كتب وبحوث

التكوير على التحرير والتنوير (6) | الشيخ محمد خير رمضان يوسف

التكوير على التحرير والتنوير (6)

الشيخ محمد خير رمضان يوسف

 

(خاص بمنتدى العلماء)

الجزء السادس

(تابع لسورة النساء)

151- {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.

يُهينُهم ويُذلُّهم جزاءَ كفرِهم الذي ظنُّوا به العزَّة. (روح المعاني).

152- {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ}.

{وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ}: بأنْ يؤمنوا ببعضٍ ويكفروا بآخرين، كما فعلَ الكفرة، {أُوْلَـٰئِكَ} المنعوتون بهذه النعوتِ الجليلةِ، {سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ} اللهُ تعالى {أُجُورَهُمْ} الموعودةَ لهم. (روح المعاني، باختصار).

153- {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}.

قالَ عند تفسيرهِ الآيةَ (55) من سورةِ البقرة {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ}: … والصاعقةُ نارٌ كهربائيةٌ من السحابِ تُحرقُ من أصابته، وقد لا تظهرُ النار، ولكن يصلُ هواؤها إلى الأحياء، فيختنقون بسببِ ما يخالطُ الهواءَ الذي يتنفسون فيه من الحوامضِ الناشئةِ عن شدةِ الكهربائية. وقد قيل: إن الذي أصابهم نار، وقيل: سمعوا صعقةً فماتوا.

154- {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}.

ورفعنا فوقَ رؤوسِهم جبلَ الطورِ ليُعطُوا ميثاقَهم بقبولِ شريعةِ التَّوراة، فلمّا رأوهُ كالظُّلَّةِ فوقهم خافوا أنْ يقعَ عليهم، فوافقوا وعاهدوا.

وقلنا لهم على لسانِ نبيِّهم موسَى: إذا دخلتُم بابَ بيتِ المقدِسِ فادخلوا ساجدينَ خاضعين. فلم يفعلوا، بل عاندوا وخالفوا ودخلوا زاحفينَ على أُستاهُم!

ووصَّيناهم بأنْ لا يَظلِموا أنفُسَهم باصطيادِ الحيتانِ في يومِ السَّبت. (الواضح).

155- {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}.

فبمخالفتِهم ونكثِهم عهودَهم ومواثيقَهم التي ائتُمِنوا عليها، وكفرِهم بالمعجزاتِ والحُجَجِ الدالَّةِ على صدقِ أنبيائهِ، وقتلِهمُ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ بغيرِ حقّ، كزكريّا ويحيَى عليهما السَّلام. وقولِهم للنبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: قلوبُنا مغلَّفةٌ لا يَصِلُ إليها كلامُكَ ولا تَعِيه! (الواضح).

161- {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

وجعلنا للكافرينَ بـاللهِ وبرسولهِ محمَّدٍ مِن هؤلاءِ اليهودِ العذابَ الأليم, وهو الموجِعُ مِن عذابِ جهنَّم، عدةً يصلَونَها في الآخرةِ إذا وردوا على ربِّهم، فيعاقبهم بها. (الطبري).

165- {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}.

أرسلتُهم رسُلاً إلى خَلقي وعبادي مبشِّرينَ بثوابي مَن أطاعني واتَّبعَ أمري وصدَّق رسُلي, ومُنذِرينَ عقابي مَن عصاني وخالفَ أمري وكذَّب رسُلـي. (الطبري).

170- {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

والله عليمٌ بأحوالِكم وبمن يستحقُّ الهدايةَ منكم فيَهديه، حكيمٌ فيما يشرِّعهُ ويدبِّرهُ ويقدِّره. (الواضح).

171- {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ}.

 {انتَهُواْ} أي: عن التثليث، {خَيْرًا لَّكُمْ} أي: انتهاءً خيرًا لكم، أو ائتوا خيرًا لكم من القولِ بالتثليث. (روح البيان).

172- {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا}.

يعني جلَّ ثناؤهُ بذلك: ومَن يتعظَّمْ عن عبـادةِ ربه, ويأنفْ مِن التذلُّلِ والخضوعِ له بالطاعةِ مِن الخلقِ كلِّهم, ويستكبرْ عن ذلك, فسيبعثُهم يومَ القيامةِ جميعًا, فيجمعُهم لموعدِهم عنده. (الطبري).

173- {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: فأما المؤمنونَ المقرُّون بوحدانيةِ الله، الخاضعون له بالطاعة, المتذلِّلون له بالعبودية, والعاملون الصالحاتِ من الأعمال…

{وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}: وأما الذين تعظَّموا عن الإقرارِ للهِ بالعبودةِ والإذعانِ له بالطاعة, واستكبروا عن التذلُّلِ لألوهتهِ وعبادتهِ وتسليمِ الربوبيةِ والوحدانيةِ له، فيعذِّبهم عذابـًا موجعًا، ولا يجدُ المستنكفونَ من عبـادتهِ والمستكبرونَ عنها إذا عذَّبهم اللهُ الأليمَ من عذابهِ سوَى اللهِ لأنفسِهم، وليًّا ينُـجيهم من عذابهِ وينقذُهم منه، ولا ناصرًا ينصرهم, فيستنقذُهم من ربِّهم ويدفعُ عنهم بقوَّتهِ ما أحلَّ بهم من نقمته, كالذي كانوا يفعلونَ بهم إذا أرادَهم غيرُهم من أهلِ الدنيا في الدنيا بسوءٍ من نصرتِهم والمدافعةِ عنهم. (الطبري، باختصار).

175- {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}

يرحمهم فيُدخلهم الجنة، ويزيدُهم ثوابًا ومضاعفةً ورفعًا في درجاتهم مِن فضلهِ عليهم وإحسانهِ إليهم. (ابن كثير).

176- {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

هو عالمُ بعواقبِ الأمورِ ومصالحها، وما فيها مِن الخيرِ لعباده، وما يستحقُّهُ كلُّ واحدٍ من القراباتِ بحسبِ قربهِ من المتوفَّى. (ابن كثير).

سورة المائدة

2- {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}.

{صَدُّوكُمْ}: أي: لأنْ منعوكم عن زيارتهِ والطوافِ به للعمرةِ عامَ الحديبية.

{الْبرِّ وَالتَّقْوَى}: أي: على العفوِ، والإغضاءِ، ومتابعةِ الأمر، ومجانبةِ الهوى.

{الإِثْمِ}: المعاصي.

{وَاتَّقُواْ اللّهَ} في جميعِ الأمور، التي من جملتها مخالفةُ ما ذُكِرَ من الأوامرِ والنواهي، فثبتَ وجوبُ الاتقاءِ فيها بالطريقِ البرهاني، {إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}: فانتقامهُ أشدُّ لمن لا يتقيه. (روح البيان).

3- {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}.

{وَاخْشَوْنِ}: فأنا القادرً على كلِّ شيء، إن نصرتكم فلا غالبَ لكم، وإن خذلتكم لم يستطعْ غيري أن ينصركم. (فتح القدير).

{رَّحِيم} يقول: وهو به رفـيق، من رحمتهِ ورفقهِ به أبـاحَ له أكلَ ما أبـاحَ له أكلَه، من الميتةِ وسائرِ ما ذُكِرَ معها في هذه الآية، في حالِ خوفهِ علـى نفسه، من كَلَب الجوعِ، وضُرِّ الحاجةِ العارضةِ ببدنه. (الطبري).

4- {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}

يعني جلَّ ثناؤه: واتَّقوا اللهَ أيها الناسُ فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه, فـاحذروهُ فـي ذلك أنْ تُقدِموا على خلافه, وأنْ تأكلوا مِن صيدِ الجوارحِ غيرِ المعلَّـمة، أو ممّا لم تُـمسِكْ علـيكم مِن صيدها وأمسكتهُ علـى أنفسِها, أو تَطعَموا ما لـم يُسَمَّ اللهُ علـيه مِن الصيدِ والذبائح، ممَّا صادَهُ أهلُ الأوثانِ وعبدةُ الأصنام، ومَن لم يوحِّدِ اللهَ مِن خـلقه, أو ذبحوه, فإنَّ الله قد حرَّمَ ذلكَ علـيكم فـاجتنبوه.

ثم خوَّفهم إنْ هم فعلوا ما نهاهُم عنه مِن ذلكَ ومِن غيره، فقال: اعلـموا أن اللهَ سريعٌ حسابهُ لمن حاسبَهُ علـى نعمتهِ علـيه منكم، وشكرِ الشاكرِ منكم ربَّهُ علـى ما أنعمَ به علـيه بطاعتهِ إياهُ فـيما أمرَ ونهَى, لأنه حافظٌ لجميعِ ذلك فـيكم، فـيحيطُ به, لا يخفَـى علـيه منه شيء, فيجازي المطيعَ منكم بطاعته، والعاصيَ بمعصيته, وقد بيَّن لكم جزاءَ الفريقين. (تفسير الطبري).

5- {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}.

ذكرَ أن القولَ فيه كالقولِ في نظيرهِ الذي تقدَّمَ في هذه السورة: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}. وهو في الآيةِ (25) من سورةِ النساء، وليس في هذه السورة. وقد قالَ هناك: وقوله: {مُحْصَنَاتٍ} حالٌ من ضميرِ الإماء، والإحصانُ التزوّجُ الصحيح، فهي حالٌ مقدَّرة، أي: ليصرنَ محصنات. وقوله: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}: صفةٌ للحال، وكذلك: {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}، قُصِدَ منها تفظيعُ ما كانت ترتكبهُ الإماءُ في الجاهليةِ بإذنِ مواليهنَّ لاكتسابِ المالِ بالبغاءِ ونحوه، وكان الناسُ يومئذٍ قريبًا عصرُهم بالجاهلية. والمسافحات: الزواني مع غيرِ معيّن. ومتِّخذاتُ الأخدانِ هنَّ متِّخذاتُ أخلاّء، تتّخذُ الواحدةُ خليلاً تختصُّ به لا تألَفُ غيره. وهذا وإن كان يشبهُ النكاحَ من جهةِ عدمِ التعدُّد، إلاّ أنه يخالفهُ من جهةِ التستر، وجهلِ النسب، وخلعِ برقعِ المروءة، ولذلك عطفَهُ على قوله: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} سدًّا لمداخلِ الزنا كلِّها.

وقد قالَ في الآيةِ التي قبلها من سورةِ النساء: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي: محصنين أنفسكم من الزنى، والمراد: متزوِّجين على الوجهِ المعروف. {غَيْرَ مُسَافِحِينَ}: حالٌ ثانية، والمسافح: الزاني…

6- {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ نظيرهُ في سورةِ النساء، ويعني الآيةَ (43) منها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}. وهو مفصلٌ هناك، مطوَّل.

ومختصرُ تفسيره: وإذا كنتُم مُجنِبينَ فاغتَسِلوا. وإذا كنتُم مرضَى ويَضرُّكمُ استعمالُ الماءِ معه، أو كنتُم مسافرين، أو جئتُم مِن الغائطِ (أي قضاءِ الحاجة)، أو لامستمُ النساءَ – على الخلافِ الواردِ بين المفسِّرين والفقهاءِ، مِن معنَى الجِماعِ أو مسِّ البشَرة – ولم تجدوا ماءً تتوضَّؤون به، فتيمَّموا تراباً طاهراً، أو ما صعدَ منَ الأرضِ مِن رملٍ وحجَرٍ وغيرِه، على أقوال، فامسَحوا وجوهَكم به، ثمَّ أيديكم إلى المرافق… (الواضح في التفسير).

8- {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}.

{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ}. ذكرَ أنه تقدَّم، وهو في الآيةِ الثانيةِ من السورة: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ}. وفيه اختلافُ ألفاظ.

وأشارَ هناك إلى معنى {يَجْرِمَنَّكُمْ} في هذه السورة، بأنه: يحملنَّكم. والشنآن: هو البغض، وقيل: شدَّةُ البغض، وهو المناسب، لعطفهِ على البغضاء. اهـ.

وتفسيرُ الآية: ولا يَحملنَّكم بغضُ قومٍ على ظلمِهم وعدمِ إقامةِ العدلِ فيهم، بلِ اعدِلوا فيهم وإنْ أساؤوا إليكم، وأنصِفوا فيهم وإنْ مالوا وظَلموا، فإنَّ عدلَكم معهم أقربُ إلى رِضا اللهِ واتِّقاءِ عذابِه.

قالَ الفخرُ الرازيُّ رحمَهُ الله: “وفيهِ تنبيهٌ عظيمٌ على وجوبِ العدلِ مع الكفّار، الذينَ هم أعداءُ اللهِ تعالَى، فما الظنُّ بوجوبهِ مع المؤمِنين، الذينَ هم أولياؤهُ وأحبّاؤه”؟!

فواظِبوا على تقوَى اللهِ وطاعتهِ والخوفِ منه، فإنَّهُ خبيرٌ بأعمالِكم كلِّها، وسيُجازيكم عليها. (الواضح).

9- {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.

وعدَ اللهُ الذين صدَّقوا اللهَ ورسوله, وأقرُّوا بما جاءَهم به مِن عندِ ربِّهم, وعملوا بما واثقَهم اللهُ به, وأوفَوا بالعقودِ التي عاقدهم عليها, وأطاعوه، فعملوا بما أمرهم اللهُ به, وانتهَوا عمّا نهاهم عنه، لهم مغفرة, وأجرٌ عظيـم. والعظيمُ مِن خيرٍ غيرُ محدودٍ مبلغُه، ولا يَعرفُ منتهاهُ غيرهُ تعالَى ذكره. (الطبري، باختصار).

10- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.

والذين جحدوا وحدانيةَ الله, ونقضوا ميثاقَهُ وعقودَهُ التي عاقدوها إيّاه، وكذَّبوا بأدلَّةِ اللهِ وحُجَجهِ الدالَّةِ على وحدانيتهِ التي جاءتْ بها الرسلُ وغيرُها، هؤلاءِ أهلُ النار، الذين يخـلدونَ فـيها ولا يخرجونَ منها أبدًا. (الطبري، بشيء من الاختصار).

12- {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.

{وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}: وهو الإنفاقُ في سبيلهِ وابتغاءَ مرضاته، {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ} أي: ذنوبكم، أمحوها وأسترها، ولا أؤاخذكم بها، {وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ} أي: أدفعُ عنكم المحذور، وأحصلُ لكم المقصود.

وقوله: {فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} أي: فمن خالفَ هذا الميثاق بعد عقدهِ وتوكيدهِ وشدِّه، وجحَدَه، وعاملَهُ معاملةَ من لا يعرفه، فقد أخطأ الطريقَ الواضح، وعدلَ عن الهدَى إلى الضلال. (ابن كثير).

12- {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل}.

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}: أخذَ الله عهدَ طائفةِ اليهود.

{وَآمَنتُم بِرُسُلِي} أي: بجميعهم. (روح البيان).

{وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ}: ولأدخلنَّكم جزاءَ أعمالكم المرضيَّةِ جنّات، تجري مِن تحتِها الأنهار. ومَن خالفَ الوعدَ ونقضَ الميثاق، فكفرَ بالله، وكذَّبَ رسُلي، فقد ابتعدَ عن الهُدى.. (الواضح).

13- {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}: ذكرَ أنه تقدَّمَ نظيرهُ في سورةِ النساء، وهو في الآيةِ (155) منها، ومختصرُ قولهِ هناك: (ما) مزيدةٌ بعد الباءِ لتوكيدِ التسبُّب… والمعنى: ما حرَّمنا عليهم طيّباتٍ إلاّ بسببِ نقضهم. اهـ. كما ذكرَ في الآيةِ (27) من سورةِ البقرة، أن الميثاقَ هو العهد.

{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}: وهذا هو عينُ النصرِ والظفر، كما قالَ بعضُ السلف: ما عاملتَ مَن عصَى اللهَ فيكَ بمثلِ أن تطيعَ اللهَ فيه. وبهذا يحصلُ لهم تأليفٌ وجمعٌ على الحقّ، ولعلَّ الله أن يهديَهم؛ ولهذا قالَ تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يعني به: الصفحَ عمَّن أساءَ إليك. (ابن كثير).

14- {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}.

قالَ في مثلها، في الآيةِ السابقة، وهي في اليهود: النسيانُ مرادٌ به الإهمالُ المفضي إلى النسيانِ غالباً. وعبَّرَ عنه بالفعلِ الماضي لأنَّ النسيانَ لا يتجدَّد، فإذا حصلَ مضى، حتّى يُذكِّرَهُ مُذكِّر. وهو وإن كان مراداً به الإهمال، فإنَّ في صوغهِ بصيغةِ الماضي ترشيحاً للاستعارةِ أو الكنايةِ لتهاونهم بالذكرى. والحظّ: النصيب، وتنكيرهُ هنا للتعظيمِ أو التكثيرِ بقرينةِ الذمّ. وما ذُكِّروا به هو التّوراة.

15- {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ}.

أي: يبينُ ما بدَّلوهُ وحرَّفوهُ وأوَّلوه، وافتروا على الله فيه، ويسكتُ عن كثيرٍ مما غيَّروه، ولا فائدةَ في بيانه. (ابن كثير).

17- {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

وهو القادرُ على ما يشاء، لا يُسألُ عما يَفعلُ بقدرتهِ وسلطانهِ وعدلهِ وعظمته. (ابن كثير).

18- {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.

أي: الجميعُ مُلكهُ وتحتَ قهرهِ وسلطانه، والمرجعُ والمآبُ إليه، فيحكمُ في عبادهِ بما يشاء، وهو العادلُ الذي لا يجور. (ابن كثير).

19- {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

… حتَّى لا تحتجُّوا وتقولوا ما جاءَنا رسولٌ يبشِّرُنا بحُسنِ الثوابِ إنْ أصَبنا وأطَعنا، ويُنذِرُنا بالعقوبةِ إنْ أخطأنا وعصَينا، فقد جاءَكم البشيرُ النذيرُ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلَّم خاتماً لجميعِ أنبيائه، فلا عذرَ لكم إذا لم تتَّبعوه. واللهُ قادرٌ على كلِّ شيء، ومنه إرسالُ الرسُل، ومعاقبةُ مَن لم يتَّبعْهُم. (الواضح).

26- {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً}.

لما دعا عليهم موسى عليه السلام حين نكلوا عن الجهاد، حكمَ الله بتحريمِ دخولها عليهم مدةَ أربعينَ سنة، فوقعوا في التيه، يسيرون دائماً لا يهتدون للخروجِ منه، وفيه كانت أمورٌ عجيبة، وخوارقُ كثيرة… (ابن كثير).

32- {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُون}.

{أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ}: قالَ في معنى (الفسادِ) في الآيةِ التي بعدها: إتلافُ الأنفسِ والأموال، فالمحاربُ يقتلُ الرجلَ لأخذِ ما عليه من الثيابِ ونحوِ ذلك.

وقالَ الشوكاني: اختلفَ في هذا الفسادِ المذكورِ في هذه الآيةِ ماذا هو؟ فقيل: هو الشرك، وقيل: قطعُ الطريق. وظاهرُ النظمِ القرآني أنه ما يصدقُ عليه أنه فسادٌ في الأرض، فالشركُ فسادٌ في الأرض، وقطعُ الطريقِ فسادٌ في الأرض، وسفكُ الدماءِ وهتكُ الحرمِ ونهبُ الأموالِ فسادٌ في الأرض، والبغيُ على عبادِ الله بغيرِ حقٍّ فسادٌ في الأرض، وهدمُ البنيانِ وقطعُ الأشجارِ وتغويرُ الأنهارِ فسادٌ في الأرض، فعرفتَ بهذا أنه يصدقُ على هذه الأنواعِ أنها فسادٌ في الأرض، وهكذا الفسادُ الذي سيأتي في قوله: {وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً} يصدقُ على هذه الأنواع..

{وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ}: جملةٌ مستقلةٌ مؤكدةٌ باللامِ الموطئةِ للقسم، متضمنةٌ للإخبارِ بأن الرسلَ عليهم الصلاةُ والسلامُ قد جاؤوا العبادَ بما شرعَهُ الله لهم من الأحكامِ التي من جملتها أمرُ القتل. (فتح القدير).

35- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}: يقولُ تعالى آمرًا عبادَهُ المؤمنينَ بتقواه، وهي إذا قُرِنَتْ بالطاعةِ كان المرادُ بها الانكفافَ عن المحارم، وتركَ المنهيّات.

{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} … ورغَّبهم في ذلك بالذي أعدَّهُ للمجاهدين في سبيلهِ يومَ القيامة، من الفلاح، والسعادةِ العظيمةِ الخالدةِ المستمرة، التي لا تبيدُ ولا تحولُ ولا تزول، في الغرفِ العاليةِ الرفيعةِ الآمنة، الحسنةِ مناظرها، الطيبةِ مساكنها، التي من سكنها ينعمُ لا يبأس، ويحيا لا يموت، لا تبلَى ثيابه، ولا يفنَى شبابه. (ابن كثير).

36- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

{لِيَفْتَدُوا بِهِ}: ليجعلوهُ فديةً لأنفسهم. (فتح القدير).

{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: … بل هو معذِّبُهم في حميـمِ يومِ القـيامةِ عذابـاً موجعاً لهم. (الطبري).

37- {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا}

كما قالَ تعالى: {كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا} الآية [سورة الحج: 22]، فلا يزالون يريدون الخروجَ مما هم فيه من شدَّتهِ وأليمِ مسِّه، ولا سبيلَ لهم إلى ذلك، وكلما رفعهم اللهبُ فصاروا في أعلَى جهنم، ضربتهم الزبانيةُ بالمقامعِ الحديد، فيردُّوهم إلى أسفلها. (ابن كثير).

38- {وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

عزيزٌ في شرعِ الردع، حكيمٌ في إيجابِ القطع. أو: عزيزٌ في انتقامهِ مِن السارقِ وغيرهِ مِن أهلِ المعاصي، حكيمٌ في فرائضهِ وحدوده. (روح المعاني).

39- {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

إنَّ اللهَ عزَّ ذكرهُ ساترٌ – على مَن تابَ وأنابَ عن معاصيهِ إلـى طاعتهِ – ذنوبَهُ، بـالعفوِ عن عقوبتهِ علـيها يومَ القـيامة، وتركهِ فضيحتَهُ بها على رؤوسِ الأشهاد, رحيمٌ به وبعبادهِ التائبينَ إليه مِن ذنوبهم. (الطبري).

40- {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

واللهُ على تعذيبِ مَن أرادَ تعذيبَهُ مِن خلقهِ على معصيته، وغفرانِ ما أرادَ غفرانَهُ منهم باستنقاذهِ مِن الهلكةِ بالتوبةِ عليه، وغيرِ ذلك من الأمورِ كلِّها، قادر؛ لأن الخَـلقَ خـَلقه، والمـُلكَ مُلكُه، والعبـادَ عبـادُه. (تفسير الطبري).

41- {وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

… وفي الآخرةِ عذابُ جهنَّم، خالدين فيها أبدًا (الطبري).

42- {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}.

فسَّرَهُ في الآيةِ السابقةِ بقوله: السمَّاع: الكثيرُ السمع، أي: الاستماعِ لما يُقالُ له. والسَّمعُ مستعملٌ في حقيقته، أي أنهم يُصغون إلى الكلامِ الكذبِ وهم يعرفونَهُ كَذِبًا، أي أنهم يحفلون بذلك ويتطلَّبونَهُ فيكثرُ سماعهم إيّاه. وفي هذا كنايةٌ عن تفشّي الكذبِ في جماعتهم بين سامعٍ ومختلق؛ لأنّ كثرةَ السمعِ تستلزمُ كثرةَ القول. والمرادُ بالكذب: كذبُ أحبارهم، الزاعمين أن حكمَ الزنى في التوراةِ التحميم.

43- {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}.

{يُحَكِّمُونَكَ}: يجعلونكَ حكماً بينهم فيرضون بحكمك. (البغوي).

{ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ}: يتركونَ الحكمَ به. (الطبري).

44- {وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة، وهو في الآيةِ (41) منها، وقد أطالَ وأسهب، ومما قال: استعيرَ الاشتراءُ هنا لاستبدالِ شيءٍ بآخرَ دون تبايع… ووجهُ المشابهةِ بين إعراضِهم وبين الاشتراء، أن إعراضَهم عن آياتِ القرآنِ لأجلِ استبقاءِ السيادة، والنفعُ في الدنيا يشبهُ استبدالَ المشترِي، في أنه يعطي ما لا حاجةَ له به، ويأخذُ ما إليه احتياجهُ وله فيه منفعته…

48- {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون}.

{مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}: ذكرَ أنه تقدَّمَ بيانه، وهو في الآيةِ (46) من السورة، عن عيسى عليه السلام، قال: تصديقُ عيسى التّوراةَ أمرهُ بإحياءِ أحكامها، وهو تصديقٌ حقيقي، وتصديقُ الإنجيلِ التوراةَ اشتمالهُ على ما وافقَ أحكامَها، فهو تصديقٌ مجازي. وهذا التصديقُ لا ينافي أنّه نَسخَ بعضَ أحكامِ التّوراةِ كما حكى الله عنه. اهـ.

وقالَ العلامةُ إسماعيل حقي: {مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: مصدِّقًا لما تقدَّمَهُ من جنسِ الكتبِ المنزلة، من حيثُ إنه نازلٌ حسبما نُعِتَ فيه، وموافقًا له في التوحيدِ والعدلِ وأصولِ الشرائع.

{الخَيْرَاتِ}: ما هو خيرٌ لكم في الدارين، من العقائدِ الحقيةِ والأعمالِ الصالحةِ المندرجةِ في القرآنِ الكريم.

{إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} أي: مرجعُ من آمنَ ومن لم يؤمنْ جميعًا. (روح البيان).

49- {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ}.

{وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} قال: هو كقولهِ قبله: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ}، وهو في الآيةِ التي قبل هذه، قال: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} بالانحرافِ عنه إلى ما يشتهونه، فـ {عَنْ} متعلقةٌ بـ {لَا تَتَّبِعْ}، على تضمينِ معنى العدولِ ونحوه، كأنه قيل: لا تعدلْ عمّا جاءكَ من الحقِّ متَّبِعًا أهواءهم. اهـ.

{تَوَلَّوْا}: أعرضوا عن الإيمانِ والحكمِ بالقرآن.

{يُصِيبَهُمْ}: يعجِّلَ لهم العقوبةَ في الدنيا. (البغوي).

50- {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

أي: هذا الخطابُ وهذا الاستفهامُ لقومٍ يوقنون، فإنهم هم الذين يتبيَّنون أنْ لا أعدلَ من الله، ولا أحسنَ حُكماً منه. (النسفي).

52- {فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين}.

{فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ} قالَ السدِّي: يعني فتحَ مكة. وقالَ غيره: يعني القضاءَ والفصل، {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} قالَ السدِّي: يعني ضربَ الجزيةِ على اليهودِ والنصارى، {فَيُصْبِحُواْ} يعني الذين والَوا اليهودَ والنصارى من المنافقين {عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ} من الموالاة، {نَـٰدِمِينَ} أي: على ما كان منهم مما لم يُجدِ عنهم شيئاً، ولا دفعَ عنهم محذوراً، بل كان عينَ المفسدة، فإنهم فُضحوا، وأظهرَ الله أمرَهم في الدنيا لعبادهِ المؤمنين بعد أن كانوا مستورين، لا يُدرَى كيف حالهم، فلما انعقدتِ الأسبابُ الفاضحةُ لهم، تبيَّنَ أمرُهم لعبادِ الله المؤمنين، فتعجبوا منهم كيف كانوا يُظهرون أنهم من المؤمنين، ويحلفون على ذلك، ويتأوَّلون، فبانَ كذبهم وافتراؤهم. (ابن كثير).

53- {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}.

يقول: فأصبحَ هؤلاءِ المنافقونَ عند مجيءِ أمرِ اللهِ بإدالةِ المؤمنين علـى أهلِ الكفرِ قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة, وخابتْ صفقتُهم وهلكوا. (الطبري).

54- {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

يعني هذا النعتَ الذي نعتهم به تعالى ذكره، من أنهم أذلةٌ على المؤمنـين، أعزَّةٌ على الكافرين، يجاهدون في سبيلِ الله، ولا يخافون في الله لومةَ لائم، فضلَ الله الذي تفضَّلَ به علـيهم، والله يؤتي فضلَهُ من يشاءُ من خَلقه، منَّةً عليه وتطوّلاً، {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} يقول: واللهُ جوادٌ بفضلهِ على مَن جادَ به عليه, لا يخافُ نفادَ خزائنهِ فيكفَّ من عطائه، عليمٌ بموضعِ جودهِ وعطائه, فلا يبذلهُ إلاّ لمنِ استـحقَّه، ولا يبذلُ لمنِ استحقَّهُ إلاّ على قدرِ المصلحة، لعلمهِ بموضعِ صلاحهِ له مِن موضعِ ضرِّه. (الطبري).

وقد ذكرَ مؤلفُ الأصلِ رحمَهُ الله، أنه تقدَّمَ بيانُ {وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} عند قولهِ تعالى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [سورة آل عمران: 73]، وقد قالَ هناك: يعني: والله ذو سعةٍ بفضلهِ علـى من يشاءُ أن يتفضَّلَ علـيه، {عَلِـيـم}: ذو علمٍ بمن هو منهم للفضلِ أهل.

55- {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا}.

لـيسَ لكم أيها المؤمنون ناصرٌ إلاَّ الله ورسولهُ والمؤمنون. (الطبري).

56- {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.

يعني: يتولَّى القيامَ بطاعةِ الله ونصرةِ رسولهِ والمؤمنين. قالَ ابنُ عباس رضيَ الله عنهما: يريدُ المهاجرين والأنصار، {فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ}، يعني: أنصارَ دينِ الله، {هُمُ الْغَالِبُونَ}. (البغوي).

58- {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا}

بيَّنَ معناهُ في الآيةِ السابقةِ بأنه السخريةُ والاستخفافُ والاحتقار.

59- {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ}.

مِن نقمَ منه كذا إذا عابَهُ وأنكرَهُ وكرهه، أي: ما تَعيبون وما تُنكرون منا دينَنا لعلةٍ من العللِ {إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ…}. (روح البيان).

60- {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}

{وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ}: ذكرَ أنه تقدَّمَ القولُ في حقيقتهِ في سورةِ البقرة، وهو الآيةُ (65) منها: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين}، ومما قالَهُ هناك: تكوينُهم قردةً يحتملُ أن يكونَ بتصييرِ أجسامهم أجسامَ قردةٍ مع بقاءِ الإدراكِ الإنساني، وهذا قولُ جمهورِ العلماءِ والمفسرين..

{وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} أي: عن طريقِ الحق. (البغوي).

قصدَ الطريقَ المتوسط، بين غلوِّ النصارى وقدحِ اليهود. (البيضاوي).

61- {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ}

أي: واللهُ عالـمٌ بسرائرِهم وما تنطوي عليهم ضمائرهم، وإنْ أظهروا لخلقهِ خلافَ ذلك، وتزيَّنوا بما ليسَ فيهم، فإنَّ عالمَ الغيبِ والشهادةِ أعلمُ بهم منهم، وسيجزيهم على ذلكَ أتمَّ الجزاء. (ابن كثير).

62- {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

{يُسَارِعُونَ} قال: تقدَّمَ عند قوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [سورة آل عمران: 176]، وقد قالَ في معناهُ هناك: يتوغَّلون فيه، ويَعجَلون إلى إظهارهِ وتأييدهِ والعملِ به عند سنوحِ الفرص، ويحرصون على إلقائهِ في نفوسِ الناس…

{السُّحْتَ} قال: تقدَّمَ في قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [سورة المائدة: 42]. قالَ هناك: السحتُ يشملُ جميعَ المالِ الحرام، كالربا والرشوةِ وأكلِ مالِ اليتيمِ والمغصوب…

{لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: أي: لبئسَ العملُ كان عملهم، وبئسَ الاعتداءُ اعتداؤهم. (ابن كثير).

63- {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ}.

{الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ}: قالَ في الآيةِ (44) من سورةِ المائدة، ما مختصره: الربّانيون جمعُ ربّاني، وهو العالمُ المنسوبُ إلى الربّ، أي إلى الله تعالى. وقيل: الربّاني: العالمُ المربِّي، وهو الذي يبتدىءُ الناسَ بصغارِ العلمِ قبلَ كباره.

{الْإِثْمَ}: قالَ في تفسيرهِ في الآيةِ السابقة: المفاسدُ من قولٍ وعمل، أُريدَ به هنا الكذب.

{السُّحْتَ}: قالَ فيه، في الآيةِ (42) من سورةِ المائدة: السحتُ يشملُ جميعَ المالِ الحرام، كالربا والرشوةِ وأكلِ مالِ اليتيمِ والمغصوب… اهـ.

وتفسيرُ الآية: فهلاّ نهاهُم عن هذهِ الأعمالِ الشَّنيعةِ علماءُ اليهودِ والنَّصارَى، ووعظوهم بالكفِّ عن الكذبِ والافتراء، والامتناعِ عن أكلِ المالِ الحرام؟ فإنَّ هذهِ وظيفتُهم؛ ليُبصِّروا الناسَ بما يَجهلونَهُ مِن حلالٍ وحرام. (الواضح).

64- {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

{طُغْيَانًا}: هو المبالغةُ والمجاوزةُ للحدِّ في الأشياء، {وَكُفْرًا}: أي: تكذيبًا. (ابن كثير).

{الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}: ذكرَ ابنُ عاشور رحمَهُ الله، في الآيةِ (14) من السورة، أن بين معنيي العداوةِ والبغضاءِ التضادَّ والتباين، فالعداوةُ كراهيةٌ تصدرُ عن صاحبها: معاملةٌ بجفاء، أو قطيعة، أو إضرار؛ لأنّ العداوةَ مشتقَّةٌ من العدو، وهو التجاوزُ والتباعد، فإن مشتقّاتِ مادةِ (ع د و) كلّها تحومُ حولَ التفرّقِ وعدمِ الوئام. وأمّا البغضاءُ فهي شدَّةُ البغض، وليس في مادةِ (ب غ ض) إلاّ معنَى جنسِ الكراهية، فلا سبيلَ إلى معرفةِ اشتقاقِ لفظها من مادتها.

{أَطْفَأَهَا اللَّهُ}: أبطلها الله، وردَّ كيدهم عليهم، وحاقَ مكرهم السيِّءُ بهم. (ابن كثير).

{وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} ذكرَ مؤلفُ الأصلِ أن القولَ فيه كما تقدَّمَ في نظيرهِ في الآيةِ (33) من السورة، وقد بيَّنَ هناك أن معنى {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} أنّهم يكتسبون الفسادَ ويجتنونهَ ويجترحونه؛ لأنّ السعيَ قد استُعملَ بمعنى الاكتسابِ واللَّمّ. ثم ذكرَ أن الفساد: إتلافُ الأنفسِ والأموال.

{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}: واللهُ يَبغَضُ هذهِ الصفاتِ وأهلَها، ويَجزيهم على ذلكَ سوءَ العذاب. (الواضح).

65- {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.

{وَاتَّقَوْا} ما نهاهم الله عنه فاجتنبوه، {لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ} يقول: محونا عنهم ذنوبهم، فغطَّينا عليها ولم نفضحهم بها، {ولأَدْخَـلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيـمِ} يقول: ولأدخلناهم بساتين ينعمون فـيها في الآخرة. (الطبري).

69- {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

{وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} ذكرَ في الآيةِ (62) من سورةِ البقرة، أن الذين هادوا هم بنو إسرائيل، والصابئة: طائفةُ المنديا، وهي طائفةٌ يهوديةٌ نصرانيةٌ في العراق، يقومون بالتعميدِ كالنصارى… وهذا الدينُ دينٌ قديم، ظهرَ في بلادِ الكلدانِ في العراق، وانتشرَ معظمُ أتباعهِ فيما بين الخابورِ ودجلة، وفيما بين الخابورِ والفرات… اهـ.

{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}: … فلا خوفٌ عليهم فيما قَدِموا عليه مِن أهوالِ القيامة, ولا هم يحزنونَ على ما خلَّفوا وراءَهم مِن الدنـيا وعيشِها بعدَ معاينتِهم ما أمرهم اللهُ به مِن جزيـلِ ثوابه. (الطبري).

70- {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة، وقد قالَ في الآيةِ (27) منها إنه بمعنى العهد.

73- {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

أي: في الآخرة، مِن الأغلالِ والنكال. (ابن كثير).

78- {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.

أي: طُردوا وأُبعِدوا من رحمةِ الله. (روح البيان).

80- {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}.

وفي عذابِ اللهِ يومَ القـيامةِ هم خالدون, دائمٌ مُقامُهم ومُكثهم فـيه. (الطبري).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى