فيه للأسبابِ المتعارفةِ للكمالات، وبذلك كانت الأميةُ وصفَ كمالٍ فيه، مع أنها في غيرهِ وصفُ نقصان، لأنه لمـّا حصلَ له من المعرفةِ وسدادِ العقلِ ما لا يحتملُ الخطأَ في كلِّ نواحي معرفةِ الكمالاتِ الحق، وكان على يقينٍ من علمه، وبيِّنةٍ من أمره، ما هو أعظمُ مما حصلَ للمتعلمين، صارت أمِّيتهُ آيةً على كونِ ما حصلَ له إنما هو من فيوضاتٍ إلهية. اهـ.

{لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}: جعلَ رجاءَ الاهتداءِ إثرَ الأمرَين تنبيهاً على أنَّ من صدَّقَهُ ولم يتابعْهُ بالتزامِ شرعهِ فهو يعدُّ في خططِ الضلالة. (البيضاوي).

160- {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}.

واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيِّكم موسى عليه السلام، حين استسقاني لكم، وتيسيري لكمُ الماء، وإخراجهِ لكم من حَجَرٍ يُحمَلُ معكم، وتفجيريَ الماءَ لكم منه مِن ثنتي عشرةَ عينًا، لكلِّ سبطٍ من أسباطِكم عينٌ قد عرفوها. وقد أنعَمنا عليهم وهم في ظروفٍ شديدةٍ في التِّيه، فظلَّلنا عليهمُ السَّحابَ الأبيضَ ليَقيَهُم حرَّ الشَّمسِ المـُحرِق، وكان يَسيرُ الغَيمُ بسَيرِهم، ويَقِفُ بوقوفهم! وأنزلنا عليهم طعاماً شَهيّاً لا يَتعبونَ في تَحصيله، وهو الـمَنّ، الذي يَجدونَهُ على الأشجَارِ حُلواً كالعسل، وطائرُ السُّمانَى، القريبُ المنال، فكُلوا هذا الطعامَ الطيِّبَ المستَلذَّ هَنيئاً مَريئاً. ولكنَّكم ظَلمتُم وجَحَدتُم، فكانتْ عاقبةُ ظُلمِكم على أنفسِكم. (تفسير ما لم يفسره ابن كثير).

161- {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}

واذكرْ لليهودِ قولَنا لأسلافِهم: ادخلوا هذهِ القرية – أريحا أو بيتَ المقدسِ –  وأقيموا فيها، وكلوا مِن مطاعمِها وثمارِها ما شئتُم، وقولوا عندَ دخولِكم “حِطَّة”: حُطَّ عنّا ذنوبَنا واغفِرْ لنا، فإذا فعلتُم ذلكَ غفَرنا لكم ذنوبَكم، وزِدْنا المحسنينَ ثوابًا مِن فضلِنا. (الواضح).

162- {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ}

فغيَّرَ الذينَ ظلموا أنفسَهم ما أُمِروا بهِ مِن الخضوعِ بالقولِ والفعل، فبدلَ أنْ يَدخُلوا ساجدينَ مستَغفِرين، دخلوا بهيئةٍ أخرَى مُخالِفة، وقالوا قولاً آخرَ غيرَ الذي أُمِروا به؛ مُخالفةً وعِناداً.

فأنزلنا على الظَّالمينَ المعاندينَ عذاباً منَ السَّماء؛ لِـما كانوا يعصونَ ويخرجونَ مِن أمرِ اللهِ تعالَى. (الواضح).

165- {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.

يخالفونَ أمرَ الله, فـيخرجون مِن طاعتهِ إلـى معصيته, وذلكَ هو الفِسق. (الطبري).

166- {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}.

فلمّا تمرَّدوا فيما نُهوا عنه من اعتدائهم في السبت, واستحلالهم ما حرَّم الله عليهم من صيدِ السمكِ وأكله، وتمادَوا فيه، {قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ } قالَ قتادة: فصاروا قردةً لها أذنابٌ تَعَاوَى، بعد ما كانوا رجالاً ونساء. (تفسير الطبري، باختصار).

170- {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}.

{يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} أي: يتمسَّكون به في أمورِ دينهم. يقال: مسكَ بالشيء، وتمسَّك به.

{إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} أي: نعطيهم أجرهم في القولِ والعمل. والإصلاح: إما إصلاحُ الظواهر، وإما إصلاحُ السرائر، وذلك بالتقيدِ بالأعمالِ الظاهرة، وتربيةِ النفس، إلى أن تصلحَ لقبولِ فيضِ نورِ الله. (روح البيان).

171- {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

أشارَ إلى نظيرهِ في الآيةِ (63) من سورةِ البقرة، وقولهُ هناك ملخصًا: الأخذُ مجازٌ عن التلقِّي والتفهُّم. والقوةُ مجازٌ في الإيعاء وإتقانِ التلقِّي، والعزيمةِ على العملِ به. ويجوزُ أن يكونَ الذكرُ مجازاً عن الامتثال، أي: اذكروهُ عند عزمكم على الأعمال، حتى تكونَ أعمالكم جاريةً على وفقِ ما فيه. والمرادُ بما آتاهم: ما أوحاهُ إلى موسى، وهو الكلماتُ العشر، التي هي قواعدُ شريعةِ التوراة. وجملةُ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} علَّةٌ للأمرِ بقوله: {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ}. والرجاءُ الذي يقتضيهِ حرفُ (لعلَّ) مستعملٌ في معنى تقريبِ سببِ التقوى، بحضِّهم على الأخذِ بقوة، وتعهُّدِ التذكرِ لما فيه.

181- {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}

قالَ في مثيلتها، في الآيةِ (159) من السورة: أي: يحكمون حكماً لا جَور فيه.

186- {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة (الآية 15): {اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون}، وبيَّنَ هناك أن الطغيانَ مصدرٌ بوزنِ الغفرانِ والشكران، وهو مبالغةٌ في الطغْي، وهو الإفراطُ في الشرِّ والكِبْر. والعَمَهُ: انطماسُ البصيرة، وتحيُّرُ الرأي، وفعله: عَمِهَ، فهو عامهٌ وأعمه. اهـ.

وتفسيرهُ عند الإمامِ الطبري: ولكنَّ اللهَ يدَعُهم في تماديهم في كفرهم وتمرُّدِهم في شركهم يتردَّدون… (الطبري).

187- {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

ولكن أكثرَ الناسِ لا يعلمون أن ذلك لا يعلمهُ إلاَّ الله، بل يحسبون أن علمَ ذلك يوجدُ عند بعضِ خـلقه. (الطبري).

189- {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا}.

أي: واقعها وجامعها. (البغوي).

201- {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ معنى (التقوى) عند قولهِ تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} من سورةِ البقرة (الآية 2). ومما قالَهُ هناك: التقوى الشرعيةُ هي امتثالُ الأوامر، واجتنابُ المنهياتِ من الكبائر، وعدمُ الاسترسالِ على الصغائر، ظاهراً وباطناً، أي: اتقاءُ ما جعلَ الله الاقتحامَ فيه موجباً غضبَهُ وعقابه.

204- {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

… لـيرحمَكم ربُّكم بـاتِّعاظكم بمواعظِه, واعتبـارِكم بعِبَره, واستعمالِكم ما بـيَّنَهُ لكم ربُّكم مِن فرائضهِ في آية. (الطبري).

سورة الأنفال

1- {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ}.

وانتهوا أيها القومُ الطالبون الأنفـالَ إلى أمرِ الله وأمرِ رسولهِ فيما أفاءَ الله علـيكم، فقد بيَّنَ لكم وجوهَهُ وسبُلَه. (الطبري).

10- {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.

قالَ في مثلها، في الآيةِ (126) من سورةِ آلِ عمران: أي: كلُّ نصرٍ هو من الله لا من الملائكة.

وقالَ الإمامُ الطبري: وما تُنصَرون علـى عدوِّكم أيها المؤمنون إلاّ أنْ ينصرَكم اللهُ عليهم, لا بشدَّةِ بأسِكم وقُواكم, بل بنصرِ اللهِ لكم, لأن ذلكَ بـيدهِ وإلـيه, ينصرُ مَن يشاءُ مِن خَـلقه.

12- {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ}.

 قالَ عند الآيةِ (151) من سورةِ آلِ عمران: الرعب: الفزعُ من شدَّةِ خوف.

16- {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

… ومصيرهُ الذي يصيرُ إلـيه في معادهِ يومَ القيامةِ جهنَّم, وبئسَ الموضعُ الذي يصيرُ إلـيه ذلكَ المصير. (الطبري).

18- {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}.

مُضعِف. (الطبري).

22- {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُون}.

قال: المرادُ بالدوابِّ معناهُ الحقيقي. اهـ.

وقالَ الإمامُ الطبري: ما دبَّ علـى الأرضِ من خـلقِ الله.

30- {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين}.

 ذكرَ أنه تقدَّمَ في آيةِ سورةِ آلِ عمران (رقم 54): {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين}، قالَ هناك ما ملخصه: … ومَكْرُ الله بهم هو تمثيلٌ لإخفاقِ الله تعالى مساعيَهم، في حالِ ظنِّهم أن قد نجحتْ مساعيهم. ومعنى {وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين} أي: أقواهم عند إرادةِ مقابلةِ مكرهم بخذلانهِ إيّاهم. ويجوزُ أن يكونَ معنى {خَيْرُ الْمَاكِرِين}: أنّ الإملاءَ والاستدراج – الذي يقدِّرهُ للفجّارِ والجبابرةِ والمنافقين، الشبيهَ بالمكرِ في أنّه حَسَنُ الظاهرِ سيّءُ العاقبة – هو خيرٌ محض، لا يترتَّبُ عليه إلاّ الصلاحُ العام، وإن كان يؤذي شخصاً أو أشخاصاً، فهو من هذه الجهةِ مجرَّدٌ عمّا في المكرِ من القبح، ولذلك كانت أفعالهُ تعالى منزَّهةً عن الوصفِ بالقبحِ أو الشناعة، لأنها لا تقارنها الأحوالُ التي بها تقبحُ بعضَ أفعالِ العباد، من دلالةٍ على سفاهةِ رأي، أو سوءِ طوية، أو جُبن، أو ضعف، أو طمع، أو نحوِ ذلك. أي: فإن كان في المكرِ قبح، فمكرُ الله خيرٌ محض.

31- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِين}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ الأنعام (الآية 25)، قالَ هناك: الأساطيرُ جمعُ أسطورة، وهي القصّةُ والخبرُ عن الماضين. والأظهرُ أن الأُسطورةَ لفظٌ معرَّبٌ عن الرومية. وكان العربُ يطلقونهُ على ما يتسامَرُ الناسُ به من القصصِ والأخبارِ على اختلافِ أحوالها من صدقٍ وكذب. وقد كانوا لا يميِّزون بين التواريخِ والقصصِ والخرافات، فجميعُ ذلك مرميٌّ بالكذبِ والمبالغة. فقولهم: {إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِين} يحتملُ أنهم أرادوا نسبةَ أخبارِ القرآنِ إلى الكذب، على ما تعارفوهُ من اعتقادهم في الأساطير. ويشتملُ أنهم أرادوا أن القرآنَ لا يخرجُ عن كونهِ مجموعَ قصصٍ وأساطير، يعنون أنه لا يستحقُّ أن يكونَ من عند الله؛ لأنهم لقصورِ أفهامهم، أو لتجاهلهم، يعرضون عن الاعتبارِ المقصودِ من تلك القصص، ويأخذونها بمنزلةِ الخرافاتِ التي يتسامرُ الناسُ بها لتقصيرِ الوقت (باختصار).

34- {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون}.

أي: هم ليسوا أهلَ المسجدِ الحرام، وإنما أهلهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه. (ابن كثير).

37- {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ}.

فـيجعلَ الخبـيثَ جميعًا في جهنـم. (الطبري).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى