كتب وبحوث

التكوير على التحرير والتنوير (7) | الشيخ محمد خير رمضان يوسف

التكوير على التحرير والتنوير (7)

الشيخ محمد خير رمضان يوسف

 

(خاص بمنتدى العلماء)

الجزء السابع

(تكملة سورة المائدة)

85- {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}.

{جَنَّاتٍ} أي: بساتين، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: تجري من تحتِ أشجارها ومساكنها وغرفها أنهارُ الماءِ والعسلِ والخمرِ واللبن، {خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ} الثوابُ {جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}

أي: الذين أحسنوا النظرَ والعمل، أو الذين اعتادوا الإحسانَ في الأمور. (روح البيان).

87- {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

أي: لا يرضَى عملَ المعتدين على أنفسهم، المتجاوزين حدودَ الله. (روح البيان).

88- {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}.

ذكرَ في الآيةِ (102) من سورةِ آلِ عمران، أن التقوى حاصلُها: امتثالُ الأمر، واجتنابُ المنهي عنه، في الأعمالِ الظاهرة، والنوايا الباطنة.

كما ذكرَ في الآيةِ (183) من سورةِ البقرة، أن التقوى الشرعيةَ هي اتقاءُ المعاصي.

89- {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}.

فإنَّ عقوبتَهُ أن يُطعِمَ عشرةَ مساكين، مِن أعدلِ ما يُطعِمُ المرءُ أهلَه، أي ما يكفي الشَّخصَ في اليومِ بشكلٍ وسط، نوعاً ومقداراً.

 أو أن يَكسوَ العددَ نفسَهُ من المساكين، ممّا يُطلَقُ عليه كساء، كقميص، أو سروال، أو عَمامة.

 أو أن يُعتِقَ عبدًا.

فمَن لم يَقدِرْ أو لم يَجدِ الأمورَ السابقة، فليَصُمْ ثلاثةَ أيّام، فإنَّ ذلكَ كفّارةٌ لمن حلفَ وحَنَث، ومحوٌ لما ارتكبَ من سيِّئةٍ بسببِه.

وراعُوا حَلِفَكم إذا حَنثتُم، فلا تَتركوهُ مِن غيرِ تكفير.

وهكذا يبيِّنُ اللهُ لكم أحكامَ شريعتهِ ويوضِّحُها، فاشكروهُ على نعمةِ هذا التعليمِ والبيان، الذي هو لخيرِكم وصالِحكم. (الواضح).

90- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}.

والقمارَ، والأصنامَ التي تُنْصَبُ للعبادةِ وتُذبَحُ عندها القرابين، والقِداحَ التي يُستَقْسَمُ بها. (الواضح).

91- {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ القولُ على العداوةِ والبغضاءِ عند قولهِ تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} في هذه السورة، وهو في الآيةِ (14) منها، وقد ذكرَ هناك أن بين معنيي العداوةِ والبغضاءِ التضادَّ والتباين، فالعداوةُ كراهيةٌ تصدرُ عن صاحبها: معاملةٌ بجفاء، أو قطيعة، أو إضرار؛ لأنّ العداوةَ مشتقَّةٌ من العدو، وهو التجاوزُ والتباعد، فإن مشتقّاتِ مادةِ (ع د و) كلّها تحومُ حولَ التفرّقِ وعدمِ الوئام. وأمّا البغضاءُ فهي شدَّةُ البغض، وليس في مادةِ (ب غ ض) إلاّ معنَى جنسِ الكراهية، فلا سبيلَ إلى معرفةِ اشتقاقِ لفظها من مادتها.

93- {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

والله يحبُّ المتقرِّبين إليه بنوافلِ الأعمالِ التي يرضاها. (الطبري).

97- {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ}

الهَدْيُ والقلائدُ أيضاً قيامٌ لهم، فهي ممّا يَخصُّ مناسكَ الحجّ، وهي النُّسُكُ التي تُهدَى للحرَم، فتُذْبَحُ هناكَ ويُوَزَّعُ لحمُها على مساكينِه. والقلائدُ هي البُدْنُ التي تُقلَّدُ بقلائدَ ليَعرِفَ الناسُ أنَّها للحرَمِ فلا يتعرَّضُ لها أحد، وذُكِرَ أنَّ الثوابَ فيها أكثَر، والحجَّ بها أظهر. (الواضح).

101- {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}.

واللهُ ساترٌ ذنوبَ مَن تابَ منها, فتاركٌ أنْ يفضحَهُ في الآخرة، حليمٌ أنْ يعاقبَهُ بها، لتغمُّدهِ التائبَ منها برحمتهِ وعفوهِ عن عقوبتهِ علـيها. (الطبري).

104- {أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ القولُ على نظيرهِ في سورةِ البقرة، وهو في الآيةُ (170) منها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون}، وقد أطالَ جدًّا هناك، حتى قال: “وقد أشبعتُ الكلامَ على (لو) هذه؛ لأن الكلامَ عليها لا يوجدُ مفصَّلاً في كتب النحو”.

وتفسيره: … لكنْ لماذا يقلِّدونَ آباءَهم هكذا بدونِ تعقُّلٍ ولا تفكير؟ فإذا كانَ الآباءُ جهَلةً ضالِّينَ مثلَهم، لا يَفهمونَ الحقَّ ولا يعرفونَ سبيلَ الاهتداءِ إليه، فكيفَ يتَّبِعونَهم والحالةُ هذه؟ (الواضح).

110- {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي}.

{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}: ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ آلِ عمران (الآية 48)، وقد بيَّنَ هناك معنى (الكتاب) بقوله: الكتابُ مرادٌ به الكتابُ المعهود. وعطفُ التوراةِ تمهيدٌ لعطفِ الإنجيل. ويجوزُ أن يكونَ الكتابُ بمعنى الكتابة. اهـ.

و(الحكمة) هي الفهمُ بمعاني الكتابِ الذي أنزلتهُ إليك، وهو الإنجيل. (الطبري).

{وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي} قالَ مؤلفُ الأصلِ في الآيةِ (49) من سورةِ آل عمران: الأكمه: الأعمى، أو الذي ولدَ أعمى. والأبرص: المصابُ بداءِ البرص، وهو داءٌ جلديٌّ له مظاهرُ متنوعة، منها الخفيف، ومنها القويّ، وأعراضهُ بقعٌ بيضاءُ شديدةُ البياض، تظهرُ على الجلد، فإن كانت غائرةً في الجلدِ فهو البرص، وإن كانت مساويةً لسطحِ الجلدِ فهو البَهق، ثم تنتشرُ على الجلد، فربما عمَّتِ الجلدَ كلَّهُ حتى يصيرَ أبيض، وربما بقيتْ متميزةً عن لونِ الجلد. وأسبابهُ مجهولة، ويأتي بالوراثة، وهو غيرُ مُعْد.

111- {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي}.

قالَ في الآيةِ (52) من سورةِ آل عمران: (الحواريون) لقبٌ لأصحابِ عيسى عليه السلام، الذين آمنوا به ولازموه.

114- {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ}.

قالَ في الآيةِ (112) من السورة: اسمُ (مائدة): هو الخِوانُ الموضوعُ عليه طعام، فهو اسمٌ لمعنًى مركَّبٍ يدلُّ على طعامٍ وما يوضَعُ عليه. والخِوان ـــ بكسرِ الخاءِ وضمِّها ـــ تختٌ من خشب، له قوائمُ مجعولٌ ليوضعَ عليه الطعامُ للأكل، اتفقوا على أنه معرَّب… وإنّما سألَ الحواريّون كونَ المائدةِ منزلةً من السماءِ لأنهم رغبوا أن تكونَ خارقةً للعادة، فلا تكونُ ممّا صُنِعَ في العالمِ الأرضيّ، فتعيَّنَ أن تكونَ من عالمٍ علوي. (اهـ. باختصار).

{وَآَيَةً مِنْكَ}: وعلامةً وحجةً منك يا ربِّ على عبادِكَ في وحدانيتك، وفي صدقي على أني رسولٌ إليهم بما أرسلتني به.

{وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ}: وأعطِنا مِن عطائك, فإنكَ يا ربِّ خيرُ من يعطي، وأجودُ مَن تفضَّل؛ لأنه لا يدخلُ عطاءَهُ مَنٌّ ولا نكد. (الطبري).

116- {إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب}.

ما كان وما يكون. (البغوي، روح البيان).

المعنى: ولا علمَ لي أنا بغيب، فكيف تكونُ لي الألوهية؟ (ابن عطية).

117- {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

وأنتَ تشهدُ على كلِّ شيء؛ لأنه لا يخفَى عليكَ شيء, وأما أنا فإنما شهدتُ بعضَ الأشياء, وذلك ما عاينتُ وأنا مقيمٌ بين أظهرِ القوم، فإنما أنا أشهدُ على ذلك الذي عاينتُ ورأيتُ وشهدت. (الطبري).

119- {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

{لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}: لهم جزاءَ إيمانِهم وصدقِهم جنّاتٌ عالياتٌ تجري مِن تحتِها الأنهار، مقيمينَ فيها أبداً، لا يزولونَ عنها ولا يَحُولون. (الواضح).

{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي: هذا الفوزُ الكبيرُ الذي لا أعظمَ منه.. (ابن كثير).

سورة الأنعام

12- {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}.

ذكرَ تقدُّمَ القولِ في نظيرهِ في سورةِ النساء (الآية 87)، وقد قالَ هناك: معنى {لَا رَيْبَ فِيهِ}: نفيُ أن يتطرَّقَهُ جنسُ الريبِ والشكّ، أي: في مَجيئه، والمقصود: لا ريبَ حقيقيًّا فيه، أو أن ارتيابَ المرتابين لوهنهِ نُزِّلَ منزلةَ الجنسِ المعدوم.

19- {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}.

أي: أخوِّفكم بما فيه من الوعيدِ أيها الموجودون وقتَ نزولِ القرآن… (روح البيان).

20- {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.

أشارَ إلى معناهُ عند تفسيرِ الآيةِ (12) من السورة، وهناك قوله: معنى {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}: أضاعوها كما يضيِّعُ التاجرُ رأسَ ماله، فالخسرانُ مستعارٌ لإضاعةِ ما شأنهُ أن يكونَ سببَ نفع. فمعنى {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}: عدموا فائدةَ الانتفاعِ بما ينتفعُ به الناسُ من أنفسهم، وهو العقلُ والتفكير، فإنّه حركةُ النفسِ في المعقولاتِ لمعرفةِ حقائقِ الأمور. وذلك أنّهم لما أعرضوا عن التدبّرِ في صدقِ الرسولِ عليه الصلاةُ والسلام، فقد أضاعوا عن أنفسهم أنفعَ سببٍ للفوزِ في العاجلِ والآجل، فكان ذلك سببَ أن لا يؤمنوا بالله والرسولِ واليومِ الآخر. فعدمُ الإيمانِ مسبّبٌ عن حرمانهم الانتفاعَ بأفضلِ نافع. ويتسبّبُ عن عدمِ الإيمانِ خسرانٌ آخر، وهو خسرانُ الفوزِ في الدنيا بالسلامةِ من العذاب، وفي الآخرةِ بالنجاةِ من النار، وذلك يقالُ له خسران، ولا يقالُ له خسرانُ الأنفس.

25- {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ}.

{آيَةٍ} أي: معجزةٍ دالَّةٍ على صدقِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، على ما نُقِلَ عن الزجاج، وهو الذي يقتضيهِ كلامُ ابنِ عباسٍ رضيَ الله تعالى عنهما، كانشقاقِ القمر، ونبعِ الماءِ من بين أصابعهِ الشريفة، وتكثيرِ القليلِ من الطعام، وما أشبهَ ذلك.

{يُجَادِلُونَكَ} أي: يخاصمونكَ وينازعونك. (روح المعاني).

27- {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا}.

أي: القرآن، كما كنا نكذِّبُ من قبلُ ونقول: أساطيرُ الأولين. وفسَّرَ بعضهم الآياتِ بما يشملُ ذلك والمعجزات.. (روح المعاني).

43- {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}.

قالَ عند تفسيرِ الآيةِ السابقة: معنى {يَتَضَرَّعُون}: يتذلَّلون؛ لأنّ الضراعةَ التذلُّلُ والتخشُّع، وهو هنا كنايةٌ عن الاعترافِ بالذنبِ والتوبةِ منه، وهي الإيمانُ بالرسل.

48- {فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

{فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أي: بالنسبةِ لما يستقبلونه، {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: بالنسبةِ إلى ما فاتهم وتركوهُ وراءَ ظهورهم من أمرِ الدنيا وصنيعها، الله وليُّهم فيما خلَّفوه، وحافظُهم فيما تركوه. (ابن كثير).

49- {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ في الآيةِ (73) من سورةِ المائدة، وقد قالَ هناك: المسُّ مجازٌ في الإصابة، لأن حقيقةَ المسِّ وضعُ اليدِ على الجسم، فاستعملَ في الإصابةِ بجامعِ الاتصال.

51- {لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ}.

ذكرَ في الآيةِ (70) من هذه السورة، أن الوليَّ هو الناصر، والشفيع: الطالبُ للعفوِ عن الجاني، لمكانةٍ له عند من بيدهِ العقاب.

53- {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ}.

الفتنة: الاختبار، أي: عاملناهم معاملةَ المختبرين. (فتح القدير).

54- {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}.

ذكرَ تقدُّمهُ في الآيةِ (12) من السورة: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، وفيه: “التذكيرُ بأنّه رحيمٌ بعبيده، عساهم يتوبون ويقلعون عن عنادهم”، ثم فصَّل.

64- {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ}.

الكرب: غايةُ الغمِّ الذي يأخذُ بالنفس. (روح البيان).

72- {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ معنى إقامةِ الصلاةِ في صدرِ سورةِ البقرة (الآية 3)، ومما قالَهُ هناك: إقامةُ الصلاةِ استعارةٌ تبعية، شبهتِ المواظبةُ على الصلواتِ والعنايةُ بها بجعلِ الشيءِ قائماً.

79- {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة (الآية 135 منها)، ومما ذكرَهُ هناك: أن الحنَفَ هو الميلُ في الرِّجْل، وإنما كان هذا مدحاً للملَّة؛ لأن الناسَ يومَ ظهورِ ملَّةِ إبراهيمَ كانوا في ضلالةٍ عمياء، فجاءَ دينُ إبراهيمَ مائلاً عنهم، فلقبَ بالحنيف، ثم صارَ الحنيفُ لقبَ مدحٍ بالغلبة.

81- {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} مَن أحقُّ به فأخبروني. (روح البيان).

82- {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.

{وَهُمْ مُهْتَدُونَ} إلى الحق، ومَن عداهم في ضلالٍ مبين. (روح البيان).

85- {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

أي: من الكاملينَ في الصلاح، الذي هو عبارةٌ عن الإتيانِ بما ينبغي، والتحرُّز عمّا لا ينبغي (روح المعاني).

91- {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون}.

{وَهُدًى}: مما قالَهُ في معنى (هُدًى) عند تفسيرِ الآيةِ (44) من سورةِ المائدة: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} أن أحكامها هاديةٌ وواضحة.

{ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون} ذكرَ تقدُّمَ القولِ فيها متفرقةً في ثلاثةِ مواضع، وتفسيرها: ثم دَعهم في جهلِهم وضلالِهم يلعبون، حتى يأتيَهم مِن اللهِ اليقين، فسوفَ يعلمون ألَهمُ العاقبةُ أم لعبادِ اللهِ المتَّقين؟ (ابن كثير).

93- {وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}.

آياتِ القرآن، كما أفادَهُ البغوي.

97- {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا}.

… أدلةً في البرِّ والبحرِ إذا ضللتمُ الطريق, أو تحيَّرتم فلم تهتدوا فيها ليلاً تستدلونَ بها على المحجَّة, فتهتدون بها إلى الطريقِ والمحجَّةِ فتسلكونه, وتنجونَ بها من ظلماتِ ذلك. (الطبري).

98- {قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}.

أي: قد بيَّنا الحُجَجَ وميَّزنا الأدلَّةَ والأعلامَ وأحكمناها.. (الطبري).

99- {وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}.

{وَجَنَّاتٍ}: بساتين.

{لآيَاتٍ}: حججٌ وبرهانٌ وبيان. (الطبري).

101- {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ذكرَ أنه تقدَّمَ الكلامُ عليه في سورةِ البقرة (الآية 117، ومما قالَهُ هناك: “البديعُ مشتقٌّ من الإبداع، وهو الإنشاءُ على غيرِ مثال، فهو عبارةٌ عن إنشاءِ المنشآتِ على غيرِ مثالٍ سابق، وذلك هو خلقُ أصولِ الأنواعِ وما يتولَّدُ من متولِّداتها، فخلقُ السماواتِ إبداع، وخلقُ الأرضِ إبداع، وخلقُ آدمَ إبداع، وخلقُ نظامِ التناسلِ إبداع”.

وقالَ من بعد: “وصفُ الله تعالى ببديعِ السماواتِ والأرض، مرادٌ به أنه بديعُ ما في السماواتِ والأرضِ من المخلوقات، وفي هذا الوصفِ استدلالٌ على نفي بنوةِ من جعلوهُ ابناً لله تعالى؛ لأنه تعالى لما كان خالقَ السماواتِ والأرضِ وما فيهما، فلا شيءَ من تلك الموجوداتِ أهلٌ لأن يكونَ ولداً له، بل جميعُ ما بينهما عبيدٌ لله تعالى…”.

{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: واللهُ الذي خلقَ كلَّ شيء, لا يخفَى عليه ما خَلق ولا شيءٌ منه, ولا يعزبُ عنه مثقالُ ذرَّةٍ في الأرضِ ولا في السماء, عالمٌ بعددِكم وأعمالِكم وأعمالِ مَن دعوتموهُ ربًّا أو للهِ ولداً, وهو مُحصيها عليكم وعليهم، حتى يجازيَ كلاًّ بعمله. (الطبري، باحتصار).

105- {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ}.

قالَ عند تفسيرِ الآيةِ (65) من هذه السورة {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون}: تصريفُ الآياتِ تنويعُها، بالترغيبِ تارة، والترهيبِ أخرى. فالمرادُ بالآياتِ آياتُ القرآن.

109- {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا}.

ذكرَ عند تفسيرِ الآيةِ (53) من سورةِ المائدة، أن جَهدَ الأيمانِ أقواها وأغلظها.

110- {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون}.

ذكرَ أن الطغيانَ والعمهَ تقدَّما عند قوله: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون} [سورة البقرة: 15]، وفيه أن الطغيانَ هو الإفراطُ في الشرِّ والكِبْر، والعَمَهُ: انطماسُ البصيرةِ وتحيُّرُ الرأي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى