كتاباتكتابات مختارة

كتب يجب أن تدرس.. “الخلافات السياسية بين الصحابة”

بقلم أنس الشلبي

بعض الكتب تنال إعجابنا، والكثير منها تشعرنا بالندم أو أننا أضعنا أوقاتنا في قراءتها، والنادر جداً منها ما يترك أثراً فينا أو يصبغ قليلاً من أفكارنا وآرائنا، والنزر اليسير منها ما يجعلنا نندم أشد الندم لأننا تأخرنا في قراءتها وأننا أضعنا الكثير من وقتنا وتوجهاتنا، وتهنا بسبب عدم قراءة هذا الكتاب، هذه النوعية من الكتب من حقها أن تسمى أمهات الكتب أو بانيات الأفكار، إن كتاب (الخلافات السياسية بين الصحابة) سليل هذا الصنف من الكتب ومن محاسنه سلاسة سبكه وترابط أفكاره، وحسن أمثاله وإسقاطاته، وقلة كلامه وكثرة دِلاله، لكاتبه محمد بن مختار الشنقيطي.

 

الخوض في كتاب مر على كتابته أكثر من ثلاث عشرة سنة قد يعد مستغرباً لدى الكثير، لكن هذا الكتاب كان له أثرٌ كبيرٌ في تغيير طريقة تفكيري وطريقة تفكير كثيرٍ ممن هم حولي وكانت الجملة التي أجمعنا عليها أن هذا الكتاب يجب أن يدرس في المدارس، سيظن البعض ممن لم يقرأ الكتاب وبالنظر إلى عنوانه أن الكاتب والكتاب فيهما مس من طائفيةٍ أو انحرافٍ عقديٍّ، لكن الكتاب والكاتب أبعد ما يكون عن هذا، إن الكاتب يصف هذا الكتاب بقوله (رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ) وأرى أن هذا الوصف هو خلاصة هذا الكتاب وحقيقته وأما عنوانه فهو إسقاطات مباشرة لقواعد الكاتب، وهذه الإسقاطات أو الحالات التي طرقها الكاتب فيها شجاعةٌ وإقدامٌ على طرق بابٍ خاف الكثيرون من طرقه أو أنهم طرقوه من غير علمٍ أو أدبٍ فوقعوا بين متشددٍ ومتزندقٍ.

 

يحتوي الكتاب على قوانين وقواعد لدراسة التاريخ والخلافات السياسية بين الصحابة، لكن هذه القواعد التي قلت سابقا أنها يجب أن تدرس هي قواعد أساسية يجب أن تعلم للمجتمع كاملاً وأن يتقنها كل سياسيٍّ وأديبٍ وعالمٍ وخطيبٍ، بل كل طالبٍ، والعجب أن هذه القواعد التي استنبطها واختصرها الكاتب كان أكثرها معلوماً لدى الجيل الأول من الصحابة تعلموها من منطلقات دينهم وتوجيهات نبيّهم الكريم، ولقد أخذت منها ثلاثاً لخّصتها بفهمي واخترتها من بين القواعد العشرين لأنَّ المقال لا يتّسع ولكون المختارين لا يلغون أهمية قراءة الكتاب ودراسة كل القواعد، وأظن أنها تعطي انطباعاً عاماً عن منطلقات الكتاب:

لي ملاحظات على كتاب “الخلافات السياسية بين الصحابة” هي أن طريقة سرد وتناول القواعد وتبسيطها وإسقاطها في قضية الفتن والصراعات السياسية أخذت طرفاً أحادي الجانب

-عدم الخلط بين المشاعر والوقائع: حذّر الكاتب الباحثين عن الحقيقة والمحققين للانتباه بين الواقع الذي حصل والأمر الذي كنت ترجو حصوله، وأنّ علينا أن ندقّق ونحرص كي لا نقع بين الواقع والرغبة.

-التركيز على العوامل الداخلية: هذه قاعدة ذهبية كنت أرجو أن تعيها كل الشعوب وخاصّةً التي خاضت غمار الثورات، يشدد الكاتب على دراسة العوامل الداخلية للمشكلة أو الفتنة في الدولة والمجتمع، وأن نبتعد عن نظرية المؤامرة وأن الخارج والعوامل الخارجية هي السبب الرئيس في حدوث فتنةٍ أو انهيارٍ.

-الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر: هذه القاعدة من سلالة القواعد العمرية التي حكم فيها بالعدل، وفيها الفصل بين العمل الظاهر والنية المبيتة، الأخذ بالعمل وترك النوايا وتأويلها له أو عنه، من عمل صالحاً يؤخذ به ويحسب له، ومن عمل باطلاً أخذ عليه وحوسب فيه.

 

الكتاب يمكن فصله لثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: وفيه المقدمة والمنهجية التي كُتب بها الكتاب وأسباب كتابته وأهمية طرحه.

الجزء الثاني: تضم القواعد العشرين التي أوردنا منها أمثلةً ثلاث، وهذا القسم بقواعده هو شاهدنا لما فيه من الفوائد الكثيرة لكثير من جوانب الحياة وطريقة الحكم على الأشخاص والأحداث وهو منهاج العادلين ومسلك المدافعين عن حقوقهم وحقوق الناس.

الجزء الثالث: وهو من جزأين أولهم ملاحظات على منهج ابن تيميّة وفي هذا النقد لمسةٌ جميلةٌ من الكاتب بتطبيقٍ فعليٍّ للقواعد التي استنتجها الكاتب من كتب ابن تيميّة فكأنما يحاسب الكاتب مصدر القواعد بقواعده وهذا ما يُحسب للكاتب ويُظهر رجاحته ويُبين منهجية دراسته؛ والقسم الأخر تخصّص في نقاش ومجادلة أصحاب ما سماهم الكاتب مدرسة (التشيع السني) وعلى رأسهم ابن العربي وكتابه القواصم وهذا القسم لأصحاب التخصص ومن يعتدون بالشيخ ابن العربي ويسلكون منهجه ولا أنصح بقراءته لمن أساساً لا يعرفون الكتاب أو الكاتب.

 

هذا الكتاب وقواعده قابلةٌ للأخذ بها في كلّ وقتٍ وهي صالحةٌ للجميع وسهلة التطبيق

وإنّ لي ملاحظات على الكتاب هي أن طريقة سرد وتناول القواعد وتبسيطها وإسقاطها في قضية الفتن والصراعات السياسية أخذت طرفاً أحادي الجانب وعند طرح المثال وتطبيقه السهل أصبح القارئ يوجه لأحكام الكاتب أو ما أراد به، ومع أن الكاتب لم يفصل الأحداث لأنها ليست موقع الدراسة لكنه عندما استجزأ منها وضرب بها أمثلة يتكون عند القارئ بعض الاستنتاجات والنتائج الخاطئة ومنها:

١- أن الفتن والمعاركة بمجملها كانت واضحة المعالم، الحق أبلج ،و معروفٌ من الباغي ومن المبغي عليه.

٢-أن الانسان العادي الذي انجرّ وراء الفتن أو البغي، كان عالماً بفعله، وأنه شارك إنما لحماية هذا الدين ودفاعاً عن الحق أو أنه خرج لدنيا يصيبها وغايةٍ في نفسه، وفي هذا ظلمٌ كبيرٌ لأهل الشام لأن الكاتب كان قد فَصَل في القضية بعد زوال كل الشبهات واستكمال كل البراهين وربط كل الأدلة والتي أخذت أحداثها أكثر من ٣٠ سنة ليحاكم بهذه النتيجة أهل الشام ومصر.

 

٣- أزالت الأمثلة الفرق الزماني. وأمثلة الكاتب قد تخيل للقارئ أنها حصلت في الشام اليوم وعلم بها أهل الكوفة بعد ساعة أو أن شيئاً حصل في المدينة المنورة وعُلم به في مصر صبيحة اليوم الآخر وهذه المشكلة قد وقع فيها أغلب من تكلم في هذا الأمر.

ختاماً، إن هذا الكتاب وقواعده قابلةٌ للأخذ بها في كلّ وقتٍ وهي صالحةٌ للجميع وسهلة التطبيق، ويمكن أن يتم اعتمادها وإسقاطها على أمورٍ وجوانب أخرى كثيرة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى