تقارير وإضاءات

الليبراليون أعداء الديمقراطية

يعد ديفد هارفي الأستاذ في مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك من أبرز نقاد الليبرالية الجديدة، وهو صاحب الكتاب التأريخي المختصر في هذا المجال، الذي نقله إلى العربية مجاب الإمام ونشرته دار العبيكان في 406 صفحات من الورق المتوسط.

عُرف هارفي بكتابين سابقين هما: (حالة ما بعد الحداثة)، و(الإمبريالية الجديدة)، لكنه في هذا الكتاب ينزع إلى وضع منجز يحوي موجزاً تاريخياً، عن القصة السياسية والاقتصادية لليبرالية الجديدة: من أين جاءت، وكيف انتشرت على المسرح العالمي؟ وفي حين تجري الإشارة عادة إلى الرئيسة البريطانية تاتشر (المرأة الحديدية) وريغان، باعتبارهما المؤلفين الرئيسين للتحول الليبرالي الجديد، فإن هارفي يرى أن ثمة مجموعة قوى مركبة امتد تأثيرها من تشيلي غربا إلى الصين شرقا، ومن مدينة نيويورك إلى مكسيكو، ولعب تدورها المهم في نشوء وارتقاء الليبرالية الجديدة.

يوضح هارفي في كتابه أن الممارسة الليبرالية الجديدة تطورت بطريقة ابتعدت فيها بدرجة مهمة عن القالب النظري، كما يشير الارتقاء الفوضوي نوعا ما، والتطور الجغرافي غير المستقر لمؤسسات الدولة الليبرالية وسلطاتها ووظائفها في السنوات الثلاثين الماضية – بحسب المؤلف – إلى أن الدولة الليبرالية الجديدة قد تكون بحد ذاتها صيغة سياسية متناقضة وغير مستقرة.

ويقول هارفي في كتابه:

(يرتاب المنظّرون الليبراليون الجدد إلى حد بعيد بالديمقراطية، إذ ينظرون إلى حكم الأغلبية على أنه تهديد كامن لحقوق الفرد والحريات الدستورية. ويعتبر الليبراليون الجدد الديمقراطية ترفاً لا يتحقق إلا في ظل توافر شرطَيْ: الثراء النسبي، ووجود طبقة وسطى كبيرة ومتماسكة تضمن الاستقرار السياسي).

وإذا كان الأمر كذلك، وكان الليبراليون الجدد غير مرتاحين إلى الديمقراطية، ويرون فيها تهديداً لهم، فماذا يكون بديل الديمقراطية عند الليبراليين؟!

يجيب هارفي:

(لذلك يحبّذ الليبراليون الجدد حكم النخَب والخبَراء، ويفضّلون الحكم بمقتضى أوامر تنفيذية وقرارات قضائية/ قانونية، بدلاً من عملية صناعة القرار الديمقراطية والبرلمانية).

ويتابع:

(يفضّل الليبراليون الجدد عزل المؤسسات المفتاحية، كالمصرف المركزي، وإبقاءها بعيدة عن الضغوط الديمقراطية).

وفي مسألة نظرة الليبراليين الجدد إلى مسألة الاحتكار، واستحواذ النخبة المسيطرة على السوق، يقول هارفي:

(ثمة مساحات مبهمة ونقاط نزاع واشتباك داخل النظرية العامة للدولة الليبرالية الجديدة، أولها مشكلة تأويل سلطة الاحتكار. ينجم عن التنافس في أغلب الأحيان احتكار أو تحكم الأقلية، نتيجة سعي الشركات الأقوى إلى تدمير الشركات الأضعف وإخراجها من السوق. ولا يجد معظم المنظرين الليبراليين مشكلة في ذلك، لأنه كما يقولون: يرفع الكفاءة إلى حدودها القصوى).

ويقول:

(كان لا بد لليبراليين الجدد من وضع حدود قوية تعيق نظام الحكم والإدارة الديمقراطي، والاعتماد على مؤسسات غير ديمقراطية ولا تخضع للمحاسبة والمساءلة (كبنك الاحتياط الفدرالي أو صندوق النقد الدولي) في عملية صنع القرارات المفتاحية).

وماذا لو قامت حركات اجتماعية تسعى إلى تدخل يخدم مصلحة أغلبية المواطنين، ما رأي الليبرالية الجديدة في ذلك؟

يجيب هارفي قائلاً:

(في مواجهة حركات اجتماعية تسعى إلى إحداث تدخلات جماعية، تضطر الدولة الليبرالية الجديدة ذاتها إلى التدخل، بشكل قمعي أحيانا، فتناقض بذلك الحريات التي يفترض أن تحميها وتعززها. لكن الدولة الليبرالية الجديدة قد تشهر في هذه الحالة سلاحاً سريّاً، المنافسة الدولية والعولمة، تستخدمه لتأديب الحركات المعادية للأجندة الليبرالية الجديدة داخل الدولة الفردية. إذا فشل ذلك السلاح أيضا، فعلى الدولة اللجوء إلى الإقناع والدعاية، أو إلى القوة العارية والسلطات الأمنية إن لزم الأمر، لقمح الحركات المعارضة لليبرالية الجديدة. وهذا تحديداً كان أكبر مخاوف بولاني: أن لا يكون المشروع الطوباوي الليبرالي (وبالتالي الليبرالي الجديد) قابلا للبقاء والاستمرارية في النهاية إلا باللجوء على الاستبدادية، حيث تكبل حرية الجماهير لمصلحة حريّات القلة القليلة).

(المصدر: موقع المثقف الجديد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى