تقارير وإضاءات

سلسلة المراسلات الشخصية للإمام المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي | الرسالة الأولى إلى والده

الرسالة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي الوالد العماد الفقيه يحيى بن علي المعلمي

حفظه الله، ورزقني دوام رضاه، وصالح دعاه، آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصل والحمد لله تعالى كتاب والدي المؤرخ نصف ذي القعدة سنة (1350هـ)، فحمدت الله تبارك وتعالى على صحة والدي، ورضاه عني، أسأل الله دوام ذلك.

ذكرتم أن كتابي الأول تأخر إلى أواخر رمضان، وليس ذلك بقصد مني، وإنما وقع التحيُّر([1]) في الطريق، وعلى كل حال فالحمد لله تعالى على وصوله، وعلى تيسر الواسطة، وعبد الولي سنان أنا عارفُ له، وأما ابن عمه فلا.

أمرتوني أن أصف لكم محلتي، والبلد، و… و…

فأولاً: أصف لكم الهند، فالهند قطعة عظيمة من الدنيا، أكبر من اليمن بأضعاف مضاعفة([2])، فإن العارفين يقدرون سكان اليمن بألفي ألف([3]) وسكان الهند بأربعمائة ألف ألف([4])، وهي شرقي اليمن، مستطيلة من شماله إلى جنوبه، والبلد الذي أنا فيه شرقي اليمن بجنوب، أعني أن الرجل عندكم إذا استقبل الشمس فقد استقبل الهند، وتكون حيدر آباد حينئذٍ على جبينه الأيمن تقريبًا.

والهند عمومًا أرض خصبة تصلح لزراعة جميع الأنواع، وفيها معادن كثيرة، ويُصْنَعُ فيها الأقمشة وغيرها، وغالب طعام أهلها الأرز، والبر أقل منه، وهواؤها معتدل، مع ميله إلى شدة الحر في الصيف، وشدة البد في الشتاء، والصحة فيما طيبة.

والمسلمون فيها كثير([5])، وأكثرهم على مذهب أبي حنيفة.

وقد نشأت فيهم فرقة يقال لهم: أهل الحديث([6])، لايتقيدون بمذهب، بل يختارون من كل مذهب ما ظهر لهم أن دليله من الكتاب والسنة أقوى.

ولهم شغف عظيم بكتب الشوكاني، وابن الأمير، وابن الوزير([7])، وولدكم يحب هذه الفرقة، إلا أن الغالب عليهم الجهل، فأما أصل الطريق التي اختاروها فهي الحق، وليس فيها دعوى اجتهاد، وإنما هو تقليد عن بصيرة، وهي التي أوصى بها الإمام الشافعي -رحمه الله- بقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي([8]). وغير ذلك مما نُقل عنه، ونُقل مثله عن جميع الأئمة([9])، وبه جاء القرآن، قال الله تعالى: ﴿… فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا٥٩ ﴾([10]).

واتفق المفسرون([11]) أن الرد إلى الله تعالى هو الرد إلى كتابه، وأن الرد إلى رسوله هو الرد إليه في حياته وحضوره، والرد إلى سنته في غيبته وبعد وفاته.

والمحققون من أصحابنا الشافعية([12]) على هذا الطريق، وأدلته مثل الشمس، وإنما ذهب بعض المتأخرين إلى وجوب التزام مذهبٍ معينٍ خشية ممن يدعي العلم ولا علم له ولا دين، فيصير يتخير ما يوافق هواه، لا ما يوافق الدليل، مع أنهم نصوا على جواز تقليد غير الإمام.

قال([13]):

وَجَازَ تَقْلِيْدٌ لِغَيْـــــــــــرِ الأَرْبَعَهْ           في حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي هَذَا سَعَهْ

وقالوا: إن المقلد إذا رأى دليلاً قويًّا يخالف مذهب إمامه، ينبغي له أن ينظر الإمام الذي قال بمقتضى ذلك الدليل، فيقلده.

وبالجملة فهذه المسألة واضحة، وسياق أدلتها يطول.

وفي الهند أيضًا: فرقة أخرى تُسمّى: أهل القرآن، ينكرون الحديث رأْسًا، ولهم في ذلك أعذار، ولا يعترفون إلا بالقرآن، ثم يفسرون القرآن على هواهم، وهؤلاء هالكون وغرضهم الانحلال من القيود الدينية، والعياذ بالله([14]).

وفرقة أخرى يقال لهم: القاديانية والأحمدية، كان رجل يقال له: غلام أحمد، ببلد يقال له: قاديان في الهند([15])، وكان عنده طرفُ من العلم، وشيءٌ من التصوف، وفي آخر أمره صار يشطح بشيء من شطحات الصوفية، إلى أن ادعى النبوة مع ضربٍ من التأويل، يقول: إنها نبوة ظلِّية، مقيدة بشريعة الإسلام، ليس فيها تجديد شيء من الأحكام، وأنكر نزول عيسى، وخروج المهدي، وزعم أنما جاء في الحديث من نزول عيسى، هو رمز إلى غلام أحمد هذا، وكذلك ما جاء في خروج المهدي، ثم نُقل عن كتبه أنه يشتم كلمة الله عيسى ابن مريم، وأمه عليهما السلام، إلى غير ذلك من الشنائع، ويتأول القرآن والحديث، وفسَّرَهما على حسب هواه، وتبعه قومٌ كثير، وقد هلك، وله أتباع إلى الآن، لا يزالون يزيدون، ولهم دعاة في جميع بلدان الهند، وفي بلاد الإنكليز، والإمريكان، وغيرها، وأتباعه الآن فرقتان:

  • 1 – فرقة متبعة له على ظاهر أقواله.
  • 2 – وفرقة معتدلة، يقولون: ليس هو نبي، وإنما هو مجدد، ويتأولون كلماته الشنيعة بتأويلات بعيدة، ويحتجون أن من قبيل تلك الكلمات كلمات قد نُقلت عن أكابر الصوفية، كالشيخ عبدالقادر الجيلاني([16]) وأبي يزيد البسطامي([17]) وابن عربي([18]) وغيرهم، فما تأول كثير من العلماء كلمات أولئك الكبراء، ولم يمنعهم صدورها عنهم من تعظيمهم، واعتقاد ولايتهم، فكذا ينبغي في شأن غلام أحمد.

وعلى كل حال فبطلان نحلتهم واضح، ولكن غلب على المسلمين الجهل بحقيقة دينهم، حتى المدعي للعلم، كما غلب عليهم عدم الإيمان، والعياذ بالله تعالى.

وثَمَّ فِرَقٌ أخرى من رافضيّةٍ وناصبيّةٍ، وغيرهم.

وأكثر المسلمين المنتسبون إلى السنة والجماعة وعامتهم حنفية، وهم على قسمين:

  • 1 – قسم متمسكون بأصل مذهبهم، على ما هو مقرر في كتبهم الفقهية، ويذمون البدع ويحرمونها، إلا أن فيهم تعصب لمذهبهم شديد، يحملهم على تحريف كثير من الآيات والأحاديث.
  • 2 – والقسم الآخر -وهو الأغلب- غلبت عليهم البدع في عقائدهم وعباداتهم وعاداتهم، واستولى عليهم الدجالون من المتصوفة، فبدلوا العقائد الإسلامية بكثير من عقائد المشركين، من الهنود، وكثير من عقائد النصارى، وكثير من عقائد الفلاسفة، إلى غير ذلك.

وهكذا العبادات والعادات، حتى صار كل واحد من هؤلاء الدجالين يخترع ما شاء من العبادات، فيأخذها الناس عنه وكل من أنكر عليهم أو خالفهم قاموا عليه، ونسبوه إلى الوهابية([19]) وإلى عدم محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصالحين، وغير ذلك، ومع أن هذا القسم هم أكثر المنتسبين إلى الإسلام عدًّا فالصولة لهم، وكل من عنده شيءٌ من العلم والإيمان يخافهم على نفسه.

على أن شأن هؤلاء ليس بحديث، بل هذا حال أكثر العوام، منذ مئات السنين، حتى في مصر والشام والعراق والحرمين واليمن وغيرها، وكثير من الكتب المؤلفة في العقائد والتفسير والتصوف، هي من ذلك القبيل، وفي اليمن من هذا شيءٌ كثير، ولايسعني تفصيل ذلك، ولكن قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في خطبته كل جمعة: (إن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)([20]) زاد في رواية: (وكل ضلالة في النار)، وورد معنى هذا في أحاديث أخرى صحيحة، ومن كلام الصحابة وعملهم، وتشهد له آيات قرآنية، وغير ذلك من الأدلة.

فهو نصٌّ في أن كل ما لم يكن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الدين فهو خارج من الدين، وإدخاله في الدين إحداث فيه، فهو من شر الأمور، وبدعة وضلالة، وفي النار، وليس من هذا ما كان من الوسائل، كتأليف الكتب، وبناء المدارس، فإن هذا لا يُدَّعى أنه من صب الدين، وإنما يُقال: إنه وسيلة إلى الدين، فتأليف الكتب وسيلة لحفظ العلم، وبناء المدارس وسيلة لتسهيل تعلم العلم، وليُقَسْ على هذا.

ومن البدع الشائعة في اليمن وغيرها ما هو شركٌ صريحٌ، وما هو كفرٌ، وما هو فسقٌ وإلى الله المشتكى.

ومن أحب أن يتخلص منها، فلا يُقْدِم على اعتقاد شيءٍ ولا عمل شيءٍ بقصد التقرب إلى الله تعالى حتى يكون على بينة منه، أنه مذكور في كتاب الله تعالى، مبينًا واضحًا، أو في الأحاديث الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويتوقف عما عدا ذلك، ويُرْشِدُ أهله، وإخوانه، وغيرهم، إلى ذلك.

وقد ألَّفتُ عدة رسائل في تحقيق هذا الأمر، ومرادي أن أطبعها، وأنشرها، ولكن إلى الآن لم تُسَاعِدِ الأقدار، أسأل الله تعالى تيسير ما فيه الخير([21]).

وفي الهند فرق كثيرة جدًّا، من غير المسلمين، أكثرهم عددًا: أهل الهند الأصليون، وهم مشركون، يعبدون الأصنام، وقد اتضح لنا من حالهم حال مشركي العرب الذين بعث الله رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليدعوهم إلى التوحيد، وحال المشركين من الأمم المتقدمة، فإن مشركي الهند يجعلون الأصنام على صورٍ يزعمون أنها صور الملائكة، ثم يعكفون على تلك الأصنام، يدعون الله تعالى عندها، ويتضرعون إليه، هذا هو شركهم، فلا يعتقدون في الأصنام أنفسها نفعًا ولا ضرًّا، وإنما يزعمون أن تمسحهم بها، وعكوفهم عندها، ودعاؤهم الله تعالى لديها يقربهم إلى الله تعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى يحب الملائكة، والملائكة يُسرُّون باحترام هؤلاء الأحجار المنقوشة عليها صورهم، وقد بين الله جلَّ ذكره هذا المعنى في كتابه، حيث حكى عن المشركين عبادتهم للملائكة وأنهم يقولون: ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾([22]).

وقال في آية أخرى: ﴿وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾([23]).

ومشركوا قريش كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك، ثم زعموا أنه ينبغي عبادة الملائكة؛ ليقربوهم إلى الله زلفى، ثم لما كان الملائكة غائبين عنهم، ولايدرون كيف يعبدونهم، تعلموا من مشركي الأمم الأخرى جَعْلَ الأصنام، فجعلوا لبعض الملائكة صورًا حسبما خيَّل لهم الشيطان، ولبعضهم مشاهد، وسمَّوا كل صورةٍ أو مشهدٍ باسم ذلك الملَك، على حسب ما يُوحي إليهم الشيطان، فكانوا يزعمون أن المقربين من الملائكة يقال لهم: اللاَّت والعُزَّى ومناة، سموهم بأسماء الإناث؛ لزعمهم أنهم إناث، فجعلوا لكل واحدة من هذه الثلاثة صنمًا، أي: مشهدًا، وسموا باسمه كما يقال لصورة الفرس: فرس، ولصورة الأسد: أسد، ونحو ذلك، ثم أخذوا يعكفون على تلك المشاهد، أعني الأصنام زاعمين أن احترامهم يعطف عليهم قلوب الملائكة المذكورين؛ ليشفعوا لهم، عند الله تعالى، ويقربوهم إليه.

وإذا أحببتم أن تعلموا هذا المعنى يقينًا، فاقرأوا سورة النجم، متدبرين لها، ملاحظين مناسبة كل آية للتي قبلها، أو التي بعدها، فإنكم ترون هذا المعنى واضحًا جدًّا، وتعجبون من غالب المفسرين كيف غفلوا عنه، مع أن في القرآن آيات كثيرة، ما يشهد له، وكذلك السنة والتاريخ.

وأرى أن تدبر سورة النجم كافٍ شافٍ وافٍ، على أن أصل وجود الأصنام في الأرض كان في قوم نوح، كما رُوي عن الصحابة في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ٢٣ ﴾([24]). انظروا في (الخازن)([25]).

وإذا تدبرتم هذا وذاك([26]) مع الآيات التي نعى الله تعالى فيها على النصارى عبادة عيسى -عليه السلام-، وغير ذلك، تبين لكم ما في أعمال المسلمين من هذا القبيل، وانظروا أيضًا في (كنز العمال)، أحكم المساجد، وكتاب الجنائز، يتبين لكم غير ذلك.

وبالجملة فالقاعدة المتقدمة مفيدة جدًّا، وبالله التوفيق.

ثم إن غالب سكان الهند، هم هؤلاء المشركون، حتى إنهم أكثر من المسلمين أربع أو خمس مرات، وكلماتهم مجتمعة، وهمتهم شديدة في تَعَلُّمِ العلوم الجديدة والحِرَف والصنايع والتجارة وجمع الأموال، وحالهم في هذه الأشياء أحسن من حالة المسلمين في الهند بكثير، وإلى الله المشتكى.

هذه صفات الهند العامة.

فأما الجهة التي أنا فيها، فإنه يقال لها: دكَّن، والمدينة: حيدر آباد([27])، ومعنى: آباد: عمارة، والمراد بحيدر: أمير المؤمنين علي -عليه السلام-، أضافوها إليه تبركًا، فمعنى الاسم: عمارة حيدر، والإضافة في كلام العجم معكوسة.

وهو بلد واسع، عامر، خصيب، ليس بجبال شامخة، ولا بوديان منخفضة، وإنما هو منبسط جبلي، فيها جبالٌ صغيرة، وغالب أرضه زراعية، وفيه مباني شامخة، ومياهه من المطر، سَدُّوا لها أسددًا عظيمة جدًّا، يكاد يكون الواحد منها مد النظر، والماء سائر السنة، يخرج من هذه الأسدد، ويصفى بواسطة آلات مصنوعة لذلك، ثم يوزع إلى جميع البيوت والمساجد والشوارع، فيجدون في كل بيت أنبوبة موزعة على أمكنته، وفي كل مكان حنفية، يعني: لولبًا ملصقًا بالأنبوبة، إذا أراد أحدٌ الماء حرَّك غطاء الحنفية فينصب الماء، وإذا اكتفى حرّك الغطاء ثانية فينسد.

وكذلك النور الكهربائي، لعلكم شاهدتموه في مصوع أو في البابور([28]) عند حجكم، وهو نورٌ يتولد من قوة مخصوصة، لا ترى ولا تحس ولا تلمس، وإنما تعرف بأثرها، وفي البلد محلٌّ كبير لآلات هذا النور، ويتوزع إلى جميع البيوت، بواسطة سلك يشبه السلك التلغراف([29])، ويَقْدِرُ الإنسان يجعل في بيته من السُّرُج ماشاء، وقوة السُّرُج تختلف باختلاف الزجاجة، فمن الزجاجات ما يُضيء إضاءة مئة شمعة، وأقل وأكثر، وصاحب البيت يُعطي في مقابل الماء والنور مبلغاً من المال.

انتهى صورة الكتاب، والحمد لله([30]).

_____________________________________________________________________

([1])   التحيُّر، بمعنى: الاحتباس، والركود، لم يمض لسبيل.

([2])   تبلغ مساحة الهند في التقديرات المعاصرة: نحو 3,287,590 كم2، … ويقدر طول الساحل 6,843 كم منه 1,312 كم للأقاليم التابعة للهند. الموسوعة العربية.

([3])   أي مقدار: مليونين، وهذا التقدير في ذلك العصر بصورة تقريبية، لعدم وجود إحصاء دقيق، مع أنه أكثر من هذا المقدار، أما الآن فيقدر بستة وعشرين مليونًا، لاسيما بعد توحيد شطريه عام (1410هـ/1990م)، وإجراء الإحصاء من قبل الدولة.

([4])   أي مقدار: أربعمائة مليون، وهذا التعداد قديم، وأما الآن فيقدر عدد السكان في الهند نحو: 1,022,21,000 نسمة (16%) من سكان العالم. الموسوعة العربية.

([5])   يبلغ عدد المسلمين في الهند حسب بعض التقديرات المعاصرة مئة مليون (15%) من السكان.

([6])   حامل راية هذه الجماعة المباركة هو الشيخ صديق حسن خان المتوفى سنة (1307هـ)، والمحدث نذير حسين الدهلوي المتوفى سنة (1320هـ)، وتخرج منها علماء أعلام، وجهابذة كرام، أثروا المكتبة الإسلامية بنشر أُمَّهات مراجع علم الحديث بجناحيه: الرواية والرواة، ولقد أثنى علماء العصر على جهودهم، حتى قال العلامة محمد رشيد رضا: “ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق، فقد ضعفت في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر للهجرة حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل هذا القرن الرابع عشر” مقدمة “مفتاح كنوز السنة” وقال العلامة المحقق عبدالعزيز الخولي: ولايوجد في الشعوب الإسلامية على كثرتها واختلاف أجناسها من وفَّى الحديث قسطه من العناية في هذا العصر مثل إخواننا مسلمي الهند، أولئك الذين وجد بينهم حفاظ للسنة دارسون لها على نحو ما كانت تدرس في القرن الثالث”. “مفتاح السنة” (165-).

      انظر في تاريخ هذه الجماعة المشكورة: “الحركة السلفية ودورها في إحياء السنة”، “جهود محدثي شبه القارة الهندية الباكستانية في خدمة كتب الحديث المسندة المشهورة في القرن الرابع عشر الهجري”، “خدمة الحديث في باكستان والهند لعلماء أهل الحديث”.

([7])   ابن الأمير الصنعاني هو البدر الثالث في سماء اليمن في فلك الاجتهاد، قبله:

      الإمام المجتهد محمد بن إبراهيم الوزير، المتوفى سنة (840هـ) مؤسس مدرسة الاجتهاد، بلا مدافع، وحامل راية الإصلاح بلا منازع.

      وبعده: خاتمة العِقْد شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة (1250هـ)، رحم الله الجميع وجمعنا بهم في جنات النعيم.

      قام هؤلاء الأبطال بالإصلاح العام في العبادة والمعاملة للخاصة والعامة، فقامت بينهم وبين متعصبي زمانهم حرب ضروس، والتفاصيل مبسوطة في دواوين وطروس.

([8])   قال السبكي في كتابه: “معنى قول الإمام المطَّلبي: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي” (ص71): وهو قولٌ مشهور عنه، لم يختلف الناس أنه قاله، وروي عنه معناه أيضًا بألفاظ مختلفة. قال ابن حزم: “أي: صح عنده أو عند غيره من الأئمة”. انظر: قواعد التحديث، ص52، أصل صفة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (1/29)، كلاهما عن الشعراني في الميزان (1/57)، ولم أجده فيما وقفت عليه من كتب ابن حزم.

([9])   وقال -رحمه الله- في تحقيق الكلام في المسائل الثلاث، المطبوع ضمن آثاره، (4/88): “تواتر عن الأئمة من قول كل منهم: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) أو معناه. اهـ.

      وقال ابن عابدين: “فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، وقد حكى ذلك الإمام ابن عبدالبر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة، ونقله أيضًا الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة”.

      وقال بكر أبو زيد: اتفق الأئمة الأربعة -رحمهم الله تعالى- على منع تقليدهم، وما من إمام منهم إلا وقال: (إذا صح الحديث فهو مذهبي).

      انظر: الذخيرة (1/154)، جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول (2/508)، كلاهما للقرافي، رسم المفتي لابن عابدين، المطبوع ضمن رسائله، (1/4)، رد المحتار (1/167)، إيقاظ همم أولي الأبصار (ص62)، المدخل المفصل (1/72).

([10]) النساء: 59.

([11]) قال أبو العباس ابن تيمية: والأصل الذي اتفق عليه علماء المسلمين أنما تنازعوا فيه وجب رده إلى الله والرسول، وذكر الآية.

      وقال ابن القيم: وأجمع المسلمون على أن الرد إلى الله -سبحانه- هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حضوره وحياته وإلى سنته في غيبته وبعد مماته..”.

      وقال الشاطبي: وهكذا فعل الصحابة -رضي الله عنهم- ؛ لأنهم  كانوا إذا اختلفوا في مسألة ردوها إلى الكتاب والسنة، وقضاياهم شاهدة بهذا المعنى، لايجهلها من زوال الفقه، فلا فائدة في جلبها إلى هذا الموضع لشهرتها، فهو إذا مما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-.

      وقال الشوكاني: وقد أجمع الناس سابقهم ولاحقهم أن الرد إلى كتاب الله سبحانه وإلى سنة رسوله، هو الواجب على جميع المسلمين، ومن رد إلى غيرهما فهو عاص لله ورسوله مخالف للكتاب العزيز، والسنة المطهرة.

      انظر: مجموع الفتاوى (33/32)، إعلام الموقعين (1/174)، الاعتصام (3/382)، قطر الولي (ص318).

([12]) هذه إشارة إلى أن الإمام المعلمي -رحمه الله- كان شافعي المذهب، بمعنى التأطر والمنهجية في التلقي، وهكذا درج علماء الأمة من بعد عصر الأئمة الأربعة على التأطر في مذهب لسلامة الترقي في معارج العلم، حتى يصل إلى درجة الاجتهاد، فيدور مع الدليل، مع الإجلال للمخالف من أهل الاجتهاد، وللكلام بسط في مظانه.

      ولهذه الإشارة دلالة دعوية لطيفة.. فهو يحفز والده وأهل بلدته لاتباع طريقة أهل الحديث في تحكيم الدليل بعد التأهل.. إذْ هي أيضًا طريقة المحققين من الشافعية -ووالده وفقهاء بلدته كانوا شافعية المذهب- وقد تفشى في محيطهم التعلق بالقبور والأضرحة، والتعصب والجمود المذهبي.. ثم اعتذر للمتأخرين من الشافعية بأسلوب لطيف؛ جامع بين النقد والتوقير.

([13]) ذكره القليوبي في الحاشية (1/13)، والألوسي في جلاء العينين (ص197)، ولم يسميا قائله، فالله أعلم.

([14]) هذه المقولة المخذولة ظهرت في بداية القرن الثالث عشر، وكانت “ولادتها في العراق وترعرعت في الهند، وإنّ بدايتها لتعود في الهند إلى سيد أحمد خان ومولوي چراغ علي، ثم كان فارسها المقدام مولوي عبدالله جكر الوي ثم تسلم الراية مولوي أحمد دين امرتسري = =

= = ثم تقدم بها المولى أسلم جراجيوري، وأخيرًا تولى رياستها غلام أحمد پرويز الذي أوصلها إلى ساحل الضلال”، بإنكار كل تشريع أو خبر لم يذكر في القرآن، وإليك أبرز أفكارهم:

  • استبعاد كل المصادر الأخرى للشريعة الإسلامية كالسنة والسيرة والتفسير والقياس والاجتهاد وسير الصحابة والإجماع وفتاوى الأئمة.
  • ادعاؤهم بأن الصوم في شهر شعبان، وليس في رمضان.
  • اعتبارهم أن الكعبة صنم، وأن الطواف حولها من طقوس الوثنيين في الجاهلية، وغير ذلك من الأباطيل.

      انظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة، شبهات القرآنيين، وغيرهما.

([15]) ولد هذا الضليل في قرية قاديان، إحدى قرى مقاطعات البنجاب عام (1256هـ)، ويمكن تلخيص عقائد هذه الفرقة المخذولة على النحو التالي:

  • الاعتقاد بأن عيسى -عليه السلام- هاجر بعد موته الظاهري إلى كشمير في الهند؛ لينشر تعاليم الإنجيل في البلاد، وأنه توفي بعد أن بلغ من العمر 120 عامًا، وأن قبره لا يزال موجودًا هناك.
  • الاعتقاد أن غلام هو المهدي الذي حلَّ فيه النبيَّان عيسى ومحمد -عليهما السلام- على السواء، ومن ثم يأتي زعم القاديانيين بأن غلامًا هو المهدي والنبي معًا.
  • جاء في كتاب حقيقة النبوة الذي ألفه الميرزا بشير أحمد، الخليفة الثاني: أن غلام أحمد، أفضل من بعض أولي العزم من الرسل.
  • وجاء أيضًا في صحيفة الفضل القاديانية أن الغلام هو محمد (برأه الله وطهّره مما يقولون).
  • الاعتقاد بعدم جواز الصلاة على المسلم الميت ما لم يكن قاديانيًّا، ومن ثم فإنهم يحرمون دفن المسلمين في مقابر القاديانيين.
  • لايجيزون نكاح المسلم من القاديانية، ما لم يؤمن بمذهبهم بدعوى أن غير القادياني كافر، لأنه -فيما زعموا- لم يؤمن بالغلام أحمد، وقد جاء في كتاب بركات الخلافة لمحمود أحمد القادياني أنه لايجوز لأي قادياني أن يزوِّج ابنته لغير القادياني لأن هذا أمر جماعته. وقد جاء في نفس هذا الكتاب أنه يجوز أخذ بنات المسلمين والهندوس والسيخ للقاديانيين، ولايجوز إعطاؤهم، ومن أعطى من القاديانيين ابنته لواحد من المسلمين يطرد من الجماعة ويُكَفَّر.
  • لاتصح الصلاة خلف غير القادياني، بل ولاتجوز الصلاة في غير مساجد القاديانيين.

      وغير ذلك من الضلالات المكشوفة. انظر: القاديانية دراسات وتحليل، (الموسوعة العربية).

([16]) عبدالقادر بن موسى بن عبدالله الجيلي، أو الجيلاني، أو الكيلاني، ولد سنة (470هـ)، وتوفي سنة (561هـ)، قال عنه الذهبي: شيخ الإسلام وعلم الأولياء… والشيخ عبدالقادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه. سير أعلام النبلاء (20/439-451)، وانظر: المنتظم (10/219)، ذيل طبقات الحنابلة (1/290-301).

([17]) هو أبو يزيد طيفور بن عيسى بن سروشان البسطامي، قال الذهبي: جاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر..، مات سنة إحدى وستين ومائتين، وقيل: أربع وثلاثين ومائتين. انظر: طبقات الصوفية (ص67)، حلية الأولياء (10/33)، صفة الصفوة (4/107)، البداية والنهاية (11/38)، الرسالة القشيرية (ص17)، السير (13/88).

([18]) هو محمد بن علي بن محمد بن عربي الطائي الأندلسي، المتوفى سنة (638هـ)، له كتاب (الفتوحات المكية) في نحو عشرين مجلدًا، وله كتاب (فصوص الحكم) الذي قال عنه ابن كثير: (فيه أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح). له تصانيف كثيرة، وله شعر، وكلام طويل على طريق التصوف. انظر: البداية والنهاية (13/167).

([19]) الوهابية نبز خصوم دعوة الشيخ المصلح: محمد بن عبدالوهاب النجدي، المتوفى سنة (1206هـ)، وهذا النبز شنشنة متبعة في كثير من بقاع الدنيا ضد دعاة الإصلاح للعقائد والعبادات.

قال العلامة عقيل بن يحيى الإرياني:

إن أنا نزهتُ إلهــــــــــــي عن                 الأنداد قالوا: أنت وهابي

        لكنَّ لي بالمصطفى أُسوة                 فقومه سمَّــــــــــــــوه بالصابي

وعلق شيخنا العلامة إسماعيل بن علي الأكوع بقوله: (ما زال هذا دأب أعداء السنة، فمن قبل كانوا يتهمون من يميل إلى العمل بالكتاب والسنة بأنه: ناصبي، واليوم يتهمونه بأنه وهابي، فلا حول ولا قوة إلا بالله. هجر العلم ومعاقله في اليمن) (1/78) إريان.

([20]) أخرجه مسلم (867) عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- بلفظ: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، وهو حديث مشهور في مصنفات الحديث ودواوين السنة.

      أما لفظ: (وكل ضلالة في النار)، فقد جاء في حديث جابر خارج الصحيح، من طريق ابن المبارك، عن سفيان، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، وليس في طريق وكيع، عن سفيان، به.

      وقد جاء عن ابن مسعود موقوفًا عليه، عند الطبراني (9/97)، والبيهقي في الأسماء والصفات، (1/482)، واللالكائي في أصول الاعتقاد رقم (85)، وهو مشهور عنه، مع أن أسانيده لاتسلم من مطعن.

([21]) لعله يعني كتابيه: (حقيقة البدعة)، و (صدع الدجنة في فصل البدعة عن السنة)، وقد طبعا مفردين، وضمن مجموع آثاره (6/5)، ولله الحمد.

([22]) الزمر: 3.

([23]) يونس: 18.

([24]) نوح: 23.

([25]) للمعلمي كتاب: (عقيدة العرب في وثنيتهم) مطبوع ضمن آثاره (6/155).

([26]) ههنا إشارة دعوية تربط بين حال المعبودات وعبادها الذي اتخذوها وسائط بينهم وبين الله -عز وجل-.. وبين حال بعض المسلمين الذين اتخذوا الأولياء والصالحين وسطاء بينهم وبين ربهم؛ بما أحدثوه عند الأضرحة والقباب! بجامع الغلو في الأفاضل: أوسع أودية الباطل، فرحم الله المعلمي ما أحرصه على قومه بالحكمة والموعظة الحسنة.. وهكذا شأن الراسخين سلك الله بنا سبيلهم!.

([27]) حيدر آباد: مدينة هندية، أنشأها السلطان محمد قولي عام 1589م، وفي عام 1956م أعادت الهند تنظيم ولاياتها، وقسمت حيدر آباد بين ولايات بومباي (والمعروفة الآن بغوجارات وماهراشترا) ومَيْسور (المعروفة الآن بكارناتاكا) وأندرابرادش، وهي مدينة مكتظة بالسكان يفوق سكانها (30) مليون نسمة، وهي من معاقل العلوم الإسلامية، وبها العديد من المتاحف والكليات وغير ذلك. الموسوعة العربية العالمية.

([28]) لعلها: مُصَوَّع، من قرى مديرية عبس، في تهامة، على طريق حاج اليمن في ذلك العصر من بعض جهات التهائم.

والبابور: هو السيارة الكبيرة، التي تحمل الأثقال، كانت من مراكب الناس المشهورة في عصر المملكة المتوكلية، وبداية العصر الجمهوري، ثم قلَّ استخدامها للركوب، وأصبحت لحمل الأثقال.

([29]) التلغراف: نظام لنقل الرسائل باستخدام جهاز يسمى المبرقة، وقد كانت المبرقة أول جهاز تم استخدامه في إرسال الرسائل بالكهرباء، ومعظم رسائل البرق كان يتم إرسالها في وقت من الأوقات بتخصيص شفرة معينة لكل حرف عن طريق مفتاح المبرقة. ثم تقوم المبرقة بتغيير النقط والشرط الخاصة بالشفرة إلى نبضات كهربائية وإرسالها عبر أسلاك البرق، كان ذلك يسمى شفرة مورس. انظر تفاصيل أخباره في: الموسوعة العربية العالمية.

([30]) وفرغت من نسخه عند أذان ظهر يوم الأحد الثامن من شهر الله المحرم لعام ثمانية وثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (8/1/1438هـ) والحمد لله وحده.

(المصدر: حساب تويتر الأستاذ أحمد بن غانم الأسدي الباحث في السيرة النبوية والتاريخ اليمني)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى