كتب وبحوث

النوازل العقدية مقدمة تأصيلية

إعداد د. زياد بن حمد العامر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن علم العقيدة أنفع العلوم، وذلك أنَّ شرف العلم من شرف المعلوم، ففيه بيان حقوقه سبحانه وتعالى على عباده، وما يجب على خلقه من توحيده وإفراده.

ومع مرور الأزمنة حدثت للناس نوازل لم تكن عند أسلافهم لذلك كان لزاماً على أهل العلم والمختصين تجلية الأحكام العقدية وبيان الحكم الشرعي في مثل هذه المسائل عن طريق منهج علمي واضح، فلذلك كان هذا البحث بعنوان:

(النوازل العقدية مقدمة تأصيلية)

وقد كان اهتمامي بهذا الموضوع منذ عدة سنوات، فقد تقدمت لتسجيله لبحث الدكتوراه، وقمت بتسجيله في قاعدة بيانات معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بتاريخ 14/ 2/ 1430 هـ، ولكن شاء الله أن أنصرف إلى موضوع آخر، فأردت أن أجمع ما يتعلق بأصول هذا الموضوع في هذه الورقات عسى أن تكون نواة لدراسات أوسع في هذا الباب بإذن الله.

 ومن الأمور التي تذكر فتشكر في هذا الباب قيام قسم العقيدة بجامعة أم القرى بإقرار منهج (النوازل العقدية) وجعله مقرراً دراسياً على طلاب مرحلة الدكتوراه، كل ذلك استشعاراً لأهمية هذا الباب لطلاب العلم تأصيلاً وتطبيقاً.

هدف البحث:

يمكن إجمال هدف البحث في تأصيل علم النوازل العقدية وتجلية الأحكام المتعلقة بذلك.

الدراسات التي لها علاقة بالموضوع:

لم أجد بعد البحث دراسة مستقلة تتعلق بتأصيل فقه النوازل العقدية، غير أن هناك دراسات تناولت بعض النوازل العقدية عند شخصية محددة كما يلي:
أولاً: (اختيارات الشيخ محمد بن صالح العثيمين في النوازل العقدية المعاصرة) للباحث الشيخ: فهد بن محمد السنيدان وفقه الله، وهي رسالة ماجستير تقدم بها لقسم العقيدة بجامعة أم القرى عام 1430 هـ، وقد أجاد الباحث في جملة من جوانب البحث، وتحتاج مزيد تحرير في جملة أخرى، كما أفدت منه في بعضها.

وهذا البحث يختلف عن البحث الذي نحن بصدده من جوانب مهمة منها:
1/ أن البحث في الأصل هو في اختيارات الشيخ ابن عثيمين وجاء ذكر بعض مسائل التأصيل تبع لذلك في مقدمة البحث، بخلاف هذا البحث فهو مستقل في تأصيل النوازل العقدية.

2/ أن مسائل التأصيل في البحث المذكور في جملته خاص بشخصية الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث كان عنوان الفصل الذي تعرض لتأصيل النوازل هو (النوازل والمستجدات المعاصرة ومنهج الشيخ في تناولها ومعاجتها)، بخلاف هذا البحث فهو لا يتعلق بشخصية بل هو تأصيل لمنهج علماء أهل السنة والجماعة مما يتطلب التوسع في الموضوع وشمول جوانبه.

3/ تفاوت الموضوعات المبحوثة في الموضعين، ويتبين ذلك بالنظر في مباحث البحثين، حيث كان هذا البحث أوفى وأشمل.

ثانياً: (موقف الشيخ ابن باز من النوازل العقدية المعاصرة) للباحثة: أماني بنت فلاح الراشدي وفقها الله، وهي رسالة ماجستير تقدمت بها لقسم العقيدة بجامعة أم القرى عام 1434 هـ، وقد أجادت الباحثة في جملة من جوانب البحث، وتحتاج مزيد تحرير في جملة أخرى، كما أفدت منها في بعضها.

وهذا البحث يختلف عن البحث الذي نحن بصدده من جوانب مهمة منها:
1/ أن البحث في الأصل هو في اختيارات الشيخ ابن باز وجاء ذكر بعض مسائل التأصيل تبع لذلك في مقدمة البحث، بخلاف هذا البحث فهو مستقل في تأصيل النوازل العقدية.

2/ أن مسائل التأصيل في البحث المذكور في جملته خاص بشخصية الشيخ ابن باز رحمه الله حيث كان عنوان الفصل الذي تعرض لتأصيل النوازل هو (مفهوم النوازل العقدية ومنهج الشيخ ابن باز في التعامل معها)، بخلاف هذا البحث فهو لا يتعلق بشخصية بل هو تأصيل لمنهج علماء أهل السنة والجماعة مما يتطلب التوسع في الموضوع وشمول جوانبه.

3/ تفاوت الموضوعات المبحوثة في الموضعين، ويتبين ذلك بالنظر في مباحث البحثين، حيث كان هذا البحث أوفى وأشمل.

ثالثاً: بعد أن أنهيت الكتابة في هذا البحث اطلعت على خطة لرسالة علمية بعنوان (النوازل العقدية دراسة تأصيلية تطبيقية) للباحث الشيخ سلمان بن علي المدهش وفقه الله، وهي خطة تقدم بها لبحث مرحلة الدكتوراه في قسم العقيدة بجامعة أم القرى عام 1437 هـ، وهذا البحث هو أقرب الدراسات لموضوع البحث الذي نحن بصدده على تفاوت في الموضوعات المبحوثة في الموضعين، ويتبين ذلك بالنظر في مباحث البحثين، غير أنها في بداياتها، أسأل الله للباحث التوفيق والسداد.

منهج البحث:

يقوم منهج هذا البحث على الاستقراء والتتبع لمنهج أهل السنة والجماعة في دراسة النوازل العقدية، ثم تحليل هذا المنهج واستنتاج المنهج الصحيح لدراسة النوازل العقدية، وصياغة هذا المنهج في مباحث متناسبة بحيث تبرز هذا المنهج ويستفاد منها في معالجة النوازل العقدية.

أسأل الله فيه التوفيق والسداد، وأن يكون إضافة علمية في الدراسات الشرعية، ونواة لدراسات أوسع في هذا الباب.

المبحث الأول: التعريف بمفردات عنوان البحث.

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: التعريف بالنوازل.

النوازل في اللغة: جمع نازلة(1)، ويصح جمعها على نازلات(2)، والنازلة تطلق لغة ويراد بها أمرين:
1/ الهبوط والوقوع.
2/ الشديدة من شدائد الدهر.
قال ابن فارس: (النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه. ونزل عن دابته نزولا. ونزل المطر من السماء نزولا. والنازلة: الشديدة من شدائد الدهر تنزل)(3).

النوازل في الاصطلاح:
انسب ما عرفت به النوازل اصطلاحاً هو: (الحوادث التي تحتاج إلى حكم شرعي) (4).
فالحوادث يراد بها: حصول شيء لم يوجد من قبل (5)، وكونها تحتاج إلى حكم شرعي يخرج به الحوادث التي لا تحتاج إلى حكم شرعي مثل بعض الحوادث اللغوية والطبية ومثل بعض الحوادث الكونية كالكوارث والبراكين.

ومن النقولات عن أهل العلم في النوازل بالمعنى السابق:
قول الإمام مالك: (أدركت أهل هذا البلد(6) وما عندهم علم غير الكتاب والسنة، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه)(7).
وقول الشافعي: (فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها)(8).
وقال (وإن اختلف المفتون – يعني من الصحابة – بعد الأئمة بلا دلالة فيما اختلفوا فيه نظرنا إلى الأكثر، فإن تكافؤوا نظرنا إلى أحسن أقاويلهم مخرجا عندنا، وإن وجدنا للمفتين في زماننا وقبله اجتماعا في شيء لا يختلفون فيه تبعناه، وكان أحد طرق الأخبار الأربعة وهي: كتاب الله، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم القول لبعض أصحابه، ثم اجتماع الفقهاء، فإذا نزلت نازلة لم نجد فيها واحدة من هذه الأربعة الأخبار فليس السبيل في الكلام في النازلة إلا اجتهاد الرأي)(9).
وبوب البخاري في كتاب العلم: (باب الرحلة في المسألة النازلة) (10).
وذكر النسائي في السنن الكبرى: (الرحلة في المسألة النازلة) (11).
وبوب ابن عبد البر: (باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة) (12).
وقال النووي: (الاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة، لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها) (13).
وذكر من فوائد حديث مقاتلة أبي بكر رضي الله عنه لمن فرَّق بين الصلاة والزكاة، فقال: (وفيه اجتهاد الأئمة في النوازل وردها إلى الأصول ومناظرة أهل العلم فيها) (14).
وقال ابن القيم: (وقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجتهدون في النوازل، ويقيسون بعض الأحكام على بعض، ويعتبرون النظير بنظيره) (15).

وهناك بعض الألفاظ المشابهة للنوازل مثل (16):
1/ الوقائع أو الواقعات.
2/ الحوادث.
3/ المسائل المستجدة.

المطلب الثاني: التعريف بالعقدية.

العقدية في اللغة: العقدية والعقيدة بمعنى واحد، والعقيدة اسم فعيلة من عقد، وهو الشد والربط والجزم.
قال ابن فارس: (العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها… وعقد قلبه على كذا فلا ينزع عنه) (17).
وقال الفيومي: (اعتقدت كذا: عقدت عليه القلب والضمير، حتى قيل: العقيدة: ما يدين الإنسان به، وله عقيدة حسنة: سالمة من الشك) (18).

والعقدية في المعنى الاصطلاحي:
ذكر بعض أهل العلم أن لفظة العقيدة لم ترد في نصوص الكتاب والسنة (19)، ويمكن أن يُستدرك على ذلك (20) بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يعتقد قلب مسلم على ثلاث خصال، إلا دخل الجنة)، قال: قلت: ما هن؟ قال: (إخلاص العمل، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)(21).
والمراد بالعقيدة في هذا البحث العقيدة الإسلامية، ويمكن تعريفها بأنها (ما يشد ويربط الإنسان قلبه عليه من أصول الإيمان وما يلحق بها).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجزم واليقين متوجه إلى أصول الإيمان، أما بعض المسائل الاحتمالية غير القطعية مما يُلحق بأصول الإيمان فلا يلزم منه الجزم واليقين، وذلك من جنس اعتقاد دلالة قوله تعالى (فثم وجه الله) هل المراد بها صفة الوجه لله؟ أم قِبْلَة الله؟

 قال ابن تيمية: (الدين نوعان:
أمور خبرية اعتقادية.
وأمور طلبية عملية.

فالأول كالعلم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ويدخل في ذلك أخبار الأنبياء، وأممهم، ومراتبهم في الفضائل، وأحوال الملائكة، وصفاتهم، وأعمالهم، ويدخل في ذلك صفة الجنة والنار، وما في الأعمال من الثواب والعقاب، وأحوال الأولياء، والصحابة، وفضائلهم، ومراتبهم وغير ذلك، وقد يسمى هذا النوع أصول دين، ويسمى العقد الأكبر، ويسمى الجدال فيه بالعقل كلاما، ويسمى عقائد، واعتقادات، ويسمى المسائل العلمية والمسائل الخبرية، ويسمى علم المكاشفة.

والثاني الأمور العملية الطلبية من أعمال الجوارح، والقلب، كالواجبات، والمحرمات، والمستحبات، والمكروهات، والمباحات، فإن الأمر والنهي قد يكون بالعلم والاعتقاد، فهو من جهة كونه علماً واعتقاداً أو خبراً صادقاً أو كاذباً يدخل في القسم الأول، ومن جهة كونه مأموراً به أو منهياً عنه يدخل في القسم الثاني، مثل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهذه الشهادة من جهة كونها صادقة مطابقة لمخبرها فهي من القسم الأول، ومن جهة أنها فرض واجب وأن صاحبها بها يصير مؤمناً يستحق الثواب، وبعدمها يصير كافرا يحل دمه وماله فهي من القسم الثاني) (22).

المطلب الثالث: تعريف العنوان مركباً.

بناء على ما سبق فيمكن إيضاح المراد الإجمالي للنوازل العقدية بأنها:
(الحوادث التي تحتاج إلى حكم شرعي في المسائل التي يشد ويربط الإنسان قلبه عليها من أصول الإيمان وما يلحق بها).

شرح التعريف:
(الحوادث): هذا القيد يخرج المسائل القديمة غير الحادثة.
(التي تحتاج إلى حكم شرعي): هذا القيد يخرج المسائل الحادثة التي لا تحتاج إلى بيان حكم شرعي فيها سواء كانت أحداث طبيعية كالزلازل والبراكين، أو أحداث اقتصادية مثل بعض التقلبات المالية، أو طبية مثل بعض أنواع الأمراض وطرق علاجها، ونحو ذلك.
(في المسائل التي يشد ويربط الإنسان قلبه عليها من أصول الإيمان وما يلحق بها): هذا القيد يخرج المسائل الحادثة غير العقدية، مثل النوازل الفقهية(23)، أو النوازل الأصولية (24)، أو النوازل الحديثية (25)، ونحو ذلك.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن لفظ (فقه النوازل) يشمل النوازل العقدية والنوازل الفقهية(26)، وهذا محل تأمل فإن هذا التعميم لا يساعد عليه لفظ (فقه) فإن تعريفه عندهم خاص بالمسائل والفروع العملية (27)، والأقرب أن لكل فن نوازله فهناك النوازل العقدية، والنوازل الفقهية ويشابهه فقه النوازل، والنوازل الأصولية، والنوازل الحديثية، ونحو ذلك.

المطلب الرابع: تعريف علم النوازل العقدية.

بناء على ما سبق يمكن تعريف علم النوازل العقدية بأنه:
(العلم الذي يبحث في الحوادث التي تحتاج إلى حكم شرعي في المسائل التي يشد ويربط الإنسان قلبه عليها من أصول الإيمان وما يلحق بها).

المبحث الثاني: نشأة النوازل العقدية.

كانت المسائل العقدية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تُتلقى منه إما من قوله أو فعله أو تقريره.
وأما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أقدم ما وقفت عليه من النوازل العقدية (28) التي تحتاج إلى حكم فيها، هو ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان في طريقه إلى الشام فبلغه وقوع مرض الطاعون فيها فتردد في الإقدام توكلاً على الله، أو الرجوع أخذاً بأسباب الابتعاد عن المهالك، واختلف الصحابة بناء على ذلك.

فعن ابن عباس رضي الله عنه: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرج إلى الشأم، حتى إذا كان بسرغ (29) لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء (30) قد وقع بأرض الشأم.

قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشأم، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادعوا لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه (31).

قال أبوعبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله (32)، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان (33)، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟

قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف – وكان متغيبا في بعض حاجته – فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» قال: فحمد الله عمر ثم انصرف) (34).

فتبين من هذه القصة أن عمر رضي الله عنه اجتهد في هذه النازلة العقدية، وهي حكم الإقدام على بلد فيه وباء، واجتهد الصحابة معه في حكمها على قولين:
القول الأول: أن إقدامهم هو الصواب، وأنه يعتبر من الإيمان بالقدر؟ ويعتبر توكلاً على الله، وعليه لا ينبغي لهم الرجوع، ولا يعتبر الرجوع من فعل الأسباب الشرعية في الابتعاد عن مواطن إهلاك النفس.

القول الثاني: أن رجوعهم هو الصواب، وأنه يعتبر من الإيمان بالقدر ولا يعارضه، وأنه لا يعتبر فراراً من قدر الله؟ ولا يعتبر من التطير، بل هو فعل للأسباب الشرعية في الابتعاد عن مواطن إهلاك النفس.

(وحجة الطائفتين واضحة مبينة في الحديث وهما مستمدان من أصلين في الشرع:
أحدهما: التوكل والتسليم للقضاء.
والثانى: الاحتياط الحذر ومجانبة أسباب الالقاء باليد إلى التهلكة) (35).

وبعد مشاورات مع الصحابة ترجح لعمر رضي الله عنه أن الرجوع هو الصواب، ثم بلغ عمر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأن ترجيحه موافق للحديث فحمد الله على موافقة ترجيحه للحديث.

المبحث الثالث: حكم دراسة النوازل العقدية وأهميتها وأنواعها.

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: حكم دراسة النوازل العقدية.

وذلك أن علم النوازل العقدية كسائر علوم الشريعة منه فرض العين ومنه فرض الكفاية، و(قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع) (36).

وعلى ذلك فإن علم النوازل العقدية على نوعين (37):
1/ فرض كفاية:
وذلك أن الأصل في حكم دراسة مسائل النوازل العقدية هو أنها فرض كفاية متى ما قام بها من يكفي من أهل العلم سقط الإثم عن الباقين، مثلها مثل سائر أبواب العلم التخصصية التي لا تتعلق بجميع أعيان أهل الإسلام.

2/ فرض عين:
وذلك أنه يقوى وجوب تعين دراسة النوازل بحسب ما يحتف بها من عوارض تقوي هذا الجانب، مثل احتياج المجتهد للحكم على النازلة مع عدم وجود غيره.

وقد تكون دراسة هذه النوازل محرمة على المؤمن في حال لم يكن أهلاً للنظر فيها، ولا يستطيع النظر في الأصول الشرعية لمعرفة حكمها، بل الواجب عليه هو تقليد الأوثق في علمه ودينه في هذه المسألة (وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق، فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها؟ وهل ذلك في إمكان أحد فضلا عن كونه مشروعا؟) (38).

وذلك أنه (إذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسول (39) فيفعل المأمور ويترك المحظور)(40).

المطلب الثاني: أهمية تأصيل النوازل العقدية ودراستها.

تتمثل أهمية هذا الموضوع في عدة أمور يمكن اجمالها في الآتي:
أولاً: أهمية التأصيل وبيان المنهج الصحيح في التعامل مع المسائل العقدية المستجدة.

ثانياً: الإسهام في بناء منهج تطبيقي لعقيدة أهل السنة والجماعة في النوازل والحوادث الواقعة من الاعتقادات والأفكار معرفة وحكماً ومعالجة.

ثالثاً: تجلية جهود قدرة علماء الشريعة على معالجة النوازل المعاصرة.

رابعاً: بيان شمول الشريعة الإسلامية، فإن الشريعة ليست صالحة فقط لكل زمان ومكان، بل مصلحة لكل زمان ومكان، وهي الخيار الأفضل في جميع الأزمان والأماكن، وهذا من المقاصد الشرعية المهمَّة.

خامساً: أن بيان الأحكام الشرعية في النوازل برهان على شمول الشريعة لكافة مجالات الحياة، وفي هذا إغلاق لباب الاعتماد على القوانين الغربية التي لا تتوافق مع الأصول الشرعية.

سادساً: أن بيان الحكم الشرعي في النوازل يعتبر قياماً بالفرض الكفائي من سد حاجة الناس فيما يعرض لهم من مستجدات تحتاج لحكم شرعي فيها، وذلك لأن (الوقائع في الوجود لا تنحصر؛ فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك؛ فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضا اتباع للهوى، وذلك كله فساد؛ فلا يكون بد من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزوما، وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق ؛ فإذا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان) (41).

سابعاً: كثرة المسائل العقدية المستجدة.

ثامناً: أن بحث هذا الموضوع يعتبر إسهاما فاعلاً في سد الحاجة في المكتبة العقدية.

المطلب الثالث: أنواع النوازل العقدية.

وذلك أن تقسيم النوازل وتفصيلها يعين الباحث على تصور المسألة، ومعرفة تحت أي أبواب الاعتقاد تندرج، ويمكن تقسيم النوازل العقدية باعتبارات أربع، وعلى ذلك يكون عندنا أربعة مسائل:
المسألة الأولى: من حيث أبواب الاعتقاد.
تنقسم النوازل باعتبار مكانها من أبواب الاعتقاد إلى ثلاثة أنواع:
الأول/ النوازل في أبواب الإيمان وما يلحق به.
الثاني/ النوازل في الأديان الفرق والمذاهب والتيارات وما يلحق بها.
الثالث/ النوازل في باب البدعة (42).

المسألة الثانية: من حيث تعلقها بعموم أو خصوص المسلمين
تنقسم النوازل باعتبار تعلقها بعموم أو خصوص المسلمين إلى نوعين:
الأول/ نوازل تتعلق بعموم المسلمين.
الثاني/ نوازل تتعلق بالأقليات الإسلامية.

المسألة الثالثة: من حيث تعلقها بالألفاظ
تنقسم النوازل باعتبار تعلقها بالألفاظ إلى نوعين:
الأول/ نوازل تتعلق بالألفاظ.
الثاني/ نوازل تتعلق بغير الألفاظ.

المسألة الرابعة: من حيث كثرة وقوعها.
تنقسم النوازل باعتبار كثرة وقوعها إلى نوعين:
الأول/ نوازل يكثر وقوعها.
الثاني/ نوازل يقل وقوعها.

المبحث الرابع: مصادر البحث في النوازل العقدية ومناهج التعامل معها.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: مصادر البحث في النوازل العقدية

يمكن تحديد المصادر التي يحتاج الباحث الرجوع إليها في دراسته للنوازل العقدية في جملة من المصادر كما يلي:
1/ المصادر الشرعية في التلقي: وتشمل الكتاب، والسنة، والإجماع، فإن هذه الثلاثة هي أصول المراجع الشرعية عند بحث أي نازلة.

2/ عموم كتب اعتقاد أهل السنة: وذلك أن كثيراً من النوازل لها أصول ترجع إليها، وتُرد عليها، وهي مبثوثة في عموم كتب اعتقاد أهل السنة.

3/ كتب الفتاوى: وذلك أن كتب الفتاوى هي جواب لحوادث واقعة، وفي كثير منها تنزيل للحكم الشرعي على الواقع، ومن تتبع كتب فتاوي أهل العلم على مر العصور وجد أن لكل عصر نوازله التي تناسبه.

4/ أبحاث وقرارات المجامع العلمية: حيث تُبحث في هذه المجامع كثير من الفِرَق والجماعات والمعتقدات ومدى قربها من الصواب، ونشأة هذه المجامع خطوة علمية مباركة في تفعيل الاجتهاد الجماعي، ومحاولة الاقتراب من الصواب بالاستكثار من عقول وآراء أهل العلم، وكلما كانت هذه المجامع العلمية أكثر استقلالاً كانت أحرى بالحق والصواب.

5/ الرسائل الجامعية والبحوث المعاصرة: وذلك أن مناهج كثير من الجامعات تشترط في البحوث والرسائل العلمية التي تشرف عليها أن تتميز بالجِدَّة والمعاصرة، والسعي للمشاركة في علاج الواقع الذي هي فيه، وتقديم الحلول للنوازل التي تمر بالأمة.

6/ المباحث الأصولية وكتب القواعد الفقهية: وذلك أن الحكم على كثير من مسائل النوازل يمكن استنباطه من المباحث الأصولية، أو التخريج على القواعد الفقهية، وفي بعض النوازل يكون الاجتهاد هو في تحقيق مناط النازلة وتنزيل حكمها على الواقع.

المطلب الثاني: مناهج التعامل مع النوازل العقدية

يمكن بيان الكلام حول المناهج المعاصرة في التعامل مع النوازل العقدية في ثلاثة مناهج:
المنهج الأول: منهج التشديد والغلو:
ويتمثل في صور الغلو في التكفير المعاصرة، والتضييق في ما يتعلق بالنوازل العقدية للأقليات الإسلامية.

المنهج الثاني: منهج التساهل:
ويتمثل في صور الإرجاء المعاصرة في مسائل تمييع التكفير، والتوسع إلى درجة الذوبان في ما يتعلق بالنوازل العقدية للأقليات الإسلامية.

المنهج الثالث: منهج التوسط:
وهو منهج أهل السنة والجماعة، فهم (الوسط في فرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم.
فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية؛ وأهل التمثيل المشبهة.
وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية: من القدرية وغيرهم.
وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.
وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج) (43).

المبحث الخامس: ضوابط دراسة النوازل العقدية ودارسها.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: ضوابط دراسة النوازل العقدية.

وفي هذه الضوابط تأكيد على صفات النازلة التي تستحق البحث والدراسة، فليست كل نازلة مما تتوافر الدواعي لدراستها، فمن تلك الضوابط:
أن تكون النازلة مما ينبني عليه عمل، وذلك بأن تكون النازلة قد وقعت بالفعل، أو تكون متوقع وقوعها، أو مفترض وقوعها، وفي كل الأحوال يكون الكلام فيها له ثمرة وفائدة.
أما أن تكون النازلة قد وقعت بالفعل فقد وردت بذلك الآثار الكثيرة، ومن ذلك ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال على المنبر: (أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن، فإن الله قد بين ما هو كائن) (44)، وهذا محمول على مالا يترتب عليه عمل.

وأما أن تكون النازلة متوقع وقوعها، أو مفترض وقوعها ولكنه يترتب عليها عمل، فقد سأل الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أحكام أمور لم تقع، فقد جاء في حديث أخبار آخر الزمان عن الدجال أن الصحابة قالوا: (يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره) (45).

وعن المقداد بن الأسود قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله، بعد أن قالها؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، قال: فقلت: يا رسول الله، إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) (46).

فلا منع بإطلاق من الكلام عن المسائل التي لم تقع، ولا فتح الكلام بإطلاق عنها، بل (الحق التفصيل، فإن كان في المسألة نص من كتاب الله أو سنة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو أثر عن الصحابة لم يكره الكلام فيها، وإن لم يكن فيها نص ولا أثر فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدرة لا تقع لم يستحب له الكلام فيها، وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد، وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة إذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم، لا سيما إن كان السائل يتفقه بذلك ويعتبر بها نظائرها، ويفرع عليها، فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى) (47)، وسبب ذلك أن (كل مسألة لا ينبني عليها عمل؛ فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل: عمل القلب وعمل الجوارح، من حيث هو مطلوب شرعا.

والدليل على ذلك استقراء الشريعة؛ فإنا رأينا الشارع يعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به) (48).

المطلب الثاني: ضوابط دارس النوازل العقدية.

وفيه ثمانية مسائل:
المسألة الأولى: الإخلاص والتجرد في دراسة النازلة: وهذا مما ينبغي التذكير به فحسب، وإلا فهو أصل العلم الشرعي جملة، ولا يتصور طالب علم أو باحث عن الحقيقة وهو عنده خلل في هذا الباب.
فإن أعظم آداب طالب العلم هو (الإخلاص لله سبحانه وتعالى فإنه إذا فُقد انتقل العلم من أفضل الطاعات إلى أقبح المخالفات) (49).

المسألة الثانية: إحاطته بمدارك الأحكام (الكتاب – السنة – الإجماع).
ومعنى ذلك أنه لابد لدارس النوازل العقدية أن يكون محيطاً بالطرق الموصلة للاستدلال الصحيح من الأصول الشرعية، فإن دراسة النوازل هي من باب الاجتهاد وذلك أن (ما يقع من بذل الوسع في العقليات من الأحكام الشرعية الاعتقادية اجتهاد عند الأصوليين) (50).

و(لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهته) (51)، وبيان ذلك أنه ينبغي على دارس النوازل (أن يوجه وجهه ويحدق نظره إلى منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد، وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة، فيستفرغ وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها، فإن ظفر بذلك أخبر به، وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار، والإكثار من ذكر الله، فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد، ولا بد أن تضعفه.

… ولا ريب أن من وفق هذا الافتقار علما وحالا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد فقد أعطي حظه من التوفيق، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (52).

المسألة الثالثة: أن يكون عالماً باللغة العربية.
وهذا من لوازم فهم الكتاب والسنة، فإنهما بلسان عربي، وبقدر معرفة دلالات اللغة تكون قوة الاستدلال بهما.

المسألة الرابعة: المعرفة بمقاصد الشريعة.
وذلك أن معرفة دارس النوازل بكليات الشريعة ودلالاتها يضبط مسيره أثناء البحث من الانحراف عنها أو الوقوع في معارضتها.

المسألة الخامسة: المعرفة بعلم أصول الفقه.
وذلك يشمل القدرة على استنباط معاني الأصول ليعرف بها حكم الفروع، والمعرفة بمراتب الأدلة وما يجب تقديمه وما يجب تأخيره، ونحو ذلك من مباحث هذا العلم.

المسألة السادسة: أن يكون على معرفة بالواقع والظروف التي تحيط به.
فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وذلك أن الناظر في النازلة لا يتمكن من الحكم فيها بالحق (إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله)(53).

المسألة السابعة: أن يكون مأموناً وثقة في دينه.
فإن الواجب على المسلم أن يسأل من يثق في علمه ودينه، (وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) (54).

المسألة الثامنة: الافتقار إلى الله بأن يلهمه الصواب.
وبيان ذلك أنه ينبغي على دارس النوازل (إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد إلى ملهم الصواب، ومعلم الخير، وهادي القلوب، أن يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر من أمل فضل ربه أن لا يحرمه إياه، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق) (55).

المبحث السادس: مراحل دراسة النوازل العقدية:

من خلال النظر الإجمالي لمنهج دراسة النوازل العقدية يتبين أن (جميع المسائل التي تحدث في كل وقت سواء حدثت أجناسها أو أفرادها يجب أن تُتَصور قبل كل شيء، فإذا عُرفت حقيقتها وشُخصت صفاتها، وتصورها الإنسان تصورًا تامًّا بذاتها ومقدماتها ونتائجها طُبقت على نصوص الشرع وأصوله الكلية؛ فإن الشرع يحلُّ جميع المشكلات: مشكلات الجماعات والأفراد، ويحل المسائل الكلية والجزئية، يحلها حلًّا مرضيًا للعقول الصحيحة، والفطر السليمة.

ويشترط أن ينظر فيه البصير من جميع نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية) (56)، فإذا أردنا تفصيل مراحل دراسة النوازل العقدية جعلنا ذلك في اثني عشر مطلباً:

المطلب الأول: تَصُّور النازلة في ذاتها

وذلك أن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره) (57)، فإن (جميع المسائل التي تحدث في كل وقت سواء حدثت أجناسها أو أفرادها يجب أن تتصور قبل كل شيء، فإذا عرفت حقيقتها وشخصت صفاتها وتصورها الإنسان تصورا تاما بذاتها ومقدماتها ونتائجها) (58) سهل على الباحث معرفة موضعها من أبواب الاعتقاد، وتمكن من تحرير محل البحث الذي يحتاج إلى النظر فيه، والأصل أن يتصور الباحث المسألة بنفسه، فإن لم يمكن سأل أهل التخصص الثقات لتصوير المسألة له.

وذلك أنه (كثيراً ما يقع غلط المفتي في هذا القسم، فالمفتي تَرِد إليه المسائل في قوالب متنوعة جدا، فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال وإلا هلك وأهلك، فتارة تورد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف؛ فصورة الصحيح والجائز صورة الباطل والمحرم ويختلفان بالحقيقة، فيذهل بالصورة عن الحقيقة، فيجمع بين ما فرق الله ورسوله بينه، وتارة تورد عليه المسألتان صورتهما مختلفة وحقيقتهما واحدة وحكمهما واحد، فيذهل باختلاف الصورة عن تساويهما في الحقيقة، فيفرق بين ما جمع الله بينه، وتارة تورد عليه المسألة مجملة تحتها عدة أنواع، فيذهب وهْمُه إلى واحد منها، ويذهل عن المسئول عنه منها، فيجيب بغير الصواب، وتارة تورد عليه المسألة الباطلة في دين الله في قالب مزخرف ولفظ حسن، فيتبادر إلى تسويغها وهي من أبطل الباطل، وتارة بالعكس؛ فلا إله إلا الله، كم ههنا من مزلة أقدام، ومجال أوهام، وما دعي محق إلى حق إلا أخرجه الشيطان على لسان أخيه، ووليه من الإنس في قالب تنفر عنه خفافيش البصائر وضعفاء العقول وهم أكثر الناس، وما حذر أحد من باطل إلا أخرجه الشيطان على لسان وليه من الإنس في قالب مزخرف يستخف به عقول ذلك الضرب من الناس فيستجيبون له.

وأكثر الناس نظرهم قاصر على الصور لا يتجاوزونها إلى الحقائق، فهم محبوسون في سجن الألفاظ، مقيدون بقيود العبارات) (59).
وبسبب الخلل في باب التصور الصحيح للمسألة يحصل الخطأ في الحكم عليها، ولذلك فإن (أكثر أغلاط الفتاوى من التصور) (60).

المطلب الثاني: تصور الواقع المحيط بالنازلة.

فإنه لا يمكن من الحكم في النازلة (إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله)(61).

المطلب الثالث:توصيف النازلة العقدية وبيان اندراجها تحت أي أبواب الاعتقاد (تكييف النازلة).

وذلك مما يساعد على الحكم في النازلة، حيث إن التوصيف الصحيح لها من حيث اندراجها تحت أي ابواب الاعتقاد هل هي من باب توحيد الألوهية، أو من باب البدعة، أو من باب الجهل بمسائل الاعتقاد، يفيد في تطبيق ضوابط ذلك الباب عليها.

المطلب الرابع: عرض النازلة على الأصول الشرعية.

وذلك أنه إذا نزلت نازلة نظرنا في دلالة الأصول الشرعية عليها إثباتاً أو نفياً (وهي: كتاب الله، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم القول لبعض أصحابه، ثم اجتماع الفقهاء، فإذا نزلت نازلة لم نجد فيها واحدة من هذه الأربعة الأخبار فليس السبيل في الكلام في النازلة إلا اجتهاد الرأي) (62)، وبوب ابن عبد البر: (باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة) (63).

وهذا هو منهج الصحابة رضوان الله عليهم فقد (كانوا إذا نزلت بهم النازلة بحثوا عن حكم الله تعالى فيها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتدافعون الفتوى ويود كل منهم لو كفناه إياها غيره.

وكان جماعة منهم يكرهون الكلام في مسألة لم تقع، ويقولون للسائل عنها: أكان ذلك؟ فإن قال: لا، قالوا: دعه حتى يقع، ثم نجتهد فيه. كل ذلك يفعلونه خوفا من الهجوم على ما لا علم لهم به، واشتغالا بما هو الأهم من العبادة والجهاد، وإذا وقعت الواقعة لم يكن بد من النظر فيها) (64).

وفيه ستة مسائل:
المسألة الأولى: عرض النازلة على الكتاب.
حيث يبحث أولاً في كتاب الله مما له علاقة بهذه النازلة، فتجمع الآيات التي تدل عليها اثباتاً أو نفياً، (فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها) (65)، وذلك أن (الناس تغيب عنهم معاني القرآن عند الحوادث فإذا ذكروا بها عرفوها) (66).

المسألة الثانية: عرض النازلة على السنة.
فينظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتجمع الأحاديث التي تتعلق بهذه النازلة اثباتاً أو نفياً، وينظر في أسانيدها ومتونها والتمييز بين صحيحها وضعيفها.

المسألة الثالثة: عرض النازلة على الإجماع.
فينظر هل هناك اجماع سابق لهذه النازلة، سواء وافقت النازلة دلالة هذا الإجماع أم عارضته.
ومن ذلك قول الإمام مالك: (أدركت أهل هذا البلد (67) وما عندهم علم غير الكتاب والسنة، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه) (68).

المسألة الرابعة: عرض النازلة على أقوال الصحابة.
وذلك بالنظر في أقوال الصحابة رضوان الله عليهم، هل فيها دلالة على هذه النازلة إثباتاً أو نفياً.

المسألة الخامسة: عرض النازلة على العقل الصحيح.
وذلك بالنظر إلى العقل الصحيح هل يوافق هذه النازلة أم يخالفها، فإن العقل الصحيح موافق لما يأمر الله به في شرعه، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بما يخالف العقول الصحيحة، وإن كانت قد تأتي بما تحار فيه العقول، (فإن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه قد يخبرون بمحارات العقول وهو ما تعجز العقول عن معرفته ولا يخبرون بمحالات العقول وهو ما يعلم العقل استحالته) (69)، فلا تعارض ولا تناقض ولا اضطراب فيما تأتي به الرسل عن ربها.

وذلك (أنه ليس في المعقول الصريح ما يمكن أن يكون مقدماً علي ما جاءت به الرسل، وذلك لأن الآيات والبراهين دالة علي صدق الرسل، وأنهم لا يقولون علي الله إلا الحق، وأنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الخبر والطلب، لا يجوز أن يستقر في خبرهم عن الله شيء من الخطأ، كما اتفق علي ذلك جميع المقرين بالرسل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم.

فوجب أن جميع ما يخبر به الرسول عن الله صدق وحق، لا يجوز أن يكون في ذلك شيء مناقض لدليل عقلي ولا سمعي.
فمتى علم المؤمن بالرسول أنه أخبر بشيء من ذلك جزم جزماً قاطعاً أنه حق، وأنه لا يجوز أن يكون في الباطن بخلاف ما أخبر به، وأنه يمتنع أن يعارضه دليل قطعي، ولا عقلي ولا سمعي، وأن كل ما ظن أنه عارضه من ذلك فإنما هو حجج داحضة) (70).

وخلاصة الباب (أن الأدلة العقلية الصريحة موافقة لمذهب السلف وأهل الحديث؛ وعلى ذلك يدل الكتاب والسنة مع ” الكتب المتقدمة “: التوراة والإنجيل والزبور فقد اتفق عليها نصوص الأنبياء وأقوال السلف وأئمة العلماء ودلت عليها صرائح المعقولات، فالمخالف فيها كالمخالف في أمثالها ممن ليس معه حجة لا سمعية ولا عقلية بل هو شبيه بالذين قالوا: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} قال الله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}) (71)، (وهذا مما يبين أن ما جاءت به الرسل هو الحق، وأن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه) (72).

المسألة السادسة: عرض النازلة على الفطرة السليمة.
فإن شرائع الدين وما جاء به المرسلين متوافق مع الفطر السليمة، ولا تأباه تلك الفطر إلا إذا عرض لها فساد يغير فطرتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} [الروم: 30]) (73).

المطلب الخامس: عرض النازلة على المسائل والنوازل المشابهة.

وذلك من حيث إلحاق الشبيه بما يشبهه، والنظير بنظيره، فإن من مدارك الحكم على النوازل قياس الشبه، وإلحاق كل نظير بنظيره، وقد يكون هذا الباب هو أوسع أبواب الاستدلال في مسائل النوازل، وذلك لأن النوازل غير محصورة والنصوص الشرعية محصورة بخلاف قياس الشبه فإنه يتناول كل نازلة معلومة العلة ويلحقها بنظيرها وما يشبهها.

وذلك أن النازلة إذا كان يتنازعها أصلين فإنها تلحق بأكثرهما شبها به، مثل (أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في الأصلين شبه فيذهب ذاهب إلى أصل والآخر إلى أصل غيره فيختلفان، فإن قيل فهل يوجد السبيل إلى أن يقيم أحدهما على صاحبه حجة في بعض ما اختلفا فيه؟ قيل نعم إن شاء الله تعالى بأن تنظر النازلة، فإن كانت تشبه أحد الأصلين في معنى والآخر في اثنين صرفت إلى الذي أشبهته في الاثنين دون الذي أشبهته في واحد وهكذا إذا كان شبيها بأحد الأصلين أكثر) (74).

 (وقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجتهدون في النوازل، ويقيسون بعض الأحكام على بعض، ويعتبرون النظير بنظيره) (75).

و(اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان) (76).

المطلب السادس: عرض النازلة على القواعد والضوابط العقدية.

وذلك أن القواعد والضوابط أصول كلية تجمع الفروع التي تحتها بحكم كلي، وذلك مما يضبط الحكم على هذه النازلة، و(اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يُطلَع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان)(77).
ويحتاج الناظر في النوازل العقدية إلى مراعاة قواعد سد الذرائع الموصلة إلى المحرم، وفتح الذرائع الموصلة إلى الواجب، ومراعاة المسائل التي تتأثر بالعرف والعادة، وتقدير ما تستحقه كل مسألة بحسبها.

المطلب السابع: عرض النازلة على مقاصد الشريعة ومدى قربها أو بعدها عنها.

وذلك أن عرض النازلة على كليات الشريعة ودلالاتها يضبط مسيرة الحكم عليها أثناء البحث من الانحراف عنها أو الوقوع في معارضتها، فإن (المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدا لله اختيارا، كما هو عبد لله اضطرارا) (78)، ومن المهم أن الناظر في النوازل العقدية (عليه أن يحدد “المقصد الشرعي” في حكم كل مسألة على حدة ليتمكن من تبين صحة أو دقة اندراجها في المقاصد العامة للتشريع التي اتجهت جملة التكاليف إلى تحقيقها اعتبارا للجزئي بالكلي، وهذا لون من الجهد العقلي الاجتهادي) (79).
وإدراك مقاصد الشارع هو ميدان تفاوت الفقهاء فإن (مَن فَهِم حكمة الشارع منهم كان هو الفقيه حقا) (80)، و(إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين:
أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها.
والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها) (81).

المطلب الثامن: النظر في قرارات مجامع الاجتهاد الجماعي والرسائل الجامعية والبحوث المعاصرة.

وذلك أن الفتيا الجماعية وإن لم تكن إجماعاً فإنها أقرب للصواب وأبعد عن الشذوذ، وأظهر في اجتماع كلمة المسلمين وتوحيد الأمة، وأقوى لأثرها في الواقع، وكلما كان النظر جماعياً من قِبل أهل الاجتهاد كان أوفق للحق والصواب.

المطلب التاسع: استشارة أهل العلم والاستنارة بآرائهم.

فإن ذلك من كمال العقل، وحسن الفهم، فإن علامة العاقل أن (يذكر المسألة لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم في الجواب، ويسأل كل واحد منهم عما عنده، فإن في ذلك بركة، واقتداء بالسلف الصالح) (82).
وذكر النووي من فوائد حديث مقاتلة أبي بكر رضي الله عنه لمن فرَّق بين الصلاة والزكاة، فقال: (وفيه اجتهاد الأئمة في النوازل وردها إلى الأصول ومناظرة أهل العلم فيها) (83).
وذلك أنه على الناظر في النوازل (إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ويشاورهم) (84).
وقد كان الصحابة وخاصة الخلفاء الأربعة منهم إذا (نزلت نازلة فزعوا إلى الشورى، فلم تصدر الفتوى والحكم إلّا عن تبصر وحكمة، ولذلك قَلَّما يبقى الخلاف.
بخلاف الزمن النبوي الذي كان الخلاف فيه معدومًا، وبخلاف عصر مَنْ بعدهم الذي كثر فيه الخلاف لانعدام الشورى في غالبه، فمجلس أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ كان مجلس تشريع وفقه واستنباط ومشاورة، وخصوصًا الأولان منهم)(85).

المطلب العاشر: النظر في مآلات الحكم على هذه النازلة.

وذلك أن (النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل،(86) مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى المفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغب، جار على مقاصد الشريعة) (87).

المطلب الحادي عشر: الحكم على النازلة:

وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: الحكم على النازلة في ذاتها.

المسألة الثانية: تنزيل حكم هذه النازلة على الواقع المناسب لها.
وذلك أن معرفة الحكم الشرعي نصف الفقه، وأما نصفه الآخر فهو معرفة فقه تنزيله على الواقع المناسب للحكم، فإذا اجتهد الباحث في المراحل السابقة للنظر في النازلة بقي له مرحلتان:
الأولى: تجريد الحكم على هذه النازلة في ذاتها بغض النظر عن ملابسات واقعها الذي تنزل عليه، وهو ما يمكن التعبير عنه بتحقيق المناط في نوع النازلة دون النظر في ملابسات آحادها.
وذلك مثل الحكم على مسألة ما بأنها بدعة.

الثانية: تنزيل حكم هذه النازلة على الواقع المناسب لها مع مراعاة ملابسات الواقع الذي تنزل عليه، وهو ما يمكن التعبير عنه بتحقيق المناط في عين النازلة مع اعتبار ملابسات واقعها.
وذلك مثل الحكم على فعل المكلف المعين بأنه داخل في حد البدعة.

المسألة الثالثة: التفصيل في الحكم عند الحاجة.
وذلك أن كثير من النوازل لها عدة حالات تختلف أحكامها، وعليه لا بد من تفصيل الحكم عليها وعدم إجماله، وبسبب عدم التفصيل يقع كثير من الالتباس والخطأ، و(ليس للمفتي أن يطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل إلا إذا علم أن السائل إنما سأل عن أحد تلك الأنواع، بل إذا كانت المسألة تحتاج إلى التفصيل استفصله، كما استفصل النبي – صلى الله عليه وسلم – ماعزا لما أقر بالزنا: هل وجد منه مقدماته أو حقيقته؟ فلما أجابه عن الحقيقة استفصله: هل به جنون، فيكون إقراره غير معتبر أم هو عاقل؟ فلما علم عقله استفصله: بأن أمر باستنكاهه؛ ليعلم هل هو سكران أم صاح؟ فلما علم أنه صاح استفصله: هل أحصن أم لا؟ فلما علم أنه قد أحصن أقام عليه الحد)(88).

وكما قيل:
(عليك بالتفصيل والتمييز فالإ *** طلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا ال *** أذهان والآراء كل زمان) (89).

المسألة الرابعة: التوقف.
فإن لم يتبين للباحث حكم في هذه النازلة فإنه يتوقف في الحكم عليها، ويحيل الحكم فيها إلى من ترجح له شيء في ذلك، فإن (من أشكل عليه شيء لزمه الوقوف، ولم يجز له أن يحيل على الله قولاً في دينه، لا نظير له من أصل، ولا هو في معنى أصل، وهذا الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديمًا وحديثًا، فتدبره) (90).

المطلب الثاني عشر: الرجوع إلى الحق والصواب إن تبين خطأ الحكم السابق:

وذك أنه قد يتبين للباحث في النازلة خطأ حكمه السابق عليها بسبب قصور في استيفاء الحكم، فإن تبين له ذلك فعليه الرجوع للحق وبيان الصواب، فإن هذا هو ما تقتضيه الديانة والأمانة العلمية، فإن (من آفات التعصب الماحقة لبركة العلم أن يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة كما يصدر ممن يفتي أو يصنف أو يناظر غيره ويشتهر ذلك القول عنه فإنه قد يصعب عليه الرجوع عنه إلى ما يخالفه وإن علم أنه الحق وتبين له فساد ما قاله، ولا سبب لهذا الاستصعاب إلا تأثير الدنيا على الدين فإنه قد يسول له الشيطان أو النفس الأمارة أن ذلك ينقصه ويحط من رتبته ويخدش في تحقيقه ويغض من رئاسته.

وهذا تخيل مختل وتسويل باطل فإن الرجوع إلى الحق يوجب له من الجلالة والنبالة وحسن الثناء ما لا يكون في تصميمه على الباطل بل ليس في التصميم على الباطل إلا محض النقص له والإزراء عليه والاستصغار لشأنه، فإن منهج الحق واضح المنار يفهمه أهل العلم ويعرفون براهينه ولا سيما عند المناظرة، فإذا زاغ عنه زائغ تعصبا لقول قد قاله أو رأي رآه فإنه لا محالة بكون عند من يطلع على ذلك من أهل العلم أحد رجلين: إما متعصب مجادل مكابر إن كان له من الفهم والعلم ما يدرك به الحق ويتميز به الصواب، أو جاهل فاسد الفهم باطل التصور إن لم يكن له من العلم ما يتوصل به إلى معرفة بطلان ما صمم عليه وجادل عنه، وكلا هذين المطعنين فيه غاية الشين.

وكثيرا ما تجد الرجلين المنصفين من أهل العلم قد تباريا في مسألة وتعارضا في بحث فبحث كل واحد منهما عن أدلة ما ذهب إليه فجاءا بالمتردية والنطيحة على علم منه بأن الحق في الجانب الآخر وأن ما جاء به لا يسمن ولا يغني من جوع.
وهذا نوع من التعصب دقيق جدا يقع فيه كثير من أهل الإنصاف ولا سيما إذا كان بمحضر من الناس وأنه لا يرجع المبطل إلى الحق إلا في أندر الأحوال وغالب وقوع هذا في مجالس الدرس ومجامع أهل العلم) (91).

المبحث السابع: في تعداد مسرد لجملة من النوازل العقدية:

ويمكن تقسيم هذه النوازل بعدة اعتبارات (92):
أولاً: نوازل تتعلق بأصول الإيمان وما يلحق به، ومن ذلك:
1/ الأسورة التي تلبس لمعالجة بعض الأمراض.
2/ الوصول إلى القمر.
3/ التحاكم إلى الشرعية الدولية والقانون الدولي.
4/ التنويم المغناطيسي.
5/ الألعاب البهلوانية والشعوذة والدجل.
6/ تحية العَلَم.
7/ الاستمطار.
8/ معرفة جنس الجنين.
9/ اختيار جنس الجنين.
10/ اللجوء السياسي للبلاد غير الإسلامية.
11/    التصوير الفوتوغرافي.
12/ كتابة المصحف بالطريقة الإملائية.
13/ حوار الحضارات.
14/ البرمجة اللغوية.
15/ البرمجة العصبية.
16/ الطاقة الذاتية.
17/ المشاركة في المنظمات الدولية.
18/ التدرج في تطبيق الشريعة.
19/ حدود العذر بالجهل في الأزمنة المعاصرة.
20/ حدود المعلوم من الدين بالضرورة في الأزمنة المعاصرة.

ثانياً: نوازل تتعلق بالفرق والأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة، ومن ذلك (93):
1/ العصرانية.
2/ الحداثة.
3/ العولمة.
4/ العلمانية.
5/ الليبرالية.
6/ الديموقراطية.
7/ التنويرية.
8/ الإنسانية.
9/ الأحباش.
10/ القاديانية.
11/ البهائية.
12/ الاستشراق.
13/ الاستغراب.
14/ التغريب.
15/ الوطنية.

ثالثاً: نوازل تتعلق بالبدعة، ومن ذلك:
1/ الاستشفاء بتكرار آيات خاصة من غير الوارد.
2/ وضع الزهور على القبور.
3/ تخصيص نهاية السنة بقُربة من القُرب.
4/ الأعياد المعاصرة (عيد الحب، عيد الأم…).
رابعاً: نوازل تتعلق بالأقليات الإسلامية، ومن ذلك:
1/ التجنس بجنسية البلاد غير المسلمة.
2/ المشاركة في المجالس البرلمانية والانتخابية في البلاد غير المسلمة.
3/ الهجرة إلى البلاد الكافرة.
4/ إنشاء الأحزاب السياسية.
5/ تولي الوظائف العامة في الدول غير الإسلامية.
6/ تحديد ولي الأمر وحقوقه وواجباته في البلاد غير الإسلامية.
خامساً: نوازل تتعلق بالألفاظ، ومن ذلك:
1/ لفظ (العادات والتقاليد الإسلامية).
2/ لفظ (دفن في مثواه الأخير).
3/ لفظ (نحن والآخر).
4/ لفظ (فلان ما يستاهل).
5/ لفظ (باسم الوطن – باسم العروبة).
6/ لفظ (عَبَّاد الشمس).
7/ لفظ (شاءت حكمة الله – شاء القدر).
8/ لفظ (شاءت الطبيعة).
9/ لفظ (الكوارث الطبيعية).
10/ لفظ (صباح النور – مساء النور).
11/ لفظ (البَقِيَّة في عمرك).
12/ لفظ (اشتراكية الإسلام).
13/ لفظ (الفكر الإسلامي – التصور الإسلامي – المفكر الإسلامي).
14/ لفظ (المادة لا تفنى ولا تزول).
15/    لفظ (أنسنة الوحي).
16/ تسمية البنت ب (مَلاك).
17/ تسمية المكتشفات العلمية بأسماء الأصنام والأوثان.

الخاتمة وأهم التوصيات:

في ختام هذا البحث أحمد الله على ما وفق وأعان، وأشير إلى التوصيات التالية:
1)    إنشاء مجمع علمي يُعنى بالبيان والإفتاء في القضايا والنوازل العقدية.
2)    العناية بالفتاوى العقدية فيما يتعلق بالأقليات الإسلامية.
3)    أهمية المبادرة في إجابة أسئلة الشباب الحائرة بسبب طغيان المادية.
4)    أهمية تحرير وبيان المصطلحات العقدية التي يتم التلاعب بها في المجال الإعلامي والعالمي.
5)    أهمية المشاركة الفاعلة في شبكات التواصل الاجتماعي للإجابة على الفتاوى العقدية وبيان القضايا الفكرية.

___________________________________

(1) ينظر: لسان العرب لابن منظور 11/ 659.
(2) ينظر: المعجم الوسيط 2/915.
(3) معجم مقاييس اللغة 5/417.
(4) ينظر: المعاملات المالية المعاصرة لشبير ص 12، فقه النوازل للجيزاني 1/24.
(5) ينظر: معجم مقاييس اللغة 2/36.
(6) يعني المدينة النبوية.
(7) تفسير القرطبي 6/ 332.
(8) الرسالة للشافعي ص 19.
(9) المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 110.
(10) صحيح البخاري 1/29.
(11) السنن الكبرى 5/362.
(12) جامع بيان العلم وفضله 2/844.
(13) شرح النووي على مسلم 11/58.
(14) المرجع السابق 1/ 213.
(15) إعلام الموقعين 1/ 155.
(16) ينظر: منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، د. مسفر القحطاني ص 92.
(17) معجم مقاييس اللغة 5/417.
(18) المصباح المنير 2/421.
(19) ينظر: معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد ص 666.
(20) ينظر: الانتصار للشيح عبد المحسن العباد ص 23.
(21) أخرجه الدارمي في مسنده رقم (235) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(22) مجموع الفتاوى 11/336.
(23) والأبحاث في هذا الباب كثيرة.
(24) ومن ذلك بحث (النوازل الأصولية) د. أحمد الضويحي.
(25) ومما يدخل في ذلك من النوازل استخدام التقنية الحديثة في مراتب التحمل والأداء في رواية الأحاديث، ونحو ذلك.
(26) ينظر: فقه النوازل للجيزاني 1/ 26، 28.
(27) ينظر: المرجع السابق 1/ 19.
(28) وهذه القصة من النوازل، قال ابن حجر (وفي قصة عمر من الفوائد مشروعية المناظرة والاستشارة في النوازل وفي الأحكام) فتح الباري لابن حجر 10/ 190، وذكر النووي من فوائد الحديث (استحباب مشاورة أهل العلم والرأي في الأمور الحادثة) شرح النووي على مسلم 14/ 212.
(29) سرغ: بفتح السين وسكون الراء، قرية في طريق المسافر من الحجاز إلى الشام.
ينظر: فتح الباري لابن حجر 10/ 184.
(30) أي الطاعون كما ورد في بعض بعض الروايات.
(31) وقع في رواية البخاري رقم (6973)، ومسلم رقم (2219) من حديث ابن عمر: ما يُفهم منه أن رجوع عمر كان بسبب حديث عبدالرحمن ابن عوف وليس اجتهاداً منه في هذه النازلة، وهذا غير صحيح بل اجتهد فيها ثم تبين له موافقته لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي في شرح مسلم 14/ 210: (وهذا تأويل فاسد ومذهب ضعيف بل الصحيح الذي عليه الجمهور وهو ظاهر الحديث أو صريحه أنه إنما قصد الرجوع أولا بالاجتهاد حين رأى الأكثرين على ترك الرجوع مع فضيلة المشيرين به وما فيه من الاحتياط ثم بلغه حديث عبد الرحمن فحمد الله تعالى وشكره على موافقة اجتهاده واجتهاد معظم أصحابه نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(32) (أطلق عليه فرارا لشبهه به في الصورة وإن كان ليس فرارا شرعيا.
والمراد أن هجوم المرء على ما يهلكه منهي عنه ولو فعل لكان من قدر الله وتجنبه ما يؤذيه مشروع وقد يقدر الله وقوعه فيما فر منه فلو فعله أو تركه لكان من قدر الله فهما مقامان مقام التوكل ومقام التمسك بالأسباب) فتح الباري لابن حجر 10/ 185.
(33) (عدوتان بضم العين المهملة وبكسرها أيضا وسكون الدال المهملة تثنية عدوة وهو المكان المرتفع من الوادي) فتح الباري لابن حجر 10/ 185.
(34) أخرجه البخاري رقم (5729) وهذا لفظه، ومسلم رقم (2219).
(35) شرح النووي على مسلم 14/ 209.
(36) جامع بيان العلم وفضله 1/ 56.
(37) ينظر: المجموع للنووي 1/ 27، 45.
(38) إعلام الموقعين 2/ 143.
(39) هكذا في المطبوع ولعل الصواب: ورسوله.
(40) مجموع الفتاوى لابن تيمية 20/ 208.
(41) الموافقات للشاطبي 5/ 39.
(42) تم إفراد البدعة بتقسيم مستقل وذلك لكثرة الفروع المندرجة تحتها، وذلك أن البدعة قائمة على الإحداث في الدين.
(43) مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 141.
(44) أخرجه الدارمي في سننه رقم (126).
(45) أخرجه مسلم رقم 2937.
(46) أخرجه البخاري رقم 4019، ومسلم رقم 155، وهذا لفظ مسلم.
(47) إعلام الموقعين لابن القيم 4/170.
(48) الموافقات للشاطبي 1/43.
(49) الذخيرة للقرافي 1/ 47.
(50) تيسير التحرير لمحمد الحنفي 4/ 179.
(51) إعلام الموقعين 4/134.
(52) إعلام الموقعين 4/ 131.
(53) إعلام الموقعين 1/69.
(54) مجموع الفتاوى لابن تيمية 20/ 208.
(55) إعلام الموقعين 4/ 131.
(56) الفتاوى السعدية 16/ 137.
(57) شرح الكوكب المنير لابن النجار 1/ 50.
(58) المرجع السابق 16/ 137.
(59) إعلام الموقعين لابن القيم 4/ 147.
(60) الفكر السامي للحجوي 2/ 571.
(61) إعلام الموقعين 1/69.
(62) المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 110.
(63) جامع بيان العلم وفضله 2/844.
(64) المؤمل لأبي شامة ص 96.
(65) الرسالة للشافعي ص 19.
(66) مجموع الفتاوى لابن تيمية 27/ 363.
(67) يعني المدينة النبوية.
(68) تفسير القرطبي 6/ 332.
(69) بيان تلبيس الجهمية، لابن تيمية 2/ 361.
(70) درء التعارض لابن تيمية 1/ 172.
(71) مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/ 257.
(72) درء التعارض لابن تيمية 2/ 364.
(73) أخرجه البخاري رقم (1359)، ومسلم رقم (2658).
(74) الأم للشافعي 7/ 318.
(75) إعلام الموقعين 1/ 155.
(76) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 6.
(77) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 6.
(78) الموافقات للشاطبي 2/ 289.
(79) حاشية الموافقات لعبدالله دراز 3/ 24.
(80) الفتاوى الكبرى لابن تيمية 6/ 172.
(81) الموافقات للشاطبي 5/ 41.
(82) الفقيه والمتفقه للبغدادي 2/ 390.
(83) شرح النووي على مسلم 1/ 213.
(84) التمهيد لابن عبد البر 8/ 368.
(85) الفكر السامي للحجوي 1/ 320.
(86) لعل هنا سقط ” فقد يكون “.
(87) الموافقات للشاطبي 5/ 177.
(88) إعلام الموقعين لابن القيم 4/ 143.
(89) الكافية الشافية لابن القيم ص 52.
(90) جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر 2/848.
(91) أدب الطلب للشوكاني ص 89.
(92) وهناك جملة من المسائل العقدية التي أدخلها بعض الباحثين ضمن النوازل العقدية، ولم أذكرها هنا حيث لم يظهر لي وجه إدخالها في النوازل العقدية بسبب أنها ليست من المسائل النازلة والحديثة وإنما جرى بحثها والكلام فيها من أزمان متطاولة، وهذا من الأمور النسبية بين الباحثين.
(93) ويمكن الاطلاع على الموسوعة الميسرة في المذاهب المعاصرة التي أصدرتها الندوة العالمية للشباب الإسلامي ففيها جملة وافرة من المذاهب والتيارات المعاصرة.

(المصدر: موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى